غريبان وفنجان قهوة واحد
ِ
في مقهى ما زال يؤمن أن الحبّ نمارسه إلى جانب فنجان قهوة
وفوق ورقة ... أو بين دفتيّ كتاب ...
وأن تذكرة السفر الأولى يحررها وتر في كمان ... أو نبأ غامض في جريدة!
جلست هربا من البرد ... من صقيع كان يختبئ تحت سترتي ، يحتمي بي أو ربما كان يبحث عن شبيه له
ليخفف من وطأة الغربة والغرابة في ذاته ....
ولا أدري كيف أواجه صقيعا بحقيقة لستُ متأكدا منها ... !
واريت وجهي بعيدا عنه ..... أحكمت إغلاق الأزار في معطفي، وربطت الشال جيدا كأني أعدّ مشنقة للذاكرة...
في الأماكن التي لا تعرفنا ...لا تُسمع لنا أيّ أصوات أو أنّات ... أيّ أنه يمكننا أن نرتكب أي جريمة في حقّ أنفسنا دون أن يلحظ أحد ...
أو أن نطلق الرصاصات في قلوبنا دون نلفت أي انتباه .....
كل الفرص تسمح لمواجة عنيفة ... والكل الظروف مهيأة لارتكاب جريمة دون إدانة ....
في المقهى الجديد ... يمكنك أن تجلد نفسك ألف جلدة ..... لكن لا يمكنك أن تعقد أي صفقة مصالحة مع نفسك!
أو أن تتذمر من النادل البليد ... !
وتجلس قبالتي ...
" ليس لديك سوايَ هنا ... لا أحد غيري ..أتسمع..."
تهاجمني كالعادة ،وأنا الذي لم يعترض يوما ... كنا نتأبط الصمت فينا ونختال في الأروقة الضيقة .. ونعبر كل ممرات الحنين سويا ..
ونلعب كل ليلة لعبة الأرق ....
لا اعتراض لديّ أبدا ... فلم تتوقع مني هجوما مرتدا؟ ..تحاصرني كأني سوف أهرب؟ تنتظر مني أن أطردها ؟
أبتسم لها كعادتي ... وأتابع احتساء رشفات المكر في فنجاني،
كمحارب حكيم يعرف أنه كلما طعن خصمه، تمزّق جسده هو... وكلما ضربه مات وجعا ...
وكلما قتله ... تجددت فيهما الأنفاس ...
المعركة لا تجدي ...
وهمّت تحرّك شفتيها .....
- أرجوك لا تبــد ـــــــ ...
وانهالت عليّ بالأسئلة ...
أنشغل بقهوتي لكنها تنفد وحتى يأتي النادل بفنجان آخر ..... عليّ أن أنشغل بشيء آخر ..
لا موسيقى صاخبة في هذا المكان.. . لا ضجيج .. ألتفت يمينا ويسارا لا أجدا شخصا أعرفه ...
أسند رأسي في الفراغ، لماذا لا يدخّنون كثيرا هنا ؟
ولم لا يوجد رجل غريب بمعطف مرقّع وغليون لأنسج منه قصة .. أو أسافر في دخان غليونه إلى مكان ما .....
في هذ المكان الغريب يمكنك أن تقتل كل شيء إلا الوقت وعجزك عن المغادرة!
أحاول كتابة قصة بكثير من الأخطاء الإملائية حتى إن حدث وقرأها أحد ما انشغل بتصحيح الأخطاء الإملائية، دون أن يلاحظ تلك التشوهات في ما وراء السطور!
كاتب كاذب ومراوغ ... هذا أنا .. لكن من يهتم فيما إن كنتَ تكتب عنك حقا أو لا ...
المهم أن تعدّ لهم مركبا للسفر بثقب مخفيّ من أجل غرق لذيذ ... وعربة قوية للهروب لا ينفد وقودها ....
يهربون معي وليس إليّ ...
لذلك أستخدم اسما وهميا ... أُريحني وأريحهم ... ونبقى غرباء في رحلة هروبنا ...
-أما أنتِ فمتى تصمتين؟
تكتم ضحكتها وتردّ ...
عجيب أنت ... تريد أن تلعب مع كل الناس دور المحلل النفسيّ والمقتحم للأعماق ... وأنا لا؟
تشعلني وأجدني أردّ سريعا ...
- أنا لا ألعب .... فقط أحاول فهم الناس ومساعدتهم ... ككل الأصدقاء ...
- أصدقاء؟ بل قل أنهم حين يحسبونك صديقا ترحل... وحين تكثر رسائلهم لا تردّ ...
لأنهم تخطوا حاجز عزلتك ...
ترحل كلما أحسست بأنك تتعلق بهم ...
كلما أحبتك امرأة .. بل كلما أحببتَ أنت امرأة ...
- لا ... لا ليس كذلك ... أنا فقط صديق فاشل ...
ورجل أنانيّ ..هذا كلّ مافي الأمر ..توقفي عن الخبث والتخريف ..
- بل صديق قاس، وعاشق مجرم ... تحيطهم من كل جانب، تفتح النوافذ المغلقة في حياتهم ، ترشدهم إلى النور، إلى الأمل
لتتركهم فجأة فتغدو أنت الضربة الأقوى والنهائية ... تسكنهم في الظلام من جديد...
- أنا .. أنا .. لا أطلب من أي أحد أن يتعلق بي ... ولا أقصد كل هذا ..لا أقصد ...
- ماذا كنت تفعل إذن؟ تمارس لعبة المحلل النفسيّ أو الروائيّ الذي يبحث عن نصّ ؟
- لا، أبدا ... والله أبدا ...لا أقصد ذلك ...
انظري إليّ لم أكتب منذ مدّة ... أعرف الكثير عنهم لكنني لا أكتب ... لا أستغلّ أوجاعهم ..وأنت تعرفين!
أنا فقط أريدهم بخير ...
- وهل حقا تتركهم بخير؟
- سيكونون ذلك...
- وماذا عني؟
- ما بك تتصرفين كأنكِ أنثاي.... هل أشتري لك عطرا جديدا؟ ملابسا؟ نذهب لنشاهد فيلما؟
- أريدك أن تشتري لنفسك مرآة ...
- هذيان هذيان .... ها أنت تتصرفين كامرأة تعاني من الهستيريا ... شكرا لأنك تضحكينني..
- ههه نعم، نعم ... أصبحت الآن مثقفا، تعرف الفرق بين نوبات الهستيريا ونوبات الصرع ونوبات الانهيار العصبيّ ...
أصبحت تعرف أنه من غير المجدي ما كنتَ تصدقّه حقا ...
أولم تقرأ أمس في كتاب علميّ ... أن المرأة التي تعاني من الهستيريا تصطنع نوباتها، وتختار توقيت إغماءاتها وأماكنها،
لم يحدث لها أن اصطدمت بطرف طاولة أو عتبة، كي لا تؤذي نفسها. وأنها تستعرض انهيارها أمام الناس كي تجذب اهتمامهم وعطفهم!
وأتحدث عن المرأة تحديدا ليس لأن الرجل نادرا ما يصاب بهذه الحالة، بل أتقصد ذلك، وأنت تفهم....
- وما دخل هذا الهراء في حديثنا ؟
- وما دخل والديك وماضيهما بيحاتنا ويومنا... ؟
- لا تتحوّلي إلى أفعى تتلوى وتلتف بعيدا عن الحديث ... وما دخلهما؟ لنتوقف هنا ... أريد أن أكتب قصة..
لو تصمتين قليلا للاحظت معي أن هذا المكان شاعريّ، كل ما فيه أثريّ ومغرٍ للكتابة ..
-تهرب من الناس لأنك تهرب منك ــ منّي ... تكتب لتبتعد عن قصّتك......
.
.
- كم الحساب من فضلك سيدي النادل؟
.
.
11/1/2015
ِ
في مقهى ما زال يؤمن أن الحبّ نمارسه إلى جانب فنجان قهوة
وفوق ورقة ... أو بين دفتيّ كتاب ...
وأن تذكرة السفر الأولى يحررها وتر في كمان ... أو نبأ غامض في جريدة!
جلست هربا من البرد ... من صقيع كان يختبئ تحت سترتي ، يحتمي بي أو ربما كان يبحث عن شبيه له
ليخفف من وطأة الغربة والغرابة في ذاته ....
ولا أدري كيف أواجه صقيعا بحقيقة لستُ متأكدا منها ... !
واريت وجهي بعيدا عنه ..... أحكمت إغلاق الأزار في معطفي، وربطت الشال جيدا كأني أعدّ مشنقة للذاكرة...
في الأماكن التي لا تعرفنا ...لا تُسمع لنا أيّ أصوات أو أنّات ... أيّ أنه يمكننا أن نرتكب أي جريمة في حقّ أنفسنا دون أن يلحظ أحد ...
أو أن نطلق الرصاصات في قلوبنا دون نلفت أي انتباه .....
كل الفرص تسمح لمواجة عنيفة ... والكل الظروف مهيأة لارتكاب جريمة دون إدانة ....
في المقهى الجديد ... يمكنك أن تجلد نفسك ألف جلدة ..... لكن لا يمكنك أن تعقد أي صفقة مصالحة مع نفسك!
أو أن تتذمر من النادل البليد ... !
وتجلس قبالتي ...
" ليس لديك سوايَ هنا ... لا أحد غيري ..أتسمع..."
تهاجمني كالعادة ،وأنا الذي لم يعترض يوما ... كنا نتأبط الصمت فينا ونختال في الأروقة الضيقة .. ونعبر كل ممرات الحنين سويا ..
ونلعب كل ليلة لعبة الأرق ....
لا اعتراض لديّ أبدا ... فلم تتوقع مني هجوما مرتدا؟ ..تحاصرني كأني سوف أهرب؟ تنتظر مني أن أطردها ؟
أبتسم لها كعادتي ... وأتابع احتساء رشفات المكر في فنجاني،
كمحارب حكيم يعرف أنه كلما طعن خصمه، تمزّق جسده هو... وكلما ضربه مات وجعا ...
وكلما قتله ... تجددت فيهما الأنفاس ...
المعركة لا تجدي ...
وهمّت تحرّك شفتيها .....
- أرجوك لا تبــد ـــــــ ...
وانهالت عليّ بالأسئلة ...
أنشغل بقهوتي لكنها تنفد وحتى يأتي النادل بفنجان آخر ..... عليّ أن أنشغل بشيء آخر ..
لا موسيقى صاخبة في هذا المكان.. . لا ضجيج .. ألتفت يمينا ويسارا لا أجدا شخصا أعرفه ...
أسند رأسي في الفراغ، لماذا لا يدخّنون كثيرا هنا ؟
ولم لا يوجد رجل غريب بمعطف مرقّع وغليون لأنسج منه قصة .. أو أسافر في دخان غليونه إلى مكان ما .....
في هذ المكان الغريب يمكنك أن تقتل كل شيء إلا الوقت وعجزك عن المغادرة!
أحاول كتابة قصة بكثير من الأخطاء الإملائية حتى إن حدث وقرأها أحد ما انشغل بتصحيح الأخطاء الإملائية، دون أن يلاحظ تلك التشوهات في ما وراء السطور!
كاتب كاذب ومراوغ ... هذا أنا .. لكن من يهتم فيما إن كنتَ تكتب عنك حقا أو لا ...
المهم أن تعدّ لهم مركبا للسفر بثقب مخفيّ من أجل غرق لذيذ ... وعربة قوية للهروب لا ينفد وقودها ....
يهربون معي وليس إليّ ...
لذلك أستخدم اسما وهميا ... أُريحني وأريحهم ... ونبقى غرباء في رحلة هروبنا ...
-أما أنتِ فمتى تصمتين؟
تكتم ضحكتها وتردّ ...
عجيب أنت ... تريد أن تلعب مع كل الناس دور المحلل النفسيّ والمقتحم للأعماق ... وأنا لا؟
تشعلني وأجدني أردّ سريعا ...
- أنا لا ألعب .... فقط أحاول فهم الناس ومساعدتهم ... ككل الأصدقاء ...
- أصدقاء؟ بل قل أنهم حين يحسبونك صديقا ترحل... وحين تكثر رسائلهم لا تردّ ...
لأنهم تخطوا حاجز عزلتك ...
ترحل كلما أحسست بأنك تتعلق بهم ...
كلما أحبتك امرأة .. بل كلما أحببتَ أنت امرأة ...
- لا ... لا ليس كذلك ... أنا فقط صديق فاشل ...
ورجل أنانيّ ..هذا كلّ مافي الأمر ..توقفي عن الخبث والتخريف ..
- بل صديق قاس، وعاشق مجرم ... تحيطهم من كل جانب، تفتح النوافذ المغلقة في حياتهم ، ترشدهم إلى النور، إلى الأمل
لتتركهم فجأة فتغدو أنت الضربة الأقوى والنهائية ... تسكنهم في الظلام من جديد...
- أنا .. أنا .. لا أطلب من أي أحد أن يتعلق بي ... ولا أقصد كل هذا ..لا أقصد ...
- ماذا كنت تفعل إذن؟ تمارس لعبة المحلل النفسيّ أو الروائيّ الذي يبحث عن نصّ ؟
- لا، أبدا ... والله أبدا ...لا أقصد ذلك ...
انظري إليّ لم أكتب منذ مدّة ... أعرف الكثير عنهم لكنني لا أكتب ... لا أستغلّ أوجاعهم ..وأنت تعرفين!
أنا فقط أريدهم بخير ...
- وهل حقا تتركهم بخير؟
- سيكونون ذلك...
- وماذا عني؟
- ما بك تتصرفين كأنكِ أنثاي.... هل أشتري لك عطرا جديدا؟ ملابسا؟ نذهب لنشاهد فيلما؟
- أريدك أن تشتري لنفسك مرآة ...
- هذيان هذيان .... ها أنت تتصرفين كامرأة تعاني من الهستيريا ... شكرا لأنك تضحكينني..
- ههه نعم، نعم ... أصبحت الآن مثقفا، تعرف الفرق بين نوبات الهستيريا ونوبات الصرع ونوبات الانهيار العصبيّ ...
أصبحت تعرف أنه من غير المجدي ما كنتَ تصدقّه حقا ...
أولم تقرأ أمس في كتاب علميّ ... أن المرأة التي تعاني من الهستيريا تصطنع نوباتها، وتختار توقيت إغماءاتها وأماكنها،
لم يحدث لها أن اصطدمت بطرف طاولة أو عتبة، كي لا تؤذي نفسها. وأنها تستعرض انهيارها أمام الناس كي تجذب اهتمامهم وعطفهم!
وأتحدث عن المرأة تحديدا ليس لأن الرجل نادرا ما يصاب بهذه الحالة، بل أتقصد ذلك، وأنت تفهم....
- وما دخل هذا الهراء في حديثنا ؟
- وما دخل والديك وماضيهما بيحاتنا ويومنا... ؟
- لا تتحوّلي إلى أفعى تتلوى وتلتف بعيدا عن الحديث ... وما دخلهما؟ لنتوقف هنا ... أريد أن أكتب قصة..
لو تصمتين قليلا للاحظت معي أن هذا المكان شاعريّ، كل ما فيه أثريّ ومغرٍ للكتابة ..
-تهرب من الناس لأنك تهرب منك ــ منّي ... تكتب لتبتعد عن قصّتك......
.
.
- كم الحساب من فضلك سيدي النادل؟
.
.
11/1/2015
تعليق