المشهد الأخير من قصّة "خلل في الصنع" للكاتب "م ب ت"Défaut de fabrication

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حاتم سعيد
    رئيس ملتقى فرعي
    • 02-10-2013
    • 1180

    المشهد الأخير من قصّة "خلل في الصنع" للكاتب "م ب ت"Défaut de fabrication

    Cette dure journée déflora cette carapace développée tout au long de sa solitude, le mettant cyniquement face à son incapacité qui se dressait entre lui et la femme qu'il aimait tel un mur de lamentation.1

    Le jour de la manif, il rejoignait ses camarades devant le ministère de l’intérieur, ils n'étaient pas les seuls protagonistes, l'homme reconnut des néo-révolutionnaires à leurs habits griffés répétant mollement les slogans scandés par les leaders de la manif sous le regard extasié des journaleux. Il distingua entre les gueules enragées le sourire serein de sa bien-aimée.2

    Les BOP encerclaient discrètement le rassemblement préparant la charge. La peur se dessina sur le visage du leader du parti: "hey chef, fustigea la gracieuse militante, là c'est la rue et pas le confort de l'exil et la gloire des plateaux télé!"3

    Le chef se retira précipitamment avec ses courtisans :"Les appareils photos ont immortalisé votre lâcheté, s'écria "SPIDER-MAN" en regardant fièrement sa camarade, tu auras certainement les honneurs de la presse étrangère, l'ovation des parlementaires occidentaux et pourquoi pas une place portant ton nom mais désolé chef tu ne mériteras jamais ce peuple! Camarades, poursuivit-il en serrant maladroitement le bras de sa bien-aimée, méfier vous, ces traitres n'ont rien à envier à la police politique!".4

    Le "nouveau leader" fut acclamé par les manifestants, la jeune fille lui leva le bras lorsque les matraques s'abattirent violemment sur leurs têtes.5


    L’héro défendit sa camarade avec la hargne d'un tigre blessé, la serrant d'une main et balayant les coups de l'autre jusqu'à ce qu'ils réussirent à s'échapper à travers le chaos de la ville...6

    Extasiés, ils galopaient dans les rues qui menaient hors de la ville, ils ironisaient sur les accessoires de la révolution qui décoraient les nouvelles vitrines de la capitale et se moquaient de ces fantoches qui se sont refait une virginité pour participer aux élections…
    -
    voici la maison de mes ancêtres, lui dit-il en poussant la porte massive d’une maison délabrée, ici nous serons en sécurité.

    L
    es rescapés avançaient dans un corridor obscur envahi d’herbes sauvages. Ils s’installèrent sous le branchage dense d’un arbre centenaire et plongeaient dans un silence éternel, alourdi par l’obscurité du lieu.

    Remarquant la gêne de son sauveur baignant dans ses sueurs, la jeune fille finit par briser la glace : « Parle-moi un peu de ton enfance ! »

    -Difficile, lâcha timidement l’homme en fixant ses lèvres pulpeuses


    ça a le mérite de faire de toi un justicier téméraire, fit-elle en passant sa main soyeuse sur sa joue rugueuse


    -Tu trouve !? S’exclama-t-il, paralysé sous ses caresses.
    -
    Tu parle !? Ce que tu as fait aujourd’hui pour notre parti…Et surtout pour moi, restera à jamais gravé dans mon cœur, fit-elle avec sa voix onctueuse en posant délicatement un baiser sur son front.

    Le désir envahit ses veines. Un magma de sentiments confus bouillonnait aux tréfonds de son être. Désemparé, il se leva brusquement et courut vers les toilettes retrouvant sa solitude.


    كان يوما قاسيا ولا ريب، إنه يشعر بالألم ويود أن ينتحب، أين ذهبت مناعته التي طالما حمته من الهزات في وحدته، إنه يحس وكأن شيئا ما قد تكسر داخله مثل فتاة فقدت عذريتها، لقد تبيّن أنّه عاجز بالكامل عن التآلف مع المرأة التي يحب.

    في يوم التظاهرة، التحق بأصدقائه أمام وزارة الداخليّة، تبيّن أنهم لم يكونوا وحدهم المحتجين، لقد اكتشف رجلنا ثوارا جددا بملابس من ماركات عالمية يكرّرون بهدوء شعارات هتف بها قادة المظاهرة تحت أنظار الصحافة المنبهرة (متعاطفة).

    من بين كل الأفواه المسعورة ميّز تلك الإبتسامة الصافية لمعشوقته الرائعة.

    طوّقت قوات مكافحة الشغب الجموع بكل خفية استعدادا للتدخل. ارتسم الخوف على وجوه قادة الحزب.

    انتفضت المعارضة الأنيقة،"أيها الزعيم، هنا الشارع وليس رفاهة المنفى ولا مجد البرامج التلفزيونية."

    تراجع الزعيم وحاشيته على عجل:" صاح "الرجل العنكبوت" وهو يشاهد بكل فخر صمود أصدقائه، لقد خلّدت الكاميرات جبنك، سيكون لك الفخر أمام الصحافة الأجنبيّة، والتهليل من البرلمانات الغربيّة، وربما سيخلدون موضعا يحمل اسمك ولكن، وبكل أسف يا زعيم، أنت لا تستحق أبدا مثل هذا الشعب"..وتابع ممسكا برعونة بذراع محبوبته الجميلة،" احترسوا، هؤلاء الخونة ليس لهم أية غيرة ليجابهوا بها البوليس السياسي"...

    هتف المحتجّون يناصرون "الزعيم الجديد"، وما كادت الفتاة ترفع ذراعه حتّى تتالت ضربات الهراوات بعنف وحدّة فوق رؤوسهم.

    دافع البطل عن رفيقته مثل نمر مثخن بالجراح فأخذ يذود عنها بإحدى يديه في حين يقاوم اللكمات المتتابعة (المسترسلة) باليد الأخرى ليتمكنا من الهرب نحو المدينة التي أصابها الشلل.

    كانا يركضان منتشيين، في الأنهج المؤدية إلى خارج المدينة، يتهكّمان من لواحق الثورة (معالم الزينة)(الإكسسوارات) التي يريانها تزخرف واجهات العرض الجديدة للعاصمة، ساخرين من هذه الدمى التي جدّدت عذريّتها للمشاركة في الانتخابات...

    - هذا منزل أجدادي، قال وهو يدفع بوابة ثقيلة لمنزل مهجور، سنكون بأمان هنا.

    تقدم الناجيان في ممر ضيق مظلم (حاتم) غزته الحشائش الطفيلية. واتخذا من تحت أغصان كثيفة لشجرة معمرة (مئوية) موضعا يلوذان به لينغمسا (يغطسان) في سكون (قاتل) أبديّ مثقل بعتمة المكان.

    لاحظت الفتاة ارتباك منقذها وهو غارق في عرقه، فأرادت أن تكسر حاجز الصمت (ذلك الجليد):"أخبرني شيئا عن طفولتك."

    - صعبة، أجاب الرّجل بكل حياء مطبقا شفتيه البراقتين (الفاتنتين).

    - هذا لأجل (على نخب) أحقيتك وجدارتك لأنك جعلت من نفسك مدافعا متهوّرا، قالت وهي تمرّر يدها بكل لطف على خدّه الخشن.

    - هل تظنّين ذلك !؟ هتف متعجّبا، وهو مخدّر من جراء مداعبتها له.

    - من دون شك؟ ما قمت به اليوم لأجل حزبنا...وخاصّة لأجلي، سوف يبقى محفورا في قلبي، أجابت بصوتها الرّقيق وهي تقبل جبينه بكل لين.

    انتشرت الرغبة في عروقه. خليط من مشاعر مرتبكة احتدمت وانصهرت في أعماق كيانه. مذهولا، قام فجأة وأسرع نحو بيت الخلاء بحثا عن عزلته.
    انتهت


    من أقوال الامام علي عليه السلام

    (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
    حملت طيباً)

    محمد نجيب بلحاج حسين
    أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
    نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

  • حاتم سعيد
    رئيس ملتقى فرعي
    • 02-10-2013
    • 1180

    #2
    تذكير:
    عنوان القصة:
    خلل صناعيّ


    من كتاب "سفن الصّيد القديمة"
    الكاتب التونسي "محمد بليغ التركي".

    ترجمة
    حاتم سعيد (أبو هادي)

    كان يعدو مسرعا في الشارع الذي تغلّف بدخان كثيف من أثر الغاز المسيّل للدموع دون أن يعرف نهايته.

    تمكن أخيرا من النجاة بجسده الذي فاق وزنه المائة وعشرة كيلوغرام متجنّبا ذلك الكم الهائل من القنابل المتساقطة على مقربة منه.

    تنفّس بعمق وقد استند إلى شجرة مخرجا من جرابه خوذة ذات ألوان مزركشة تشبه تلك التي تضعها قوة الدفاع الألماني كان قد عثر عليها في سوق الثياب المستعملة، قام بتسويتها بإتقان فوق جمجمته، ولف بشال (تقريطة) جميع رأسه.

    في طريق العودة، كانت خلايا الحزب وراء اللهب، والشباب يضرمون النار في العجلات المطاطية وصناديق القمامة ليمنعوا تقدّم قوات مكافحة الشغب بينما تعالت أصوات الآخرين من خلال التلفزيون رافعين اللوحات والرسومات القرآنية التي وقع نهبها من المحلات التجاريّة.


    في منزله، فتح المطارد جميع النوافذ، منتشيا بصفارات الإنذار المنبعثة. متمنيا لو تشاركه هذه اللحظات تلك الناشطة التي من أجلها كان قد انضم إلى صفوف المعارضة.

    قبل لقائه بها، كانت تهزه تلك النشوة العابرة التي تخلفها أفلام المتعة، أو حوريات وعذارى الحافلات المحتشدة بأصناف من المحظيات اللاتي يتخيلهن أو يقوم بتصورهن في وحدته الخانقة .

    أعلنت النشرة الإخبارية المسائية عن فرار الرئيس وعائلته.

    خلال السّهرة، و بينما كان يستعد لتحضير كعكة الاحتفال بسقوط النظام، وصلته إرسالية قصيرة عبر جواله (اجتماع طارئ، القائد يعود).

    انبعث في نفسه أمل جديد. أكل من الحلوى بعصبية، كما لو كان يحاول إخفاء ذلك الماضي المرير الذي طبع طفولته والذي يعاوده كلما شاهد تلك الصورة التي تجمعه بأطفال القرية عند احتفالهم بختانهم (طهور) الجماعي المنتظم في دار الحزب.

    في اليوم التالي، كان يعبر شوارع العاصمة المقفرة الغارقة في صمت رهيب، بعد تلك الأحداث الدامية، متطلعا في خوف للمباني المجاورة حتى لا يكون هدفا لرصاص القناصة المختبئين على أسطحها.

    كان الاجتماع قد انطلق، فاتّخذ مكانا في آخر القاعة بهدوء و بحذر، وقد سحرته تلك الابتسامة اللامعة القادمة من رفيقته الأنيقة.

    أوجز الأمين العام خطة عمل الحزب في قادم المحطات وركز بالخصوص على الاستعدادات الواجب عملها تمهيدا للمظاهرة المبرمجة في اليوم الموالي...


    اندفع العاشق خارج القاعة حانقا من ( langue de bois ) ( درس النحو السياسي) (اللسان الخشبي للسّاسة) اللغة الخشبية (العبارات المتشدّدة) للاجتماع استعدادا لتنفيذ خطته الجديدة التي رسمتها مخيّلته.

    تنويه وشكر: لكل أساتذتي المحترمين الذين حاولوا معي ترجمة هذه العبارة الفرنسية

    بعد الاجتماع، كان رجلنا يتابع أثر غزالته كحيوان مطارد حتى مقر سكنها بالمبيت الجامعي، وفي كل مرّة، دون أن يجرؤ على الاقتراب.

    لقد دفعته غريزة حب الاطلاع يوما إلى ملاحقة هذه الفتاة نحو مقر الحزب ليقتطع انخراطا فيه لمجرّد أن لا تغيب عن ناضريه.

    لم يثن اختفاء خيالها وراء البوابة الكبيرة للمبيت هذا الصياد عن ملاحقته. لقد عمد من وراء شجرة إلى استطلاع حركاتها أمام النافذة بمنظاره الكبير.

    انقطع العرض مع يد الحارس التي امتدت لتخنق عنقه، وقف جمهور من الفضوليين، استطاع المتلصص أن يضحّي بقميص الرجل الخارق(سوبرمان) ويلوذ بالفرار عاري الصدر نحو محطة المترو القفراء.

    كان هنالك دخان متصاعد من وراء أحد المقاعد الخربة، وعند اقترابه بحذر منه، اكتشف الهارب شابا مدفونا تحت كمّية كبيرة من الصناديق الكرتونية واللفائف المتسخة.

    تفرّس الغريب طويلا بجزء من عينه ملامح الفتى قبل أن يرمي له قميصا للرجل العنكبوت(سبايدر مان) قائلا:"تستحق فرصة ثانية أيها البطل" ليعاود الاختفاء مجددا تحت صناديقه الكرتونية.

    دهش النّاجي من تصرفات المتشرّد الغريبة، لبس القميص والتحق بسرعة بمقر سكناه دون أن يفهم شيئا ممّا حدث.

    من أقوال الامام علي عليه السلام

    (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
    حملت طيباً)

    محمد نجيب بلحاج حسين
    أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
    نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

    تعليق

    • حاتم سعيد
      رئيس ملتقى فرعي
      • 02-10-2013
      • 1180

      #3
      خلل في الصنع
      عن قصّة للأديب محمد بليغ التركي
      ترجمة: حاتم سعيد (أبو هادي)

      كان يعدو مسرعا في الشارع الطويل الذي تغلّف بدخان كثيف من أثر الغاز المسيّل للدّموع دون أن يعرف نهايته.
      تمكّن أخيرا من النّجاة بجسده الضّخم الذي فاق وزنه المائة وعشرة كيلوغرام متجنّبا ذلك الكمّ الهائل من القنابل المتساقطة على مقربة منه.
      تنفّس بعمق وهو يستند إلى شجرة، أخرج من جرابه خوذة ذات ألوان مزركشة تشبه تلك التي تضعها قوّة الدّفاع الألماني كان قد عثر عليها في سوق الثّياب المستعملة، قام بتسويتها بإتقان فوق جمجمته، قبل أن يلفّ بشال (تقريطة) كلّ رأسه.
      في طريق العودة، كانت خلايا الحزب وراء اللّهب، مجموعة من الشّباب أضرموا النار في العجلات المطاطية وصناديق القمامة ليمنعوا تقدّم قوّات مكافحة الشغب، بينما تعالت أصوات الثّائرين المحتجين من خلال التلفزيون رافعين اللّوحات والرّسومات القرآنية التي نهبوها من المحلاّت التّجاريّة.
      في المنزل، فتح المطارد جميع النّوافذ، تهزّه نشوة كبيرة كلّما استمع لصفّارات الإنذار التي تنبعث بين حين وآخر. وكم كان يتمنّى في تلك اللحظات أن تشاركه بهجته الناشطة التي من أجلها انضمّ إلى صفوف المعارضة.
      قبل كلّ لقاء بها، كانت تغمره تلك السّعادة العابرة التي تخلّفها أفلام المتعة، أو حوريّات وعذارى الحافلات المحتشدة بأصناف من الفاتنات اللّواتي يتخيّلهن أو يقوم بتصوّرهن في وحدته الخانقة.
      في المساء، أعلنت النّشرة الإخبارية عن فرار رئيس الجمهوريّة وعائلته.
      خلال السّهرة، وبينما كان يستعدّ لتحضير كعكة الاحتفال بسقوط النّظام، وصلته إرساليّة قصيرة عبر جوّاله (اجتماع طارئ، القائد يعود).
      انبعث في نفسه أمل جديد. أكل من الحلوى حتىّ التّخمة، كما لو كان يحاول إخفاء ذلك الماضي المرير الذي طبع طفولته والذي يعاوده كلّما شاهد صورته مع أطفال القرية عند احتفالهم بختانهم (طهور) الجماعيّ المنتظم في دار الحزب.


      في اليوم التاّلي، كان يعبر شوارع العاصمة المقفرة، وهي غارقة في صمت رهيب بعد كلّ تلك الأحداث الدّامية، يتطلّع للمباني المجاورة خوفا من أن يكون هدفا لرصاص القنّاصة المختبئين على أسطحها.
      كان الاجتماع قد انطلق، فاتّخذ مكانا في آخر القاعة بهدوء و حذر، مسحورا بالابتسامة اللاّمعة القادمة من رفيقته الأنيقة.
      أوجز الأمين العام خطّة عمل الحزب في قادم المحطّات مركّزا بالخصوص على الاستعدادات الواجب عملها تمهيدا للمظاهرة المتوقّعة في اليوم الموالي.
      دروس النّحو السّياسي وهذا اللّسان الخشبيّ، دفع عاشقنا أخيرا لمغادرة قاعة الاجتماع، ليحضّر كمينه الجديد.
      بعد الاجتماع، انطلق رجلنا في اقتفاء غزالته مثل حيوان مطارد وصولا للمبيت الجامعيّ، دون أن يجرؤ على الاقتراب من مقر سكنها مثل كلّ مرّة.
      في يوم من الأيام، دفعه فضوله لملاحقة هذه الفتاة نحو مقرّ الحزب ليقتطع انخراط مشاركة، لكي لا تغيب عن ناضريه.
      لم يثن اختفاء خيالها وراء البوّابة الكبيرة للمبيت هذا المطارد عن ملاحقته. لقد عمد من وراء شجرة إلى استطلاع حركاتها المعدودة أمام الناّفذة بمنظاره الكبير.
      انقطع العرض مع يد الحارس التي امتدّت لتخنق عنقه، ومع وقوف عدد من المستطلعين، استطاع الفضولي أن يضحّي بقميص الرّجل الخارق(سوبرمان) ويلوذ بالفرار عاري الصّدر نحو محطّة المترو المقفرة.
      كان هنالك دخان متصاعد من وراء أحد المقاعد الخربة، وعند اقترابه بحذر منه، اكتشف الهارب شابّا مدفونا تحت كمّية كبيرة من الصناديق الكرتونية واللّفائف المتّسخة.
      تفرّس الغريب طويلا بجزء من عينه ملامح الفتى قبل أن يرمي له قميصا للّرجل العنكبوت(سبايدر مان) قائلا:"تستحقّ فرصة ثانية أيّها البطل" ليعاود الاختفاء مجدّدا تحت صناديقه الكرتونية.
      اندهش النّاجي من تصرّفات المتشرّد الغريبة، لبس القميص والتحق بسرعة بمقرّ سكناه دون أن يفهم شيئا ممّا حدث.
      كان يوما قاسيا ولا ريب، إنّه يشعر بالألم ويودّ أن ينتحب، أين ذهبت مناعته التي طالما حمته من الهزات في وحدته، لديه احساس مبهم أن شيئا ما قد تكسّر داخله مثل فتاة فقدت عذريتها، لقد تبيّن أنّه عاجز بالكامل عن التآلف مع المرأة التي يحبّ.
      في يوم التظاهرة، التحق بأصدقائه أمام وزارة الداخليّة، تبيّن أنهم لم يكونوا وحدهم المحتجين، لقد اكتشف رجلنا ثوارا جددا بملابس من ماركات عالمية يكرّرون بهدوء شعارات هتف بها قادة المظاهرة تحت أنظار الصحافة المنبهرة (متعاطفة).
      من بين كل الأفواه المسعورة ميّز تلك الإبتسامة الصافية لمعشوقته الرائعة.
      طوّقت قوات مكافحة الشغب الجموع بكل خفية استعدادا للتدخل. ارتسم الخوف على وجوه قادة الحزب.
      انتفضت المعارضة الأنيقة،"أيها الزعيم، هنا الشارع وهو غير المنفى ورفاهيته ولا أمجاد البرامج التلفزيونية".
      تراجع الزعيم وحاشيته على عجل:" صاح (الرجل العنكبوت) وهو يشاهد بكل فخر صمود أصدقائه، لقد خلّدت الكاميرات جبنك يا زعيم ، ستفتخر أمام الصحافة الأجنبيّة، وستهلل لك البرلمانات الغربيّة، وربما سيخلدون اسمك في إحدى ساحاتهم، ولكن، وبكل أسف، أنت لا تستحق أبدا مثل هذا الشعب"..وتابع ممسكا بطيش ذراع محبوبته الجميلة،" احترسوا، هؤلاء الخونة ليس لهم أية شجاعة أو نخوة لمواجهة البوليس السياسي"...
      هتف المحتجّون مناصرة "للزعيم الجديد"، وما كادت الفتاة ترفع ذراعه حتّى تتالت ضربات الهراوات بعنف وحدّة فوق رؤوسهم.
      دافع البطل عن رفيقته مثل نمر مثخن بالجراح فأخذ يذود عنها بإحدى يديه في حين يقاوم اللكمات المتتابعة (المسترسلة) باليد الأخرى ليتمكنا من الهرب نحو المدينة التي أصابها الشلل.
      ركضا منتشيين، في الأنهج المؤدية إلى خارج المدينة، يتهكّمان من زينات الثورة التي يريانها تزخرف واجهات العرض الجديدة لمتاجر العاصمة، في استهزاء واضح من تلك الدّمى التي جدّدت عذريّتها للمشاركة في الانتخابات...
      - هذا منزل أجدادي، قال وهو يدفع بوابة ثقيلة لمنزل مهجور، سنكون بأمان هنا.
      تقدم الناجيان في ممر ضيق مظلم (حاتم) غزته الحشائش الطفيلية، واتخذا من تحت أغصان كثيفة لشجرة مئوية مخبأ أويا إليه وانغمسا في سكون أبديّ مثقل بعتمة المكان.
      لاحظت الفتاة ارتباك منقذها الغارق في عرقه المتصبّب، فأرادت أن تكسر حاجز الصمت الجليدي بينهما:"أخبرني شيئا عن طفولتك!".
      - صعبة، نطق الرّجل بكل حياء وأطبق شفتيه البراقتين.
      - مدافع شرس هذا ما صنعته بنفسك عن جدارة، قالت وهي تمرر يدها بكل لطف على خدّه الخشن.
      - هل تظنين ذلك !؟ هتف متعجّبا، وهو مخدّر من جرّاء مداعبتها له.
      - من دون شك؟ ما قمت به اليوم لأجل حزبنا...وخاصّة لأجلي، سوف يبقى محفورا في قلبي، أجابت بصوتها الرّقيق وهي تقبل جبينه بكل لين.
      أخذته رغبة شديدة في جسده. خليط من مشاعر مرتبكة محتدمة، أخذت تنصهر في أعماق كيانه. قام فجأة وهو مذهول، وأسرع نحو بيت الخلاء لعلّه يجدّد وحدته.

      من أقوال الامام علي عليه السلام

      (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
      حملت طيباً)

      محمد نجيب بلحاج حسين
      أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
      نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

      تعليق

      • محمد الصغير القاسمي
        عضو الملتقى
        • 13-07-2014
        • 116

        #4
        أستاذي حاتم سعيد،أسعدتني وأنت سعيد بأنك عرفتني بالنص وسقتني لكي أبحث حتى أتعرف على الكاتب ( محمد بليغ التركي ​) وعلى آثاره..شكرا على ذلك وشكرا على ترجمتك الرائعة.

        تعليق

        يعمل...
        X