وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر....

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حاتم سعيد
    رئيس ملتقى فرعي
    • 02-10-2013
    • 1180

    وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر....

    يقول تعالى في محكم تنزيله( وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين )




    التاريخ والتراجم

    الكامل في التاريخ

    عز الدين أبو الحسن علي المعروف بابن الأثير دار الكتاب العربي سنة النشر: 1417هـ / 1997م
    رقم الطبعة: ---
    عدد الأجزاء: عشرة أجزاء

    وردت قصة سيدنا موسى عليه السلام في هذا الكتاب وهي كالتالي
    [ ص: 150 ] قصة موسى - عليه السلام - ونسبه وما كان في أيامه من الأحداث

    قيل : هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، وولد لاوي ليعقوب وهو ابن تسع وثمانين سنة ، وولد قاهث للاوي وهو ابن ست وأربعين سنة ، وولد لقاهث يصهر ، وولد عمران ليصهر وله ستون سنة ، وكان عمره جميعه مائة وثلاثين سنة .

    وأم موسى يوخابد . واسم امرأته صفورا بنت شعيب النبي .

    وكان فرعون مصر في أيامه قابوس بن مصعب بن معاوية صاحب يوسف الثاني ، وكانت امرأته آسية بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد فرعون يوسف الأول .

    وقيل : كانت من بني إسرائيل ، فلما نودي موسى أعلم أن قابوس فرعون مصر مات وقام أخوه الوليد بن مصعب مكانه ، وكان عمره طويلا ، وكان أعتى من قابوس وأفجر ، وأمر أن يأتيه هو وهارون بالرسالة . ويقال : إن الوليد تزوج آسية بعد أخيه ، ثم سار موسى إلى فرعون رسولا مع [ ص: 151 ] هارون ، فكان من مولد موسى إلى أن أخرج ببني إسرائيل من مصر ثمانون سنة . ثم سار إلى التيه بعد أن مضى وعبر البحر ، وكان مقامهم هنالك إلى أن خرجوا مع يوشع بن نون أربعين سنة ، فكان ما بين مولد موسى إلى وفاته مائة وعشرين سنة .

    قال ابن عباس ، وغيره ، دخل حديث بعضهم في بعض : إن الله تعالى لما قبض يوسف وهلك الملك الذي كان معه وتوارثت الفراعنة ملك مصر ونشر الله بني إسرائيل لم يزل بنو إسرائيل تحت يد الفراعنة وهم على بقايا من دينهم مما كان يوسف ، ويعقوب ، وإسحاق ، وإبراهيم شرعوا فيهم من الإسلام حتى كان فرعون موسى ، وكان أعتاهم على الله وأعظمهم قولا وأطولهم عمرا ، واسمه فيما ذكر الوليد بن مصعب ، وكان سيئ الملكة على بني إسرائيل يعذبهم ويجعلهم خولا ويسومهم سوء العذاب .

    فلما أراد الله أن يستنقذهم بلغ موسى الأشد وأعطي الرسالة ، وكان شأن فرعون قبل ولادة موسى أنه رأى في منامه كأن نارا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل ، وأخربت بيوت مصر ، فدعا السحرة ، والحزاة ، والكهنة ، فسألهم عن رؤياه ، فقالوا : يخرج من هذا البلد ، يعنون بيت المقدس ، الذي جاء بنو إسرائيل منه ، رجل يكون على وجهه هلاك مصر ، فأمر أن لا يولد لبني إسرائيل مولود إلا ذبح ويترك الجواري .

    وقيل : إنه لما تقارب زمان موسى أتى منجمو فرعون وحزاته إليه فقالوا : اعلم أنا نجد في علمنا أن مولودا من بني إسرائيل قد أظلك زمانه الذي يولد فيه يسلبك ملكك ويغلبك على سلطانك ، ويبدل دينك . فأمر بقتل كل مولود في بني إسرائيل .

    وقيل : بل تذاكر فرعون وجلساؤه معا ما وعد الله - عز وجل - إبراهيم أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكا ، فقال بعضهم : إن بني إسرائيل لينتظرون ذلك ، وقد كانوا يظنونه يوسف بن يعقوب ، فلما هلك قالوا : ليس هكذا وعد الله إبراهيم . فقال فرعون : كيف [ ص: 152 ] ترون ؟ فأجمعوا على أن يبعث رجالا يقتلون كل مولود في بني إسرائيل ، وقال للقبط : انظروا مماليككم الذين يعملون خارجا فأدخلوهم واجعلوا بني إسرائيل يلون ذلك ، فجعل بني إسرائيل في أعمال غلمانهم ، فذلك حين يقول الله - عز وجل - : إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ، فجعل لا يولد لبني إسرائيل مولود إلا ذبح وكان يأمر بتعذيب الحبالى حتى يضعن ، فكان يشق القصب ويوقف المرأة عليه فيقطع أقدامهن ، وكانت المرأة تضع فتتقي بولدها القصب ، وقذف الله الموت في مشيخة بني إسرائيل ، فدخل رءوس القبط على فرعون وكلموه ، وقالوا : إن هؤلاء القوم قد وقع فيهم الموت فيوشك أن يقع العمل على غلماننا ، تذبح الصغار وتفني الكبار ، فلو أنك كتبت تبقي من أولادهم ، فأمرهم أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة ، فلما كان في تلك السنة التي تركوا فيها ولد هارون ، وولد موسى في السنة التي يقتلون فيها ، وهي السنة المقبلة . فلما أرادت أمه وضعه حزنت من شأنه ، فأوحى الله إليها ، أي ألهمها : أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم - وهو النيل - ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين .

    فلما وضعته أرضعته ثم دعت نجارا فجعل له تابوتا ، وجعل مفتاح التابوت من داخل وجعلته فيه وألقته في اليم ، فلما توارى عنها أتاها إبليس ، فقالت في نفسها : ما الذي صنعت بنفسي ! لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب إلي من أن ألقيه بيدي إلى حيتان البحر ودوابه . فلما ألقته قالت لأخته - واسمها مريم - قصيه - يعني قصي أثره - فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون أنها أخته ، فأقبل الموج بالتابوت يرفعه مرة ويخفضه أخرى حتى أدخله بين أشجار عند دور فرعون ، فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغتسلن فوجدن التابوت فأدخلنه إلى آسية ، وظنن أن فيه مالا ، فلما فتح ونظرت إليه آسية وقعت عليها رحمته وأحبته ، فلما أخبرت به فرعون ، وأتته به قالت : قرة عين لي ولك لا تقتلوه . فقال فرعون : يكون لك ، وأما أنا فلا حاجة لي فيه .

    [ ص: 153 ] قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : والذي يحلف به لو أقر فرعون أن يكون له قرة عين كما أقرت لهداه الله كما هداها .

    وأراد أن يذبحه فلم تزل آسية تكلمه حتى تركه لها وقال : إني أخاف أن يكون هذا من بني إسرائيل وأن يكون هذا الذي على يديه هلاكنا ، فذلك قوله - عز وجل - : فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا . وأرادوا له المرضعات فلم يأخذ من أحد من النساء ، فذلك قوله : وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت - أخته مريم - هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون . فأخذوها ، وقالوا : ما يدريك ما نصحهم له ؟ هل يعرفونه ؟ حتى شكوا في ذلك . فقالت : نصحهم له ، وشفقتهم عليه ، ورغبتهم في قضاء حاجة الملك ، ورجاء منفعته . فانطلقت إلى أمه فأخبرتها الخبر ، فجاءت أمه ، فلما أعطته ثديها أخذه منها ، فكادت تقول : هذا ابني ، فعصمها الله .

    وإنما سمي موسى لأنه وجد في ماء وشجر ، والماء بالقبطية مو ، والشجر سا . فذلك قوله تعالى : فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن .

    وكان غيبته عنها ثلاثة أيام ، وأخذته معها إلى بيتها ، واتخذه فرعون ولدا فدعي ابن فرعون ، فلما تحرك الغلام حملته أمه إلى آسية ، فأخذته ترقصه وتلعب به وناولته فرعون ، فلما أخذه إليه أخذ الغلام بلحيته فنتفها ، قال فرعون : علي بالذباحين يذبحونه ، هو هذا ! قالت آسية : لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ، إنما هو صبي لا يعقل وإنما فعل هذا من جهل ، ولقد علمت أنه ليس في مصر امرأة أكثر حليا مني ، أنا أضع له حليا من ياقوت وجمرا فإن أخذ الياقوتة فهو يعقل فاذبحه وإن أخذ الجمر فإنما هو صبي ، فأخرجت له ياقوتها ووضعت له طشتا من جمر فجاء جبريل فوضع يده على جمرة فأخذها فطرحها موسى في فمه ، فأحرقت لسانه ، فهو الذي يقول الله تعالى : واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي . فدرأت عن موسى القتل .

    وكبر موسى ، وكان يركب مركب فرعون ويلبس ما يلبس ، وإنما يدعى موسى بن [ ص: 154 ] فرعون ، وامتنع به بنو إسرائيل ولم يبق قبطي يظلم إسرائيليا خوفا منه .

    ثم إن فرعون ركب مركبا وليس عنده موسى فلما جاء موسى قيل له : فرعون قد ركب ، فركب موسى في أثره فأدركه المقيل بأرض يقال لها منف - وهذه منف ( بفتح الميم وسكون النون ) - مصر القديمة التي هي مصر يوسف الصديق ، وهي الآن قرية كبيرة ، فدخل نصف النهار ، وقد أغلقت أسواقها ، على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته يقول هذا إسرائيلي قيل إنه السامري وهذا من عدوه يقول من القبط فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ، فغضب موسى لأنه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل وحفظه لهم ، وكان قد حماهم من القبط ، وكان الناس لا يعلمون أنه منهم بل كانوا يظنون أن ذلك بسبب الرضاع . فلما اشتد غضبه وكزه فقضى عليه ، قال : إن هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم ، أوحى الله تعالى إلى موسى : وعزتي لو أن النفس التي قتلت أقرت لي ساعة واحدة أني خالق رازق لأذقتك العذاب . قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين . فأصبح في المدينة خائفا يترقب أن يؤخذ ، فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه - يقول يستعينه - قال له موسى إنك لغوي مبين . ثم أقبل لينصره ، فلما نظر إلى موسى وقد أقبل نحوه ليبطش بالرجل الذي يقاتل الإسرائيلي خاف أن يقتله من أجل أنه أغلظ له في الكلام قال : أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين . فترك القبطي ، فذهب فأفشى عليه أن موسى هو الذي قتل الرجل ، فطلبه فرعون ، وقال : خذوه فإنه صاحبنا . فجاء رجل فأخبره ، وقال له : إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج .

    قيل : كان حزقيل مؤمن آل فرعون ، كان على بقية من دين إبراهيم - عليه السلام - وكان أول من آمن بموسى . فلما أخبره خرج من بينهم خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين . وأخذ في ثنيات الطريق ، فجاءه ملك على فرس [ ص: 155 ] وفي يده عنزة ، وهي الحربة الصغيرة ، فلما رآه موسى سجد له من الفرق . فقال له : لا تسجد لي ولكن اتبعني ، فهداه نحو مدين . وقال موسى وهو متوجه إليها : عسى ربي أن يهديني سواء السبيل . فانطلق به الملك حتى انتهى به إلى مدين ، فكان قد سار وليس معه طعام ، وكان يأكل ورق الشجر ، ولم يكن له قوة على المشي ، فما بلغ مدين حتى سقط خف قدمه . ولما ورد ماء - قصد الماء - مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان ، أي تحبسان غنمهما ، وهما ابنتا شعيب النبي ، وقيل : ابنتا يثرون ، وهو ابن أخي شعيب ، فلما رآهما موسى سألهما : ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير . فرحمهما موسى فأتى البئر فاقتلع صخرة عليها كان النفر من أهل مدين يجتمعون عليها حتى يرفعوها فسقى لهما غنمهما ، فرجعتا سريعا ، وكانتا إنما تسقيان من فضول الحياض . وقصد موسى شجرة هناك ليستظل بها فقال : رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير

    قال ابن عباس : لقد قال موسى ذلك ولو شاء إنسان أن ينظر إلى خضرة أمعائه من شدة الجوع لفعل وما سأل إلا أكلة .

    فلما رجع الجاريتان إلى أبيهما سريعا سألهما فأخبرتاه ، فأعاد إحداهما إلى موسى تستدعيه ، فأتته ، وقالت له : إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا . فقام معها ، فمشت بين يديه ، فضربت الريح ثوبها فحكى عجيزتها ، فقال لها : امشي خلفي ودليني على الطريق ، فإنا أهل بيت لا ننظر في أعقاب النساء .

    فلما أتاه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين . قالت إحداهما ، وهي التي أحضرته : ياأبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين . قال لها أبوها : القوة قد رأيتها فما يدريك بأمانته ؟ فذكرت له ما أمرها به من المشي خلفه . فقال له أبوها : إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني - نفسك - ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك . فقال له موسى : ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل . فأقام عنده [ ص: 156 ] يومه ، فلما أمسى أحضر شعيب العشاء ، فامتنع موسى من الأكل ، فقال : ولم ذلك ؟ قال : إنا من أهل بيت لا نأخذ على اليسير من عمل الآخرة الدنيا بأسرها . فقال شعيب : ليس لذلك أطعمتك إنما هذه عادتي وعادة آبائي ، فأكل ، وازدادت رغبة شعيب في موسى فزوجه ابنته التي أحضرته ، واسمها صفورا ، وأمرها أن تأتيه بعصا ، وكانت تلك العصا قد استودعها إياه ملك في صورة رجل ، فدفعتها إليه ، فلما رآها أبوها أمرها بردها ، والإتيان بغيرها ، فألقتها وأرادت أن تأخذ غيرها ، فلم تقع بيدها سواها ، وجعل يرددها ، وكل ذلك لا يخرج بيدها غيرها ، فأخذها موسى ليرعى بها فندم أبوها حيث أخذها وخرج إليه ليأخذها منه حيث هي وديعة ، فلما رآه موسى يريد أخذها منه مانعه ، فحكما أول رجل يلقاهما ، فأتاهما ملك في صورة آدمي فقضى بينهما أن يضعها موسى في الأرض ، فمن حملها فهي له ، فألقاها موسى فلم يطق أبوها حملها وأخذها موسى بيده فتركها له ، وكانت من عوسج لها شعبتان وفي رأسها محجن . وقيل : كانت من آس الجنة ، حملها آدم معه . وقيل في أخذها غير ذلك .
    وأقام موسى عند شعيب يرعى له غنمه عشر سنين ، وسار بأهله في زمن شتاء وبرد ، فلما كانت الليلة التي أراد الله - عز وجل - لموسى كرامته ، وابتداءه فيها بنبوته ، وكلامه أخطأ فيها الطريق حتى لا يدري أين يتوجه ، وكانت امرأته حاملا ، فأخذها الطلق في ليلة شاتية ذات مطر ، ورعد ، وبرق ، فأخرج زنده ليقدح نارا لأهله ليصطلوا ويبيتوا حتى يصبح ويعلم وجه طريقه ، فأصلد زنده فقدح حتى أعيا ، فرفعت له نار ، فلما رآها ظن أنها نار ، وكانت من نور الله ، فـ قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر ، فإن لم أجد خبرا ( آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون ) . فحين قصدها رآها نورا ممتدا من السماء إلى شجرة عظيمة من العوسج ، وقيل من العناب ، فتحير موسى وخاف حين رأى نارا عظيمة بغير دخان وهي تلتهب في شجرة خضراء لا تزداد النار إلا عظما ، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة ، فلما دنا منها استأخرت عنه ، ففزع ورجع ، فنودي منها ، فلما سمع الصوت استأنس فعاد ، فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة . [ ص: 157 ] أن بورك من في النار ومن حولها ياموسى إني أنا الله رب العالمين ، فلما سمع النداء ورأى تلك الهيبة علم أنه ربه تعالى ، فخفق قلبه وكل لسانه ، وضعفت قوته ، وصار حيا كميت إلا أن الروح يتردد فيه ، فأرسل الله إليه ملكا يشد قلبه ، فلما ثاب إليه عقله نودي : فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ، وإنما أمر بخلع نعليه لأنهما كانتا من جلد حمار ميت ، وقيل : لينال قدمه الأرض المباركة ، ثم قال له تسكينا لقلبه : وما تلك بيمينك ياموسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ، يقول : أضرب الشجر فيسقط ورقه للغنم ، ولي فيها مآرب أخرى أحمل عليها المزود والسقاء .

    وكانت تضيء لموسى في الليلة المظلمة ، وكانت إذا أعوزه الماء أدلاها في البئر فينال الماء ويصير في رأسها شبه الدلو ، وكان إذا اشتهى فاكهة غرسها في الأرض فنبتت لها أغصان تحمل الفاكهة لوقتها .

    قال له : ألقها يا موسى . فألقاها موسى ، فإذا هي حية تسعى عظيمة الجثة في خفة حركة الجان ، فلما رآها موسى ولى مدبرا ولم يعقب ، فنودي : ياموسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون ، أقبل ( ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ) عصا ، وإنما أمره الله بإلقاء العصا حتى إذا ألقاها عند فرعون لا يخاف منها ، فلما أقبل قال : خذها ولا تخف وأدخل يدك في فيها . وكان على موسى جبة صوف ، فلف يده بكمه وهو لها هائب ، فنودي ألق كمك عن يدك ، فألقاه ، وأدخل يده بين لحييها ، فلما أدخل يده عادت عصا كما كانت لا ينكر منها شيئا .

    ثم قال له : وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ، يعني برصا ، فأدخلها وأخرجها بيضاء من غير سوء مثل الثلج لها نور ، ثم ردها فعادت كما كانت . فقيل له : فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني ، أي يبين لهم عني ما أكلمهم به ، فإنه يفهم عني ما لا يفهمون . [ ص: 158 ] قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون .

    فأقبل موسى إلى أهله فسار بهم نحو مصر حتى أتاها ليلا ، فتضيف على أمه وهو لا يعرفهم ولا يعرفونه ، فجاء هارون فسألها عنه ، فأخبرته أنه ضيف ، فدعاه فأكل معه ، وسأله هارون : من أنت ؟ قال : أنا موسى . فاعتنقا .

    وقيل : إن الله ترك موسى سبعة أيام ثم قال : أجب ربك فيما كلمك . فقال : رب اشرح لي صدري الآيات . فأمره بالمسير إلى فرعون ، ولم يزل أهله مكانهم لا يدرون ما فعل حتى مر راع من أهل مدين فعرفهم فاحتملهم إلى مدين ، فكانوا عند شعيب حتى بلغهم خبر موسى بعدما فلق البحر ، فساروا إليه .

    وأما موسى فإنه سار إلى مصر ، وأوحى الله إلى هارون يعلمه بقفول موسى ويأمره بتلقيه ، فخرج من مصر فالتقى به ، قال موسى : يا هارون ، إن الله تعالى قد أرسلنا إلى فرعون فانطلق معي إليه . قال : سمعا وطاعة ، فلما جاء إلى بيت هارون وأظهر أنهما ينطلقان إلى فرعون سمعت ذلك ابنة هارون فصاحت أمهما فقالت : أنشدكما الله أن لا تذهبا إلى فرعون فيقتلكما جميعا ! فأبيا فانطلقا إليه ليلا ، فضربا بابه ، فقال فرعون لبوابه : من هذا الذي يضرب بابي هذه الساعة ؟ فأشرف عليهما البواب فكلمهما ، فقال له موسى : إنا رسولا رب العالمين ، فأخبر فرعون ، فأدخلا إليه .

    وقيل إن موسى وهارون مكثا سنتين يغدوان إلى باب فرعون ويروحان يلتمسان الدخول إليه فلم يجسر أحد يخبره بشأنهما ، حتى أخبره مسخرة كان يضحكه بقوله ، فأمر حينئذ فرعون بإدخالهما . فلما دخلا قال له موسى : إني رسول من رب العالمين . فعرفه فرعون ، فقال له : ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما - يعني النبوة - وجعلني من المرسلين . فقال له فرعون : إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين [ ص: 159 ] قد فتح فاه فوضع اللحي الأسفل في الأرض والأعلى على القصر وتوجه نحو فرعون ليأخذه ، فخافه فرعون ووثب فزعا فأحدث في ثيابه ، ثم بقي بضعة وعشرين يوما يجيء بطنه حتى كاد يهلك ، وناشده فرعون بربه تعالى أن يرد الثعبان ، فأخذه موسى فعاد عصا . ثم أدخل يده في جيبه وأخرجها بيضاء كالثلج لها نور يتلألأ ، ثم ردها فعادت إلى ما كانت عليه من لونها ، ثم أخرجها الثانية لها نور ساطع في السماء تكل منه الأبصار قد أضاءت ما حولها يدخل نورها البيوت ويرى من الكوى ومن وراء الحجب ، فلم يستطع فرعون النظر إليها ، ثم ردها موسى في جيبه وأخرجها فإذا هي على لونها .

    وأوحى الله تعالى إلى موسى وهارون أن قولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ، فقال له موسى : هل لك في أن أعطيك شبابك فلا تهرم ، وملكك فلا ينزع ، وأرد إليك لذة المناكح ، والمشارب ، والركوب ، فإذا مت دخلت الجنة وتؤمن بي ؟ فقال : لا حتى يأتي هامان ، فلما حضر هامان عرض عليه قول موسى ، فعجزه ، وقال له : تصير تعبد بعد أن كنت تعبد ! ثم قال له : أنا أرد عليك شبابك ، فعمل له الوسمة فخضبه بها ، فهو أول من خضب بالسواد ، فلما رآه موسى هاله ذلك ، فأوحى الله إليه : لا يهولنك ما ترى فلن يلبث إلا قليلا . فلما سمع فرعون ذلك خرج إلى قومه فقال : إن هذا لساحر عليم . وأراد قتله . فقال مؤمن آل فرعون ، واسمه خربيل : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات وقال الملأ من قوم فرعون : أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم . ففعل وجمع السحرة ، فكانوا سبعين ساحرا ، وقيل : اثنين وسبعين ، وقيل : خمسة عشر ألفا ، وقيل ثلاثين ألفا ، [ ص: 160 ] فوعدهم فرعون واتعدوا يوم عيد كان لفرعون ، فصفهم فرعون وجمع الناس ، وجاء موسى ومعه أخوه هارون وبيده عصاه حتى أتى الجمع وفرعون في مجلسه مع أشراف قومه ، فقال موسى للسحرة حين جاءهم : ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب . فقال السحرة بعضهم لبعض : ما هذا بقول ساحر ! ثم قالوا : لنأتينك بسحر لم تر مثله ، وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون . فقال له السحرة : ياموسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين . قال : بل ألقوا . فألقوا حبالهم وعصيهم فإذا هي في رأي العين حيات أمثال الجبال قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضا ، فأوجس موسى خوفا ، فأوحى الله إليه : أن ألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا ، فألقى عصاه من يده فصارت ثعبانا عظيما فاستعرضت ما ألقوا من حبالهم وعصيهم ، وهي كالحيات في أعين الناس ، فجعلت تلقفها وتبتلعها حتى لم تبق منها شيئا ، ثم أخذ موسى عصاه فإذا هي في يده كما كانت .

    وكان رئيس السحرة أعمى ، فقال له أصحابه : إن عصا موسى صارت ثعبانا عظيما وتلقف حبالنا وعصينا . فقال لهم : ولم يبق لها أثر ولا عادت إلى حالها الأول ؟ فقالوا : لا . فقال : هذا ليس بسحر . فخر ساجدا وتبعه السحرة أجمعون ، و قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون قال فرعون آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل . فقطعهم وقتلهم وهم يقولون : ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين ، فكانوا أول النهار كفارا وآخر النهار شهداء .

    وكان خربيل مؤمن آل فرعون يكتم إيمانه ، قيل : كان من بني إسرائيل ، وقيل : [ ص: 161 ] كان من القبط ، وقيل : هو النجار الذي صنع التابوت الذي جعل فيه موسى وألقي في النيل ، فلما رأى غلبة موسى السحرة أظهر إيمانه ، وقيل : أظهر إيمانه قبل فقتل وصلب مع السحرة ، وكان له امرأة مؤمنة تكتم إيمانها أيضا ، وكانت ماشطة ابنة فرعون ، فبينما هي تمشطها إذ وقع المشط من يدها ، فقالت بسم الله . فقالت ابنة فرعون : أبي ؟ قالت : لا بل ربي وربك ورب أبيك . فأخبرت أباها بذلك ، فدعا بها وبولدها ، وقال لها : من ربك ؟ قالت : ربي وربك الله . فأمر بتنور نحاس فأحمي ليعذبها وأولادها . فقالت : لي إليك حاجة . قال : وما هي ؟ قالت : تجمع عظامي وعظام ولدي فتدفنها . قال : ذلك لك ، فأمر بأولادها فألقوا في التنور واحدا واحدا ، وكان آخر أولادها صبيا صغيرا ، فقال : اصبري يا أماه ، فإنك على الحق ، فألقيت في التنور مع ولدها .

    وكانت آسية امرأة فرعون من بني إسرائيل ، وقيل : كانت من غيرهم ، وكانت مؤمنة تكتم إيمانها ، فلما قتلت الماشطة رأت آسية الملائكة تعرج بروحها ، كشف الله عن بصيرتها ، وكانت تنظر إليها وهي تعذب ، فلما رأت الملائكة قوي إيمانها وازدادت يقينا وتصديقا لموسى ، فبينما هي كذلك إذ دخل عليها فرعون فأخبرها خبر الماشطة . قالت له آسية : الويل لك ! ما أجرأك على الله ، فقال لها : لعلك اعتراك الجنون الذي اعترى الماشطة ؟ فقالت : ما بي جنون ، ولكني آمنت بالله تعالى ربي وربك ورب العالمين .

    فدعا فرعون أمها ، وقال لها : إن ابنتك قد أصابها ما أصاب الماشطة فأقسم لتذوقن الموت أو لتكفرن بإله موسى . فخلت بها أمها ، وأرادتها على موافقة فرعون ، فأبت وقالت : أما أن أكفر بالله فلا والله ! فأمر فرعون حتى مدت بين يديه أربعة أوتاد وعذبت حتى ماتت ، فلما عاينت الموت قالت : رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين . فكشف الله عن بصيرتها فرأت الملائكة وما أعد لها من الكرامة ، فضحكت فقال فرعون : انظروا إلى الجنون الذي بها ! تضحك [ ص: 162 ] وهي في العذاب ! ثم ماتت .

    ولما رأى فرعون قومه قد دخلهم الرعب من موسى خاف أن يؤمنوا به ويتركوا عبادته فاحتال لنفسه ، وقال لوزيره : يا هامان ابن لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا . فأمر هامان بعمل الآجر ، وهو أول من عمله ، وجمع الصناع وعمله في سبع سنين ، وارتفع البنيان ارتفاعا لم يبلغه بنيان آخر ، فشق ذلك على موسى واستعظمه ، فأوحى الله إليه : أن دعه وما يريد فإني مستدرجه ومبطل ما عمله ساعة واحدة . فلما تم بناؤه أمر الله جبرائيل فخربه وأهلك كل من عمل فيه من صانع ومستعمل . فلما رأى فرعون ذلك من صنع الله أمر أصحابه بالشدة على بني إسرائيل ، وعلى موسى ، ففعلوا ذلك ، وصاروا يكلفون بني إسرائيل من العمل ما لا يطيقونه ، وكان الرجال والنساء في شدة ، وكانوا قبل ذلك يطعمون بني إسرائيل إذا استعملوهم ، فصاروا لا يطعمونهم شيئا ، فيعودون بأسوإ حال يريدون يكسبون ما يقوتهم ، فشكوا ذلك إلى موسى ، فقال لهم : استعينوا بالله واصبروا ، إن العاقبة للمتقين ، عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون .

    فلما أبى فرعون وقومه إلا الثبات على الكفر ، تابع الله عليه الآيات ، فأرسل عليهم الطوفان ، وهو المطر المتتابع ، فغرق كل شيء لهم . فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا ونحن نؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل فكشف الله عنهم ونبتت زروعهم ، فقالوا : ما يسرنا أنا لم نمطر . فبعث الله عليهم الجراد فأكل زروعهم ، ، فسألوا موسى أن يكشف ما بهم ويؤمنوا به ، فدعا الله فكشفه ، فلم يؤمنوا وقالوا : قد بقي من زروعنا بقية . فأرسل الله عليهم الدبا ، وهو القمل ، فأهلك الزروع والنبات أجمع ، وكان يهلك أطعمتهم ، ولم يقدروا أن يحترزوا منه ، فسألوا موسى أن يكشف عنهم ، ففعل ، فلم يؤمنوا ، فأرسل الله عليهم الضفادع ، وكانت تسقط في قدورهم وأطعمتهم وملأت البيوت عليهم ، فسألوا موسى أن يكشف عنهم ليؤمنوا به ففعل ، فلم يؤمنوا ، فأرسل الله عليهم الدم ، فصارت مياه الفرعونيين دما ، وكان الفرعوني والإسرائيلي يستقيان من ماء واحد ، فيأخذ الإسرائيلي ماء ويأخذ الفرعوني دما ، وكان الإسرائيلي يأخذ الماء من فمه فيمجه في فم الفرعوني فيصير دما ، فبقي ذلك سبعة أيام ، فسألوا موسى أن يكشف عنهم [ ص: 163 ] ليؤمنوا ، ففعل فلم يؤمنوا .

    فلما يئس من إيمانهم ومن إيمان فرعون دعا موسى وأمن هارون فقال : ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم . فاستجاب الله لهما ، فمسخ الله أموالهم ، ما عدا خيلهم وجواهرهم وزينتهم حجارة ، والنخل ، والأطعمة ، والدقيق ، وغير ذلك ، فكانت إحدى الآيات التي جاء بها موسى .




    تفسير القرآن

    تفسير البغوي

    الحسين بن مسعود البغوي دار طيبة سنة النشر: -
    رقم الطبعة: ---
    عدد الأجزاء: ثمانية أجزاء


    نجد في هذا الكتاب تتمة قصة هلاك فرعون
    ( فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون ( 92 ) ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ( 93 ) .

    ( فاليوم ننجيك ) أي نلقيك على نجوة من الأرض ، وهي : المكان المرتفع . وقرأ يعقوب " ننجيك " بالتخفيف ، ( ببدنك ) بجسدك لا روح فيه . وقيل : ببدنك : بدرعك ، وكان له درع مشهور مرصع بالجواهر ، فرأوه في درعه فصدقوا . ( لتكون لمن خلفك آية ) عبرة وعظة ، ( وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون ) .

    ( ولقد بوأنا بني إسرائيل ) أنزلنا بني إسرائيل بعد هلاك فرعون ، ( مبوأ صدق ) منزل صدق ، يعني : مصر . وقيل الأردن وفلسطين ، وهي الأرض المقدسة التي كتب الله ميراثا لإبراهيم وذريته . قال الضحاك : هي مصر والشام ، ( ورزقناهم من الطيبات ) الحلالات ، ( فما اختلفوا ) يعني [ ص: 150 ] اليهود الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في تصديقه وأنه نبي ، ( حتى جاءهم العلم ) يعني : القرآن والبيان بأنه رسول لله صدق ، ودينه حق .





    من أقوال الامام علي عليه السلام

    (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
    حملت طيباً)

    محمد نجيب بلحاج حسين
    أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
    نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

  • حاتم سعيد
    رئيس ملتقى فرعي
    • 02-10-2013
    • 1180

    #2
    قال تعالى :"فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ..92 يونس

    تفسير بن كثير
    يذكر تعالى كيفية إغراقه فرعون وجنوده، فإن بين إسرائيل لما خرجوا من مصر وهم فيما قيل ستمائة ألف مقاتل سوى الذرية، اشتد حنق فرعون عليهم، فأرسل في المدائن حاشرين يجمعون له جنوده من أقاليمه، فركب وراءهم في أبهة عظيمة وجيوش هائلة لما يريده اللّه تعالى بهم، فلحقوهم وقت شروق الشمس، { فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون} ، أي كيف المخلص مما نحن فيه؟ فقال: { كلا إن معي ربي سيهدين} ، فأمره اللّه تعالى أن يضرب البحر بعصاه، فضربه فانفلق البحر، فكان كل فرق كالطود العظيم، وجاوزت بنو إسرائيل البحر، فلما خرج آخرهم منه، انتهى فرعون وجنوده إلى حافته من الناحية الأخرى، وهو في مائة ألف، فلما رأى ذلك هاله، وأحجم وهاب وهمَّ بالرجوع، وهيهات ولات حين مناص، فاقتحموا كلهم عن آخرهم، وميكائيل في ساقتهم، لا يترك منهم أحداً إلا ألحقه بهم، فلما استوسقوا فيه وتكاملوا، وهمَّ أولهم بالخروج منه أمر اللّه القدير البحر أن يرتطم عليهم، فارتطم عليهم، فلم ينج منهم أحد، وجعلت الأمواج ترفعهم وتخفضهم، وتراكمت الأمواج فوق فرعون، وغشيته سكرات الموت، فقال وهو كذلك: { آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين} ، فآمن حيث لا ينفعه الإيمان { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا} ، ولهذا قال اللّه تعالى في جواب فرعون حين قال ما قال: { آلآن وقد عصيت قبل} أي أهذا الوقت تقول، وقد عصيت اللّه قبل هذا فيما بينك وبينه؟ { وكنت من المفسدين} أي في الأرض، { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون} ، وهذا الذي حكى اللّه تعالى عن فرعون من قوله هذا في حاله، ذلك من أسرار الغيب التي أعلم اللّه بها رسوله صلى اللّه عليه وسلم، ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل، عن ابن عباس قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لما قال فرعون آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل - قال، قال لي جبريل: لو رأيتني وقد أخذت من حال -حال البحر: طينه الأسود- البحر فدسسته في فيه مخافة أن تناله الرحمة) ""ورواه الترمذي وابن أبي حاتم وقال الترمذي: حديث حسن"". وقوله تعالى: { فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية} ، قال ابن عباس وغيره من السلف: إنَّ بعض بني إسرائيل شكّوا في موت فرعون، فأمر اللّه البحر أن يلقيه بجسده سوياً بلا روح، ليتحققوا من موته وهلاكه؛ ولهذا قال تعالى: { فاليوم ننجيك} أي نرفعك على نشز من الأرض { ببدنك} ، قال مجاهد: بجسدك، وقال الحسن: بجسم لا روح فيه، وقوله: { لتكون لمن خلفك آية} أي لتكون لبني إسرائيل دليلاً على موتك وهلاكك، وأن اللّه هو القادر الذي ناصية كل دابة بيده، وأنه لا يقوم لغضبه شيء، { وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون} أي لا يتعظون بها ولا يعتبرون بها، وقد كان إهلاكهم يوم عاشوراء كما قال ابن عباس: قدم النبي صلى اللّه عليه وسلم المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: (ما هذا اليوم الذي تصومونه؟) فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لأصحابه: (وأنتم أحق بموسى منهم فصوموه) ""رواه البخاري عن ابن عباس"".

    تفسير الجلالين

    { فاليوم ننجيك } نخرجك من البحر { ببدنك } جسدك الذي لا روح فيه { لتكون لمن خلفك } بعدك { آية } عبرة فيعرفوا عبوديتك ولا يقدموا على مثل فعلك وعن ابن عباس أن بعض بني إسرائيل شكوا في موته فأخرج لهم ليروه { وإن كثيرا من الناس } أي أهل مكة { عن آياتنا لغافلون } لا يعتبرون بها .

    تفسير الجلالين

    الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَالْيَوْم نُنَجِّيك بِبَدَنِك لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَك آيَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِفِرْعَوْن : فَالْيَوْم نَحْمِلُك عَلَى نَجْوَة الْأَرْض بِبَدَنِك , يَنْظُر إِلَيْك هَالِكًا مَنْ كَذَّبَ بِهَلَاكِك . { لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَك آيَةً } يَقُول : لِمَنْ بَعْدَك مِنْ النَّاس عِبْرَة يَعْتَبِرُونَ بِك , فَيَنْزَجِرُونَ عَنْ مَعْصِيَة اللَّه وَالْكُفْر بِهِ وَالسَّعْي فِي أَرْضه بِالْفَسَادِ . وَالنَّجْوَة : الْمَوْضِع الْمُرْتَفِع عَلَى مَا حَوْله مِنْ الْأَرْض , وَمِنْهُ قَوْل أَوْس بْن حُجْر : فَمَنْ بِعَقْوَتِهِ كَمَنْ بِنَجْوَتِهِ وَالْمُسْتَكِنّ كَمَنْ يَمْشِي بِقَرْوَاح وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13823 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي السَّلِيل , عَنْ قَيْس بْن عَبَّاد وَغَيْره قَالَ : قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيل لِمُوسَى : إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ فِرْعَوْن . قَالَ : فَأَخْرَجَهُ اللَّه إِلَيْهِمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ مِثْل الثَّوْر الْأَحْمَر . 13824 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ سَعِيد الْجُرَيْرِيّ , عَنْ أَبِي السَّلِيل , عَنْ قَيْس بْن عَبَّاد , قَالَ : وَكَانَ مِنْ أَكْثَر النَّاس , أَوْ أَحْدَث النَّاس عَنْ بَنِي إِسْرَائِيل . قَالَ : فَحَدَّثَنَا أَنَّ أَوَّل جُنُود فِرْعَوْن لَمَّا اِنْتَهَى إِلَى الْبَحْر هَابَتْ الْخَيْلُ اللَّهَبَ , قَالَ , وَمُثِّلَ لِحِصَانٍ مِنْهَا فَرَس وَدِيق , فَوَجَدَ رِيحَهَا - أَحْسَبهُ أَنَا قَالَ : فَانْسَلَّ فَاتَّبَعَتْهُ - قَالَ : فَلَمَّا تَتَامَّ آخِر جُنُود فِرْعَوْن فِي الْبَحْر وَخَرَجَ آخِر بَنِي إِسْرَائِيلَ أُمِرَ الْبَحْر فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ , فَقَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيل : مَا مَاتَ فِرْعَوْن , وَمَا كَانَ لِيَمُوتَ أَبَدًا ! فَسَمِعَ اللَّه تَكْذِيبَهُمْ نَبِيَّهُ . قَالَ : فَرَمَى بِهِ عَلَى السَّاحِل كَأَنَّهُ ثَوْر أَحْمَر يَتَرَاءَاهُ بَنُو إِسْرَائِيل . 13825 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنَا مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد : { فَالْيَوْم نُنَجِّيك بِبَدَنِك } قَالَ : بَدَنه : جَسَده رَمَى بِهِ الْبَحْر . 13826 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ مُجَاهِد : { فَالْيَوْم نُنَجِّيك بِبَدَنِك } قَالَ : بِجَسَدِك . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 13827 - حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا الْأَصْغَر بْن زَيْد , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي أَيُّوب , قَالَ : ثَنِي سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا جَاوَزَ مُوسَى الْبَحْر بِجَمِيعِ مَنْ مَعَهُ , اِلْتَقَى الْبَحْر عَلَيْهِمْ - يَعْنِي عَلَى فِرْعَوْن وَقَوْمه - فَأَغْرَقَهُمْ , فَقَالَ أَصْحَاب مُوسَى : إِنَّا نَخَاف أَنْ لَا يَكُونَ فِرْعَوْن غَرِقَ , وَلَا نُؤْمِن بِهَلَاكِهِ ! فَدَعَا رَبَّهُ فَأَخْرَجَهُ , فَنَبَذَهُ الْبَحْر حَتَّى اِسْتَيْقَنُوا بِهَلَاكِهِ . 13828 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَالْيَوْم نُنَجِّيك بِبَدَنِك لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَك آيَة } يَقُول : أَنْكَرَ ذَلِكَ طَوَائِف مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , فَقَذَفَهُ اللَّه عَلَى سَاحِل الْبَحْر يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَك آيَة } قَالَ : لَمَّا أَغْرَقَ اللَّه فِرْعَوْن لَمْ تُصَدِّق طَائِفَة مِنْ النَّاس بِذَلِكَ , فَأَخْرَجَهُ اللَّه آيَة وَعِظَة . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي السَّلِيل عَنْ قَيْس بْن عَبَّاد أَوْ غَيْره , بِنَحْوِ حَدِيث اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ مَعْمَر . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن رَجَاء , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد : { فَالْيَوْمَ نُنَجِّيك بِبَدَنِك } قَالَ : بِجَسَدِك . * - قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن بُكَيْر , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : بَلَغَنِي , عَنْ مُجَاهِد : { فَالْيَوْمَ نُنَجِّيك بِبَدَنِك } قَالَ : بِجَسَدِك . 13829 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : كَذَّبَ بَعْض بَنِي إِسْرَائِيل بِمَوْتِ فِرْعَوْن , فَرَمَى بِهِ عَلَى سَاحِل الْبَحْر لِيَرَاهُ بَنُو إِسْرَائِيل , قَالَ : كَأَنَّهُ ثَوْر أَحْمَر . وَقَالَ آخَرُونَ : تَنْجُو بِجَسَدِك مِنْ الْبَحْر فَتَخْرُج مِنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13830 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَالْيَوْمَ نُنَجِّيك بِبَدَنِك لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَك آيَة } يَقُول : أَنْجَى اللَّه فِرْعَوْنَ لِبَنِي إِسْرَائِيل مِنْ الْبَحْر , فَنَظَرُوا إِلَيْهِ بَعْدَمَا غَرِقَ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا وَجْه قَوْله : بِبَدَنِك ؟ وَهَلْ يَجُوز أَنْ يُنَجِّيَهُ بِغَيْرِ بَدَنه , فَيَحْتَاج الْكَلَام إِلَى أَنْ يُقَالَ فِيهِ بِبَدَنِك ؟ قِيلَ : كَانَ جَائِزًا أَنْ يُنَجِّيَهُ بِالْبَدَنِ بِغَيْرِ رُوح , وَلَكِنْ مَيِّتًا . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَالْيَوْم نُنَجِّيك بِبَدَنِك لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَك آيَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِفِرْعَوْن : فَالْيَوْم نَحْمِلُك عَلَى نَجْوَة الْأَرْض بِبَدَنِك , يَنْظُر إِلَيْك هَالِكًا مَنْ كَذَّبَ بِهَلَاكِك . { لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَك آيَةً } يَقُول : لِمَنْ بَعْدَك مِنْ النَّاس عِبْرَة يَعْتَبِرُونَ بِك , فَيَنْزَجِرُونَ عَنْ مَعْصِيَة اللَّه وَالْكُفْر بِهِ وَالسَّعْي فِي أَرْضه بِالْفَسَادِ . وَالنَّجْوَة : الْمَوْضِع الْمُرْتَفِع عَلَى مَا حَوْله مِنْ الْأَرْض , وَمِنْهُ قَوْل أَوْس بْن حُجْر : فَمَنْ بِعَقْوَتِهِ كَمَنْ بِنَجْوَتِهِ وَالْمُسْتَكِنّ كَمَنْ يَمْشِي بِقَرْوَاح وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13823 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي السَّلِيل , عَنْ قَيْس بْن عَبَّاد وَغَيْره قَالَ : قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيل لِمُوسَى : إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ فِرْعَوْن . قَالَ : فَأَخْرَجَهُ اللَّه إِلَيْهِمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ مِثْل الثَّوْر الْأَحْمَر . 13824 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ سَعِيد الْجُرَيْرِيّ , عَنْ أَبِي السَّلِيل , عَنْ قَيْس بْن عَبَّاد , قَالَ : وَكَانَ مِنْ أَكْثَر النَّاس , أَوْ أَحْدَث النَّاس عَنْ بَنِي إِسْرَائِيل . قَالَ : فَحَدَّثَنَا أَنَّ أَوَّل جُنُود فِرْعَوْن لَمَّا اِنْتَهَى إِلَى الْبَحْر هَابَتْ الْخَيْلُ اللَّهَبَ , قَالَ , وَمُثِّلَ لِحِصَانٍ مِنْهَا فَرَس وَدِيق , فَوَجَدَ رِيحَهَا - أَحْسَبهُ أَنَا قَالَ : فَانْسَلَّ فَاتَّبَعَتْهُ - قَالَ : فَلَمَّا تَتَامَّ آخِر جُنُود فِرْعَوْن فِي الْبَحْر وَخَرَجَ آخِر بَنِي إِسْرَائِيلَ أُمِرَ الْبَحْر فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ , فَقَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيل : مَا مَاتَ فِرْعَوْن , وَمَا كَانَ لِيَمُوتَ أَبَدًا ! فَسَمِعَ اللَّه تَكْذِيبَهُمْ نَبِيَّهُ . قَالَ : فَرَمَى بِهِ عَلَى السَّاحِل كَأَنَّهُ ثَوْر أَحْمَر يَتَرَاءَاهُ بَنُو إِسْرَائِيل . 13825 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنَا مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد : { فَالْيَوْم نُنَجِّيك بِبَدَنِك } قَالَ : بَدَنه : جَسَده رَمَى بِهِ الْبَحْر . 13826 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ مُجَاهِد : { فَالْيَوْم نُنَجِّيك بِبَدَنِك } قَالَ : بِجَسَدِك . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 13827 - حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا الْأَصْغَر بْن زَيْد , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي أَيُّوب , قَالَ : ثَنِي سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا جَاوَزَ مُوسَى الْبَحْر بِجَمِيعِ مَنْ مَعَهُ , اِلْتَقَى الْبَحْر عَلَيْهِمْ - يَعْنِي عَلَى فِرْعَوْن وَقَوْمه - فَأَغْرَقَهُمْ , فَقَالَ أَصْحَاب مُوسَى : إِنَّا نَخَاف أَنْ لَا يَكُونَ فِرْعَوْن غَرِقَ , وَلَا نُؤْمِن بِهَلَاكِهِ ! فَدَعَا رَبَّهُ فَأَخْرَجَهُ , فَنَبَذَهُ الْبَحْر حَتَّى اِسْتَيْقَنُوا بِهَلَاكِهِ . 13828 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَالْيَوْم نُنَجِّيك بِبَدَنِك لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَك آيَة } يَقُول : أَنْكَرَ ذَلِكَ طَوَائِف مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , فَقَذَفَهُ اللَّه عَلَى سَاحِل الْبَحْر يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَك آيَة } قَالَ : لَمَّا أَغْرَقَ اللَّه فِرْعَوْن لَمْ تُصَدِّق طَائِفَة مِنْ النَّاس بِذَلِكَ , فَأَخْرَجَهُ اللَّه آيَة وَعِظَة . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي السَّلِيل عَنْ قَيْس بْن عَبَّاد أَوْ غَيْره , بِنَحْوِ حَدِيث اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ مَعْمَر . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن رَجَاء , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد : { فَالْيَوْمَ نُنَجِّيك بِبَدَنِك } قَالَ : بِجَسَدِك . * - قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن بُكَيْر , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : بَلَغَنِي , عَنْ مُجَاهِد : { فَالْيَوْمَ نُنَجِّيك بِبَدَنِك } قَالَ : بِجَسَدِك . 13829 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : كَذَّبَ بَعْض بَنِي إِسْرَائِيل بِمَوْتِ فِرْعَوْن , فَرَمَى بِهِ عَلَى سَاحِل الْبَحْر لِيَرَاهُ بَنُو إِسْرَائِيل , قَالَ : كَأَنَّهُ ثَوْر أَحْمَر . وَقَالَ آخَرُونَ : تَنْجُو بِجَسَدِك مِنْ الْبَحْر فَتَخْرُج مِنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13830 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَالْيَوْمَ نُنَجِّيك بِبَدَنِك لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَك آيَة } يَقُول : أَنْجَى اللَّه فِرْعَوْنَ لِبَنِي إِسْرَائِيل مِنْ الْبَحْر , فَنَظَرُوا إِلَيْهِ بَعْدَمَا غَرِقَ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا وَجْه قَوْله : بِبَدَنِك ؟ وَهَلْ يَجُوز أَنْ يُنَجِّيَهُ بِغَيْرِ بَدَنه , فَيَحْتَاج الْكَلَام إِلَى أَنْ يُقَالَ فِيهِ بِبَدَنِك ؟ قِيلَ : كَانَ جَائِزًا أَنْ يُنَجِّيَهُ بِالْبَدَنِ بِغَيْرِ رُوح , وَلَكِنْ مَيِّتًا .' وَقَوْله : { وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاس عَنْ آيَاتنَا لَغَافِلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاس عَنْ آيَاتنَا } يَعْنِي : عَنْ حُجَجنَا وَأَدِلَّتنَا عَلَى أَنَّ الْعِبَادَةَ وَالْأُلُوهَة لَنَا خَالِصَة , { لَغَافِلُونَ } يَقُول : لَسَاهُونَ , لَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهَا وَلَا يَعْتَبِرُونَ بِهَا .وَقَوْله : { وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاس عَنْ آيَاتنَا لَغَافِلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاس عَنْ آيَاتنَا } يَعْنِي : عَنْ حُجَجنَا وَأَدِلَّتنَا عَلَى أَنَّ الْعِبَادَةَ وَالْأُلُوهَة لَنَا خَالِصَة , { لَغَافِلُونَ } يَقُول : لَسَاهُونَ , لَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهَا وَلَا يَعْتَبِرُونَ بِهَا .'

    تفسير القرطبي

    قوله تعالى: { فاليوم ننجيك ببدنك} أي نلقيك على نجوة من الأرض. وذلك أن بني إسرائيل لم يصدقوا أن فرعون غرق، وقالوا : هو أعظم شأنا من ذلك، فألقاه الله على نجوة من الأرض، أي مكان مرتفع من البحر حتى شاهدوه قال أوس بن حجر يصف مطرا : فمن بعقوته كمن بنجوته ** والمستكن كمن يمشي بقرواح وقرأ اليزيدي وابن السميقع { ننحيك} بالحاء من التنحية، وحكاها علقمة عن ابن مسعود؛ أي تكون على ناحية من البحر. قال ابن جريج : فرمي به على ساحل البحر حتى رآه بنو إسرائيل، وكان قصيرا أحمر كأنه ثور. وحكى علقمة عن عبدالله أنه قرأ { بندائك} من النداء. قال أبو بكر الأنباري : وليس بمخالف لهجاء مصحفنا، إذ سبيله أن يكتب بياء وكاف بعد الدال؛ لأن الألف تسقط من ندائك في ترتيب خط المصحف كما سقط من الظلمات والسماوات، فإذا وقع بها الحذف استوى هجاء بدنك وندائك، على أن هذه القراءة مرغوب عنها لشذوذها وخلافها ما عليه عامة المسلمين؛ والقراءة سنة يأخذها آخر عن أول، وفي معناها نقص عن تأويل قراءتنا، إذ ليس فيها للدرع ذكره الذي تتابعت الآثار بأن بني إسرائيل اختلفوا في غرق فرعون، وسألوا الله تعالى، أن يريهم إياه غريقا فألقوه على نجوة من الأرض ببدنه وهو درعه التي يلبسها في الحروب. قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي : وكانت درعه من لؤلؤ منظوم. وقيل : من الذهب وكان يعرف بها. وقيل : من حديد؛ قاله أبو صخر : والبدن الدرع القصيرة. وأنشد أبو عبيدة للأعشى : وبيضاء كالنهي موضونة ** لها قونس فوق جيب البدن وأنشد أيضا لعمرو بن معد يكرب : ومضى نساؤهم بكل مفاضة ** جدلاء سابغة وبالأبدان وقال كعب بن مالك : ترى الأبدان فيها مسبغات ** على الأبطال واليلب الحصينا أراد بالأبدان الدروع واليلب الدروع اليمانية، كانت تتخذ من الجلود يخرز بعضها إلى بعض؛ وهو اسم جنس، الواحد يلبة. قال عمرو بن كلثوم : علينا البيض واليلب اليماني ** وأسياف يقمن وينحنينا وقيل { ببدنك} بجسد لا روح فيه؛ قاله مجاهد. قال الأخفش : وأما قول من قال بدرعك فليس بشيء. قال أبو بكر : لأنهم لما ضرعوا إلى الله يسألونه مشاهدة فرعون غريقا أبرزه لهم فرأوا جسدا لا روح فيه، فلما رأته بنو إسرائيل قالوا نعم! يا موسى هذا فرعون وقد غرق؛ فخرج الشك من قلوبهم وابتلع البحر فرعون كما كان. فعلى هذا { ننجيك ببدنك} احتمل معنيين : أحدهما - نلقيك على نجوة من الأرض. والثاني - نظهر جسدك الذي لا روح فيه. والقراءة الشاذة { بندائك} يرجع معناها إلى معنى قراءة الجماعة، لأن النداء يفسر تفسيرين، أحدهما - نلقيك بصياحك بكلمة التوبة، وقولك بعد أن أغلق بابها ومضى وقت قبولها: { آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين} [يونس : 90] على موضع رفيع. والآخر - فاليوم نعزلك عن غامض البحر بندائك لما قلت أنا ربكم الأعلى؛ فكانت تنجيته بالبدن معاقبة من رب العالمين له على ما فرط من كفره الذي منه نداؤه الذي افترى فيه وبهت، وادعى القدرة والأمر الذي يعلم أنه كاذب فيه وعاجز عنه وغير مستحق له. قال أبو بكر الأنباري : فقراءتنا تتضمن ما في القراءة الشاذة من المعاني وتزيد عليها. قوله تعالى: { لتكون لمن خلفك آية} أي لبني إسرائيل ولمن بقي من قوم فرعون ممن لم يدركه الغرق ولم ينته إليه هذا الخبر. { وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون} أي معرضون عن تأمل آياتنا والتفكر فيها. وقرئ { لمن خلفك} (بفتح اللام)؛ أي لمن بقي بعدك يخلفك في أرضك. وقرأ علي بن أبي طالب { لمن خلقك} بالقاف؛ أي تكون آية لخالقك.

    من أقوال الامام علي عليه السلام

    (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
    حملت طيباً)

    محمد نجيب بلحاج حسين
    أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
    نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

    تعليق

    • حاتم سعيد
      رئيس ملتقى فرعي
      • 02-10-2013
      • 1180

      #3
      لمزيد من الفهم لهذه الآية المباركة سنعود إلى كتاب
      تفسير القرآن


      التفسير الكبير

      الإمام فخر الدين الرازي أبو عبد الله محمد بن عمر بن حسين القرشي الطبرستاني الأصل دار الكتب العلمية ببيروت سنة النشر: 2004م – 1425هـ
      رقم الطبعة: ---
      عدد الأجزاء: ستة عشر مجلد ًا


      ( وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين )

      [ ص: 219 ] قوله تعالى : ( وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين ) اعلم أن في الآية سؤالات :

      السؤال الأول : الجانب موصوف ، والغربي صفة ، فكيف أضاف الموصوف إلى الصفة ؟
      الجواب : هذه مسألة خلافي
      ة بين النحويين ، فعند البصريين لا يجوز إضافة الموصوف إلى الصفة إلا بشرط خاص سنذكره ، وعند الكوفيين يجوز ذلك مطلقا . حجة البصريين ، أن إضافة الموصوف إلى الصفة تقتضي إضافة الشيء إلى نفسه ، وهذا غير جائز فذاك أيضا غير جائز ، بيان الملازمة أنك إذا قلت : جاءني زيد الظريف ، فلفظ الظريف يدل على شيء معين في نفسه مجهول بحسب هذا اللفظ حصلت له الظرافة ، فإذا نصصت على زيد عرفنا أن ذلك الشيء الذي حصلت له الظرافة هو زيد ، إذا ثبت هذا ، فلو أضفت زيدا إلى الظريف ، كنت قد أضفت زيدا إلى زيد ، وإضافة الشيء إلى نفسه غير جائزة ، فإضافة الموصوف إلى صفته وجب أن لا تجوز ، إلا أنه جاء على خلاف هذه القاعدة ألفاظ ، وهي قوله تعالى في هذه الآية : ( وما كنت بجانب الغربي ) وقوله : ( وذلك دين القيمة ) [ البينة : 5 ] وقوله : ( لحق اليقين ) [ الحاقة : 51] ( ولدار الآخرة ) [ يوسف : 109 ] ويقال : صلاة الأولى ومسجد الجامع وبقلة الحمقاء ، فقالوا التأويل فيه : جانب المكان الغربي ، ودين الملة القيمة ، وحق الشيء اليقين ، ودار الساعة الآخرة ، وصلاة الساعة الأولى ، ومسجد المكان الجامع ، وبقلة الحبة الحمقاء ، ثم قالوا في هذه المواضع : المضاف إليه ليس هو النعت ، بل المنعوت ، إلا أنه حذف المنعوت وأقيم النعت مقامه ، فههنا ينظر إن كان ذلك النعت كالمتعين لذلك المنعوت ، حسن ذلك وإلا فلا ، ألا ترى أنه ليس لك أن تقول : عندي جيد على معنى عندي درهم جيد ، ويجوز مررت بالفقيه على معنى مررت بالرجل الفقيه ، لأن الفقيه يعلم أنه لا يكون إلا من الناس ، والجيد قد يكون درهما ، وقد يكون غيره ، وإذا كان كذلك ، حسن قوله : جانب الغربي ، لأن الشيء الموصوف بالغربي الذي يضاف إليه الجانب لا يكون إلا مكانا أو ما يشبهه ، فلا جرم حسنت هذه الإضافة ، وكذا القول في البواقي ، والله أعلم .

      السؤال الثاني : ما معنى قوله : ( إذ قضينا إلى موسى الأمر ) ؟ ، الجواب : الجانب الغربي هو المكان الواقع في شق الغرب ، وهو المكان الذي وقع فيه ميقات موسى عليه السلام من الطور ، وكتب الله في الألواح ، والأمر المقضي إلى موسى عليه السلام الوحي الذي أوحي إليه ، والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم يقول : وما كنت حاضر المكان الذي أوحينا فيه إلى موسى عليه السلام ، ولا كنت من جملة الشاهدين للوحي إليه أو على الموحى إليه ، وهي لأن الشاهد لا بد وأن يكون حاضرا ، وهم نقباؤه الذين اختارهم للميقات .

      السؤال الثالث : لما قال ( وما كنت بجانب الغربي ) ثبت أنه لم يكن شاهدا ، لأن الشاهد لا بد أن يكون حاضرا ، فما الفائدة في إعادة قوله : ( وما كنت من الشاهدين ) ؟ الجواب : قال ابن عباس رضي الله عنهما : التقدير لم تحضر ذلك الموضع ، ولو حضرت فما شاهدت تلك الوقائع ، فإنه يجوز أن يكون هناك ، ولا يشهد ولا يرى .

      [ ص: 220 ] السؤال الرابع : كيف يتصل قوله : ( ولكنا أنشأنا قرونا ) بهذا الكلام ومن أي وجه يكون استدراكا له ؟ الجواب : معنى الآية : ولكنا أنشأنا بعد عهد موسى عليه السلام إلى عهدك قرونا كثيرة ، فتطاول عليهم العمر وهو القرن الذي أنت فيه ، فاندرست العلوم فوجب إرسالك إليهم ، فأرسلناك وعرفناك أحوال الأنبياء وأحوال موسى ، فالحاصل كأنه قال : وما كنت شاهدا لموسى وما جرى عليه ، ولكنا أوحيناه إليك فذكر سبب الوحي الذي هو إطالة الفترة ودل به على المسبب ، فإذن هذا الاستدراك شبيه الاستدراكين بعده . واعلم أن هذا تنبيه على المعجز ، كأنه قال : إن في إخبارك عن هذه الأشياء من غير حضور ولا مشاهدة ولا تعلم من أهله ، دلالة ظاهرة على نبوتك كما قال : ( أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى ) [ طه : 133 ] .




      بعد أن تعرفنا على قصة سيدنا موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام سنتعرف على منطقة سيناء التي تعتبر البوابة التي يمكن من خلالها الذهاب إلى فلسطين والتي (ربما) تاه فيها بنو إسرائيل قبل الوصول الى الأرض الموعودة ولكن لابد من الاشارة أن التاريخ المكتوب والذي يتناوله الكثير من الباحثين المسلمين يعتبر أن الأحداث كانت على الجانب الغربي للبحر الأحمر و أنجى الله قوم موسى عليه السلام إلى الجانب الشرقي فانطلقوا الى فلسطين، وهذا الجانب يسمى سيناء.
      وقبل استكمال البحث سنتعرف إلى سيناء من موقع باسم (علماء الاثار).

      سينــاء
      تقع شبه جزيرة سيناء أو صحراء سيناء في قارة آسيا، وهي جزء من الأرض المصرية منذ استوطن إنسان ما قبل التاريخ هذه الأرض في بقاع مختلفة في وادي النيل، وفي الصحراوات وعلى شواطئ البحار، وفي سيناء. وهي الطريق الذي يربط بين آسـيا وأفريقيا، والجسر الذي عبرت عليه حضارات عصور ما قبل التاريخ، حيث كان إنسان هذه العصور يتجول بين آسيا وأفريقيا. وتبلغ مساحة سيناء حوالي 60.000 كم، ويحدها من الشمال البحر المتوسط، ومن الجنوب البحر الأحمر، ومن الشرق خليج العقبة، ومن الغرب خليج السويس.
      تنقسم سيناء جغرافيًا إلى قسمين:
      1- القسم الشمالي ويجمع بين السهول والكثبان الرملية والهضاب.
      2- القسم الجنوبي ويتكون من جبال وعرة وصخور نارية.
      شبه جزيرة سيناء

      عرفت سيناء في النصوص المصرية باسم (تا مفكات)، أي: (أرض الفيروز)، و: (ختيو مفكات)، أي: (مدرجات الفيروز)، و: (ﭽو مفكات)، أى: (جبل الفيروز)، و: (خاست مفكات)، أي، (صحراء الفيروز). كما عرفت باسم (تا شسمت)، أي: (أرض المعدن الأخضر).
      أما اسم سيناء فهو مشتق من اسم إله القمر لدى الساميين، الإله (سين)، على اعتبار ما للقمر من أهمية أثناء السير ليلاً في سيناء في منطقة يشتد فيها القيظ نهارًا.تمثل سيناء عبر تاريخها الطويل أهمية تاريخية ودينيه وعسكرية لمصر، ففي أرضها استوطن إنسان ما قبل التاريخ، وترك لنا شواهد كثيرة على ذلك. وتحتضن أرضها حجر الفيروز ومعدن النحاس بما يمثلان من أهمية للمصري القديم. وفي رحابها وعلى صخورها سجلت الأبجدية السينائية التي هي أصل أقدم أبجديات العالم القديم، الأبجدية الفينيقية.


      ومن هذه المواقع: تل المطبعة، وتل السويدات، وتل الست، وتل قبر عمير، وتل الخوينات، وتل أبو شنار، وكثيب القلس، وتل الطينة، وتل الكنائس، وتل اللولي، وتل الفضة، وتل الحير، وتل مسلم، وتل الكدوة، وتل أبو صيفي. أما "تل الفرما" فقد ورد ذكره ضمن مواقع محافظة بور سعيد، حيث يتبعها إداريًا.


      وشهد ترابها تقديس الملك سنفرو مؤسس الأسرة الرابعة. وضمت أرضها واحدًا من أقدم الطرق الحربية في تاريخ العالم القديم .. طريق حورس. وارتبطت سيناء بحدث خروج سيدنا موسى عليه السلام وقومه من مصر. واستقبلت أرضها الأديرة المسيحية وخاصة في جنوب سيناء، ليمارس فيها المسيحيون عقيدتهم . وشهدت أرض سيناء جيوش المسلمين وهي تتجه صوب مصر لفتحها.
      استوطن الإنسان سيناء منذ العصر الحجري القديم الأعلى، حيث عثر على شواهد هذا الاستيطان في جبل المجاهرة وغزة وفي منطقة الروافعه وفي شمال بئر حسنة وقاع وادي العريش وغيرها.وأصبحت شواهد الاستيطان في العصر الحجري الحديث، والعصر الحجري النحاسي والعصر البرونزي، أكثر وضوحًا، حيث عثر على أدوات ظرانية في منطقة وادي الشيخ. كما عثر على بقايا تجمعات سكانية صغيرة في القصيمة، والحسنة، والتمد. وبالقرب من العريش عثر على أدوات من العصر البرونزي.


      خريطة بالقمر الصناعي توضح الطرق والأودية بشبة جزيرة سيناء


      وتشير الأدوات النحاسية التي ترجع للعصر الحجري النحاسي (والتي عثر عليها في حضارات هذه الفترة) إلى نشاط المصريين في استخراج النحاس في هذه الفترة المبكرة من تاريخ مصر. ومع بداية الأسرة الأولى في مصر استمر النشاط في سيناء لاستخراج النحاس والفيروز، وتشير إلى ذلك قطعة العاج التي عثر عليها في أبيدوس، والتي تخص الملك "عج إيب" من ملوك الأسرة الأولى، بالإضافة إلى حملة له نحو الشرق، وصـور الحصون التي ترجع للعصر العتيق، والتي ورد ذكر بعضها وتأكد وجودها في جنوب فلسطين.
      وفي الدولة القديمة كثف حكام مصر نشاطهم، وتشهد الأسرة الثالثة اهتمامًا واضحًا بسيناء، فقد عثر على نقشين يخصان الملك سانخت (ربما أول ملوك الأسرة الثالثة، أحدهما في أحد المناجم، والثاني وهو يؤدب الأعداء. وعثر كذلك على نقش من عهد الملك زوسر، يمثله وهو يضرب العدو وأمامه شخص يحمل لقب (قائد الجيش). ومن عهد ابنه "سخم خت" عثر على نقش في وادى المغارة.

      المعسكر الفرعوني في سيناء في الدولتين القديمة والوسطي


      وتزايد اهتمام ملوك الأسرة الرابعة بمناجم ومحاجر سيناء، وهو ما يعبر عن الرغبة في الحصول على مزيد من النحاس والفيروز ومعادن وأحجار أخرى. واهتم الملك سنفرو بتأمين المناجم والمحاجر، وبالعمل على تحقيق الاستقرار في هذا الجزء من أرض مصر، فأقيمت الحاميات، وحفرت أبار المياه على امتداد الطرق المؤدية إلى المناجم والمحاجر. وعثر على مجموعة من النقوش من عهد الملك سنفرو في المجاهرة، وفي سرابيط الخادم تصوره وهو يقضي على الخارجين عن القانون، أو الذين يهددون بعثات التعدين والتحجير، وكانت الألقاب تشير إلى سنفرو على أنه: الإله العظيم هازم الأراضي الصحراوية. واستمر خوفو على سياسة أبيه في استغلال المناجم والمحاجر، وتهيئة المناخ المناسب للعمل فيها.
      وتشير النصوص إلى استقرار الأمور طوال الأسرة الرابعة. واتبع ملوك الأسرة الخامسة نفس سياسة ملوك الأسرة الرابعة، حيث عثر على نصوص في وادي المغارة تشير إلى تبني ملوك هذه الأسرة لسياسة الاستثمار للمناجم والمحاجر، والتأمين في نفس الوقت. فهناك نقوش تحمل اسماء الملوك ساحورع، وني وسر رع، وجد كارع إسسي. ونهج ملوك الأسرة السادسة نفس نهج الأسرات السابقة من حيث الاهتمام بسيناء، لهذا نرى نقشًا يؤرخ بالعام السابع والثلاثين من حكم الملك بيبي الأول. والمعروف كذلك أن القائد "وني" قد وصل بقواته إلى أرض وصفت بأنها تضم أشجار التين والعنب، مما يشير إلى فلسطين.

      منظر اخر للمعسكر


      ويصعب تتبع الأمر في عصر الانتقال الأول الذي عانت فيه مصر الأمرين من انقسام داخلي وتدهور سياسي واقتصادي، ولابد أن الأمر قد انعكس على سيناء، حيث لم يكن بالإمكان في ظل هذه الظروف الاهتمام بالعمل في المناجم والمحاجر وتأمينها.وعندما استردت مصر وحدتها وكيانها في الأسرة الحادية عشرة، استأنفت نشاطها في سيناء، وكان من بين أهداف الملك "منتوحتب نب حبت رع" استرداد هيبة مصر في هذه المنطقة، لذا نراه يرسل حملة يقودها أحد موظفيه ويدعى (خيتى) لتأديب البدو الخارجين على السلطة في مصر. وعلى جدران مقبرة هذا الشخص في الدير البحرى نجد نصًا يذكر على لسان هذا الشخص: (لقد عاقبت الآسيويين في أرضهم .. ولقد ملأ الخوف قلوبهم من قوة الملك). وتشير نصوص معبد الدير البحري إلى أنه قام بحملة تأديبية ضد بعض البدو الخارجين عن القانون لتأمين حركة التجارة بين مصر وجيرانها عبر سيناء.
      وتصف المناظر المسجلة على جدران مقصورة في الجبلين (حوالي 20كم جنوب غرب الأقصر) الملك "منتوحتب نب حبت رع" بأنه وطد الأمن في الصحراوات. وخطا ملوك الأسرة 12 خطوة أخرى نحو التأمين، تمثلت في إقامة الحصون والقلاع ونقاط للمراقبة، وهكذا فعل الملك أمنمحات الأول (أول ملوك الأسرة) الذي أبدى اهتمامًا كبيرًا بحدود مصر الشرقية، حيث أقام تلك التحصينات التي تعرف باسم (حائط الأمير)، أو: (أسوار الحاكم). ولم يكن الملك سنوسرت الأول أقل نشاطا من أبيه في هذا المجال، إذ يشير وزيره منتوحتب إلى قيام الملك بإخضاع الآسيويين.


      نماذج من نقوش الكتابة السينائية

      وتتحدث وثائق عهدي الملكين سنوسرت الثالث وأمنمحات الثالث عن اهتمام هذين الملكين بتحقيق الاستقرار في سيناء. وتمر مصر بعصر الانتقال الثاني، ومحنة الهكسوس الذين غزوا مصر واستقروا في شرق الدلتا. وأدرك ملوك الأسرة 18 بعد هذه المحنة أن الهجوم خير وسيلة للدفاع، وأنه لابد من تأمين حدود مصر، واشعار الدول المجاورة بأن مصر قادرة على الدفاع عن حدودها. ولم يعد لسيناء مجرد الدور الاقتصادي المتمثل في التجارة عبر أراضيها، أو في استغلال مناجمها ومحاجرها، وانما أصبح محتمًا أن تلعب دورًا عسكريًا يتناسب مع ما يجري على مسرح الأحداث في منطقة الشرق القديم، ومع زحف الجيوش المصرية لتكوين امبراطورية مترامية الأطراف.

      ولهذا ظهر ذلك الطريق الشهير الذي يعرف بطريق حورس الحربي، والذي سهل كثيرًا من تحركات الجيش المصري. ونعرف من وثائق الدولة الحديثة كم من الجهد بذل ملوك هذه الفترة لتأمين حركة التجارة عبر سيناء، ولتأمين الجيوش المنطلقة نحو الشرق من خلال التعرف على عدد الحصون والقلاع التي أقاموها، وكذلك مراكز التموين والإمداد والآبار التي حفرت. وتنال سرابيط الخادم الاهتمام كل الاهتمام، وينال معبد الإلهة حاتحور رعاية كبيرة من ملوك مصر في الدولة الحديثة. وتظل سيناء تلعب دورها كجزء من أرض مصر طوال العصور المتأخرة، رغم انحسار المد العسكري المصري. وبين الحين والآخر كان الجيش المصري في فترات الصحوة يجتاز سيناء للتعامل مع الدول المجاورة اذا ما فكرت في الاعتداء على مصر.


      نقوش سينائية من سرابيط الخادم


      وبقدر ما كان طريق حورس الحربي عاملاً من عوامل انتصار العسكرية المصرية، إلا أنه كان وبالاً على مصر في بعض الفترات، فقد سلكته جيوش الآشوريين والفرس والاسكندر الأكبر، الذين غزوا مصر. وقبل أن نلقي الضوء على المواقع الأثرية في سيناء، أود أن أشير إلى أن سيناء شهدت عبادة الكثير من الآلهة المصرية، حيث شيدت المعابد والمقاصير والمستوطنات لإقامة كهنة هذه المعابد. وكانت الإلهة حاتحور إلهة مهيمنة في سيناء، لقبت بسيدة الفيروز، وأقام لها ملوك مصر عبر فترة زمنية طويلة معبدًا في سرابيط الخادم.




      نقوش الأبجدية السينائية أقدم أبجديات العالم


      وإلى جانب حاتحور كان هناك الإله "سوبد" وهو أحد الآلهة التي عبدت في شرق الدلتا (في صفط الحنة بالقرب من الزقازيق). ونال الملك سنفرو مؤسس الأسرة الرابعة قدسية خاصة في سيناء بعد وفاته، وخصوصًا إبتداء من الدولة الوسطى، وذلك تقديرًا لدوره البارز في تأمين سيناء، والاهتمام بمناجمها ومحاجرها.


      من أهم مناطق الآثار في شمال سيناء

      العريـش
      عاصمة شمال سيناء. كانت منذ أقدم العصور ميناءً هامًا على البحر المتوسط، ومن المراكز الاستراتيجية على طريق حورس الحربي. كانت تضم مستوطنة ومعابد وحصونًا ضاعت بمرور الزمن.

      تل الشيخ زويد
      تقع المنطقة على ساحل البحر المتوسط شمال مدينة "الشيخ زويد". كانت إحدى المحطات الهامة على طريق حورس الحربي القديم بين مدينتي "القنطرة" و"غزة". وقد عُثر فيها على آثار من الدولة الحديثة، ولا يزال التل بحاجة إلى مزيد من التنقيب العلمي والدراسة.
      تل الخروبة
      يقع هذا التل شمال قرية "الخروبة" على طريق (العريش-رفح)، وعثر فيه على بعض الآثار التي تؤرخ بالدولة الحديثة، كما عُثر على أطلال قلعة مشيدة بالطوب اللبن ترجع للدولة الحديثة، على بعد حوالي 15 كم من "العريش". وكانت القلعة أحد المراكز الواقعة على طريق حورس الحربي لإمداد الجيوش بالمؤن.
      منطقة عين القديرات
      عُثر فيها على أطلال لحصون مبكرة ظلت مستخدمة لفترة طويلة، وتوضح هذه الأطلال التخطيط العام للحصن، والوحدات الأساسية المكونة له.
      تل الفلوسيات
      يقع هذا التل شمال قرية "مزار" على ساحل بحيرة "البردويل". ويحتل التل موقعًا استراتيجيًا متميزًا، فهو يقع عند نقطة التقاء طريق الشاطيئ الذي يربطه بمنطقة "الفَرما"، والطريق الحربي الذي يخرج من القنطرة، ويمر في سيناء.
      وترجع الجذور التاريخية للموقع للعصر الفرعوني، لكن لم تظهر حتى الآن آثار تشير إلى هذه الفترة، بينما يضم الموقع آثارًا يونانية رومانية، وأطلال مجموعة من الكنائس.
      بئر العبد
      تقع "بئرالعبد" في منطقة "الدراويش" على بعد حوالي 30 كم شرق "تل الفرما" على طريق (القنطرة-العريش). وقد عُثر في المنطقة على مجموعة من صوامع الغلال المشيدة بالطوب اللبن، والتي ترجع للأسرة الثامنة عشرة، بالإضافة إلى أطلال لآثار أخرى.

      تل المخزن
      يقع هذا التل إلى الشرق من "تل الفرما (بلوزيوم)، وقد كُشف فيه عن أحجار عليها نقوش هيروغليفية من عهد الملك "رعمسيس الثاني"، كما عُثر في الموقع على كنيسة تؤرخ بالقرن الخامس الميلادي.
      تل حبوة
      يقع موقع "تل حبوة" شمال شرق مدينة "القنطرة شرق". وقد عُثر فيه على أكثر من قلعة، إحداها ترجع لفترة احتلال الهكسوس لمصر، ولا يزال التنقيب جاريًا فيها حتى الآن. كما عُثر في الموقع على قلعة أخرى شُيدت فوق أطلال قلعة الهكسوس، وترجع لعهد الملك "سيتي الأول"، وتبلغ مساحتها 800×400م2 وكانت القلعة مشيدة بالطوب اللبن، وتضم عددًا من الأبراج التي كُشف فيها عن مجموعة من المخازن والمنازل، وصوامع الغلال واسطبلات للخيول، وأختام تحمل أسماء عدد من الملوك، مثل "تحتمس الثالث"، و"رعمسيس الثاني".
      القنطرة شرق
      تقوم المدينة الحديثة على أطلال المدينة القديمة المحصنة التي عُرفت في النصوص المصرية باسم "ثارو". وتتحدث النصوص المصرية عن حصن "ثارو" الذي كان أقوى الحصون المدافعة عن حدود مصر الشرقية. وكانت تعلوها قنطرة يتحتم على كل قادم من سيناء أن يمر عليها. وكانت المدينة تزخر بالحدائق، واشتهرت بنبيذها الذي كان مميزًا في الدولة الحديثة. وقد عُثر فيها على جبانة من العصرين اليوناني والروماني.
      رفح
      تقع "رفح" على شاطئ البحر المتوسط على الحدود بين مصر وفلسطين. وقد ورد ذكرها في نصوص الدولة الحديثة باسم "ربح"، ثم أصبحت في العربية "رفح" بالإبدال بين حرفي "الباء" و"الفاء". ولم يُعثر فيها حتى الآن على آثار من العصر الفرعوني.
      طريق حورس الحربي
      لقد كان هذا الطريق أهم الطرق العسكرية التي نشأت في مصر القديمة عبر تاريخها، بل تحدثت عنه بعض الوثائق المصرية، ولعل أهمها ما ورد على الجدار الشمالي لصالة الأعمدة الكبرى في الكرنك، والذي يسجل أخبار الحملة الأولى للملك "سيتي الأول" على فلسطين، والتي حدثت في العام الأول من حكمه. وتصف المناظر والنصوص التي تسجل أخبار هذه الحملة البلاد التي هزمها الملك "سيتي الأول"، وأهم المواقع الواقعة بين "رفح" و"القنطرة".

      ثم هناك أيضًا بردية (أنستاسى - رقم 1)، والتي يسخر فيها أحد الكَتَبة من زميلٍ له من أنه لا يعرف المعلومات الدقيقة عن هذه البلاد الواقعة على حدود مصر الشرقية، ويقدم له المعلومات الصحيحة اليى يمكن أن تساعده إذا ما طُُلب منه أن يشارك في الإعداد لإحدى الحملات العسكرية. يبدأ الطريق من "ثارو" (القنطرة شرق)، ويمر على مقربة من "تل الحير"، ثم "بئر رمانة"، إلى "قاطية"، ومنها إلى "العريش" جنوبي "سبخة البردويل"، مارًا بمنطقة "بئرمراز" على مقربة من "الفلوسيات"، ثم إلي "العريش" و"الشيخ زويد"، لينتهي الطريق عند رفح. ويحدد سجل الكرنك بالصورة والكلمة الحصون وأسماءها، وإن كنا لا زلنا نواجه بعض الصعوبات في تحديد الموقع الفعلي لبعض هذه الحصون وبعض آبار المياه.
      والواضح أن الحصون والحاميات والمنشآت الواقعة على هذا الطريق قد بُدئ بتشييدها في الأسرة الثامنة عشرة، وربما أضاف إليها الملك "سيتي الأول"، أو أنه قد أجرى لها الصيانة اللازمة، وكذلك من بعده ابنه الملك "رعمسيس الثاني".
      مواقع أخرى بمحافظة شمال سيناء
      وإلى جانب هذه المواقع التي أشرنا إليها، هناك مواقع أخرى كثيرة لا تزال في هيئة تلال لم تجرِ فيها بعد التنقيبات الأثرية، كما أننا لم نُشِر إلى المواقع التي نشأت في العصرين اليوناني الروماني، أو التي تضم آثارًا مسيحية أو إسلامية، فذلك خارج عن النطاق الزمني لهذا الكتاب.

      من أقوال الامام علي عليه السلام

      (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
      حملت طيباً)

      محمد نجيب بلحاج حسين
      أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
      نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

      تعليق

      • حاتم سعيد
        رئيس ملتقى فرعي
        • 02-10-2013
        • 1180

        #4
        الآن أيها الاخوة سنتعرف على مرحلة ما بعد النجاة من فرعون.
        بنو إسرائيل في التيه


        تذكّر بنو إسرائيل وهم في التّيه أتعابهم السابقة يوم كانوا في مصر تحت تعذيب فرعون، لأنّهم مؤمنون، وفرعون لا يرضى بالإيمان.
        وتذكّروا انتـــظارهم لمقدم مـــوسى ـ حسب مـــا كانوا يحفظون من أخبار الأنبياء السابقين أنّ خلاصهم على يد نبيّ اسمه موسى ـ .
        وتذكّروا ما لاقوه من ظلم فرعون، حين جاء موسى وأظهر المعجزات، فلم تزد فرعون إلا ضلالاً واستبداداً.
        وتذكّروا ضحايا العقيدة، الذين اضطهدهم فرعون لأنّهم آمنوا برب العالمين. تذكّروا قصة السحرة بعد إيمانهم برب العالمين، رب موسى وهارون، حين قال لهم فرعون: (لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل) فقالوا: لا ضير (إنا إلى ربنا منقلبون)..
        وتذكّروا قصّة ماشطة آل فرعون وأولادها كيف عذبهم فرعون الطاغي، بما لا يدل إلا عــلى الحقد الأسود، والاستبداد الجارف.
        فقد كانت في بيت فرعون امرأة صالحة، تمشّط زوجة فرعون وبناته وسائر نساء الوزراء والأقارب، وبعد ما علمت بقصة موسى آمنت خفيةً من فرعون وذويه إلى أن انفلت زمام الإخفاء من يدها ذات مرّة.
        فقد كانت تمشّط بنت فرعون في يوم من الأيّام، إذ سقط المشط من يدها فقالت مبادرة: باسم الله. فالتفتت بنت فرعون إلى كلامها، فقالت: ومن تعنين بـ(الله)؟ أبي أو غيره؟ قالت الماشطة: بل ربي وربك ورب أبيك، فقالت البنت: لأخبرن بذلك أبي.. ثمّ ذهبت فأخبرت فرعون.
        فدعا فرعون بالماشطة وبأولادها، فقال لها: من ربك؟ فقالت: إن ربي وربّك الله.
        فأمر فرعون القاسي، بتنور من نحاس، فأحمي، فدعا بها وبأولادها، ثم طلب منها أن تتبرّأ من دينها! لكنّها أبت إلا الصّمود، وكلّما هدّدها أصرّت على قولها، وعند ذلك أمر فرعون بأن يلقى أولادها في التنّور واحداً واحداً، أمام عينها، فما كان من المرأة المؤمنة الصامدة إلا الصبر والتسليم، وتفويض أمرها إلى الله سبحانه.
        وصلت النوبة إلى ولدها الصغير، وهو رضيع في حجرها، فجذبوه منها ليلقى في التنور المسجور، ومن الطبيعي أن تضطرب الأم أشد الاضطراب في مثل هذه الحالة، وأن تذرف الدموع الساخنة.. لكن رحمة الله كانت قريبة منها، فما كان من الرضيع إلا أن نطق ـ بأمر الله تعالى ـ مسلّيا أمّه قائلا: اصبري يا أمّاه إنك على الحق. فألهم هذا الكلام قلب الأم الحنون صبراً وصموداً أكثر، كما أحدث في فرعون وآله رجّة شديدةً، كيف يتكلّم الرضيع؟ أليس هذا دليلاً على صدق كلامها وصحّة إيمانها؟ لكنّ الطغاة اعتادوا أن لا يصيخوا للحق، ولو جاءتهم كل آية.
        وما هي إلا دقائق، حتى احترق الرضيع، كأُخوته من ذي قبل! ثم ألحقت الأم بأولادها، فألقيت في التنور، فاحترقت.
        وانقضى كل شيء.. فلم يكن للماشطة المؤمنة وأولادها الأطهار خبرٌ أو أثر، وبقي الطاغي يتعطش إلى الدماء أكثر فأكثر.
        * * *

        تذكّر بنو إسرائيل وهم في التيه كل ذلك ـ فإنّه من الطبيعي أن يتذكر الإنسان مآسيه السابقة، حين يقع في مشكلة جديدة ـ .
        كما تذكّروا قصة المرأة الصالحة (آسية بنت مزاحم) زوجة فرعون، التي حفظت موسى يوم كان صغيراً، والتي آمنت به سرّاً يوم جاء موسى رسولاً من عند الله تعالى.
        فقد كانت من بني إسرائيل، وكانت تعبد الله سرّاً، حتّى رأت ما صنع بالمرأة الصالحة وكشف الله عن بصرها، فإذا بها ترى روح المرأة يصعد بها الملائكة إلى السماء، فزادت إيماناً وإخلاصاً وتصديقاً.
        وبينما هي في لوعة وأسى، على المرأة الصالحة دخل عليها فرعون السفّاك فأخذ يخبرها بما صنع بالمرأة، في نشوة النّصر والانتقام.
        فلم يكن من (آسية) إلا أن ازوَرَّت عنه قائلةً: الويل لك يا فرعون! ما أجرأك على الله جلّ وعلا؟ فعرف فرعون إنّها هي الثانية أيضاً مؤمنة. فقال لها: لعلّ الجنون الذي اعترى صاحبتك قد اعتراك.
        أجابت آسية: كلاّ، لكن آمنت بالله تعالى ربّي وربّك، وربّ العالمين.
        غضب فرعون، وأقسم أن يجبرها على الكفر بموسى وإلهه، وإلا أذاقها النكال والعقاب.. لكن المرأة الصالحة تمسّكت بدينها، وأصرّت على عقيدتها.
        فما كان من فرعون الأثيم، إلا أن نسي العلاقات الطيّبة بينه وبين المرأة الشريفة (آسية) ونسي خدماتها طيلة عمرها في دار فرعون.. فأمر أن تمدّد (آسية) في الشمس، وتدقّ على يديها ورجليها المسامير الحديديّة، ثم بعد كل ذلك يوضع على صدرها صخرةٌ عظيمةٌ إمعاناً في تعذيبها ونكايةً بها.
        ومرّ موسى على مكان التعذيب، فآلمه ما رآه من عذابها، فدعا الله لها، فرفع الله عنها الألم ورأت مكانها في الجنة، فأخذت تضحك من السرور. ولمّا رأى فرعون ضحكها قال: لقد مسّها طائف من الجنون.. لكن الأمر كان بخلاف ذلك.
        * * *

        طبيعي أن يتذكر بنو إسرائيل فــي التيه قضاياهم السالفة، وان يتذكّروا قصّة مؤمن آل فرعون، فد كان ابن عمّ فرعون ويسمّى (حزقيل) مؤمناً، وكان يكتم إيمانه، وقد جعله فرعون وليّ عهده، لكنّه آمن بموسى لمّا رأى صدقه ومعجزاته.
        وذات مرّة وشي به إلى فرعون أنّه قد آمن بالله، فأرسل فرعون رجلين في طلبه، فرأياه في الجبال يصلّي، فجاءا واختلفا هل يخبران فرعون بخبره أم لا؟ أما أحدهما فقال: لن أخبر فرعون وأمّا الآخر فقد أخبره بما رآه، فغضب فرعون أشد الغضب، وقال: لئن كان هذا صادقاً لأعذّبنّ حزقيل عذاباً شديداً.
        وعرف (حزقيل) بالأمر، واستعاذ بالله من شر (فرعون) ثم جاء إلى القصر، وهو وجل خائف.. فلمّا استقرّ به المجلس، قال له فرعون: أتنكر ربوبيّتي، وتصلّي لإله غيري؟ قال حزقيل: ومن قال لك ذلك؟ قال فرعون هذا الرجل. قال حزقيل ـ وقد وجد مفرّا من المأزق الحرج ـ :
        أيها الملك اسأل هذين الرجلين اللذين وشي أحدهما بي: من ربّهما، وخالقهما، ورازقهما، فسألهما فرعون عن ذلك؟ قالا: ربنا وخالقنا ورازقنا هو أنت أيها الملك.
        قال حزقيل: فاشهد أيها الملك، واشهدوا أيها الحاضرون: أن ربهم هو ربي وخالقهم هو خالقي، ورازقهم هو رازقي، وليس لي غيره خالقاً ورازقاً وربّاً.. وقد قصد بذلك الواقع، فإن خالق الرجلين وخالق حزقيل هو (الله).
        لكن فرعون زعم أن حزقيل يقصد (فرعون) فكفّ عنه وأكرمه، وجعله في محل اطمئنانه واستشارته. أما الرجلان، فأحدهما وهو الذي وشى بـحزقيل فقد لاقى جزاءه من فرعون بالصلب، لأن فرعون ظنّ انه كاذباً في وشايته ضد حزقيل وأما الذي كتم صلاة حزقيل فإنه نجا ولم يمس بسوء، ثم آمن هو كما آمن حزقيل وحَسُن إيمانه.
        * * *

        أما بنو إسرائيل في البريّة، فقد تابوا وأنابوا لما بدر منهم في مخالفة أمر الله سبحانه الذي أمرهم بدخول الأرض المقدسة. لكن انطبق عليهم المثل المعروف: (ندم زيد ولمّا ينفعه الندم) فقد سبق أمر الله سبحانه، لعقوبتهم على المخالفة، بأن يتيهوا في الأرض أربعين سنة، وقد كان تيههم في فراسخ معدودة، فإذا أمسوا أخذوا يتحرّكون، ثم إذا أصبحوا رأوا أنّهم في مكانهم الأوّل، وهكذا إذا ساروا صباحاً، وجدوا أنفسهم في الليل في نفس المكان.
        وعزم جماعة منهم على الرحيل والرجوع إلى مصر، لكن أنى لهم ذلك، وقد كان المقدّر أن يتيهوا في نفس تلك الأرض. واشتكوا إلى موسى ما يلاقونه في تلك البرية من حر الشمس نهاراً، وبرد الليل والجوع والعطش، فدعا الله موسى (عليه السلام)، فأرسل الله سبحانه قطعة من السحاب كانت تظللهم كل يوم وتقيهم من حر الشمس. كما أن (المنّ) وهو شيء يشبه (الترنجبين) و(السلوى) وهو طير (السّماني) كانا يأتيانهم لأكلهم.
        وكان مع موسى حجرٌ يضعه وسط العسكر، فيضربه بعصاه، فينفجر منه اثنتا عشرة عيناً، لكل سبطٍ من الأسباط نهرٌ خاص به، ليشرب منه الماء ويقضي به حوائجه.
        وكانت عصى موسى بالليالي المظلمة تشع لهم، كالمصباح القوي، فيرون الأشياء في نورها.
        (وظلّلنا) يا بني إسرائيل (عليكم الغمام) السحاب ليقيكم من حر الشمس، و(أنزلنا عليكم المن والسلوى) لأكلكم ولقنا لكم: (كلوا من طيبات ما رزقناكم)، (وإذا استسقى) طلب الماء (موسى لقومه) (فقلنا اضرب بعصاك الحجر) فضرب موسى (عليه السلام) الحجر (فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً قد علم كل أناس) من الأسباط الاثني عشر (مشربهم) وقلنا لهم: (كلوا واشربوا من رزق الله).


        * * *


        بقي بنو إســرائيل في التيه، أكلهم واحد: (المنّ والسلوى) ولهم ظلّ واحدٌ (الغمام) ولهم ماء واحد هو ما يتفجّر من (الصخرة).
        أمّا ماذا كان لباسهم؟ وهل كانت لهم خيامٌ؟ وكيف كان يربّون أولادهم؟ وهل كانوا يقضون الأيام والليالي بالبطالة أو العمل؟ وغير ذلك من الأسئلة، فلا نعلم عنها شيئاً ملموساً لكن من الطبيعي أن يتضجّروا ويملّوا هذه الحياة البدائية الرّتيبة، التي لم تدم يوماً ولا شهراً ولا سنةً وإنما استمرّت أربعين عاماً.
        ولعلّ إبقاءهم في التّيه لم يكن صرف عقوبةٍ على عدم إطاعتهم في دخول الأرض المقدسة، بل كان وراء ذلك إرادة تأديبهم ونضجهم، ليصلحوا أن يكونوا حملة رسالة موسى إلى الأمم الآتية، فإن حملة الرسالة لابد لهم من عقل ونضج، لا يتوفران للشخص بسرعة، وإنّما بطول المحنة والتجارب والشدائد.
        فقد شاءت إرادة الله تعالى أن تكون شريعة موسى (عليه السلام) عالميّة في الفترة ما بين موسى وعيسى، حتى إذا جاء المسيح انتقلت الشريعة إليه، في فترة ما بينه وبين رسول الإسلام، حتى إذا جاء محمد (ص) نسخت شريعته الأديان كلّها، ولم يقبل من أحد غير الإسلام إلى يوم القيامة.
        وكيفما كان الأمر.. فقد ملّ بنو إسرائيل في التيه الطّعام الواحد، فقالوا: (يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع) واطلب (لنا) من (ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها) الخيار (وفومها) الثوم (وعدسها وبصلها) ولعل هذه المذكورات من باب المثال، بأن طلبوا زرع الأرض على عادتهم حين كانوا في مصر.
        (قال) موسى في جوابهم: (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير)؟ أي أتريدون أن ينقطع عنكم الطير والحلوى الميسوران بلا صعوبة، وتقعون في صعوبة الزرع وما يتبعه؟ لكنهم أصرّوا على وجهة نظرهم.. فقال لهم: (اهبطوا مصراً) من هذه الأمصار التي هي قبل الأرض المقدسة، فإن في أطراف التيه كانت قرى، وكان يتوفر فيها الغذاء وما طلبوه، (فإن لكم ما سألتم) من البقل والقثّاء وغيرهما.
        فجعل بنو إسرائيل يرتادون القرى، ويحصلون منها على ما يشتهون من الأطعمة.

        * * *

        هنالك نفوس شريرة بطبعها، ونفوس طيبة في طينتها، وقد كان بنو إسرائيل من القسم الأول، فقد فضّلهم الله على العالمين، إذ بعث فيهم أنبياء، وجعل منهم ملوكاً، وآتاهم ما لم يؤت أحداً من العالمين.
        ثم.. نجّاهم من فرعون الطّاغي، وأهلك عدوّهم، وأراهم الآيات البيّنات، لكنهم أبوا إلا تمرّداً وعُتواً، حتى ابتلاهم بالتيه، ولكنّهم (ضربت عليهم الذلّة والمسكنة) فإنّ الإنسان الحريص لابد وان يكون ذليلاً، كما أن الشخص العاتي يلازم المسكنة.. ومن عجيب أمرهم أنهم من ذلك اليوم إلى هذا اليوم أذلّة مطاردون، لم تستقم لهم دولة، وإذا اغتصبوا مكاناً ـ كفلسطين ـ فإن الاغتصاب إنما يتسنّى لهم بألف تملّق من دول قويّة، وألف بذل لأعراضهم للأعداء، فإن كل واحد يعلم أنهم حصلوا على وعد (بلفور) بإرسال فتياتهم الجميلات إلى الضبّاط والقادة وأهل النفوذ، وهكذا إلى اليوم يجعلون أنفس شيء ـ وهو العرض ـ سبباً لبقاء نفوذهم المزيّف.. ثم بعد ذلك كله، هم في خوف وقلق دائمين من المسلمين الذين أحاطوا بهم، حتى إنهم لا يبرحون السلاح ليل نهار.
        وعلى كل حال، فقد ضربت عليهم الذلة الأبدية (وباءوا بغضب من الله) ولعنة الدّهر (ذلك بـ) سبب (أنهم كانوا يكفرون بآيات الله) بأدلته وحججه (ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون).
        فمثلاً: حين كانوا في (التيه) عجزوا عن الإقامة ولم يقدروا على دخول الأرض المقدسة الموعودة، ولمّا ألحّوا على موسى أن يدخلوا بعض البلاد ليشتروا ويأكلوا كما يريدون أجاز لهم أن يدخلوا بيت المقدس، بشرط أن يسجدوا لله شكراً عند باب المدينة، ويقولوا هذه الكلمة: (حطّة) بمعنى : اللهم حطّ عنا ذنوبنا، لكنهم دخلوا الباب قهقرى ـ استهزاءً ـ وقالوا: (حنطة) عوض (حطة).
        (وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا) عند دخول المدينة: (حطّةً وادخلوا الباب سجداً) في حال كونكم ساجدين، خاضعين لله تعالى، فإذا فعلتم ذلك (نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين) (فبدّل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم) ولذا نزل عليهم العذاب.
        * * *

        لم يكن الذين نزلوا التّيه، مع موسى بن عمران (عليه السلام)، قابلين للسيادة والرئاسة، وإدارة شؤون أنفسهم، فإنهم لطول ما استعبدوا في مصر، اعتادوا الذلّة والخنوع، والجبن والإحجام. ولذا لمّا سمح لهم بدخول الأرض المقدسة، خافوا العمالقة، و(قالوا اذهب أنت وربّك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون). فإن الإنسان إذا اعتاد على شيء، وتكرّر ذلك الشيء في نفسه، صار ملكةً عنده، لا يزول عنه بسرعة، وهؤلاء اعتادوا أن يكون لهم سيد يسودهم، واعتادوا الخوف والجبن، فلم يصلحوا للسيادة ولم يكونوا شجعاناً.
        ولذا كانت مدة مكوثهم في التيه، كفيلةً بانقلابهم ـ بسبب موت الآباء، وخلافة الأبناء ـ فتتحوّل طباعهم بحيث يليقون للسيادة، وتكون فيهم عزيمة الغزو والفتح، وبقوا هناك هذه المدة الطويلة، يرتادون القرى والأرياف حتى مات أكثرهم وجاء مكانهم شعبٌ قويٌ، فيه الجرأة والإقدام، وروح العلوّ والسيادة.
        وعندئذ صلحوا لدخول الأرض المقدسة، وأخذوا زمام الأمور بأيديهم.
        ومن غريب الأمر أنّ موسى (عليه السلام) وأخاه هارون (عليه السلام) ماتا في ذلك التيه فلم يريا دخول بني إسرائيل الأرض، فيا لحسرة الخلف أن لا يرى القائد معه؟
        ثم إن بني إسرائيل عندما كانوا في مصر كانوا تحت نظام فرعون وحكمه، لكنهم لما خرجوا من مصر وسكنوا التيه، كان لابد لهم من نظام ينظم دنياهم، ويكون لهم بمنزلة القانون ونظام آخر لتنظيم أمور دينهم، ويكون لهم الشريعة. ولذا أخذوا يطالبون موسى (عليه السلام) بهذين النظامين.
        وحيث إن مثل هذه الأنظمة في شرائع السماء، لابد وان تكون من عند الله تعالى، لأن شرائع الله لا تعترف بالأنظمة الأرضية المحدودة بأفكار الناس.. صار من المقرّر أن يأتي نظام العبادة، ونظام الإدارة من السماء. ولذا رأت صحراء التيه ولادة هذا النظام السماوي المسمّى بـ(التوراة).
        * * *

        لقد وقع في (التيه) لقوم موسى عدة قضايا مهمة:
        منها قصّة (عبادة العجل) فقد وعد موسى قومه أن يأتيهم بكتابٍ فيه نظم أمور دينهم وأمور دنياهم، حسب ما وعده الله سبحانه، فلمّا كانوا في (التيه) طلبوا من موسى إنجاز الوعد.
        وقد وعد الله موسى (عليه السلام) أن يأتي إلى الطور، لمدّة ثلاثين يوماً، حتى يعطيه التوراة ولم يكن الوعد أن التوراة تعطى في نهاية ثلاثين يوماً، وإنما كان إعطاء التوراة بعد الموعد ـ في الجملة ـ .
        فأخبر موسى بني إسرائيل أنه ذاهب إلى (جبل طور) لتلقّي (التوراة) كما أخبرهم: على أن يبقى ثلاثين يوماً هناك، ولم يخبرهم أنه يأتي مباشرة بعد الثلاثين.
        ثم خلّف موسى فيهم أخاه (هارون) (عليه السلام)، وذهب إلى (الميقات). بقي موسى في جبل (طور) (ثلاثين يوماً).
        لكن إرادة الله شاءت امتحان (بني إسرائيل) ولذا لم ينزل التوراة في نهاية الثلاثين، وإنما أتمّ الثلاثين بعشرة أخرى، حتى صارت أربعين يوماً.. ثم أعطى (التوراة) في (ألواح) لموسى (عليه السلام).
        أما بنو إسرائيل، فإنهم ما كانوا يطيعون هارون لخبثهم، وقد كان هارون (عليه السلام) لين العريكة، يخشى كفرهم وانقلابهم إن شدّد عليهم الأمر.
        وهكذا أخذ بنو إسرائيل يجمعون أنفسهم في اجتماعات، للانقلاب، لكنهم كانوا يخشون موسى (عليه السلام)، ولمّا تأخر رجوع موسى اغتنموها فرصة! فتجمهروا أوّلاً، لقتل هارون (عليه السلام)، حتى يخلعوا الشريعة عن أعناقهم، لكنهم لم يتمكنّوا من ذلك، بفضل بعض المخلصين.
        ثم.. زاد الأمر انحرافاً، لقد جاءهم (الشيطان) في صورة رجل، وقال لهم إن موسى لم يكن نبياً، وإنما كان رجلاً كذّاباً ـ والعياذ بالله ـ وحيث إنه لا يتمكن من القيام بإدارتكم، فرّ، باسم (الميقات) ولن يرجع إليكم أبداً. فقويت عزيمة بني إسرائيل الأشرار، على أن يخلعوا الشريعة من رقابهم، وأن يرجعوا إلى عبادة غير الله، بما اعتادوا أن يروه في مصر. فقد كانت رواسب الجاهلية الأولى بَعد في نفوسهم.
        (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة) ولمّا أراد موسى الذهاب إلى (طور) (قال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين).
        * * *
        لقد قرّر الأشرار من بني إسرائيل الذين كانوا في التيه ـ بعد غيبة موسى (عليه السلام) ـ أن يصنعوا لأنفسهم إلهاً.. وقد كان في بني إسرائيل رجلٌ من الأخيار اسمه (السّامري) وكان قد رأى يوم خروج بني إسرائيل من مصر ـ عبر البحر ـ جبرئيل (عليه السلام) راكباً على (رمكة) فكان فرس جبرئيل كلّما وضع رجله على موضع، تحرّك ذلك الموضع، كأنه شيء حيّ، فاتّخذ (السامري) ذلك اليوم قسماً من تراب حافر فرس جبرئيل وادّخره لنفسه.
        ثمّ.. إن السامري، التفّ حوله القوم، طالبين منه أن يصنع لهم (صنماً) يعبدونه، فقال السامري: علي بالذّهب الذي معكم من الحلي والحلل، فجاءوا إليه بما كان عندهم من الذهب، فأذابه وصنع منه صورة (عجل)، وألقى ذلك التراب في جوفه، فأخذ العجل يخور من أثر تحرّك التراب في جوفه.
        وقال لهم: (هذا إلهكم) يا معاشر بني إسرائيل..
        وهؤلاء قد علموا فذلكة السامري، لأنهم كانوا رأوا التراب وحركته من قبل، إذ كان السامري يفتخر عليهم بذلك التراب.. لكنهم كانوا يريدون التخلص من الشريعة، وعبادة الله سبحانه، فاتخذوا العجل إلهاً.
        سجد سبعون ألف شخص من أولئك الذين كانوا في التيه (للعجل)، وكلما نصحهم (هارون) والخيار من أصحاب موسى (عليه السلام)، لم ينفع فيهم النصح.
        وحيث كان موسى (عليه السلام) في الجبل، أوحى إليه الله تعالى بقصّة (السامري) و(العجل) (قال) الله (فإنّا فتنّا) وامتحنّا (قومك من بعدك وأظلّهم السامري) ولمّا انتهى أمد الطور وأخذ موسى الألواح (رجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً)؟ كما رأيتم من خلاصكم من فرعون، وإعطائكم الكتاب (أفطال عليكم العهد)؟ حتى عبدتم العجل (أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي) في بقائكم على الشريعة وإطاعتكم لهارون؟
        لكن هل يكون لهم عذرٌ معقول أمام موسى، وما اقترفوه من الإجرام؟
        * * *

        لم يكن لبني إسرائيل الذين عبدوا العجل، في غياب موسى (عليه السلام)، عذر مشروع، ولذا أخذوا يعتذرون بهذا العذر التّافه (قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا) ونحن نملك أمرنا، حتى نتمكّن أن نفعل أو ندع (ولكنّا حمّلنا أوزاراً من زينة القوم) فقد كان عندنا أحمال من ذهب آل فرعون ـ من مصر ـ (فقذفناها) وألقيناها في البوتقة لإذابتها (فكذلك ألقى السامري) الذهب في البوتقة، للإذابة.
        (فأخرج) السامري (لهم عجلاً) صغير البقر (جسداً) فلم يكن عجلاً حقيقياً، وإنما تمثال عجلٍ مصنوع من الذهب (له خوار) أي صوتٌ من جرّاء تحرّك التراب الذي اتخذه السامري من تحت حافر فرس جبرئيل ووضعه في داخل العجل (فقالوا) السامري ومن آزره في صنع العجل (هذا) العجل (إلهكم) يا معاشر بني إسرائيل، كما أنه أيضاً (إله موسى فنسي أفلا يرون ألا ترجع إليهم قولاً) فإنه كيف يكون إلهاً ولا يقدر على التكلّم الذي هو أبسط مظاهر الحياة؟ وهل يكون جمادٌ عاجزٌ إلهاً؟ (ولا يملك لهم ضرّاً ولا نفعاً) فهل يملك الجماد أن يضرّ شخصاً، أو ينفع شخصاً؟
        (ولقد قال لهم هارون من قبل) من قبل رجوع موسى (عليه السلام): (يا قوم إنما فتنتم به) فإنه امتحان لكم، ليتبيّن المؤمن حقيقة من المؤمن ظاهراً (وإن ربكم الرحمن) لا هذا العجل، (فاتبعوني) يا قوم (وأطيعوا أمري) في عبادة الله تعالى.
        فماذا كان جواب بني إسرائيل لهارون المشفق الناصح؟ (قالوا لن نبرح عليه عاكفين) فإنا نستمر في عبادة العجل (حتى يرجع إلينا موسى) من الميقات.
        هكذا كان موقف بني إسرائيل إزاء العجل.. العبادة والسجدة. وكذلك كان موقف هارون أمام بني إسرائيل.. النصح والإرشاد.. فلم يقبلوا كلامه. فلننظر إلى موقف موسى (عليه السلام) مع أخيه (هارون)؟
        لقد غضب موسى على بني إسرائيل أشد الغضب، وأسف لضعف عقولهم أشد الأسف ولذا توجّه أوّلاً إلى أخيه، مظهراً استياءه من القوم على سبيل: إياك أعني واسمعي يا جارة ـ فـ(قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلّوا ألاّ تتبعن)؟ أي: لماذا لم تتبعني في النهي عن المنكر وعقاب المخالف إذ رأيت بني إسرائيل ضلّوا عن طريق الهدى؟ (أفعصيت أمري)؟ وقد كان هذا سؤال العارف.
        * * *

        وقد كان أخذ موسى (عليه السلام) برأس هارون ولحيته، إظهاراً لشدّة غضبه على القوم على نحو: (حرب الصّاغة).
        فـ(قال) هارون: (يا ابن أمّ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي) حتى يزعم القوم أنك غضبت عليّ، فإني أنكرت عملهم ـ كما تعلم ـ وإنّما لم أنزل العقوبة بهم خشية التفرقة بين كلمة بني إسرائيل، فإنه إذا عنّف الإنسان ببعض جماعته تفرّق الجمع إلى مؤيد ومخالف. فـ(إني خشيت أن تقول فرّقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي).
        * * *
        أما موقف موسى من (السامري) ومن (العجل) ومن (بني إسرائيل):
        فقد توجه موسى (عليه السلام) إلى (السامري) فـ(قال فما خطبك) وقصتك (يا سامري) كيف صنعت العجل، ولماذا صنعته؟ (قال) السامري: (بصرت) ورأيت (بما لم يبصروا به) من تحرّك التراب تحت حافر فرس جبرئيل يوم غرق فرعون (فقبضت قبضة من) تراب (أثر الرسول) جبرئيل (ع) (فنبذتها) أي جعلتها في جوف العجل.. هذا ما كان من أمر العجل، وأما لماذا صنعت العجل؟ فقد (سوّلت لي نفسي) وزيّنت لي هذا العمل البشع.
        عند ذاك (قال) موسى (عليه السلام) للسامري: (فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس) قيل ـ في معناه ـ أنّه إذا كان يمسّه أحد، ابتلى السامري والماس بالحمّى فوراً، فكان يقول السامري إذا اقترب من أحد: (لا مساس) أي لا تمسّني، وأخيراً هام على وجهه في البريّة، فرار من ابتلائه بالحمّى، عند اصطكاكه بالآخرين (وإن لك) يا سامريّ (موعداً لن تخلفه) فقد أخّر تعذيبك إلى الآخرة، وإنما لم يعذبه موسى (عليه السلام)، لأنه كان سخياً، فأمهله الله سبحانه، كرامة لهذه الصفة.
        وبعد هذا.. وصل الدور إلى (العجل) فقد برده موسى (عليه السلام) بالمبرد، وذرّه في البحر، زيادةً في النكاية بعباده، فإنه من النكاية بالعابد لشيء إهانة معبودِه ـ ولذا تجعل آلهة الكفار حصب جهنم، كما قال سبحانه: (أنتم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم) وعلى هذا خاطب موسى (السامري) قائلاً: (وانظر إلى إلهك) أي العجل (الذي ظللت عليه عاكفاً) تعبده دون الله تعالى (لنحرقنّه) تحريقاً بالنار حتى يذوب (ثم لننسفنّه) بعد أن نحطّمه بالمبرد (في اليم) أي البحر (نسفاً) حتى لا يبقى له أثر أصلاً، فإن العجل ليس إلهاً، (إنما إلهكم) يا بني إسرائيل (الله الذي لا اله إلا هو وحده لا شريك له وسع كل شيء علماً) فإن علمه شامل لكل شيء، وليس العجل الذي لا يعلم أي شيء.
        وهكذا صنع موسى (عليه السلام)، فإنه أحرق العجل، ثم حطّمه، ثم نسفه في البحر.
        ومن عجيب الأمر: أن جماعةً من الذين عبدوا العجل ممن (أُشرِبوا في قلوبهم العجل) كانوا يلقون أنفسهم في البحر، ليشربوا الماء المخلوط برماد العجل.
        وهكذا انتهى أمر (السامري) بالخسران والخيبة والعذاب، وانتهى أمر (العجل) بالحرق والنسف في اليم.
        * * *

        أما القوم الذين عبدوا العجل.. فقد قرّر الله لهم توبةً فريدةً في نوعها، وهي أن يشهر الجميع ـ العابد للعجل، والساكت عليه ـ سيوفهم، بعضهم على بعض، وهكذا يقتل البعض البعض الآخر حتى يأمرهم موسى بالكفّ عن ذلك، فـ(قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل) إلهاً (فتوبوا إلى بارئكم) خالقكم، أي الله سبحانه (فاقتلوا أنفسكم) ليقبل توبتكم بهذا السبب (ذلكم خيرٌ لكم عند بارئكم) لأنه ينجّيكم من العذاب الأبد.
        وحيث أنكم فعلتم ما أمرتم (تاب) الله (عليكم إنه هو التواب الرحيم).
        فقد وقف بنو إسرائيل صفّين طويلين، شاهرين السيوف، وغشيتهم ظلمة، حتى لا يرى القاتل المقتول فيرق له، وأخذ يقتل بعضهم بعضاً، وموسى وهارون عليهما السلام وقفاً يتضرّعان إلى الله سبحانه، في رفع هذا الحكم، وإنزال التوبة.
        حتى ارتفعت الظلمة، ونزلت التوبة، وسرّ الجميع، وبعد ما أحصوا القتلى، انكشف الأمر عن سبعين ألف قتيل!!
        يا لدهشة الأمر؟ لعظم الهول؟! لا تكون التوبة إلا هكذا، ولا تنجلي المعركة، إلا بسبعين ألف قتيل؟ ومن القاتل؟ ومن المقتول؟ أبناء وآباء وأقرباء، وإخوان!! كيف كان هذا الحكم! وكيف رضيت نفوس بني إسرائيل بتوبة كهذه.
        الأصح أن نقول: العلم عند الله.
        لكن من المظنون أن الله سبحانه، قدّر رؤوس الفساد بهذه الكيفية، فإنّ في كل أمة جماعةً لا يزالون يعبثون بمقدّرات الأمة، وينشرون الفساد والضلال، ولا نجاة للأمة في حاضر أمرها، ولا للأجيال الآتية في المستقبل، إلا بالتخلّص من مؤامرات هؤلاء وإفسادهم، أليس من الأحسن أن يقتل سبعون ألفاً لنجاة ملايين من البشر؟
        إن من يرى اعتداء (اليهود) على بلاد الإسلام، وغير بلاد الإسلام، ـ هذا اليوم ـ يعرف كيف أن هذا الحكم كان عادلاً! إن اليهود بعد مرور هذه الحقبة الطويلة من الزمن، وتحضرهم، لا يرعوون عن كل فساد وإفساد، وإن كان فيه هلاك العالم، فكيف بذلك اليوم؟ وهم بعد في أول السير نحو الحضارة والمدنية.. وقد كان سبحانه يعلم من يقتل في ذلك اليوم، فلم ينل السيف إلا المستحق.
        وكيف كان.. إقدام القاتلين على قتل أقربائهم توبة لهم، كما كان موت المقتولين أيضاً توبةً لهم ـ من غير فرق بين العابد للعجل والساكت عن المنكر، قاتلاً ومقتولاً، فكلّهم كانوا شركاء في الجريمة ـ.
        ولكن هل تنتهي عند هذا الحد قصّة بني إسرائيل؟
        كلا! إن لهم قصة طويلة، ذات فروع، وكما لا تنتهي القصّة عند هذا الحد، كذلك لا ينتهي تمردهم وعتوّهم عند عبادة العجل، والتوبة على يد موسى.. فإن من جبل على الشر وإن تاب ألف مرة، لا ينتهي غيّه، وبنو إسرائيل وإن كانوا مفضّلين على عالمي زمانهم من جهة، لكنّهم من جهة أخرى كانوا أكثر الأمم شرّاً وفساداً، وكانت فيهم قطاعات كبيرةٌ من أهل الشرّ والفساد، وكيف جمعت فيهم فئة كبيرة من الصالحين حتى يستحقّوا أن يقال عنهم: (فضّلتكم على العالمين) وفئة كبيرة من الأشرار، حتى يستحقوا أن يقال عنهم: (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة)! فذلك مما لا يعلمه إلا الله سبحانه.

        من أقوال الامام علي عليه السلام

        (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
        حملت طيباً)

        محمد نجيب بلحاج حسين
        أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
        نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

        تعليق

        • حاتم سعيد
          رئيس ملتقى فرعي
          • 02-10-2013
          • 1180

          #5
          سؤال لابد منه:
          أيها الاخوة والأخوات الذين تابعوا هذا الموضوع سؤالي لكم هو كالآتي:
          هل فهمتم المقصد من الآية الكريمة...وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر...؟

          من أقوال الامام علي عليه السلام

          (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
          حملت طيباً)

          محمد نجيب بلحاج حسين
          أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
          نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

          تعليق

          • حاتم سعيد
            رئيس ملتقى فرعي
            • 02-10-2013
            • 1180

            #6
            تتبعوا هذه الاجابة من موقع مسيحي وقارنوا بين قولهم وقول العلماء المسلمين..
            الرابط..http://st-takla.org/FAQ-Questions-VS...ilderness.html
            سؤال: اود ان تشرح لي لماذا اخذ اليهود فترة اربعين سنة للخروج من مصر إلا فلسطين إستنادًا إلى الآية: "واكل بنو اسرائيل المن اربعين سنه حتي جاءوا الي ارض عامره" الخروج [16]:36:


            الإجابة:
            ها هي الآية التي ذكرتها في السؤال: "وَأَكَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْمَنَّ أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى جَاءُوا إِلَى أَرْضٍ عَامِرَةٍ. أَكَلُوا الْمَنَّ حَتَّى جَاءُوا إِلَى طَرَفِ أَرْضِ كَنْعَانَ" (سفر الخروج 16: 35). ولكن كالعادة -وكما أوضحنا سابقًا هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أكثر من موضع- يجب عدم الاعتماد على آية واحدة فقط في الكتاب المقدس، بدون وضع بقية الآيات المتعلقة بالموضوع في نفس الإطار، حتى تستطيع أن تلم الصورة كاملة عن الموضوع.. فلا يصح مثلًا أن تسأل أحدًا عن طريقة عمل نوع من أنواع الأطعمة المطبوخة، فيقول لك اسم صنف واحد فقط من المقادير، بدون أن يعطيك كل المقادير مع أوزانها المقترحة والحرارة المطلوبة والمدة المستغرقة على النار.. إلخ. نحن فقط نود توضيح هذه النقطة الهامة، لنعرف كيف ننظر إلى الأمور نظرة عامة ومتكاملة، وليس فقط بناءً على معلومة واحدة فقط.. نعود الآن إلى السؤال.. فبالطبع منطقيًا لا تستغرق المدة الزمنية -حتى وإن كانت سيرًا على الأقدام- من مصر إلى أطراف أرض كنعان 40 سنة. ولكن الله نفسه هو الذي أتاههم في البرية كل هذه الفترة، وتعطلوا بسبب أحداث كثيرة حدثت، وسمح الله بكل هذا بسبب تمرد الشعب وخطاياهم، لدرجة أن حتى موسى نفسه لم يدخل أرض الميعاد بسبب خطية له.. فنرى الكتاب يقول في هذا صراحة -وفي أكثر من موضع- سبب طول هذه المدة، وهي بسبب خطايا الشعب المتذمر والصلب الرقبة، حتى يفنيهم الرب في البرية، ويدخل الأجيال الجديدة فقط إلى أرض الميعاد:
            • "فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَأَتَاهَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، حَتَّى فَنِيَ كُلُّ الْجِيلِ الَّذِي فَعَلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ" (سفر العدد 32: 13).
            • "وَتَتَذَكَّرُ كُلَّ الطَّرِيقِ الَّتِي فِيهَا سَارَ بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ هذِهِ الأَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْقَفْرِ، لِكَيْ يُذِلَّكَ وَيُجَرِّبَكَ لِيَعْرِفَ مَا فِي قَلْبِكَ: أَتَحْفَظُ وَصَايَاهُ أَمْ لاَ؟" (سفر التثنية 8: 2).
            • "لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَارُوا أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْقَفْرِ حَتَّى فَنِيَ جَمِيعُ الشَّعْبِ، رِجَالُ الْحَرْبِ الْخَارِجِينَ مِنْ مِصْرَ، الَّذِينَ لَمْ يَسْمَعُوا لِقَوْلِ الرَّبِّ، الَّذِينَ حَلَفَ الرَّبُّ لَهُمْ أَنَّهُ لاَ يُرِيهِمِ الأَرْضَ الَّتِي حَلَفَ الرَّبُّ لآبَائِهِمْ أَنْ يُعْطِيَنَا إِيَّاهَا، الأَرْضَ الَّتِي تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا." (سفر يشوع 5: 6).

            ويؤكد الرسول بولس هذا الأمر بصيغة أخرى فيقول:
            • "لِذلِكَ كَمَا يَقُولُ الرُّوحُ الْقُدُسُ: «الْيَوْمَ، إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِي الإِسْخَاطِ، يَوْمَ التَّجْرِبَةِ فِي الْقَفْرِ، حَيْثُ جَرَّبَنِي آبَاؤُكُمُ. اخْتَبَرُونِي وَأَبْصَرُوا أَعْمَالِي أَرْبَعِينَ سَنَةً. لِذلِكَ مَقَتُّ ذلِكَ الْجِيلَ، وَقُلْتُ: إِنَّهُمْ دَائِمًا يَضِلُّونَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَلكِنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا سُبُلِي. حَتَّى أَقْسَمْتُ فِي غَضَبِي: لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتِي».. إِذْ قِيلَ: «الْيَوْمَ، إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِي الإِسْخَاطِ». فَمَنْ هُمُ الَّذِينَ إِذْ سَمِعُوا أَسْخَطُوا؟ أَلَيْسَ جَمِيعُ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ بِوَاسِطَةِ مُوسَى؟ وَمَنْ مَقَتَ أَرْبَعِينَ سَنَةً؟ أَلَيْسَ الَّذِينَ أَخْطَأُوا، الَّذِينَ جُثَثُهُمْ سَقَطَتْ فِي الْقَفْرِ؟ وَلِمَنْ أَقْسَمَ: «لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتَهُ»، إِلاَّ لِلَّذِينَ لَمْ يُطِيعُوا؟ فَنَرَى أَنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا لِعَدَمِ الإِيمَانِ" (رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 3: 7-11، 15-19).

            بل حتى في طوال فترة تلك الأربعين سنة لم يكف الشعب عن التذمر والتسجس: "وَنَحْوَ مُدَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، احْتَمَلَ عَوَائِدَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ" (سفر أعمال الرسل 13: 18). اضغط هنا لتقرأ بنفسك أيضًا في الأصحاحات 13-14 من سفر العدد حول المزيد من تذمر الشعب على موسى، بل ودخوله كنعان بدون سماح، وسقوطهم هناك أمام العماليق والكنعانيين.. ثم تجد لاحقًا في نفس السفر التذمر في ماء مريبة.. إلى غير ذلك.. نقطة أخرى نراها في بداية فترة خروج الإسرائيليين من أرض مصر، حيث يقول الكتاب: "وَكَانَ لَمَّا أَطْلَقَ فِرْعَوْنُ الشَّعْبَ أَنَّ اللهَ لَمْ يَهْدِهِمْ فِي طَرِيقِ أَرْضِ الْفَلَسْطِينِيِّينَ مَعَ أَنَّهَا قَرِيبَةٌ، لأَنَّ اللهَ قَالَ: «لِئَلاَّ يَنْدَمَ الشَّعْبُ إِذَا رَأَوْا حَرْبًا وَيَرْجِعُوا إِلَى مِصْرَ، فَأَدَارَ اللهُ الشَّعْبَ فِي طَرِيقِ بَرِّيَّةِ بَحْرِ سُوفٍ" (سفر الخروج 13: 17، 18). ونرى تذمرات عديدة ومتكررة للشعب الإسرائيلي، لدرجة أن قال الرب بعد شكهم فيه حول أمر أخذهم كنعان بعد إرسال الجواسيس إليها: "11 وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «حَتَّى مَتَى يُهِينُنِي هذَا الشَّعْبُ؟ وَحَتَّى مَتَى لاَ يُصَدِّقُونَنِي بِجَمِيعِ الآيَاتِ الَّتِي عَمِلْتُ فِي وَسَطِهِمْ؟ إِنِّي أَضْرِبُهُمْ بِالْوَبَإِ وَأُبِيدُهُمْ، وَأُصَيِّرُكَ شَعْبًا أَكْبَرَ وَأَعْظَمَ مِنْهُمْ».. حَيٌّ أَنَا فَتُمْلأُ كُلُّ الأَرْضِ مِنْ مَجْدِ الرَّبِّ، إِنَّ جَمِيعَ الرِّجَالِ الَّذِينَ رَأَوْا مَجْدِي وَآيَاتِي الَّتِي عَمِلْتُهَا فِي مِصْرَ وَفِي الْبَرِّيَّةِ، وَجَرَّبُونِي الآنَ عَشَرَ مَرَّاتٍ، وَلَمْ يَسْمَعُوا لِقَوْلِي، لَنْ يَرَوْا الأَرْضَ الَّتِي حَلَفْتُ لآبَائِهِمْ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ أَهَانُونِي لاَ يَرَوْنَهَا" (سفر العدد 14: 11، 12؛ 21-23).. لدرجة أن الرب أسماهم بعدها "بَنِي التَّمَرُّدِ" (سفر العدد 17: 10)، و"الْمَرَدَةُ" (سفر العدد 20: 10)، و:"أُمَّةٍ مُتَمَرِّدَةٍ" (سفر حزقيال 2: 3)! وعلى الجانب الآخر، لم يكن سير الشعب في البرية في خط مباشر، ولا كانت الرحلة تسير يوميًا.. بل ساروا في الأغلب على حدود الأرض بجانب البحر، وكانت بالتأكيد هناك إقامة طويلة من مكان لآخر، تستغرق أسابيع وربما شهور في كل مكان منهم.. وكانوا يقيمون في بعض الأماكن شهورًا للحياة والاستقرار وإنجاب الأولاد أو الحفاظ على صحة الأمهات الحوامل أو المرضعات.. إلخ. ستجد إلى يسار هذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت خريطة بالفلاش توضح سير رحلة خروج بني إسرائيل من أرض مصر. بل وحدث أكثر من مرة حوادث إفناء جماعية لبني إسرائيل قبل دخولهم أرض الموعد بسبب خطاياهم المتكررة.. منها ما حدث بعد عبادة العجل الذهبي فوقع 3000 رجل (سفر الخروج 32: 28)، وحادثة تسجيس جماعة قورح وأبيرام وداثان للشعب ومقتل 250 من الشعب في ذلك اليوم (سفر العدد 16: 31-33)، والتي تبعها تذمر كل جماعة بني إسرائيل على الرب وعلى موسى بسبب موت هؤلاء، والتي أدت لعقاب الرب للشعب بالوبإ، فمات منهم بسببه 14700 شخص (سفر العدد 16: 49)، وموت كثيرون من الشعب بسبب الحياة المُحرِقة (سفر العدد 21: 6).. فكل هذا التيه في البرية الذي قصده الرب كان حتى يفنى جميع الغير مؤمنين، الذين كانوا بالغين بالفعل في فترة الخروج من أرض مصر، المتذمرون على الله وعلى نبيه، ودخل أرض الموعد الذين كانوا صغارًا حينئذ ولا ذنب لهم، أو الذين ولدوا عبر السنوات في أرض التيه.. وأخيرًا نعرض كذلك أمرًا آخرًا متعلقًا بهذا الموضوع، وهو توقيتات ثبات أو ارتحال بني إسرائيل، وهذه الآيات توضح أنهم كانوا يبقون في مكانٍ واحدًا أحيانًا لمدة شهور أو سنة.. فنقرأ في (سفر العدد 9: 15-23) التالي: "وَفِي يَوْمِ إِقَامَةِ الْمَسْكَنِ، غَطَّتِ السَّحَابَةُ الْمَسْكَنَ، خَيْمَةَ الشَّهَادَةِ. وَفِي الْمَسَاءِ كَانَ عَلَى الْمَسْكَنِ كَمَنْظَرِ نَارٍ إِلَى الصَّبَاحِ. هكَذَا كَانَ دَائِمًا. السَّحَابَةُ تُغَطِّيهِ وَمَنْظَرُ النَّارِ لَيْلًا. وَمَتَى ارْتَفَعَتِ السَّحَابَةُ عَنِ الْخَيْمَةِ كَانَ بَعْدَ ذلِكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَرْتَحِلُونَ، وَفِي الْمَكَانِ حَيْثُ حَلَّتِ السَّحَابَةُ هُنَاكَ كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَنْزِلُونَ. حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَرْتَحِلُونَ، وَحَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ كَانُوا يَنْزِلُونَ. جَمِيعَ أَيَّامِ حُلُولِ السَّحَابَةِ عَلَى الْمَسْكَنِ كَانُوا يَنْزِلُونَ. وَإِذَا تَمَادَتِ السَّحَابَةُ عَلَى الْمَسْكَنِ أَيَّامًا كَثِيرَةً كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَةَ الرَّبِّ وَلاَ يَرْتَحِلُونَ. وَإِذَا كَانَتِ السَّحَابَةُ أَيَّامًا قَلِيلَةً عَلَى الْمَسْكَنِ، فَحَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ كَانُوا يَنْزِلُونَ، وَحَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ كَانُوا يَرْتَحِلُونَ. وَإِذَا كَانَتِ السَّحَابَةُ مِنَ الْمَسَاءِ إِلَى الصَّبَاحِ، ثُمَّ ارْتَفَعَتِ السَّحَابَةُ فِي الصَّبَاحِ، كَانُوا يَرْتَحِلُونَ. أَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ ارْتَفَعَتِ السَّحَابَةُ كَانُوا يَرْتَحِلُونَ. أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً، مَتَى تَمَادَتِ السَّحَابَةُ عَلَى الْمَسْكَنِ حَالَّةً عَلَيْهِ، كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَنْزِلُونَ وَلاَ يَرْتَحِلُونَ. وَمَتَى ارْتَفَعَتْ كَانُوا يَرْتَحِلُونَ. حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ كَانُوا يَنْزِلُونَ، وَحَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ كَانُوا يَرْتَحِلُونَ. وَكَانُوا يَحْرُسُونَ حِرَاسَةَ الرَّبِّ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ بِيَدِ مُوسَى". وهناك أيضًا بعض الأحداث الفردية التي كانت تؤجل ارتحال الشعب، بخلاف ارتحالهم بحسب السحابة.. فنرى مثلًا انتظار الشعب لعودة مريم أخت موسى من الحجز خارج المحلة سبعة أيام بسبب ضربها بالبرص، وذلك بعد تذمرها وأخيها هارون على موسى النبي بسبب اعتراضهم على زواجه من المرأة الكوشية..
            -------------
            هكذا جعل الأنبياء مخطئين ويعاقبون...

            من أقوال الامام علي عليه السلام

            (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
            حملت طيباً)

            محمد نجيب بلحاج حسين
            أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
            نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

            تعليق

            • حاتم سعيد
              رئيس ملتقى فرعي
              • 02-10-2013
              • 1180

              #7
              أين أرض كنعان ؟
              وأين بحر سوف؟
              وأين جبل الطور؟
              وأين بلاد الفلسطينيين؟
              في الجانب الغربي للبحر الأحمر...بأرض سيناء؟
              أليست تلك الأرض بالجانب الشرقي للمخاطب نبي الهداية عليه الصلاة والسلام ؟

              هذه مجموعة من الخرائط ستجيب عن السؤال إذا اعتبرنا أن البحر الأحمر هو الفاصل في أحداث القصّة وإذا فهمنا أن الجانب الغربي يعني المغرب (الافريقي) والجانب الشرقي يعني شبه جزيرة العرب وأرض الحجاز.







              من أقوال الامام علي عليه السلام

              (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
              حملت طيباً)

              محمد نجيب بلحاج حسين
              أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
              نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

              تعليق

              • حاتم سعيد
                رئيس ملتقى فرعي
                • 02-10-2013
                • 1180

                #8
                1-جبل الطور أو جبل طابور هو الجبل الأعلى في القسم الجنوبي للجليل الأسفل شمال مرج ابن عامر في فلسطين. يبلغ ارتفاعه حوالي 588 متر فوق سطح البحر، كما ان قمة الجبل واضحة ويستطيع الناطرون رؤيتها من أماكن بعيدة كالجليل والجولان. على سفوح الجبل تقع ثلاث قرى - أكبرها دبورية (تقع على السفح الغربي للجبل) ,الشبلي (تقع على السفح الشرقي للجبل)، وام الغنم (على السفح الشرقي الجنوبي للجبل).
                جبل الطور أو تابور (طابور). تابور لفظه يونانية أي المرتفع. يعتقد بعض الباحثين بأن طابور كلمة من اللغة أوغاريت في رأس شمرا بسوريا وهي تعني النور أو البهاء، إذ كانت تقام عبادة طابور إله النور. ويسمى أيضاً "جبل طابور" يطلق العرب عليه اسم "جبل الطور" كما هو الحال جبل سيناء وجبل جرزيم. وأما القديس بطرس فيشير إليه باسم "الجبل المقدس" (2 بطرس 1\18). وأما المسيحيون فيسمونه "جبل التجلي" نسبة لتجلي المسيح عليه السلام.

                2-

                جبل موسي ويعرف كذلك باسم طور سيناء هو جبل يقع في محافظة جنوب سيناء في مصر. ويبلغ ارتفاعه 2285 مترا فوق سطح البحر، وسمي بجبل موسي نسبة لنبي الله موسي الذي كلم ربه في هذا الجبل وتلقي الوصايا العشر وفقا للديانات اليهودية والمسيحية والإسلام.
                يعتبر من أشهر جبال سيناء إذ يزوره الآلاف من السياح، فالناظر من أعلي الجبل يتمكن من رؤية مشاهد جميلة لسلسلة الجبال المحيطة خصوصا في فترتي شروق وغروب الشمس، ويقع قرب جبل كاترين، والذي يوجد به دير سانت كاترين، ويحيط بالجبل مجموعة من قمم جبال جنوب سيناء.
                يعتبر هذا الجبل المبارك من أفضل جبال الأرض عند الله ،وقد تم ذكره في القران كما تم ذكر سيناء لانه يقع فيها، فقد قال عنه الله وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ
                و يوجد بالجبل كنيسة يونانية صغيرة وجامع صغير. كما تسقط الثلوج فوق هذا الجبل شتاء كما في جميع جبال مصر.

                3-

                جبل الطور في العراق

                هو قطعة جبل تقع خلف مدينة النجف القديمة المسورة بالعراق، تمتد من شرقيها الى شمالها . وكانت قد انشئت الى جنبه القلعة العسكرية العثمانية[1] في النجف قرب خندق سور البلد الاخير السادس .وهذا الجبل غطاه تراب عمارة البلد اليوم .

                4-جبل الطور في كتب التفسير [ أطلس القرآن ]
                يقول تعالى:
                (وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ) مريم- 52.

                (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى) طه- 80.

                (فَلَمَّا قَضَى مُوسَىالْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) القصص- 29.

                (وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) القصص- 46.

                جاء في كتب التفسير:

                فى ظلال القرآن – الجزء 5 – الباب 1 : فأما المشهد الثاني فهو المفاجأة الكبرى :
                { فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة } . .
                فها هو ذا يقصد إلى النار التي آنسها ، وها هو ذا في شاطئ الوادي إلى جوار جبل الطور ، الوادي إلى يمينه ، { في البقعة المباركة } . . المباركة ، منذ هذه اللحظة . . ثم هذا هو الكون كله تتجاوب جنباته بالنداء العلوي الآتي لموسى { من الشجرة } ولعلها كانت الوحيدة في هذا المكان :

                أيسر التفاسير – الجزء 1 – الباب 72 : يقول تعالى لليهود موبخاً لهم اذكروا إذ قتل أحد أسلافكم قريبه ليرثه فاختصم فى شأن القتل كل جماعة تنفي أن يكون القاتل منها ، والحال أن الله تعالى مظهر ما تكتمونه لا محالة إحقاقاً للحق وفضيحة للقاتلين فأمركم أن تضربوا القتيل ببعض أجزاء البقرة فيحيا ويخبر عن قاتله ففعلتم وأحيا الله القتيل وأخبر بقاتله فقتل به فأرادكم الله تعالى بهذه القصة آية من آياته الدالة على حلمه علمه وقدرته وكان المفروض أن تعقلوا عن الله آياته فتكملوا فى إيمانكم وأخلاقكم وطاعتكم ، ولكن بدل هذا قست قلوبكم وتحجرت وأصبحت أشد قساوة من الحجارة فهى لا ترق ولا تلين ولا تخشع على عكس الحجارة إذ منها ما تتفجر منه العيون ، ومنها ما يلين فيهبط من خشية الله كما اندك جبل الطور لما تجلى له الرب تعالى ، وكما اضطرب أُحُد تحت قدمى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه . ثم توعدكم الرب تعالى بأنه ليس بغافل عما تعملون من الذنوب والآثام وسيجزيكم به جزاء عادلا إن لم تتوبوا إليه وتنيبوا .

                أيسر التفاسير – الجزء 1 – الباب 23 : ما زال السياق فى فضح أهل الكتاب بذكر ذنوبهم وجرائمهم فيقول تعالى لرسوله حاملاً له على التعجب من حال اليهود ألم تر يا رسولنا الى الذين أوتوا نصباً من الكتاب أي ألم ينته إلى علمك أمرهم حيث يدعو إلى التحاكم الى كتاب الله تعالى فيما انكروه واختلفوا فيه من صفاتك وشأن نبُوَّتك ورسالتك ، ثم يتولى عدد منهم وهم مصممون على عدم العودة وطلب الحق والإِقرار به . إنها حال تدعو الى التعجب حقاً ، وصارفهم عن قبول الحق . ومراجعته هو اعتقادهم الفاسد بأن النار لا تمسهم إذا ألقوا فيها إلا مدة أربعين يوما وهي المدة التى عبد فيها أسلافهم العجل يوم غاب موسى عنهم لمناجاته ربه تعالى في جبل الطور .

                أيسر التفاسير – الجزء 1 – الباب 142 : وقوله تعالى { ولما جاء موسى لميقاتنا } أي في الموعد الذي واعدنا والوقت الذي حددنا وكلمه ربه بلا واسطة بينهما بل كان يسمع كلامه ولا يرى ذاته ، تاقت نفس موسى لرؤية ربه تعالى ، فطلب ذلك فقال { ربّ أرني أنظر إليك } فأجابه ربه تعالى بقوله إنك لن تراني أي رؤيتك لي غير ممكنة لك ، ولكن إذا أردت أن تتأكد من أن رؤيتك لي في هذه الحياة غير ممكنة فانظر إلى الجبل « جبل الطور » فإن استقر مكانه بعد أن أتجلى له ، فسوف تراني { فلما تجلى للجبل جعله دكاً وخر موسى } عند رؤية الجبل { صَعِقا } أي مغشياً عليه { فلما أفاق } مما اعتراه من الصعق { قال سبحانك } أي تنزيهاً لك وتقديساً { تبت إليك } فلم أسألك بعد مثل هذا السؤال { وأنا أول المؤمنين } بك وبجلالك وعظيم سلطانك وأنا عبدك عاجز عن رؤيتك في هذه الدار دار التكليف والعمل .

                الطبرى – الجزء 19 – الباب 20 : حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله:( طُورِ سَيْنَاءَ ) قال: هو جبل حسن.
                حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله:( مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ ) الطور: الجبل بالنبطية، وسيناء، حسنة بالنبطية.

                وقال آخرون: هو اسم جبل معروف.
                *ذكر من قال ذلك:
                حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، في قوله:( مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ ) قال: الجبل الذي نودي منه موسى صلى الله عليه وسلم.
                حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:( طُورِ سَيْنَاءَ ) قال: هو جبل الطور الذي بالشام، جبل ببيت المقدس، قال: ممدود، هو بين مصر وبين أيلة.

                وقال آخرون: معناه: أنه جبل ذو شجر.
                القطان – الجزء 2 – الباب 18 : طور سيناء : هو الجبل لاذي ناجى فيه موسى ربه ، وهو معروف الآن باسم جبل الطور في سيناء ، ويسمى طور سينين . الصبغ : ما يؤتدم به الاكل ، وهو الزيت يؤكل مع الخبز ، ويستعمل في كثير من الطعام . وكان في الزمن الماضي يستعمل للانارة ، وكان زيت الزيتون هو بترول العالم في الزمن القديم ، ولا يزال محتفظا بقيمته .

                التحرير والتنوير – الجزء 1 – الباب سورة النزعات : والواد : المكان المنخفض بين الجبال
                والمقدس : المطهر . والمراد به التطهير المعنوي وهو التشريف والتبريك لأجل ما نزل فيه من كلام الله دون توسط ملك يبلغ الكلام إلى موسى عليه السلام وذلك تقديس خاص ولذلك قال الله له في الآية الأخرى ( فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس )

                وطوى : اسم مكان ولعله هو نوع من الأدوية يشبه البئر المطوية وقد سمي مكان بظاهر مكة ذا طوى بضم الطاء وبفتحها وكسرها . وتقدم في سورة طه . وهذا واد في جانب جبل الطور في برية سينا في جانبه الغربي
                الدر المنثور – الجزء 3 – الباب آية 75 : وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال : إن هذا الجبل جبل الطور هو الذي رفع على بني إسرائيل.

                من أقوال الامام علي عليه السلام

                (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
                حملت طيباً)

                محمد نجيب بلحاج حسين
                أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
                نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

                تعليق

                يعمل...
                X