تويت
المقامة الدارونية
حدّثنا ابنُ سهوان فقال:وقع جدالٌ شاذُ عندما شرح الأستاذُ درس علم الحيوانِ ؛زاعما أنه أصل الإنسانِ وقد صار ذلك من تطور الأنسال وتغيّرِ حالِ إلى حالِ ؛فانبثقت الزهرة عن الحيّة والعصا من العصيّةِ والخفاش من أحادية الخليةِ حتى كادت صلابة الحجرِ أن تكون أصلا لقلب البشرِ؛وما الضرب على الوترِ إلا نواقيس خطرِ تنذر آل بوشِ؛ بأن الأحزاب غزت قوانين الجيوشِ وذوات القروش تنازلت عن عرشها المعروشِ والتزمت قعر السجون في(عين العرب)و(بادوشِ)
فلما سمعتُ كلماته المسجوعة وقصيدته (الحرة)الممنوعة -من الصرف والإعراب ومن بلاغة الأعرابِ قلت في نفسي ؛لقد طال حديثه هلا قصّر وتبصّر ألم يسمع الشاعر ما فسّر:
خير الكلام قليلُ—على كثير دليلُ
والعيُّ معنى قصيرُ—يحويه لفظ طويلُ
أمّا معنى حديثه فاغتظتُ منه وقرفتُ ؛واستصغرتُ علمه وأنفتُ؛ثم رفعت يدي له ووقفتُ:
أيرضيك أيها المربّي الكريم أن يكون كل عالِم عليم وطبيب حكيم ؛قردا مقبوحا أوتيسا مفضوحا ؛أو رجلا ممسوخا؛فإن كان كذلك لأنت أول قرد هكذا يتكلم ؛ك(زرادشت)كان آخر من يعلم بأسرار الخلق ويفهم
فاغتاظ الأستاذ وتبرّم ومن صراحتي تألّم فقال؛لقد جزيتُ جزاء سنّمار والسكوت على العار كالجلوس على النار؛اسكت لأنت من القرد أقبح ؛ ومن المعزى أخزى وأفضح أما لك عائلة تربيك لتهين مربيك ؟
قال بن سهوان :ثم جاء السيد المدير ليضيف ويستنير؛وهو يمشي السبطْرى؛حتى خلته هزبْرا ضبطْرَ؛ فهدّأ الأستاذ وقال؛كل علم نظريّ إن تثبت شواهدُه ترسّختْ قواعدُه
وشواهد القردة كثيرة؛ تضمّهم القصورُ لا الحظيرة ؛قلت أية قصور قصدت يا أستاذ فإني بين الطلاب شاذ؛قال وهل غير الرئاسيةِ ذات الجدران الماسيّةِ والآثار الجوراسيةِ لا تهزها قوة الرياح الخماسية ولا فحوى القصائد الحماسية؛ فيها ما فيها فلله در مَن فيها يتقدمهم(جورج)الأب الشرعي لنوري؛ المقبور بن المقبورِ فاتح بغداد المنصورِ؛ فهو للقرد أقربُ رسما وأعنفهم خصما وأجهلهم علما وأخسأهم نقما؛قلتُ :يا أستاذي العلاّمة والبحر الفهامة يا أروع من ابن مامة ؛وأورع من ابن قدامة كيف نجمع متشابهَين اثنين في ضرب واحد فهل أصلك والرسم واحد؟قال :عن أي رسم تتحدث؟قلت :كثيرا ما تشابهت وتطابقت صفاتُ الرسومِ مع الجسومِ وتلك من أوراق وهذه من لحومِ؛فهل بينهما صلة تقارب؟إن قلت نعم فذاك أعجب العجائب
قال الأستاذ مستسلما:لقد نجحتَ في إدحاض علم داروين بالمنطق الثابت والبراهين وما العلم إلا من أفواه المجانين
فقلت:
أنا ابن سهوان وذي علومي*** ترقى إلى أوالق النجومِ
لئن تركتُ الجهل دون لومِ**سيزحف الجهلُ إلى تخومي
فيصبح القردُ أبا العلوم ******ويُنشرُ الظلم من الظلومِ
إذن فما نفعي أنا لقومي!
--------------