أمنية الجحيم
فراس عبد الحسين
مع باقي الأساتذة والتلاميذ بين أشجار الصنوبر العالية وعندلة العصافير, ينابيع مياه عذبة باردة كالثلج نازفة من بين صخور الجبال الصلدة تمر منحدرة من سفوح الوديان البعيدة تروي بسواقي حدائق الإزهار الطبيعية الملونة من القرنفل, الجوري الملون, الطلع, البابونج, وبساتين التين والتفاح والرمان والزيتون, ومزارع الحنطة والشعير الخضراء الواسعة المنتشرة, جنان تجري من تحتها الانهار.
بين ألياس وبولص وعثمان وباقي جنود السرية داخل الملجأ الشقي في الفاو أخر بقعة أرض جنوب الوطن القريبة جداً من العدو, ملك الموت يحوم فوق رؤوسنا لم يفارقنا للحظة, تتساقط علينا قذائف الموت بين حين وآخر لتحصد أرواح بريئة تغادرنا مثل لمح البصر, أيام الحرب جميلة رغم كل مآسيها, أين أنتم الأن, لأي شواطئ قذف بكم بحر الحياة الهائج.
مع صديقي المعلم إلياس الذي علمني بعض كلمات لغتهم الكرمنجائيه في لالش, داخل ضريح الشيخ عدي بن مسافر ذو القباب البيضاء المخروطية الشامخة, وسط سهل واسع تحيط به جبال خضراء شامخه من كل جانب, لا أعلم لماذا كل المزارات والمراقد والاضرحة الدينية المختلفة تثير نفس الهيبة والرهبة في النفوس.
- طبعا أكيد لدينا الكثير من أيام الاعياد على مدار السنه, عيد (سري صالي) نحتفل به منذ زمن أجدادنا البابليين في أول أربعاء من شهر نيسان كل عام, و(عيد بلندة) في 25 من كانون الأول، وهو عيد ميلاد عدي بن مسافر, والذي نأتي اليه أيضاً في (عيد القربان) وهو اليوم الذي أمر الله إبراهيم الخليل أن يذبح ولده إسماعيل، ثم هيأ له كبش فداه به كما ورد عندكم في آيات القرآن, الذي يصادف عندكم أول أيام عيد الأضحى, وعيد (أربعانيه الصيف وأربعانيه الشتاء), عيد (ئيزيد) عيد خضر إلياس الذي انا أحمل أسمه كما تعلم, و(عيد المحيي) في ليله النصف من شعبان كما تسموها أنتم المسلمون (المحيه), وعيد (العجوه), وأهم جميع الأعياد عندنا هو (عيد الجماعة) الذي جمعنا سوية الآن يبدأ من الثالث والعشرين أيلول الشرقي الى الثلاثين منه هو سلسلة احتفالات تستمر لسبعة أيام واجبة على كل يزيدي ويزيدية, تُشم فيه رائحة البخور وتشعل فيه الشموع في كل مكان وتلبس فيه العوائل وكل الشباب أجمل ما عندهم وتتزين الفتيات بالحلي والملابس البراقة ترتسم على وجوه الجميع البهجة والفرحة, كما تراهم الأن.
- كل الديانات متقاربه جداً فيما بينها من الشعائر, الطقوس, الأعياد, لدينا الكثير من المقاربات تجمعنا, توحدنا معاً في عبادة الرب الواحد, لكن ما سر تقوقعكم وعدم احتكاكم معنا نحن المسلمون وباقي الديانات الأخرى.
- أعتقد يا صديقي بسبب حملات الإبادة التي شنت ضد مجتمعنا من باقي الديانات على مر العصور، تسببت هذه الحروب والمذابح بآثار ترسخت في نسيجنا الاجتماعي وعقليتنا, فصار الانزواء عن العالم والتقوقع الاجتماعي والخوف من الغرباء سمةً أساسيةً في تعاملنا مع الغير الغريب.
- يقولون بأنكم تعبدون الشيطان وتسموه طاووس ملك, هل هذا صحيح..!
- أبداً يا صديقي, نحن لا نؤمن بوجود كائن شرير مثل الشيطان يعمل على توريط البشر وإغواءهم كما تعتقدون, وإنما نعتقد بأن الشر نابع من الإنسان نفسه. وأن طاووس ملك هو أحد الملائكة السبعة الذين خلقهم الله وأمرهم بأن لا يسجدوا الا له, فعندما أمرهم بالسجود لأدم كأن امتحان لهم وقد نجح بذلك الامتحان (طاووس ملك) عند رفضه السجود, وقد كافئه الله بجعله أقرب المخلوقات إليه وأناط به حكم الكون, وأن أي تشبيهٍ له مع الشيطان الوارد في الديانات الاخرى هو إهانةٌ لمقدساتنا.
- ..............................
ما أن طرقت الباب عائداً من دوامي في المدرسة, استقبلتني (مريم) أبنتي الصغيرة بجدايلها الشقراء الصغيرة احتضنتني من ساقي تحاول تسلقها وصولا لرأسي لتحصل على قبلتها, تركض خلفها (زينب) أبنتي الكبيرة السمراء بشعراها الفاحم الأسود, سحبت يدي التي تحمل البطيخة, سقطت على الارض وأنتشر الماء الأحمر الفاتح على أرضية الغرفة الباردة المكيفة, أسقطني ارضاً تختلط قهقهتي العالية بضحكاتهن الطفولية مع ضحكات زوجتي التي تشاهد المنظر من بعيد.
صوت رعد قوي كأنه فجر السماء من فوقي أيقظني من أحلام اليقظة وأعادني للواقع, رفعت رأسي لم أرى نجوم ولا قمر, ضوء البرق ينير ظلمة السماء الداكنة بين الحين والآخر, ريح قويه تتراقص معها خيم النازحين الخاوية يميناً وشمالاً, متناثرة هنا وهناك تنتشر بأرض الله الواسعة, طرقات ضيقة تغطيها الأطيان وتنغرز فيها السيقان لحد الركب, بسبب انهمار الأمطار الغزيرة في الليلة الماضية.
أعادني الصوت للحظة سقوط القذيفة الأولى بالقرب من بيتنا في الساعة الثانية بعد منتصف اليل, صحوت من غيبوبة قصيره, ملتصق بجدار الغرفة البعيد, لم أستطع النهوض, طنين قوي يصدح داخل رأسي, سائل لزج يملئ قميصي, صراخ, عويل, ظلام, نزف دماء, صرخات وجع وألم, زجاج مهشم يملئ أرض الغرفة, رائحه الدخان زوجتي ممددة بعد ان أصابتها شظيه في الراس, تنازع الموت قبل أن تفارق الحياة.
يستمر القصف الكثيف لحين بزوغ الفجر, يجتمع الأهالي بأسلحتهم الخفيفة البسيطة من أجل الدفاع المدينة, ويستمر ذلك لحين نفاذ الذخيرة بالكامل, وبدأت عصابات داعش المجرمة الدخول والتوغل في قرى مدينه تلعفر, وصلتنا الأخبار بقيامهم بمجازر رهيبة لم يسلم منها شيخ ولا طفل ولا أمرأه, يذبحون كل من يقع تحت أيديهم القذرة, ولم يبقى طريق للانسحاب بعد تطويق المدينة من الجهات الثلاثة سوى الطريق الخطر المؤدي لمدينه سنجار.
هربت العوائل بسياراتهم والكثير سيراً على الأقدام, باتجاه الطريق العام حتى وصولت لقرية (عبرة الصغيرة) ثم (عبرة الكبيرة) وواصلنا السير شمالنا حتى وصولنا لمدينة (عين الحصان).
بت ليلتي وانا أمشي بين عشرات العوائل أمامي والمئات من خلفي في العراء قبل أن نصل لمدينه (سنيو) القريبة من سنجار والتي تعتبر آمنه بعض الشيء يسكنها التركمان والعرب, لم نستطع البقاء فيها سوى نهار وليله واحدة.
مع بزوغ خيوط الشمس الأولى من بين الجبال تجدد القصف العنيف من جديد, سقطت قذائف المدفعية على العوائل المنتشرة مثل الدود في العراء, كانت تنطلق من قريه قريبه بوسط الجبال المحيطة, أستطاع الدواعش السيطرة عليها وبسرعه كبيرة, استشهدت عوائل بأكملها, تبعثرت الناس في الظلام يركضون بجميع الاتجاهات, لم يعرفوا الى أين يفروا ليتخلصوا من نيران الموت, هرب من هرب بسيارته وعائلته, من لم تكن له وسيله نقل أصبح صيداً سهلاً للقتلة, ذبح العديد من الرجال والأطفال وأخذت الكثير من النساء كسبايا حرب.
بعد عناء كبير تمكن منا العطش بعد نفاذ ذخيرتنا من الماء وصلنا حدود مدينة (كولات), واتجهنا لمعمل سمنت سنجار, عسى أن نستطع المبيت فيه ليلتنا بعد نهار قاسي من الهروب والرعب المستمر.
بعد وصولنا لمدينه سنجار ذات البيوت الطينية الفقيرة للأيزيدية, عرب مسلمون, تركمان, بالإضافة الى المسيحيين, بقينا هناك بينهم لعشرة أيام ننام في العراء دون مأوى, وبدون ماء ولا طعام.
جمعت الكثير من النباتات بعد أن همت في الأرض بين النباتات أتذوق طعمها لأجد ما يستسيغه اللسان ويكون صالح للأكل, جلست مع أبنتَي نأكلها مجبرين كنت أرمقهن خلسة لأرى بوجههن القرف والامتعاض مع صفرة الجوع.
- لقد بقيت أمي لوحدها هناك في بيتنا, أخاف عليها يا أبي, متى ستأتي الينا, لنعود اليها أبي أرجوك,, أرجوك يا أبتي. كانت مريم يصوتها المبحوح ودموعها تغطي وجنتيها.
- ............................
في الساعة التاسعة ليلاً عمت الفوضى وسيطر الرعب والخوف على قلوب الجميع, سقطت العديد من البيوت الطينية البسيطة على رؤوس ساكنيها مع سقوط قذائف المدفعية على المدينة من عدة جوانب.
أستمر طريق الهرب الطويل وكأنه بلا نهاية من جديد وهذه المرة اضطررنا ترك السيارات لصعود جبل سنجار الشاهق الارتفاع من الطريق الصخري الوعر, حملت أبنتَاي على ظهري وبدأت الصعود, ترك الكثير من العوائل أمام عيني أطفالهم والمسنين ممن لا يستطيعون تسلق الجبل بعد أن أرهقهم السير والركض المستمر لأيام متواصلة, مع الصراخ والدموع والتضرع بالدعوات المتبادلة.
قطرات خفيفة تسقط على وجهي وأول الغيث قطرة, نفضت يدي بعد أن نهضت من جانب الخيمة ودلفت داخلها, أبنتَاي نائمتان بلا دفئ حنان أمهن, تغطي وجههن براءة الطفولة, أخذت الرفش وجمعت الكثير من التراب على أطراف الخيمة وبعض الأحجار الثقيلة, تحسباً من العاصفة القادمة والغيوم السوداء التي بدأت تتراكم فوق بعضها مثل جبال سوداء شاهقه الارتفاع تنذر بليله ظلماء تمر دقائقها ثقيلة, ثم عاد ليجلس في مكانه من جديد, تغطي وجهه الحيرة, ما العمل..!
في منتصف الجبل تقريباً وبين مئات العوائل التي تلهث بصوت مسموع من شدة التعب, رجل وامرأة جالسين قرب فتاة بمقتبل العمر, لم تتجاوز الاثني عشر ربيع من عمرها بعد, كانوا يشدون قدمها بقطعه قماش بعد أن تشبعت بالدم الأحمر.
اقتربت منهم أكثر, على ضوء القمر لون عينيها كأنها زرقة البحر في ظهيرة صيف لاهب تحت سماء صافية, وجه ينضح ببراءة الطفولة, فم صغير كأنه ثمرة فراولة قد نضجت للتو, فوق وجه أبيض توغلت بداخله صفرة الموت الباهتة وغسلته دموع مثل ماء زلال من نبع صافي.
كانت تئن تحت وطئه الألم, نزع فانلته وقطعها بأسنانه لنصفين وطواها حتى أصبحت أشبه بحبل سميك, ربط فخذها بالقطعة الأولى بقوة محاولا قطع النزيف الغزير, أزال الضماد المشبع بالدم وربط الجرح النازف بالقطعة الأخرى, وهو يحدث نفسه, للحروب التي خضناها سابقاً وأكلت سنوات شبابنا مثل النار في الهشيم, فائدة ايضا.
سحبني والدها على جنب بعد أن مسح دموعه بطرف كمه ثم تجشأ ببكاء مرير حتى تقيئ كل ما في صدرة من حزن وألم, صمت لبرهة ثم أخرج من جيب بنطاله مسدس وقدمه لي بيد مرتجفة وبعينين متوسله, صمت مذهولاً بوجهه بلا حراك ولم أنبس ببنت شفة.
طفلتي تتعذب ولن أستطع تركها تتألم أكثر من ذلك, ولا بمقدوري حملها لصعود الجبل, ومن يضمن نجاتنا هناك فوق الجبل بعد معاناة الصعود والوصول, واذا بقيت هنا لوحدها ستصلها من بعدنا الذئاب البشرية لتأكلها حيه, أريحها الأن وخلصها من الألم بدلاً عني ..أرجوك, أتوسل اليك, أنت أب مثلي, أعلم بأنك تستطيع واضح بأنك كنت جندياً سابقاً, وقلبك قُد من صخر.
...................
أرتجف قلبي واعتصرت روحي, سال عرق غزير من جبهتي, فكرت طويلاً, مددت يدي وهي ترتجف بعد حين, أخذت منه السلاح وهززت رأسي بالموافقة, هز رأسه وأنصرف, أخذ يد زوجته الباكية ورفعها عن الأرض, تحدث معها قليلاً قبل أن يأخذا أبنتاي ويصعدون للجبل.
أي وضع تعيس أنا فيه, ما هذه الحياة البائسة التي يجب علينا العيش فيها, كم أكره الخيارات الصعبة والقاسية التي أفضلها مر, وضعت فوهة المسدس بفمي, حاولت الضغط على الزناد فقط كي لا أشعر بشيء وأستريح من معاناة الحياة ومن كل هذه الخيارات, نظرت لبنتَي من بعيد فتوقفت عن ذلك بالحال.
أشتد قصف المدفعية وبدأت القذائف تسقط قريباً جداً من مكاننا, رمقت الفتاة وهي تغط بنوم عميق مثل غفوة طفل في مهده, اقتربت منها أكثر, طبعت قبلة على جبينها, رجعت للوراء قليلاً قبل أن أسدد المسدس على جبهتها بنفس مكان القبلة تماماً, تعرقت بغزارة ويداي ترتجف بشكل غريب لم أشاهده من قبل, وقلبي يحاول الخروج من مكانه يضرب أضلاع صدري مثل دمام كبير.
أنزلت يدي للأرض وضغطت على الزناد, انطلقت رصاصه وغارت عميقاً بباطن الأرض, كم أنتِ حقيرة وقاسية, تؤمَرين فتطيعين وتنفذين على الفور, تخترقين الأرض وتتوغلين بها بعيدا هكذا, أذن ماذا ستفعلين بأجساد البشر..!, مسحت العرق عن وجهي ولحقت بهم على الفور.
أحمل مريم على ظهري وأمسك زينب بيدي الأخرى حتى وصلنا ل(سولاخ) المنطقة السياحية على سفح الجبل التي كنا نذهب اليها مع بقية العوائل للنزهة في أيام العطل والمناسبات, منظر خلاب أوراد منشره بين الصخور, نسمات عليلة باردة منعشة دائماً على طول فترة الصيف اللاهب.
استرحنا قليلا من التعب, تركناها مضطرين بعد استراحة قليلة لعدم توفر المياه والطعام وتوجهنا لحقول الخضرة المنشرة على مناطق مختلفة من الجبل, للبحث عن الخيار داخل المزارع ولشحة ما وجدناه كانت القطعة الواحدة نتقاسمها بين عوائل العرب والتركمان والأيزيدية.
أستمرينا بالصعود وصولاً للسفح المقابل من الجهة الشمالية وهي منطقة (الشمال السنوني) التي يقطنها الأيزيديون, ومن هناك أتجهنا الى الحدود, كانت هناك بعض السيارات تحمل لوحات تسجيل سوريه, أعطيتهم كل ما أملك من أموال لإيصالي الى منطقة آمنه خارج حدود البلد المحترق.
حتى في ذلك الطريق الذي يعتبر بعيداً عن الخطر وآمناً نوعاً ما, تعرضنا لرمي إطلاقات ناريه من قناصين فوق الجبل قتلت وجرحت الكثير من العوائل ونجى من نجى بنفسه حتى وصلنا لمدينه الرقة السورية.
مرت ثمان شهور ونحن هنا في هذه المخيمات البائسة لم نجني غير صور عديدة من منظمات وشخصيات تدَعي الوطنية وحرصها على أبناء الشعب..!, بالكاد أحصل على ما يسد رمقي وأبنتاي من مساعدات الأمم المتحدة التافهة, وبطانية واحدة ننام بها سوية لا تقينا البرد القاتل, كيف تقينا من هذه العاصفة الثلجية الهوجاء, ودرجات الحرارة تنخفض لما دون الصفر مئوية.
بدأ المطر ينهمر بغزارة ويتسرب من بين نسيجها ليصب داخلها فوق البطانية حتى تشبعت تماماً بالماء المتجمد, أخذت أرتجف بقوة ولم أشعر بوجود أطرافي, أبنتاي يرتجفن بأحضاني ويصدرن أنين مكبوت أشبه بالبكاء.
بدأ الوفر ينزل بكثافة, أخذ الجليد يتراكم فوق الخيمة التي لم تتحمل وزنه الثقيل, حتى انهارت فوق رؤوسنا وكبتت على أنفاسنا, كيف سننجو من هذه الكارثة القادمة التي تلوح في الأفق, حتى أمنا الطبيعة لم ترحم بأبنائها,
تحول وجه أبنتاي الى ألون الأزرق المسود, نظرت لأطرافي كانت مثل لونهن, يا ليتني كنت وسط النار الأن, ليتني أسبح بنار جهنم الحامية لأشعر بالدف قليلاً قبل الموت, يا رب, يا أنبياء الرب, يا نبي الرحمة, يا أولياء الله الصالحين, يا مريم, يا عيسى المسيح, يا عزرا, يا طاووس ملك, نجنا يا الله, يا الل.....ه, يااااا ال.........., ياااااااااا........ .
صوت وقع أقدام قريبه فوق الجليد أخذت تبتعد, صوت أناس يتحدثون وينادون أخذ يبتعد, أحاول تحريك يدي من تحت الجليد القاسي, تحسست بيداي نبض بطيء من قلوب صغيرة تتمسك بالحياة.
استجمعت كل ما لدي من طاقة وقوة في صدري, جمعت كل ما عانيته من معاناه بهذه الحياة, لأخرج صرخة مكبوتة منذ الطفولة, نبتت ونمت وعرشت فوق الروح والقلب, جمعت ما أمكنني من هواء داخل رئتاي,
صرخت آآآآآآآآآه... آآآآآآآآآآآآه بأعلى صوتي, مدوية اقتلعت الجليد من فمي, وكل الحزن المتراكم على روحي.
أسحبه للأعلى لم يزل يتنفس ببطء, أنه على قيد الحياة, تحته طفلتين, لم يزل قلبها ينبض, وهذه الأخرى أيضاً, الى سيارة الاسعاف فوراً, فوراً... بسرعة.
فراس عبد الحسين
مع باقي الأساتذة والتلاميذ بين أشجار الصنوبر العالية وعندلة العصافير, ينابيع مياه عذبة باردة كالثلج نازفة من بين صخور الجبال الصلدة تمر منحدرة من سفوح الوديان البعيدة تروي بسواقي حدائق الإزهار الطبيعية الملونة من القرنفل, الجوري الملون, الطلع, البابونج, وبساتين التين والتفاح والرمان والزيتون, ومزارع الحنطة والشعير الخضراء الواسعة المنتشرة, جنان تجري من تحتها الانهار.
بين ألياس وبولص وعثمان وباقي جنود السرية داخل الملجأ الشقي في الفاو أخر بقعة أرض جنوب الوطن القريبة جداً من العدو, ملك الموت يحوم فوق رؤوسنا لم يفارقنا للحظة, تتساقط علينا قذائف الموت بين حين وآخر لتحصد أرواح بريئة تغادرنا مثل لمح البصر, أيام الحرب جميلة رغم كل مآسيها, أين أنتم الأن, لأي شواطئ قذف بكم بحر الحياة الهائج.
مع صديقي المعلم إلياس الذي علمني بعض كلمات لغتهم الكرمنجائيه في لالش, داخل ضريح الشيخ عدي بن مسافر ذو القباب البيضاء المخروطية الشامخة, وسط سهل واسع تحيط به جبال خضراء شامخه من كل جانب, لا أعلم لماذا كل المزارات والمراقد والاضرحة الدينية المختلفة تثير نفس الهيبة والرهبة في النفوس.
- طبعا أكيد لدينا الكثير من أيام الاعياد على مدار السنه, عيد (سري صالي) نحتفل به منذ زمن أجدادنا البابليين في أول أربعاء من شهر نيسان كل عام, و(عيد بلندة) في 25 من كانون الأول، وهو عيد ميلاد عدي بن مسافر, والذي نأتي اليه أيضاً في (عيد القربان) وهو اليوم الذي أمر الله إبراهيم الخليل أن يذبح ولده إسماعيل، ثم هيأ له كبش فداه به كما ورد عندكم في آيات القرآن, الذي يصادف عندكم أول أيام عيد الأضحى, وعيد (أربعانيه الصيف وأربعانيه الشتاء), عيد (ئيزيد) عيد خضر إلياس الذي انا أحمل أسمه كما تعلم, و(عيد المحيي) في ليله النصف من شعبان كما تسموها أنتم المسلمون (المحيه), وعيد (العجوه), وأهم جميع الأعياد عندنا هو (عيد الجماعة) الذي جمعنا سوية الآن يبدأ من الثالث والعشرين أيلول الشرقي الى الثلاثين منه هو سلسلة احتفالات تستمر لسبعة أيام واجبة على كل يزيدي ويزيدية, تُشم فيه رائحة البخور وتشعل فيه الشموع في كل مكان وتلبس فيه العوائل وكل الشباب أجمل ما عندهم وتتزين الفتيات بالحلي والملابس البراقة ترتسم على وجوه الجميع البهجة والفرحة, كما تراهم الأن.
- كل الديانات متقاربه جداً فيما بينها من الشعائر, الطقوس, الأعياد, لدينا الكثير من المقاربات تجمعنا, توحدنا معاً في عبادة الرب الواحد, لكن ما سر تقوقعكم وعدم احتكاكم معنا نحن المسلمون وباقي الديانات الأخرى.
- أعتقد يا صديقي بسبب حملات الإبادة التي شنت ضد مجتمعنا من باقي الديانات على مر العصور، تسببت هذه الحروب والمذابح بآثار ترسخت في نسيجنا الاجتماعي وعقليتنا, فصار الانزواء عن العالم والتقوقع الاجتماعي والخوف من الغرباء سمةً أساسيةً في تعاملنا مع الغير الغريب.
- يقولون بأنكم تعبدون الشيطان وتسموه طاووس ملك, هل هذا صحيح..!
- أبداً يا صديقي, نحن لا نؤمن بوجود كائن شرير مثل الشيطان يعمل على توريط البشر وإغواءهم كما تعتقدون, وإنما نعتقد بأن الشر نابع من الإنسان نفسه. وأن طاووس ملك هو أحد الملائكة السبعة الذين خلقهم الله وأمرهم بأن لا يسجدوا الا له, فعندما أمرهم بالسجود لأدم كأن امتحان لهم وقد نجح بذلك الامتحان (طاووس ملك) عند رفضه السجود, وقد كافئه الله بجعله أقرب المخلوقات إليه وأناط به حكم الكون, وأن أي تشبيهٍ له مع الشيطان الوارد في الديانات الاخرى هو إهانةٌ لمقدساتنا.
- ..............................
ما أن طرقت الباب عائداً من دوامي في المدرسة, استقبلتني (مريم) أبنتي الصغيرة بجدايلها الشقراء الصغيرة احتضنتني من ساقي تحاول تسلقها وصولا لرأسي لتحصل على قبلتها, تركض خلفها (زينب) أبنتي الكبيرة السمراء بشعراها الفاحم الأسود, سحبت يدي التي تحمل البطيخة, سقطت على الارض وأنتشر الماء الأحمر الفاتح على أرضية الغرفة الباردة المكيفة, أسقطني ارضاً تختلط قهقهتي العالية بضحكاتهن الطفولية مع ضحكات زوجتي التي تشاهد المنظر من بعيد.
صوت رعد قوي كأنه فجر السماء من فوقي أيقظني من أحلام اليقظة وأعادني للواقع, رفعت رأسي لم أرى نجوم ولا قمر, ضوء البرق ينير ظلمة السماء الداكنة بين الحين والآخر, ريح قويه تتراقص معها خيم النازحين الخاوية يميناً وشمالاً, متناثرة هنا وهناك تنتشر بأرض الله الواسعة, طرقات ضيقة تغطيها الأطيان وتنغرز فيها السيقان لحد الركب, بسبب انهمار الأمطار الغزيرة في الليلة الماضية.
أعادني الصوت للحظة سقوط القذيفة الأولى بالقرب من بيتنا في الساعة الثانية بعد منتصف اليل, صحوت من غيبوبة قصيره, ملتصق بجدار الغرفة البعيد, لم أستطع النهوض, طنين قوي يصدح داخل رأسي, سائل لزج يملئ قميصي, صراخ, عويل, ظلام, نزف دماء, صرخات وجع وألم, زجاج مهشم يملئ أرض الغرفة, رائحه الدخان زوجتي ممددة بعد ان أصابتها شظيه في الراس, تنازع الموت قبل أن تفارق الحياة.
يستمر القصف الكثيف لحين بزوغ الفجر, يجتمع الأهالي بأسلحتهم الخفيفة البسيطة من أجل الدفاع المدينة, ويستمر ذلك لحين نفاذ الذخيرة بالكامل, وبدأت عصابات داعش المجرمة الدخول والتوغل في قرى مدينه تلعفر, وصلتنا الأخبار بقيامهم بمجازر رهيبة لم يسلم منها شيخ ولا طفل ولا أمرأه, يذبحون كل من يقع تحت أيديهم القذرة, ولم يبقى طريق للانسحاب بعد تطويق المدينة من الجهات الثلاثة سوى الطريق الخطر المؤدي لمدينه سنجار.
هربت العوائل بسياراتهم والكثير سيراً على الأقدام, باتجاه الطريق العام حتى وصولت لقرية (عبرة الصغيرة) ثم (عبرة الكبيرة) وواصلنا السير شمالنا حتى وصولنا لمدينة (عين الحصان).
بت ليلتي وانا أمشي بين عشرات العوائل أمامي والمئات من خلفي في العراء قبل أن نصل لمدينه (سنيو) القريبة من سنجار والتي تعتبر آمنه بعض الشيء يسكنها التركمان والعرب, لم نستطع البقاء فيها سوى نهار وليله واحدة.
مع بزوغ خيوط الشمس الأولى من بين الجبال تجدد القصف العنيف من جديد, سقطت قذائف المدفعية على العوائل المنتشرة مثل الدود في العراء, كانت تنطلق من قريه قريبه بوسط الجبال المحيطة, أستطاع الدواعش السيطرة عليها وبسرعه كبيرة, استشهدت عوائل بأكملها, تبعثرت الناس في الظلام يركضون بجميع الاتجاهات, لم يعرفوا الى أين يفروا ليتخلصوا من نيران الموت, هرب من هرب بسيارته وعائلته, من لم تكن له وسيله نقل أصبح صيداً سهلاً للقتلة, ذبح العديد من الرجال والأطفال وأخذت الكثير من النساء كسبايا حرب.
بعد عناء كبير تمكن منا العطش بعد نفاذ ذخيرتنا من الماء وصلنا حدود مدينة (كولات), واتجهنا لمعمل سمنت سنجار, عسى أن نستطع المبيت فيه ليلتنا بعد نهار قاسي من الهروب والرعب المستمر.
بعد وصولنا لمدينه سنجار ذات البيوت الطينية الفقيرة للأيزيدية, عرب مسلمون, تركمان, بالإضافة الى المسيحيين, بقينا هناك بينهم لعشرة أيام ننام في العراء دون مأوى, وبدون ماء ولا طعام.
جمعت الكثير من النباتات بعد أن همت في الأرض بين النباتات أتذوق طعمها لأجد ما يستسيغه اللسان ويكون صالح للأكل, جلست مع أبنتَي نأكلها مجبرين كنت أرمقهن خلسة لأرى بوجههن القرف والامتعاض مع صفرة الجوع.
- لقد بقيت أمي لوحدها هناك في بيتنا, أخاف عليها يا أبي, متى ستأتي الينا, لنعود اليها أبي أرجوك,, أرجوك يا أبتي. كانت مريم يصوتها المبحوح ودموعها تغطي وجنتيها.
- ............................
في الساعة التاسعة ليلاً عمت الفوضى وسيطر الرعب والخوف على قلوب الجميع, سقطت العديد من البيوت الطينية البسيطة على رؤوس ساكنيها مع سقوط قذائف المدفعية على المدينة من عدة جوانب.
أستمر طريق الهرب الطويل وكأنه بلا نهاية من جديد وهذه المرة اضطررنا ترك السيارات لصعود جبل سنجار الشاهق الارتفاع من الطريق الصخري الوعر, حملت أبنتَاي على ظهري وبدأت الصعود, ترك الكثير من العوائل أمام عيني أطفالهم والمسنين ممن لا يستطيعون تسلق الجبل بعد أن أرهقهم السير والركض المستمر لأيام متواصلة, مع الصراخ والدموع والتضرع بالدعوات المتبادلة.
قطرات خفيفة تسقط على وجهي وأول الغيث قطرة, نفضت يدي بعد أن نهضت من جانب الخيمة ودلفت داخلها, أبنتَاي نائمتان بلا دفئ حنان أمهن, تغطي وجههن براءة الطفولة, أخذت الرفش وجمعت الكثير من التراب على أطراف الخيمة وبعض الأحجار الثقيلة, تحسباً من العاصفة القادمة والغيوم السوداء التي بدأت تتراكم فوق بعضها مثل جبال سوداء شاهقه الارتفاع تنذر بليله ظلماء تمر دقائقها ثقيلة, ثم عاد ليجلس في مكانه من جديد, تغطي وجهه الحيرة, ما العمل..!
في منتصف الجبل تقريباً وبين مئات العوائل التي تلهث بصوت مسموع من شدة التعب, رجل وامرأة جالسين قرب فتاة بمقتبل العمر, لم تتجاوز الاثني عشر ربيع من عمرها بعد, كانوا يشدون قدمها بقطعه قماش بعد أن تشبعت بالدم الأحمر.
اقتربت منهم أكثر, على ضوء القمر لون عينيها كأنها زرقة البحر في ظهيرة صيف لاهب تحت سماء صافية, وجه ينضح ببراءة الطفولة, فم صغير كأنه ثمرة فراولة قد نضجت للتو, فوق وجه أبيض توغلت بداخله صفرة الموت الباهتة وغسلته دموع مثل ماء زلال من نبع صافي.
كانت تئن تحت وطئه الألم, نزع فانلته وقطعها بأسنانه لنصفين وطواها حتى أصبحت أشبه بحبل سميك, ربط فخذها بالقطعة الأولى بقوة محاولا قطع النزيف الغزير, أزال الضماد المشبع بالدم وربط الجرح النازف بالقطعة الأخرى, وهو يحدث نفسه, للحروب التي خضناها سابقاً وأكلت سنوات شبابنا مثل النار في الهشيم, فائدة ايضا.
سحبني والدها على جنب بعد أن مسح دموعه بطرف كمه ثم تجشأ ببكاء مرير حتى تقيئ كل ما في صدرة من حزن وألم, صمت لبرهة ثم أخرج من جيب بنطاله مسدس وقدمه لي بيد مرتجفة وبعينين متوسله, صمت مذهولاً بوجهه بلا حراك ولم أنبس ببنت شفة.
طفلتي تتعذب ولن أستطع تركها تتألم أكثر من ذلك, ولا بمقدوري حملها لصعود الجبل, ومن يضمن نجاتنا هناك فوق الجبل بعد معاناة الصعود والوصول, واذا بقيت هنا لوحدها ستصلها من بعدنا الذئاب البشرية لتأكلها حيه, أريحها الأن وخلصها من الألم بدلاً عني ..أرجوك, أتوسل اليك, أنت أب مثلي, أعلم بأنك تستطيع واضح بأنك كنت جندياً سابقاً, وقلبك قُد من صخر.
...................
أرتجف قلبي واعتصرت روحي, سال عرق غزير من جبهتي, فكرت طويلاً, مددت يدي وهي ترتجف بعد حين, أخذت منه السلاح وهززت رأسي بالموافقة, هز رأسه وأنصرف, أخذ يد زوجته الباكية ورفعها عن الأرض, تحدث معها قليلاً قبل أن يأخذا أبنتاي ويصعدون للجبل.
أي وضع تعيس أنا فيه, ما هذه الحياة البائسة التي يجب علينا العيش فيها, كم أكره الخيارات الصعبة والقاسية التي أفضلها مر, وضعت فوهة المسدس بفمي, حاولت الضغط على الزناد فقط كي لا أشعر بشيء وأستريح من معاناة الحياة ومن كل هذه الخيارات, نظرت لبنتَي من بعيد فتوقفت عن ذلك بالحال.
أشتد قصف المدفعية وبدأت القذائف تسقط قريباً جداً من مكاننا, رمقت الفتاة وهي تغط بنوم عميق مثل غفوة طفل في مهده, اقتربت منها أكثر, طبعت قبلة على جبينها, رجعت للوراء قليلاً قبل أن أسدد المسدس على جبهتها بنفس مكان القبلة تماماً, تعرقت بغزارة ويداي ترتجف بشكل غريب لم أشاهده من قبل, وقلبي يحاول الخروج من مكانه يضرب أضلاع صدري مثل دمام كبير.
أنزلت يدي للأرض وضغطت على الزناد, انطلقت رصاصه وغارت عميقاً بباطن الأرض, كم أنتِ حقيرة وقاسية, تؤمَرين فتطيعين وتنفذين على الفور, تخترقين الأرض وتتوغلين بها بعيدا هكذا, أذن ماذا ستفعلين بأجساد البشر..!, مسحت العرق عن وجهي ولحقت بهم على الفور.
أحمل مريم على ظهري وأمسك زينب بيدي الأخرى حتى وصلنا ل(سولاخ) المنطقة السياحية على سفح الجبل التي كنا نذهب اليها مع بقية العوائل للنزهة في أيام العطل والمناسبات, منظر خلاب أوراد منشره بين الصخور, نسمات عليلة باردة منعشة دائماً على طول فترة الصيف اللاهب.
استرحنا قليلا من التعب, تركناها مضطرين بعد استراحة قليلة لعدم توفر المياه والطعام وتوجهنا لحقول الخضرة المنشرة على مناطق مختلفة من الجبل, للبحث عن الخيار داخل المزارع ولشحة ما وجدناه كانت القطعة الواحدة نتقاسمها بين عوائل العرب والتركمان والأيزيدية.
أستمرينا بالصعود وصولاً للسفح المقابل من الجهة الشمالية وهي منطقة (الشمال السنوني) التي يقطنها الأيزيديون, ومن هناك أتجهنا الى الحدود, كانت هناك بعض السيارات تحمل لوحات تسجيل سوريه, أعطيتهم كل ما أملك من أموال لإيصالي الى منطقة آمنه خارج حدود البلد المحترق.
حتى في ذلك الطريق الذي يعتبر بعيداً عن الخطر وآمناً نوعاً ما, تعرضنا لرمي إطلاقات ناريه من قناصين فوق الجبل قتلت وجرحت الكثير من العوائل ونجى من نجى بنفسه حتى وصلنا لمدينه الرقة السورية.
مرت ثمان شهور ونحن هنا في هذه المخيمات البائسة لم نجني غير صور عديدة من منظمات وشخصيات تدَعي الوطنية وحرصها على أبناء الشعب..!, بالكاد أحصل على ما يسد رمقي وأبنتاي من مساعدات الأمم المتحدة التافهة, وبطانية واحدة ننام بها سوية لا تقينا البرد القاتل, كيف تقينا من هذه العاصفة الثلجية الهوجاء, ودرجات الحرارة تنخفض لما دون الصفر مئوية.
بدأ المطر ينهمر بغزارة ويتسرب من بين نسيجها ليصب داخلها فوق البطانية حتى تشبعت تماماً بالماء المتجمد, أخذت أرتجف بقوة ولم أشعر بوجود أطرافي, أبنتاي يرتجفن بأحضاني ويصدرن أنين مكبوت أشبه بالبكاء.
بدأ الوفر ينزل بكثافة, أخذ الجليد يتراكم فوق الخيمة التي لم تتحمل وزنه الثقيل, حتى انهارت فوق رؤوسنا وكبتت على أنفاسنا, كيف سننجو من هذه الكارثة القادمة التي تلوح في الأفق, حتى أمنا الطبيعة لم ترحم بأبنائها,
تحول وجه أبنتاي الى ألون الأزرق المسود, نظرت لأطرافي كانت مثل لونهن, يا ليتني كنت وسط النار الأن, ليتني أسبح بنار جهنم الحامية لأشعر بالدف قليلاً قبل الموت, يا رب, يا أنبياء الرب, يا نبي الرحمة, يا أولياء الله الصالحين, يا مريم, يا عيسى المسيح, يا عزرا, يا طاووس ملك, نجنا يا الله, يا الل.....ه, يااااا ال.........., ياااااااااا........ .
صوت وقع أقدام قريبه فوق الجليد أخذت تبتعد, صوت أناس يتحدثون وينادون أخذ يبتعد, أحاول تحريك يدي من تحت الجليد القاسي, تحسست بيداي نبض بطيء من قلوب صغيرة تتمسك بالحياة.
استجمعت كل ما لدي من طاقة وقوة في صدري, جمعت كل ما عانيته من معاناه بهذه الحياة, لأخرج صرخة مكبوتة منذ الطفولة, نبتت ونمت وعرشت فوق الروح والقلب, جمعت ما أمكنني من هواء داخل رئتاي,
صرخت آآآآآآآآآه... آآآآآآآآآآآآه بأعلى صوتي, مدوية اقتلعت الجليد من فمي, وكل الحزن المتراكم على روحي.
أسحبه للأعلى لم يزل يتنفس ببطء, أنه على قيد الحياة, تحته طفلتين, لم يزل قلبها ينبض, وهذه الأخرى أيضاً, الى سيارة الاسعاف فوراً, فوراً... بسرعة.
تعليق