زيوس...13

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الحميد عبد البصير أحمد
    أديب وكاتب
    • 09-04-2011
    • 768

    زيوس...13

    كان النهار شديد اللوافح قائظاً،,والشمس تجري في مستقر لها .. فلما حل المساء أخذت العاصفة تهب مزمجرة ،تطبق على الفضاء سوداء خافتة ،ثم سكتت أنفاس الهواء ، وزمت الجو، وركدت الرياح ،وراحت أنفاسه تلهث في فضاء مكتوم وجو خانق،إلا من زخات من المطر تطيب رفقة الليل ،رياح هادئة تزيل أثار الغبار العالق في طبقات الهواء ..شبح متكور يقتعد الصخور الناتئة في حواشي الجبل يرمق إلى الغيم وهي تسبح في القبة السوداء،،إستند إلى عكازصوته الأجش الناشز ينتهك ستار الليل ينشد أغنية لا معالم لها...
    يتوكأ على عكازه ثم يتهالك جسده ويسقط على الجلمود ، بعد أن فقدت قدميه القدرة على الحركة والسكون ..الألعاب النارية تطعن سديم الليل ،وتشطر أعرافه بشرار اللهب ،فترمي الصخور بوابل من الضوء سرعان ماتبتلعه الحصى والصخور الناتئة في قبة الجبل

    بقعة ضوئية تضرب عباءة الظلام فتكشف عن صورة وجه متلبد محتقن في العقد الأوسط من العمر حفر الزمن والألم بأزميل التعب والعناء أثاره على صفحة بشرته المنهكة

    ، يفكر في الوثب وامتطاء سحابة قريبة من الجبل ..عاد إلى الوراء ،حبس أنفاسه ، هم بالقفز ..تثاقلت قدميه النحيلتين ، تراجع ،أيقن أنه لن يستطيع امتطاء أعنتها إلا بوثبة قوية تمكنه من القبض على قرونها ،وضع قياس نسبي لطول المسافة التي سيقطعها ،هبت الرياح ساقت أشرعة الغيم إلى طريق أخر ..مط شفتيه الغامقتين ..سأختبر قدرتي ..تراخت يده، حلق في الهواء سقط في الوحل والطين ، ..تمهل يازيوس ..إلى أين أنت ذاهب بربك ..!!يركض مهرولاً ..حتى يشعر بالتعب يتسلق الصخور بسيقانه العارية ثم يلوذ بكهف في بطن الجبل الصخري ..يقتعد الصخور الملساء ،يرجل بمقارضه لحيته الكثة المستطيلة ،ويحك جلد صدره وشعره المعوشب كالحسك ..يشعر بعساكر النعاس تسرق بريق اليقظة من عينيه ،فيلقي بظهره على جدار صخري، ويطرح أظلافه فتعبث الرياح بساقيه فتبرز أعضائه، وينطلق منها ضراط قوي يشبه صوت احتكاك عجلات القطار .. نقض الليل غزله ، فرق جلباب الظلام واستهلت السماء بكساء من الضوء ريثما ترتقي الشمس منصة الأفق ..أستفاق زيوس ورحلت عساكر النعاس تاركة أجفانه بين سكرة الأمس وصحوة الغد، مخلفين روث الأحلام بين حواشي عينيه، عرك مابينهما وأطلق تثاؤبة طويلة ثم أعقبها زفرة حادة نابعة من صدره .. الرياح مازالت ثائره تلفح أديم وجهه القاني ،تلمظ من الغيظ ،ثم سعل البرد الناشب في جسده المرتعش ،بصق المخاط في وجه الرياح التي أفشلت حيلته ،ثم نكص على عقبيه ..لقد علمت أن الأنتقام بصقة في الرياح لا ترتد إلا لصاحبها ..حمل سرة الطعام على عاتقه ،وفي اليد الأخرى عصاته، وقفل نازحاً إلى أسفل ، كانت يديه ملفوفة في خرق بالية ،حتى لا تنزلق يده على الصخور الملساء التي أذاب قشرتها اليابسة تهاطل المطر ،هبط إلى سفح الجبل ..ثم استخرج كسرات من الخبز اليابس ،وقد امتدت يد العفونه فطفحت فوق قشرته ،طحن بعضها بقبضته ثم طوحها إلى فيه يذدري بعضها ،فبانت للهاه القانية ..نفذ الخبز اليابس ..ثم عصب رأسه بالقطعة المهترئة ،مضى في طريقه خلف الجبل
    لا يدري
    أين تسوقه الأقدارُ الهائمة ُفي عتمة الليل البهيم ,والتي أنبتت عقوداً من التيه شيد ظلالها الواهيةُ، ومسابرها الضيقة ،عقله المتمرد العالق في مجرات العدم والفراغ ، والرافض للأنعتاق من أغلال التوجس والسراب.. تراه مترباً بلحيته الكثة الناصعة البياض مسربلاً بكساء من الغبار ، يسير مترنحاً مثقلاً عاريا ً وحيداً في الظلام ،يطء الحصى والرمال، كأنه يرسف في أغلال العلل والهوان ،وقد تخلى عنه بريق الأمل ،وظل عالقاً بين براثن الشيخوخة ،بأردية متهالكة
    .تراه يستدر العاطفة ويتوسل الظلال المعربدة والهائمة من حوله .فلا أحد يلتفت له !!، يعب كؤوس الألم والغضب كثائر يبحث عن إنتقامه ،ومتمرد يفتش عن قلاع ثورة ، يرمق السحب وينتظر صعوده عندما تفتح بوابات الأوليمبس ، لتصطدم قدميه الداميتين بصخور حادة قاطعة نبذتها الأزمنة السحيقة والتي نتئت من حشاش رحم عقيمة, شوهت دروبها ومعالمها على مدى عقود صرخات ونزعات المكلومين ، والبؤساء والمعذبين في الأرض ..لقد نفذ وقتك يازيوس وآن الرحيل بحثاً عن الخلود الزائف في حنايا الأولمبس.. فياليتك تسمع صرخات أودين ،وبكاء ثور ، ومارد الثلج .. نعيب الهة الشمال ،والتي لم يعد أحد من أبناء الفايكنج يحفل بوجودهم فارتضوا كراهية ودون مساومة بالصمت الأزلي، وحياة الأبدية خلف جدران النسيان شطحاته الفكرية تنزاح به نحوهُوَّة الماضي حيث يظن أنه اقتحم هذا العالم المتغطرس في ضحى ذات يوم شمسه حارقة، والكل يتصبب عرقا، فلِذلك حظه اللعين هجير يحرق سطور المشعوذ.. إلى أين أنت ذاهب يا زيوس..؟ أما زالت تلك الأماني المبتورة تراودك، وقد فقدت مهارتك، براعتك .. صاعقتك الرمادية التي طالما دحرت به وحوش الهيدرا ،والكراكين.. سرقها غريمك أريز المعتوه..أم أنها فُقدت في صناديق الأمال الضائعة الأحلام البائسة ..ولماذا تجمع الألئيكل يوم عند مغيب الشفق الأحمر..؟،وأنت تطوف كالموتور شواطيء العالم القديم ،بحثاً عن الإيمان في قلوب المندثرين والفانيين،وتزعم أنه يغذي أرواحكم وأفئدتكم ليمنحكم البقاء والخلود ، سئم البشر من عبثكم و مخادنتكم للعاشقات، ومعاقرة الخمور، وزحفكم وراء الملذات . لاتنفك تعيد سرد الأساطير القديمة عن عظمة زيوس ،وغطرسة آخيل، وحماقة أجاكس وعذوبة هيلين وأخلاق هيكتور ،وأنت تحمل لفافات من المخطوطات المهترئة المثقوبة ، تهذي بها أمام حشد لابأس به ليمنحك البعض المزيد من القطع المعدنية لاسيما عندما يعتريك الهذيان وتصرخ متوعداً: العالم يحتاج إلى أبطال ،ألهة .. أيها الحمقى سأطالب بحقي في هذا العالم الغريب، سأعود قريباً إلى الأولمبس.. بإمكاني تغيير كل شيء..سأهبكم السلام ، ثم ترتد ناكصاً على عقبيك منكساً متمتماً: لكنني أعجز عن تغيير الطبيعة البشرية الهمجية ..والتي ستؤدي يوما ً ما إلى الإبادة الجماعية ، ترمق إلى السماء المتوعدة وتحذر من الغيوم الحمراء واقتراب يوم الدينونة ..من أجل أن تُسقط في بطنك مزيداً من الحلوى المعطوبة والنقانق الفاسدة ..إنه الوهم ،والأمل المفقود والسير خلف السراب ،أحلام اليقظة في زمن الوأد
    إنها وسيلةٌ لردم الأمنيات الخائرة واشتعال الألوان الباهته في حياته..هكذا كان زيوس يردم الآن حفره، يملأ ثقوب الحياة بهذيانه ..تزداد عتمة الليل، والأمطار تفصّل ثوباً مائيّاً خيوطه تمتد عبر النظر ..عاد زيوس إلى شاطئه يقتعد الصخور ،ويفترش الحصى والرمال ،يأكل اللحم النيء ،ينتظر هبووط الجسر الممتد ليعبر به بوابة المجد في طريقه إلى الأوليمبس ..استطالت لحيته حتى ابيضت ،تأكل جسده الهرم وذبُل،فخف وزنه،وضعُفت بنيته ، مُنذ أيام والصقور تحلق فوق رأس الجبل، تشتم رائحة نافذه من بين الصخور، فتدرك أن فريستها ليست ناضجة بعد ، تُخفق بأجنحتها، وتضرب الهواء مرات ، وتطوي الفضاء بأجنحتها حتى تتوارى خلف السُحب ..
    ذهبت أيام ولم تعد يا زيوس، فهل قتلك الجوع أم أن بوسيدون العنيد قد أبتلعك في أعماقه.. ولم تشفع لدنه توسلات العهد القديم..لن تستطيع أن تأخذ الأنسانية لترتع في حنايا المثالية كما زعمت!..ولن تستطيع أن تمنع الحروب التي نشبت والدماء التي جرت ،فقد سقطت الإنسانية في مجرات الفوضى والأحتراب ،وانتهت معها حُقبة الألهة..فالعالم الذي تحاول إنقاذه ضاع بلا عودة.
    التعديل الأخير تم بواسطة عبد الحميد عبد البصير أحمد; الساعة 27-06-2022, 01:30.
    الحمد لله كما ينبغي








  • محمد فطومي
    رئيس ملتقى فرعي
    • 05-06-2010
    • 2433

    #2
    سلامي الحارّ لك أحمد فريد،
    لك موهبة استثنائيّة على إتيان السّرد أخي فريد، لكن لا أدري لم توظّفه في غير القصّة ابتغاء القصّة،
    أقدّر عظيما بحثك عن نصّك عن قصّتك المنعرج التي ستكون رأس قائمة تجاربك القصصيّة الناجحة، لكنّي أعتب عليك بحثك عن القصّة بغير البحث فيها.
    واضح جدّا أن قسطا كبيرا من اهتمامك توليه إلى ثقافات الشّعوب و أساطيرهم و ميثولوجياتهم و ملاحمهم، هذا جميل و رائع لكنّ القصّة موقف قد يوظّف بعضا منها توظيفا ذكيّا مقتضبا من باب الصّورة "السرديّة" أو إعادة كتابة بطريقة قصصيّة تقتبس وحدة دلاليّة مقتضبة و عالية الشّحنة، ليس أكثر من ذلك.
    هنا في هذا النصّ أراك قدّمت حماسة اختصرت ملحمة فكانت بعيدة كلّ البعد عن القصّة القصيرة التي نزعم أنّنا نعلمها.
    القصّة يا أخي فريد، و أرجو أن يتّسع صدرك لقولي الحادّ نوعا ما ، أقول القصّة القصيرة ليست كتابة عظيمة متصلة بأمر ما، بل أثرا عظيما يُساق على متن فنّي قصير بسيط و ممتع.
    تقديري و محبتي.
    مدوّنة

    فلكُ القصّة القصيرة

    تعليق

    • عبد الحميد عبد البصير أحمد
      أديب وكاتب
      • 09-04-2011
      • 768

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة محمد فطومي مشاهدة المشاركة
      سلامي الحارّ لك أحمد فريد،
      لك موهبة استثنائيّة على إتيان السّرد أخي فريد، لكن لا أدري لم توظّفه في غير القصّة ابتغاء القصّة،
      أقدّر عظيما بحثك عن نصّك عن قصّتك المنعرج التي ستكون رأس قائمة تجاربك القصصيّة الناجحة، لكنّي أعتب عليك بحثك عن القصّة بغير البحث فيها.
      واضح جدّا أن قسطا كبيرا من اهتمامك توليه إلى ثقافات الشّعوب و أساطيرهم و ميثولوجياتهم و ملاحمهم، هذا جميل و رائع لكنّ القصّة موقف قد يوظّف بعضا منها توظيفا ذكيّا مقتضبا من باب الصّورة "السرديّة" أو إعادة كتابة بطريقة قصصيّة تقتبس وحدة دلاليّة مقتضبة و عالية الشّحنة، ليس أكثر من ذلك.
      هنا في هذا النصّ أراك قدّمت حماسة اختصرت ملحمة فكانت بعيدة كلّ البعد عن القصّة القصيرة التي نزعم أنّنا نعلمها.
      القصّة يا أخي فريد، و أرجو أن يتّسع صدرك لقولي الحادّ نوعا ما ، أقول القصّة القصيرة ليست كتابة عظيمة متصلة بأمر ما، بل أثرا عظيما يُساق على متن فنّي قصير بسيط و ممتع.
      تقديري و محبتي.
      أسعدني مرورك الكريم أستاذي الخلوق محمد فطومي..
      هي بالنسبة لي تعتبر التجربة الثانية في الطرح غير المباشر كما كنت أفعل سابقاً
      ومعك الحق تماماً هناك قفزات داخل النص لكني ٍأعمل على تداركها في القادم
      شكراً لك ولمتابعتك أستاذي ..لاحرمنا من تواجدك
      مودتي الخالصة
      الحمد لله كما ينبغي








      تعليق

      يعمل...
      X