ضريبـة الغربـــة
الغربة ..وطن من لا وطن له..في الغربة أنت مواطن من الدرجة الثالثة - يعني مواطن ترسو -أو بالأصح لست مواطناً البتة؛ فالمواطن هو الذي يتمتع بحقوق و عليه واجبات ..أما أن يكون عليك فقط واجبات وليس لك أدنى حقوق فهو نوع من العبودية؛ لكن في شكلها الجديد ..و ليس أدل على ما أقول من مسمى الكفيل..فهو عقد نخاسه في ثوبه الجديد..!!
بالرغم من ذلك تجد هذا المغترب محسوداً على ماهو فيه , مطمح و مطمع لكل ذويه وأقرانه من بني وطنه اليائس فيُعتبر صيداً سهلاً وشهياً لكل من يلقاه بالأحضان وفي يده الأخرى سكيناً ليقتطع بها قطعه من لحمه ..ويحصل على جزء من ثروة الخليج الطائلة و ينال غرفة من بتروله..وتلك النقود والتلال المتلتلة التي يجدها هناك ملقاة بجوار الحائط.
..أقاربه يثمنون غربته بمقدار هداياه التى يحملها معه لدى عودته في إجازته السنوية ,أصدقاؤه ينتظرون أن يغدق عليهم من أمواله ويغرقهم بعزوماته وخروجاته , يحلمون أن يركبو معه سيارته الخليجية ذات الدفع الرباعي التي قدم بها ترانزيت ,التي يزفّ بها كل أبناء قريته في أعراسهم , ومأتم زويهم, ويتفشخروا ويتفنجروا بها على سائر خلق الله.
..ياويله ويا سواد ليله.. لو فكر ذات مرة أن ينزل خالي الوفاض..فلربما لم يلقه أحدٌ من أهله أو أصدقاؤه الأوفياء في المطار..أو يجد أحداً مستيقظاً عند وصوله..بل وربما لن يلق أحداً منهم طوال فترة اقامته.
ناهيك عما قد يتعرض له من النصب ..والاستغلال ممن يلقاهم من موظفين أو سماسره و تجار وأصحاب المشاريع الوهمية؛ الذين يرونه صيداً ثميناً ينهشونه ,و كبش فداء يروي جشعهم ونهمهم .
..ذات يوم عندما خرج صديقنا من أحد البنوك..وهو يحمل حقيبة يده متوجها لادارة التجنيد ليستخرج تصريح سفر..استوقف سيارة أجرة(تاكسي)..وبعد أن ركب ببضع دقائق وفي أحد الشوارع النائية ..وجد السائق يوقف التاكسي وينغزه بمطواة في خاصرته قائلاً بصوت أجش:
- بالراحه كده ومن سكات ..طلع كل اللي معاك..وإلا هشق بطنك نصين..ومش هيطلع عليك نهار ..ولا حد هيعرف لك طريق جره..
نظر له صاحبنا في ذهول ..ثم لم يستطع أن يتمالك نفسه , وانفجر فجأة في الضحك ,فبهت سائق التاكسي ثم استشاط غضباً وشدد قبضته على المطواه ,و وكزه في جنبه حتى شعر بالوخزة ,وتوقف عن الضحك من الألم .فبادره الأخير قائلاً في حنق:
-إنت بتضحك ليه يا فندي..إنت مستقل بيا ..ولا ايه..؟!
أجابه مفسراً:
-لا أبداً..والله بس أصل أنا ممعاييش إلا 100 جنيه بس..لو عاوزهم خدهم..!!
قاطعه الرجل قائلاً:
-إنت هتستعبط من أولها..!! إنت لسه خارج قدامي من البنك حالاً.. ..أمال الشنطه اللي معاك دي فيها إيه..؟!
انخرط ثانية في الضحك ,و قهقه قائلاً:
- الشنطه دي مافيهاش حاجه تنفعك..!!
لم يمهله حتى يكمل حديثه ,واختطف الحقيبة منه في عنف. ثم أخذ يقلب محتوياتها ,والقي مابها بين قدميه .فلم يجد سوى سلسلة مفاتيح ,وجواز سفر ,وشهادة جيش ,وقلم ,وبضع أوراق ,وتذكرة طائره ,وسماعة محمول.فأخذ يقلب في جواز السفر وسأله متعجباً:
-طب ما أنت في الخليج أهوه ..ومسافر تاني ..ولسه طالع من البنك.. أمال فين فلوسك..؟!
ثم استدرك قائلاً:
-طب طلع الموبيل بتاعك ..ياخفيف..ووريني كل اللي في جيوبك..؟!
فأنفجر للمرة الثالثة ضاحكاً حتى دمعت عيناه ..ثم أخرج من جيبه تليفون حقير ..غير واضحة معالمه..وغائبة بعض أزراره..وقال له وهو يمسح دموعه بيديه:
-..اتفضله أهوه..ينوبك ثواب..أهو ريحتني منه..!!
نظر الرجل باشمئزاز للمحمول و أغلق المطواه و قد جن جنونه فأخد يسب جميع المخلوقات والجمادات والشجر ثم قال بأسى:
-يعني لا الحلال نافع ولا الحرام نافع ..دا نحس إيه دا يا ربي..؟!
ثم نظر إليه مغتاظاً بينما كان لا يزال مستغرقاً في الضحك وقال:
- إنزل ياله..أنا مش عاوز أشوف وشك تاني..ومش عاوز منك فلوس التوصيله كمان..
الغربة ..وطن من لا وطن له..في الغربة أنت مواطن من الدرجة الثالثة - يعني مواطن ترسو -أو بالأصح لست مواطناً البتة؛ فالمواطن هو الذي يتمتع بحقوق و عليه واجبات ..أما أن يكون عليك فقط واجبات وليس لك أدنى حقوق فهو نوع من العبودية؛ لكن في شكلها الجديد ..و ليس أدل على ما أقول من مسمى الكفيل..فهو عقد نخاسه في ثوبه الجديد..!!
بالرغم من ذلك تجد هذا المغترب محسوداً على ماهو فيه , مطمح و مطمع لكل ذويه وأقرانه من بني وطنه اليائس فيُعتبر صيداً سهلاً وشهياً لكل من يلقاه بالأحضان وفي يده الأخرى سكيناً ليقتطع بها قطعه من لحمه ..ويحصل على جزء من ثروة الخليج الطائلة و ينال غرفة من بتروله..وتلك النقود والتلال المتلتلة التي يجدها هناك ملقاة بجوار الحائط.
..أقاربه يثمنون غربته بمقدار هداياه التى يحملها معه لدى عودته في إجازته السنوية ,أصدقاؤه ينتظرون أن يغدق عليهم من أمواله ويغرقهم بعزوماته وخروجاته , يحلمون أن يركبو معه سيارته الخليجية ذات الدفع الرباعي التي قدم بها ترانزيت ,التي يزفّ بها كل أبناء قريته في أعراسهم , ومأتم زويهم, ويتفشخروا ويتفنجروا بها على سائر خلق الله.
..ياويله ويا سواد ليله.. لو فكر ذات مرة أن ينزل خالي الوفاض..فلربما لم يلقه أحدٌ من أهله أو أصدقاؤه الأوفياء في المطار..أو يجد أحداً مستيقظاً عند وصوله..بل وربما لن يلق أحداً منهم طوال فترة اقامته.
ناهيك عما قد يتعرض له من النصب ..والاستغلال ممن يلقاهم من موظفين أو سماسره و تجار وأصحاب المشاريع الوهمية؛ الذين يرونه صيداً ثميناً ينهشونه ,و كبش فداء يروي جشعهم ونهمهم .
..ذات يوم عندما خرج صديقنا من أحد البنوك..وهو يحمل حقيبة يده متوجها لادارة التجنيد ليستخرج تصريح سفر..استوقف سيارة أجرة(تاكسي)..وبعد أن ركب ببضع دقائق وفي أحد الشوارع النائية ..وجد السائق يوقف التاكسي وينغزه بمطواة في خاصرته قائلاً بصوت أجش:
- بالراحه كده ومن سكات ..طلع كل اللي معاك..وإلا هشق بطنك نصين..ومش هيطلع عليك نهار ..ولا حد هيعرف لك طريق جره..
نظر له صاحبنا في ذهول ..ثم لم يستطع أن يتمالك نفسه , وانفجر فجأة في الضحك ,فبهت سائق التاكسي ثم استشاط غضباً وشدد قبضته على المطواه ,و وكزه في جنبه حتى شعر بالوخزة ,وتوقف عن الضحك من الألم .فبادره الأخير قائلاً في حنق:
-إنت بتضحك ليه يا فندي..إنت مستقل بيا ..ولا ايه..؟!
أجابه مفسراً:
-لا أبداً..والله بس أصل أنا ممعاييش إلا 100 جنيه بس..لو عاوزهم خدهم..!!
قاطعه الرجل قائلاً:
-إنت هتستعبط من أولها..!! إنت لسه خارج قدامي من البنك حالاً.. ..أمال الشنطه اللي معاك دي فيها إيه..؟!
انخرط ثانية في الضحك ,و قهقه قائلاً:
- الشنطه دي مافيهاش حاجه تنفعك..!!
لم يمهله حتى يكمل حديثه ,واختطف الحقيبة منه في عنف. ثم أخذ يقلب محتوياتها ,والقي مابها بين قدميه .فلم يجد سوى سلسلة مفاتيح ,وجواز سفر ,وشهادة جيش ,وقلم ,وبضع أوراق ,وتذكرة طائره ,وسماعة محمول.فأخذ يقلب في جواز السفر وسأله متعجباً:
-طب ما أنت في الخليج أهوه ..ومسافر تاني ..ولسه طالع من البنك.. أمال فين فلوسك..؟!
ثم استدرك قائلاً:
-طب طلع الموبيل بتاعك ..ياخفيف..ووريني كل اللي في جيوبك..؟!
فأنفجر للمرة الثالثة ضاحكاً حتى دمعت عيناه ..ثم أخرج من جيبه تليفون حقير ..غير واضحة معالمه..وغائبة بعض أزراره..وقال له وهو يمسح دموعه بيديه:
-..اتفضله أهوه..ينوبك ثواب..أهو ريحتني منه..!!
نظر الرجل باشمئزاز للمحمول و أغلق المطواه و قد جن جنونه فأخد يسب جميع المخلوقات والجمادات والشجر ثم قال بأسى:
-يعني لا الحلال نافع ولا الحرام نافع ..دا نحس إيه دا يا ربي..؟!
ثم نظر إليه مغتاظاً بينما كان لا يزال مستغرقاً في الضحك وقال:
- إنزل ياله..أنا مش عاوز أشوف وشك تاني..ومش عاوز منك فلوس التوصيله كمان..
تعليق