لم يعد القمر بدرًا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • احمد حمزة طمبل
    أديب وكاتب
    • 26-04-2013
    • 34

    لم يعد القمر بدرًا

    لم يعد القمر بدرًا

    قصة قصيرة/ احمد حمزة طمبل[align=justify]
    في البداية كنا نلتقي عند شجرة التوت الضخمة بالقرب من مقام "سيدي علي"، ولكن مطاردة الكلاب الضالة لنا وارتفاع صوتها الدائم بالنباح جعلنا نفتش عن مكان اخر للقاء .. وكان الجسر. حيث دأبنا علي اللقاء منذ ذلك الحين عند منتصف الجسر الخشبي القديم الذي يربط بين قريتنا وقريتكم وذلك في كل ليلة يصبح فيها القمر بدرًا . نقتعد الأرض .. نتبادل الحلوى والهدايا ونتجاذب اطراف الحديث ، تحدثني عن زوجة ابيك وغضبها الدائم دون سبب، ورغبة اختك الكبري في الزواج كي تهرب من ذلك الجحيم الذي تعانيه في البيت. وأحدثك عن عمدة قريتنا الذي سرق نصف أرضنا بعد رحيل أبي. تجمعنا علاقة قرابة بعيدة ، وتوطدت علاقتنا أكثر لأننا كنا في فصل دراسي واحد . منذ الصغر أعاني من شلل في قدمي اليسرى لذا فقد كنت مطمعاً للكثير من التلاميذ المشاغبين ، ولكنك دائماً ما كنت تهب للدفاع عني . مرت الأيام ولم نترك ليلة كان القمر فيها بدرًا إلا والتقينا. ذات مساء أخبرتني أنك سوف تذهب غداً مع أبيك إلى المدينة لأمر هام ، يومها أعطيتني كل الهدايا والألعاب التي لديك وطلبت مني الاحتفاظ بها .توجست خيفة خصوصاً بعد أن أرسلت نظرك نحو السماء فكشف لي ضوء القمر عن انفلات دمعة من عينيك . لم أذق طعم النوم لمدة ثلاثة أيام وفي ظهيرة اليوم الرابع ، حملت لي الرياح أصوات صراخ وعويل من وراء الترعة، بعدها بقليل هتف هاتف باسمك بين البيوت ، وعند شجرة التوت ، ومن فوق الجسر. أخبرني أبوك أنك كنت قد أصبت قبل فترة بمرض عضال ، لم تكن تستطع النوم ، وكان الألم ينهش جسدك النحيل ،أدركت وقتها لماذا كنت تتحاشى آنذاك النظر في عيني .طوال فترة وجودي في القرية وعندما يصبح القمر بدرًا كنت أذهب بمفردي وأقتعد الأرض عند منتصف الجسر، أفرش منديلاً كبيراً وأضع فوقه الهدايا والألعاب ، أتطلع إليها بحزن بالغ وأبكي بحرقة شديدة . أخذتني الأيام بعيداً. ولكنني كنت أتحين الفرصة كلما حملتني الأقدار إلى القرية، أذهب خلسة إلى الجسر، أفرش المنديل وأضع فوقه الألعاب والهدايا .. بينما تتدحرج الدموع من عيني . مرت السنوات سريعة ، اشتعل شعر الرأس شيباً ،وأصبحت قعيد البيت ،وبالكاد أمشي على ثلاث. ولكنني ما أزال .. عندما ينتصف الشهر، أوصد باب حجرتي، أفرش المنديل على المنضدة ، أضع فوقه الهدايا والألعاب . وبعيون غائمة، ومن خلف زجاج النافذة الموارب أتطلع إلى القمر .. الذي لم أعد أراه بدرًا منذ رحيلك .[/align]
  • محمد فطومي
    رئيس ملتقى فرعي
    • 05-06-2010
    • 2433

    #2
    قصّ ماتع حقّا،
    يسرّني التعرّف إليك أخي أحمد من خلال هذا النصّ الجميل.
    لحسن الحظّ أنّ نصوصا قصصيّة جيّدة تنبري كلّما أوشكنا على أن نفقد الثّقة في ظهورها ثانية. لقد أحالتني القصّة على كتاباتك الأخرى فقرأت أيضا "كلاب العمدة" ، و زاد يقيني بأنّي إزاء قاصّ جدير بهذا اللّقب.
    ثمّة اشتغال و تشويق و مراس كبير و جملة سرديّة عالية الأناقة. دون أن أنسى انتباهك إلى سرّ الإدهاش و مكمنه بين كلّ الأفكار الملقاة على قارعة الطّريق، و حسن تدبّرك لمتطلّبات قرّاء القصّة "الماكرين".
    لكن لا أخفيك أخي أعجبتني كلاب العمدة أكثر، لا أعني بذلك طبعا استنقاصا من قيمة هذا النصّ الذي بين أيدينا، إن هو إلاّ انطباع و حسب.
    بالنّسبة إلى " لم يعد القمر بدرا" رغم كلّ النّقاط التي ترشّحه إلى اعتلاء منزلة النصّ الجيّد، إلاّ أنّي لم أستسغ صراحة، تلك المكاشفة السابقة لأوانها في مناسبتين و التي برأيي أضرّت بالقصّة:
    أخبرتنا في منتصف النصّ تقريبا أنّ الصّديق قد مات. ثمّ ختمت بها النصّ.
    أخبرتنا أيضا في أكثر من مناسبة في منتصف النصّ أنّ الرّاوي ظلّ وفيا لطقوس اللعبة التي كانت تجمعه بصديقه رغم مرور السنوات، ثمّ ختمت النصّ بهذه الفكرة غير الجديدة.
    ربّما مع إضافة طفيفة في استمراره القيام بذلك رغم تقدّمه في السنّ، لكنّها كدهشة أُنهكت كثيرا بالكشف عنها سابقا.
    أّا عن رأيي المتواضع كقارىء فيما يتعلّق بروح القصّة أو لنقل خبرها الذي تسوقه فاسمحلي سيّدي و ليتّسع صدرك إلى ما سأقول فلم أصدّق هذا الوفاء. قد تقول لي إنّها أحداث مُتخيّلة ، هذا صحيح لكن على أيّة حال هناك دائما جانب من الواقعيّة الّلصيق بالقصّة حتّى لو كانت الأحداث فنطازيّة و مهما كانت غريبة. و لا أقصد بالواقعيّة هنا الأحداث المخلصة لمتداولنا اليوميّ بل أقصد جاهزيّة الأحداث لتؤلّف مُجتمعة وحدتها المُقنعة حتّى لو كانت غرائبيّة كما قلت.

    أجدّد تحيّتي و تقديري لك أخي الكريم.
    تشرّفت كثيرا بمعرفتك.
    مدوّنة

    فلكُ القصّة القصيرة

    تعليق

    يعمل...
    X