حُرٌّ فِي الرُّخام
كنت أنظر من نافذة الحافلة في سفر من مدينتي إلى العاصمة، ومن عادتي في السفر مصاحبة كتاب أقرأ فيه حتى أقضي مدة الرحلة بسرعتين، سرعة الحافلة ذاتها و "سرعة" تمضية الوقت فيها، فعندما يشغل المسافر نفسه بالقراءة مثلا لا يحس بالوقت ولا حتى بما يجري في الطريق من معوقات كالازدحام أو حادث مرور أو أي شيء آخر مما يعيق الحافلة عن السير الحثيث، وأحيانا عندما لا أقرأ أنظر من النافذة إن لم أكن مشغولا بحديث مع جار، أو جارة، في المقعد المجاور، وأنا أنظر لفتت انتباهي يافطة في واجهة أحد المحلات الصناعية مكتوب عليها:"حر في الرخام" و لم أدر كيف طار مني خاطري وراح يتأمل في الحرية و مشاكلها ولاسيما في وطننا العربي وقلت في نفسي:"إن صاحب المحل هذا رجل حر حقيقة حتى إنه مارس حريته في الرخام"، لكن كيف فعل ذلك وهو المعفَّر في الرّغام؟
قد يكون الإنسان حرا في الحياة أو حتى في الممات لما يختار، بحرية، طريقة انتحاره، لكن كيف يكون حرا في الرخام؟ هذه هي المعضلة التي شغلت بالي ساعتها ولم أعد إلى واقعي بعد الرحلةالفكرية تلك إلا بعدما قرأت على يافطة أخرى في واجهة محل آخر مجاور العبارة التالية:"حِرَفِيُّ الرُّخَام".
تعليق