مادونا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • بسباس عبدالرزاق
    أديب وكاتب
    • 01-09-2012
    • 2008

    مادونا


    مادونا



    مادونا أو الوجه المظلم للمدينة، تتنزه بغير وجهة تريدها، تبحث عن أشياء كثيرة لا تعرفها، هي تدرك أنها سقطت منها ذات غفلة منها، ذات سعادة خادعة تحولت بسرعة لحقل أحزان شائكة، الأيام عندها واحدة و الساعات هي مجرد شموع تحترق بسرعة مبالغ فيها..
    تتسكع في الأزقة، تتجول بخطوات أرهقها الزمن، أحيانا تستقل الباصات للتنقل نحو أية جهة ممكنة، و كثيرا ما كانت تثور في وجه المارة بالشتائم بمجرد أن يمازحها بعض الذين يحبون أن يضيفوا لحياة المرهقين؛ جرعة من البؤس، فلو كانت رجلا لكان الناس يتحاشون مواجهته مثل "سيطوف"، فقد كانت المدينة تعيش رعبا بمجرد أن يمر في أي زقاق من أزقتها التي صممت لتختنق فيها الأرواح، يهرول بخطوات واسعة و يساعده في ذلك طول قامته، يتوقف فجأة و كأنه أنهى مرحلة معينة، ثم ينحني نحو رجليه و هو يمرر يديه بين ساقيه و كأنه يمرر الجنون نحو يد أخرى، و ربما هو يقلب الحزن نحو جهة مغايرة، و أحيانا تدوي صفعته في وجه أي فرسية قريبة منه..
    مادونا هي جرح الأنثى الأبدي، يسكن في المدينة منذ ولادة البشر، هي موعد الخيانة التي تحملت وحدها تبعيتها، تقترب بسرعة نحو الموت، كيف يكون وجه المدينة بدونها، حتما سنجد وسيلة؛ لنصنع مادونا أخرى، و لكننا سنصممها هذه المرة مثل آلة تلبي رغباتنا فقط، و ستكون سعيدة جدا، لكي لا نتحمل الذنب يوميا..
    كانت تجلس على المقاعد الخلفية للباص، و عينيها تنظر نحو شيء لا نراه، و كأنها كانت غارقة في ركام أحلامها، تراقب بحزن قاتل النوافذ، و هي تسأل نفسها، لماذا لا يكون لي نافذة أطل منها على الحياة بسعادة؟ أمن الصعب أن أنتظر رجلا كل مساء؟ و هو قادم بعين متشوقة لضمي؟ كيف يمكن لرجل واحد أن يدمرني؟ و كيف يمكنه أن يدمر قبيلة من النساء؟ و كيف أعجز عن إزعاج رجل واحد؟
    نزلت دمعة حاولت إجهاضها بسرعة مثلما أجهض حلمها، هي لا تريد البكاء، لأنه يسحبها نحو باطن الأرض، جاهدت بقوة كي لا تنزل الدموع، و لكن النساء صنعت من ماء مالح، تنفجر الدموع، هذه المرة لم تمنع خروجها و كأنها أرادت أن تتخلص منها دفعة واحدة..
    الدمعة الأولى كانت مذلة مثل العار الأول، و الباقية كانت جميعها تتحدث عما قابلها به هذا المجتمع؛ الذي يدعي الإنسانية دون وجه حق.
    مرة كانت تمشي في السوق و بطنها منتفخ، حاول أحد الحمقى أن يسخر منها و بذلك يحقق متعة الشهرة بين أصدقائه:
    -إبن من هذا؟
    -إسأل أختك، قد يكون ابنها يصرخ الآن من أبي؟...
    إقترب منها أحد السكارى، و هو معروف بين الناس بمهنة القوادة، تأبط ذراعها و اختفى معها نحو جهة غير معروفة، لتعود في اليوم الموالي و هي منبسطة البطن و كأن صاحب الفضيحة تخلص من حمولته.
    تغرق أكثر في مؤخرة الحافلة، تلامس الزجاج بكفها المتعب، تحاول بقوة أن تستدرج الفرح بملمس الزجاج المتألق بنور الشمس، تغمض عينيها و هي تعلن رحلة في الماضي، تسمع صوتا صادرا من زمن بعيد:
    -أحبك؟
    كلمة تشتاقها و تبحث عنها منذ الولادة، كلمة من الصعب العثور عليها بين حطام الجمال في وجهها..
    -كم أنت جميلة و مشرقة؟
    تنهدت بعمق، و ابتعلت الطعم، دائما تصطاد الفرائس بالمتعة و الجوع، و كانت روحها جائعة، تبحث عن حب يكون وليمة طازجة، و لكنها لم تدرك أنها فراشة لم تسعفها أجنحتها الضعيفة..
    -سأكون حبيبك الذي انتظرته، سأسافر معك نحو الجنة..
    و أرسلها للجحيم في ليلة واحدة، الحياة تحددها اختياراتنا، في لحظة واحدة، فيمكن أن ننهار بنقرة واحدة و يمكن أن نحلق بعيدا برصاصة واحدة...
    كذلك كانت الرصاصة التي اقتلعت حياتها بحرارة كبيرة، تتذكر كيف رفع سرواله و كأنه يرفع يده عن جريمته، و تحملت وحدها تلك النطفة، مثل لغم تسلل بداخلها.
    نظرت نحو فتاة تجلس بجانب شاب يتودد إليها، و عينيه ممتلأة شغفا و لهفة. و تحدثت بصوت حزين:
    -أعتقد أن هذه المدينة لسيت مجبرة بصناعة مادونا أخرى، غدا ستمتلأ المدينة بألف مادونا.
    السؤال مصباح عنيد
    لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #2
    كنت في احتياج لهذه المادونا
    ذاك السر الذي يتحرك هنا وهناك
    في أجواء المدن
    في السنين الآفلة التي تأتي على الأخضر في إنسانيتنا
    أنت قلت و قد صدقتك تماما ..
    و استطعت جري من اذني حتي لفظة النهاية
    لترني كيف ستتوالد المادونا في تلك الرحابة
    و كيف أننا لن يتحرك لنا جفن
    أو نصاب بالرهاب و الأرق

    نص رائع .. أقل ما يقال فيه
    sigpic

    تعليق

    • عاشقة الادب
      أديب وكاتب
      • 16-11-2013
      • 240

      #3
      عدت كأن ابداعك ناداني
      لقد صورت الواقع وكم من مادونات ضحية جوع الحب وضحية مجتمع ذكوري فقط فيه الانثى هي العار وسبب كل المصائب وانها فقط وحدهامن تنفخ بطنها لتلد الرديلة .
      لك ارفع قبعتي لانك فعلا قلت المفيد وباختصار
      تحياتي

      تعليق

      • بسباس عبدالرزاق
        أديب وكاتب
        • 01-09-2012
        • 2008

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
        كنت في احتياج لهذه المادونا
        ذاك السر الذي يتحرك هنا وهناك
        في أجواء المدن
        في السنين الآفلة التي تأتي على الأخضر في إنسانيتنا
        أنت قلت و قد صدقتك تماما ..
        و استطعت جري من اذني حتي لفظة النهاية
        لترني كيف ستتوالد المادونا في تلك الرحابة
        و كيف أننا لن يتحرك لنا جفن
        أو نصاب بالرهاب و الأرق

        نص رائع .. أقل ما يقال فيه
        جعلتني أحتضن مادونا بقوة أستاذي

        كيف لا و هي من كانت الوجبة الطازجة حتى قبل أن تنضج على حريق السنين و أفواه الناس
        رأيك أعتز به كثيرا و جدا

        أحببت حضورك و جميل قرائتك الواعية

        تقديري الكبير أستاذي
        السؤال مصباح عنيد
        لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

        تعليق

        • بسباس عبدالرزاق
          أديب وكاتب
          • 01-09-2012
          • 2008

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة عاشقة الادب مشاهدة المشاركة
          عدت كأن ابداعك ناداني
          لقد صورت الواقع وكم من مادونات ضحية جوع الحب وضحية مجتمع ذكوري فقط فيه الانثى هي العار وسبب كل المصائب وانها فقط وحدهامن تنفخ بطنها لتلد الرديلة .
          لك ارفع قبعتي لانك فعلا قلت المفيد وباختصار
          تحياتي
          هي ضحية الكثير
          و إن كنت أتفق مع في ظاهر المرض و لكن هي أعراض المرض مثلما تصيب الحمى المصاب بالإنفلونزا فنداويه بحبات تنزيل الحرارة عوض التوجه لأصل الداء كذلك اليوم فالمرأة ليست بحاجة للحرية أو المساواة بقدر ما هي بحاجة لمعرفة دورها الحقيقي في هذه الحقبة بالذات فلو قامت تلك الناشطات بإقامة ملتقى إسلامي يجمع الكل للبحث في مهمتهم
          فلا أعتقد أن رجلا عاديا منهكا من العمل يعاني ما يعاني فنأتي من وراء مكاتب و ندعوه بالمساواة كذلك زوجته أو ابنته فهم اليوم بحاجة لشئ أقدس من كل ذلك، هم بحاجة للحياة و الأمل في غد جميل
          هذا إن توفر سيغير الكثير و الكثير

          المشكلة أستاذتي ليست في كون المجتمع ذكوريا أو أنثويا أو غيره
          بل في غياب حالة ثقافية و أيضا تضييعنا لروح الإسلام و لبه
          نحن أصبحنا مجرد بقايا تاريخ مضى و نريد أن نبني فوق ركام في حين وجب ان نبحث مواد أخرى للبناء

          مادونا ضحية المجتمع ككل

          أوافقك حديثك كثيرا و يبقى الحل بعيد المنال مثل قربه تماما

          أشكر تعقيبك الذي أسعدني كثيرا

          تقديري أختي عاشقة الأدب
          السؤال مصباح عنيد
          لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

          تعليق

          يعمل...
          X