مشاعر نافقة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الحميد عبد البصير أحمد
    أديب وكاتب
    • 09-04-2011
    • 768

    مشاعر نافقة

    الأملُ ينتحر قرب عتبة الأفق، الصمتُ الكئيب يسري إلى عالمي ..أحاسيس عارية تشتجر داخلي ،ثم تستفيق من حولي ،وتزحف إلى الفراغ قبل نفوقها في صحراء العدم ، لتتخذ ساتراً قبل سقوطها في محرقة الغبار والرماد .. حياة تطفو وأخرى تسقط في قعر النسيان ، ثنائيات تسبح في الفراغ والعدم، الصورة الصحيحة للمثالية في تعريفها ..الإنسجام والتناغم يتدفقان بانسيابية داخل إيقاع سريع ومستقر ...ولعل النسبية في جوهرها الأدبي ترى أن شتات الألحان المتناثرة يفتقد إلى إيقاع مستقل في قيثارة الزمن .. وعند تراخي الأوتار ..نجد عبثية اللحظة في قُطر من الثانية، تعزف سيمفونية الأنكسار ..غالبية المشاكل التي نعيشها أو تعيشنا تحتاج فقط لنوته يمكن من خلالها الحفاظ على إيقاع مستقر ثابت .. وعندما يختل الإيقاع في مركزية العقل، تسقط النسبية في فوضى الإنعكاس الزمني
    جراء سلسلة من الحسابات الخاطئة .. غالباً ما تكون الفوضى العارمة في الحياة بداية لإعادة تشكيل حياة جديدة ..مثل نظرية الإنفجار العظيم ،ونشأة العالم القديم، مثل الطور الذي يمر به الجنين في الرحم ..التغيير حصانة البقاء ،وكالعادة لابد أن يكون هناك من يدفع الثمن.. ثنائية الخير والشر في ملحمة جلجامش .. المثيولوجية اليونانية ،حاولت أن تشرح للعالم مفهوم العقدة ..!! وهي ذات العقدة التي تناحر من أجلها العالم القديم فسقط في بؤر الإحتراب والفوضى ..إنها عقدة أفلاطون التي جعلته يتوارى من سجال السفسطائيين.. إنها عقدة الأمراء والملوك في قهر الرعية وصراع العروش ، والتي صارت تعرف فيما بعد بالسياسة ،وصار لها أبعاد، ومفاهيم، ومدارس ..! السياسةُ لاتنتج إلا مسوخاً ياصديقي ..السياسة تملك ما تقتله ، تذكر ذلك ..! أعود إلى البحث عن مدينتي الفاضلة القابعة في العقل الديستوبي ..! أعود إلى صوابي ،أتلمس خطوط وجودي، أحاول أن أحدد منها خطاً للإنفلات من متاهات الضياع ، راودتني فكرة رسم لوحة تشكيلية علني أفرغ فيها بفوضوية بعضا من مشاعري وأفكاري ،أحتاج حقاً إلى دلو للنفايات، أسفح فيه خطيئتى ، وأذدري فيه معصيتى .. الخط نواة الزمن ، وإشعاع مُضيء مرشد لأبصارنا وأفكارنا وسلوكياتنا. فتنتج الأشكال من الخطوط بكل أطيافها، أبعاد زمنية متناهية الصغر ،مثل المربع والمستطيل، والدائرة..إنها هندسة الحياة..! أعتقد أن كل الرموز والإشارات التي تسبح في العدم لايمكن توثيق مفهوم واضح وجلي لها إلا عند إيجاد النقيض ..والمعنى المبهم يفتقر لوجود الأشارة عند حلول التعريف ..
    من قال إن الومضة لا تعود، فاللومضة زمن وبعد ، والزمن دقائق وشهور وأعوام . وبقدر ما يتّسع، يعود ليضيق وينكمش إلى ومضة... الموت لحظة، والحياة انكماش الزمن في لحظة الموت.. فبدأت أحس نبض الحياة يتدفق في عروقي فجأةً كأمطار الخريف. وانفرجت ستائري على أغوار بدأتُ بسبرها إقبالاً على الأشياء والأشخاص من حولي
    ..هناك أشياء تبدو تافهة حينما نراها كأنها ظلال معكوسة لحدث سابق في الزمن الرقمي ، نحبها ونتعاطى معها ..فعل مادي ، وأشياءأخرى تتبدل وتتغير في قطر زمني ضئيل، سقط من حسابات الوعي والإدراك ،جراء إغفاءة زمنية في منحنى خارج عن الحسابات الكونية .. يتقلص المشهد شيء فشيئ لتتغير مجرى الصورة داخل الكادر تباعاً بتغير الوقت والمكان، لتمنحنا معطيات وموازين أشبه بالقوانين الفيزيائية في لحظة يمكن توصيفها بتثاؤب الطبيعة ..لايوجد شيئاً في هذا العالم يتمتع بالمثالية المجردة ..ولايمكنك أن تلمس شيء حقيقيا في ذلك العالم المصنوع من الزجاج الهش ، كالذي نستخدمه في السينما عند سقوط الأشرار..تنساب الدقائق من جراب الوقت سريعاً، وكأنها قطرات من الماء تنسلت ببطء حذر ليعاد تشكيلها فور سقوطها وما بين الذهاب والعودة تحدث الفجوة أو إنحناءة زمنية تبتلع فيها المشاعر والأحاسيس التي نفقت .. هكذا يسمى المنحى النفسي برأس الدرب ..رأس الدرب ...حيث يتجمع من تاه عن السرب ،أو فقد مكانه المناسب في ضلع الحياة ،أو سقط سهوا من مشجب اللعنات ،ليقتلوا صراصير الخسارات ،أو يتبادلوا أساطير الشغل ،أو تُحَفَ الغلاء ،أو تداول أساليب موارد العيش ولو بالانتحار البطيء..رأس الدرب أحاول أن أتمسك
    بمحور الزمان .. لأتبين الحدود الفاصلة بين الحلم والحقيقة ، الواقع والسراب .. أحاول أن أزيل سديم الضباب عن ناظري .. كانت ترتدي فستانا ازرق فاتح قصير الأكمام .. يصل الى ركبتيها، ولا شئ من الحُلي سوى سلسال رفيع من الذهب يتدلى على صدرها، و ساعة صغيرة في معصمها حزامها من الجلد الاسود .. عطرها استباح المكان برائحة فواكة ربيعية.. استعرت كل اللقطات السينمائية التي أجيد تصويرها لأبدو مثالياً في الصورة ،غيرت وضعية المقعد ، المائدة ، الزهور مرات عديدة ..ولم تفلح لقطة مستوى العين في إبراز الجانب الحسي داخل الكادر كما هو الحال في اللقطة السينمائية المعروفة..وكذلك لقطات الزوايا المنخفضة والعلوية والجانبية،ثم استدعيت كلّ اللّقطات الرّومانسية التي تجمع حبيبين، وسمحت أن أصلح كلّ العيوب التي يمكن أن تشوب المشهد. ضيّقت من ابتسامتها الواسعة، وجعلت من الشّعرالخفيف حزمة سميكة تبعثرها بوادر الرّبيع على كتفيها، فلما شعرت باليأس وأصابني الفتور والأحباط تراجع مؤشر الثقة لدي وازداد شعوري بالحنق والملل وفتر لساني عن قصيدة من السباب واللعن ، وبدأت الحرارة تنفذ من مسامي والجليد يتسرب إلى دمي وعظامي لىيترسب في أعماقي ذلك الغريب مستنقع القذارة الذي استوطن جسدي وأبى أن يغادرني إلى أشعار أخر كنا نعد الكلمات ونراها تذوب في لهيب الصمت
    ..ارتشف قهوتي في غياب عن وعيي، ألحظ إلى السائل البني وقد تنحت في حواش الفنجان رغوة بيضاء علقت بجدرانه ..الثمها بسبابتي ،ثم أدلي طرف لساني القاني لأحصل على متعة إكتشاف جديد تناهى إلى سمعي وطء أقدامها بإيقاع ثابت خطى متزنة تختال كموديل ،تصنعت الوقار ، ظلت واقفة وكنت ساهما كأنني مصور فوتوجرافي احدد اللقطات والزوايا والوضعيات لموديلز أثناء جلسة تصوير حميمية ..! رأيتها والنظارة ذات العدسات الواسعة تحجب بريق عينيها النجلاوين ،تداركت الموقف وتصنعت البلاهة تأوهت ..قمت وسحبت مقعدها جلست متصنعة الإبتسام ..طلبت عصيراً ، ماء ، قهوة.. استطال ذراعها ومدت يدها ثم حركت قدحها ورفعته الى شفتيها المكتنزتين بلثمة حانية فالتصق الكوب وأطبق عليهما ..تناقشنا في كيفية تربية الطفل الذي يربط بيننا قبل الخوض في ترتيبات الطلاق ..تصنع مذهل أقل ما يقال عن علاقتنا الفاترة ..تبتسم دون إفراط ، ثم تسترد ضحكتها عندما ينفرط عقدها أكثر من اللازم بزمام التجلد .. ..كلاً منا يتناول قهوته في روتين غريب تخطى حدود الرتابة، كأننا أشبه بالأسكريبت الذي يعد سلفاً في الإذاعة والراديو مثل :الكلمات ، الموسيقى ، المؤثرات الصوتية .. كل ذلك من أجل أضفاء لمسات مُثيرة تُحقق معها أكبر قدر من الواقعية.. كأننا استبدلنا أنفسنا بقطع من الأفتار وصارت أرواحنا كأنها برامج ودمُى نعبث بها.. وأجسادنا قطع قابلة للأختبار والمحاكاة، تكنولوجيا تمنحك المثالية المفقودة ،لكنها تفتقد إلى الأحساس والمتعة ..لاشك أنه الفرار من الألم، ،الزمان، المكان ،واللامكان... عن طريق استخدام التقنيات الحديثة والتي نفقت مشاعرنا بداخلها وصارت جيف سرعان ماتتحلل لتأخذ المشاعر دورتها في ذلك التحول التقني الجديد .. لم نعد نشعر بالذوبان وهو معنى تقليدي للحب الذي كنا نعرفه ونتعاطاه لنجهل مذاقه في ظل حسابات وقوانين تخضع للقياس والنسبة والسرعة والدقه..إنه العالم الجديد والتطور السريع للمشاعر والأحاسيس والتي باتت تعمل من خلال رقاقة إلكترونية يمكن استبدالها وقت الحاجه ..لم نتخطى حدود اللامحدود ..نظرت إليها وأمعنت في النظر ..لابد أن تكون هناك فرصة ثانية ..كانت تتمنى ذلك ..أفعالي المراهقة ،جعلتها لا تثق بي كنت الرجل الأول والأخير لن يطء غيري محراب قلبها ..لديها عمل ستعول الطفل ..لقد انتهى زمن الرجال في أحلامها ..نهضت دون أن تنبس بكلمة تناولت مفاتيح مركبتها ونظارتها ..ظلت تحدج عندما التقت أعيننا فامتد بينهما جسر لامرئي عبرت عليه عربات الحزن لركض خيولها وقع في أذاننا هطلت دموعها هطولاً ليُعشب الألم في صدري ويغطى مساحات شاسعة ...استدارت موارية دمعة قد مرق نزفها على نحرها قبل أن ألحظها ..ثم مضت في طريقها ..وأنا احرك سائل القهوة بإصبعي
    التعديل الأخير تم بواسطة عبد الحميد عبد البصير أحمد; الساعة 23-03-2022, 12:12.
    الحمد لله كما ينبغي








  • فوزي سليم بيترو
    مستشار أدبي
    • 03-06-2009
    • 10949

    #2
    هل تذكر فيلم العصافير لألفريد هيتشكوك ؟
    أظنه كان في سنة 1963
    لم يكن وقتها رقاقات أليكترونية نستبدلها وقت الحاجة
    كان الإخراج وقتها بلديّا وليس مستوردا من مشاعر تكنولوجيّة زائفة وتافقة .
    تخيّل لو أن العصافير قد أنتج اليوم مع هذه التكنولوجيا . سوف نخرج من السينما
    ونحن نصرخ : سيما أوَنطة هاتوا فلوسنا !
    النص جميل ، حكاية تُروى وليس قصة
    تحياتي
    فوزي بيترو

    تعليق

    • عبد الحميد عبد البصير أحمد
      أديب وكاتب
      • 09-04-2011
      • 768

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة فوزي سليم بيترو مشاهدة المشاركة
      هل تذكر فيلم العصافير لألفريد هيتشكوك ؟
      أظنه كان في سنة 1963
      لم يكن وقتها رقاقات أليكترونية نستبدلها وقت الحاجة
      كان الإخراج وقتها بلديّا وليس مستوردا من مشاعر تكنولوجيّة زائفة وتافقة .
      تخيّل لو أن العصافير قد أنتج اليوم مع هذه التكنولوجيا . سوف نخرج من السينما
      ونحن نصرخ : سيما أوَنطة هاتوا فلوسنا !
      النص جميل ، حكاية تُروى وليس قصة
      تحياتي
      فوزي بيترو
      ومن يستطيع أن ينكر ذلك الفيلم دكتور بيترو.. وتخيل معي لو قاموا أيضاً بإعادة تصوير أفلام مثل موبي ديك ..ماذا سيحدث..؟في ظل الطفرة الهائلة التي تشهدها صناعة السينما لن ينفر الناس ولكن سيحصد المشاهدة الأولى وليس كالأنتاج الماضي
      الفيلم كان يمكث بالشهور ويعاد عرضه
      الحمد لله كما ينبغي








      تعليق

      يعمل...
      X