رواية بعنوان نحن والقدر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • آيات شعبان
    أديب وكاتب
    • 19-07-2008
    • 77

    رواية بعنوان نحن والقدر


    نحن والقدر
    بعيداً عن الواقع الذي نعيشه أمام الناس ، كلانا يشعر بالوحده ، والمستقبل مجهول الملامح ، وكلانا يقول : أين نحن من هذا الواقع ؟ وما الذي يختزنه لنا المستقبل ؟ وإلى أين تذهب بنا أقدارنا؟؟ خضم هائل من الأفكار والتصورات تتجسد بداخلنا في صورة حقائق نعيشها ونتفاعل معها وكم نتمني أن تكون تلك الأماني والتخيلات جزء من حياتنا الملموسة، تلك الحياة المؤلمة ، نعم الهروب من الواقع المؤلم إلى الواقع المنشود. ليته يكون حقيقة ؟؟؟؟؟
    نعم لقد تحقق الحلم والتقت الأختان بالصدفة، في عيادة لأحد الأطباء المشهورين.

    " وعندما دخلتُ إلى عيادة الطبيب حسب موعد الاستشارة لم أتوجه إلى مكتب السكرتيرة كالعادة وإنما دفعني للأمام شئ غريب وعندما وقعت عيني عليها ، تخيلت للحظة أنني في حلم ، أو أمام مرآة ، فعندما ينظر المرء في المرآة يجد صورته الحقيقية ، وعندما رأيتها لم أصدق ما تراه عيناي من شدة التطابق الذي بيننا ، تطابق قلما نلاحظه حتى بين التوائم ، نفس الطول ، نفس الهيئة ، نفس لون البشرة البيضاء التي تميل إلى الشفافية نفس الملامح وبخاصة العينين ، والأغرب من ذلك التشابه الحاد في نمط الملابس؛ فالجميع يشهد لي أني لم أسر على نمط الموضة السائدة وأحبذ أرتداء الملابس التي من تصميمي التي يراها الجميع غريبة في ألونها وتصميمها مما يضيف غرابه وتميز لشخصيتي الغريبة والمتميزه. فيا للصدفة ، هذا الفستان الذي ترتديه شبيهتي لدي مثله، أذكر أني عندما ذهبت لشراء قماش مثل هذا الفستان سألني البائع سؤال غريب قلت وقتها أن هذا الرجل واقع تحت تأثير مخدر ؛ فقد قال لي ما سر إعجابك بهذا اللون الغريب الذي لم يشتريه أحد منذ أن أشتريته في العام الماضي لدرجة أني بعته لكي أمس بنصف ثمنه ؟ وما الذي جعلك اليوم تأتي وتشترى منه ثانية ؟؟؟ ألم تتذكرى الكلام الذي قالته لكي مدام " تريز" مصممة الأزياء المشهورة التي قبلتيها بالأمس عندي: " هذا اللون مخالف للموضه هذا العام وغريب للغاية ولو اشتريتُ بعضاً منه وعرضته ضمن تصميماتي أراهن أن ولا سيدة سوف تشتريه ناهيكي عن التعليقات التي سوف أسمعها والتي قد تعرضني للخطر ، يبدو لي أنك سوف تستخدمينه في عمل بعض الستائر أو تقدميه هدية لمرأه تحبي أن تسخري منها، والغريب يابنتي أن ردك على مدام تريز كان بنفس الحدة التي أرها مرسومة على قسمات وجهك الآن، لقد قُلتي لها : هذا اللون رغم غرابته كما تقولين إلا أننى عندما رأيته أحسست أنه يعبر عما بداخلي ، فما كان من مصممة الأزياء إلا أن تنفست الصعداء وقالت إذن فأنتِ فتاة شجاعة رغم حداثة سنك وأتنباء أن تكوني في الأعوام القادمة من المشاهير " فما كان مني بعد أن سمعت كلام هذا البائع العجوز إلا أن قلتُ له ربما أختلط عليك الأمر، وإن كان في كلامك شئ من الحقيقة فإن هذا اللون قريب إلى نفسي. فرد البائع قائلاً هل حقاً سوف تشتري من هذا اللون مرة أخرى؟؟؟؟
    فقلت في نفسي يا له من رجل لعبت الشيخوخة برأسه!!!!!!!
    لكن عندما رأيتها ترتدي نفس اللون الذي اشتريته تذكرت كلام البائع الذي ظنت لوقت أنه مُخرف، لقد التصقت قدمي بالأرض عندما رأيتها وتصاعدت ضربات قلبي عندما سمعت صوتها وهي تنادي على من كانت معها أنني في غاية القلق من نتيجة التحاليل التي طلبها مني الطبيب وها دوري قد أقترب وقلقي معه قد أقترب . أبعد آلام الوحدة والغربة واليتم أتحمل آلام مرض يقال أنه مزمن ووراثي، نعم لقد أخبرني الطبيب في المرة السابقة أن هذا المرض وراثي وسألني أن كان أحد الأقارب مصاب بهذا المرض الأم ، الأب أو أحد الأجداد فقلت له الأم ماتت وأنا صغيرة ولا أعلم إن كانت مصابة أو غير مصابة أما الأب ... وسكت فقال لي وماذا عن الأب فقلت لقد مات أيضاً ؛ بالتأكيد مات . فنظر إلىّ الطبيب في دهشة قائلاً: آسف لقد ذكرتك بأحداث مؤلمة ، ولكن عليك أن تسألي أقاربك إن كانوا قد لاحظوا إصابة أحد أبويك بهذا المرض ، لا بد يا أبنتي من تتبع تاريخ هذا المرض داخل عائلتكم.

    ولما سمعت هذا الكلام أقتربت منها ووقفت أمامها فجأة بصورة جعلتها هي و قريبتها تندهشان ، وبعدها وقعت عيني على الأسم المكتوب على الظرف المرفق بداخله التحاليل وفوجدت بجوار الاسم : داليا فاروق عبد العال ، وبجوار السن : 25 سنة . فقلتُ في نفسي تشابه حتى في اسم الأب والجد! بل وتشابه في المرض!!
    ولما رفعت عيني نحوها وجدتها تنظر إلىَّ بدهشة والابتسامة المشرقة تغمر وجهها فاقتربت منها ووقفت بجوارها وإذا بالسكرتيرة تمشي وتأتي إلى أمامنا و تقف وتقول : توأم بالتأكيد ، وانظرت منا الإجابة التي تؤكد ماتراه عينيها ، لكن كانت إجابتنا بالابتسام والسكوت . وبعدما انصرفت السكرتيرة، نظرتُ إلى داليا وتكلمتُ معها مُعلقة على كلام السكرتيرة نحن نشبه بعض لدرجة بعيدة تعتقدي إننا أقارب أم مجرد شبه عادي فكثيراً ما قال لي زملائي أنتِ شبه فلانة وفلانة ووو.
    فردت علىّ ببلاغة منقطعة النظير هزمت كل الشكوك التي بداخلي، لابد وأنك أختي التي ضاقت بي السبل في البحث عنها.......
    لقد أذهلني ردها القوي والمفاجئ ومن كثرة التشتت توقف ذهني لحظات وإذا بي افقيق على صوت السكرتيرة داليا هذا دورك تفضلي الطبيب بانتظارك.
    فتقدمت داليا خطوة للأمام نحو حجرة الطبيب ثم استدارت ورجعت وامسكت بأطراف أناملى المعلقه في ذراع الحقيبة التي على كتفي الأيسر وقالت انتظرني بالله عليك أن تنتظريني وجرت مسرعة إلى حجرة الطبيب.
    وبعد أن بعدت عني ظلت كلماتها "لابد وأنك أختي" تتردد في رأسي مراراً وتكراراً فلم يكن يتبادر إلى ذهني فكرة أن يكون لي أخت فأنا الأبنة الوحيدة عند أمي وأبي ، حقيقةً قد تزوج أبي غير أمي لكنه لم ينجب سوى ثلاثة أبناء (أحمد وأيمن وأسامة)، وإني لم اسمع أنه تزوج غير تلك المرة التي كانت منذ 21 سنة. إذن فلماذا تقول تلك الفتاة أنها أختي ؟؟؟
    إذن علىَّ أن أنتظر حتى تخرج من حجرة الطبيب وليكون ما يكون ..... أحقيقة أن يكون الحلم الذي رأيته أول أمس " هيهات هيهات أتذكر أني رأيت شبح يشبهني وإن كانت الملامح غير واضحة وكأنه مسلط عليه ضوء ونحن في ساحة وسط دخان وحولنا حشد من الناس ، أشخاص أتذكرهم جيداً سمية ، أسامة ، شرين ، محمد ، وعائله لم آرها من قبل حسام وسامي ابنا ناهد وفتاة يقال أنها أختي؛ وأسماء أخرى لا اتذكرها ، وأبواب تُفتح وأخرى تُنغلق وغرف من داخل غرف وأناس كثيرون وأصوات غير منتظمة وثرثرة كثيرة .... واذكر أنه كان هناك نفق أو جسر يصل بين بيتي وبين بيت هؤلاء الأشخاص ...يا إلهي فأحلامي أغلبها ييتحقق لكن ماذا يحمل هذا الحلم في طياته ... علىَّ أن انتظرها .... ثانية انتظر آه وما حياتي إلا سلسلة غير متناهية من حلقات الانتظار ..... لكن هذه المرة انتظر المجهول.
    كثيرا ماكنت انتظرتحقق أحلام وطموحات... لكنني لم أكن متأكدة من تحققها.... الشئ الوحيد الذي انتظره ولا أدري متى وكيف سوف يتحقق... وإن كنت متأكدة من تحققه في وقت ما هو الموت...نعم الموت هو الحقيقة الوحيدة في حياتي....
    وظلت أموج من الأفكار المتلاطة ترطتم بجنبات عقلي حتي أصابني صداع حاد وفجأة تحرك باب الطبيب وإذا بداليا تخرج مندفعة تنهمر الدموع من عينيها وتجري نحوى مسرعة وترتمى في حضني قائلة أنتِ آخر أمل وتطلب من قريبتها أن تسبقها إلى المنزل ... فأمسكتُ بأطراف يدها التي كانت أشبة بقطعة من الثلج وجلسنا بكرسيين في مؤخرة حجرة استقبال المرضي بعيداَ عن تلك السكرتيرة الثرثارة .... وقالتُ لها أهدئي ماذا بك؟ فنظرت إلىَّ وقالت هل مازال أمامك وقت كي تسمعيني فقلتُ لها أن عيادة الطبيب اليوم تعج بالمرضى وقد أتيت متأخرة فيبدو أنه باقي على دوري أكثر من ساعة ، قولى لي ماذا بك ؟ فقالت سوف أحكي لك شئ مما بي فلدي أحساس أن القدر وضعك في طريقي اليوم لأنك قسيمتي في قدري!!
    ثم بدأت تحكي: "باختصار لم يكن لي في الدنيا غير أمي وخالتها وقد ماتت أمي وأنا في السابعة عشر من عمري، لكن ليس هذا هو المهم فأنا معزبة منذ ولادتي فأمي كانت مصابة بمرض عقلي يقال أنه منتشر في عائلتها بسبب زواج الأقارب وعلى الرغم من أنها كانت في الثلاثين من عمرها حين أنجبتني إلا أن عقلها كان عقل طفلة هذا بالإضافة إلى أن تصرفاتها اللا إرادرية التي كانت تصدر منها والتي جعلتني لم أحس نحوها بأي نوع من مشاعر الأمومة، فكثيرا ما كانت تضربني بعنف شديد وتأخذ منى دميتي الصغيرة التي كنت أحبها وتحاول تمزيقها فكنت أصرخ وأبكي...آه كلها ذكريات مؤلمة حبيسه داخل صدري... لكن الأم الحقيقية بالنسبة لي ولها أيضاً كانت خالتها التي تزوجت من أبيها عقب موت جدتي وانجبت خالي سامي وخالي حسام ، ماما ناهد خالة أمي "سناء" التي كانت بالنسبة لي بمثابة الأم الحنون التي حُرمت منها .... وأخذت في البكاء وهى تحكي عنها وتقول: فهي تكبر أمي بنحو عشرة أعوام وقد تزوجت من جدي الذي كان زوج أختها الكبيرة لكي ترعى أمي التي تركتها لها أختها أمانة ..... لكن الخطأ الوحيد الذي أرتكبته ماما ناهد بعد موت جدي أنها زوجت أمي لأبي الذي لا أعرف أين هو .
    فقد أخرجت لي ماما ناهد قبل موتها منذ شهرين صندوق به وثيقة زواج أمي ووثيقة طلاقها بعد ثلاثة أسابيع من تاريخ الزواج وصورة أُخذت لأمي وأبي يوم عقد القران... لكن للأسف فالصورة الوحيدة لأبي يظهر فيها بزاوية ووجهه بها غير واضح وصورة لخالي سامي وخطيبته التي من المفروض أنها عمتي هدى وكانت فتاة في السادسة عشر من عمرها ،أنها تشبهني وتشبهك.
    ولكن كما تقول ماما ناهد أبي لم يكن يعلم أن أمي متخلفة عقلياً فلم يمضي على زواجهم عشرة أيام إلا واكتشف أنها متخلفة عقلياً ، لقد كانت جميلة الصورة قليلة الكلام ولم يكن أحد يعلم أنها متخلفة عقلياً وبعد أن ترك أبي الشقة التي تزوج فيها أمي والكائنة في بيت جدي أرسل لها وثيقة الطلاق وحدثت مشاكل بين العائلتين ونتج عنها أن عمتي هدى رفضت خالي سامي لأن أخته متخلفة عقلياً وأنها إذا تزوجته سوف تنجب أطفال متخلفين. وبعدها اكتشفت ماما ناهد أن أمي حامل فذهبت إلى بيت جدتي لأبي وسألتها عن أبي فقالت لها أنه ترك المنزل وسافرلا ولانعلم أين هو ، وعندما ولدتني أمي كررت ماما ناهد السؤال عن أبي لكن السؤال كان دون جدوى فقد علمت من جيران جدتي أن أبي مختفي بسبب قضية النفقة التي رفعتها عليه زوجته الأولى، وكبرت وتعلمت ودخلت كلية الأداب قسم علم نفس لكي أحل عقدي واتعلم كيفية التعامل مع ذوي الأحتيجات الخاصة ، لكن أمي ماتت قبل أن أعالجها .... لا تضحكي كنت أظن أني سوف أتخرج من كليلة الأداب دكتورة نفسانية .... لا عليكِ فلنكمل الحكاية ، فمذ عام بدأت أمراض الشيخوخة تزيد على ماما ناهد وعندما اشتد عليها المرض وقبل موتها بنحو ثلاثة أيام قالت لي ليس من المهم أن تجدي أبيك فلا جدوى من هذا الرجل الذي علم بالتأكيد أنه له أبنه أخرى لكنه لم يفكر في السؤال عنها ... ربما اعتقد أنه قد ولدت له ابنه متخلفة عقليا مثل أمها.
    فلا تتعبي نفسك في البحث عنه حتى لا تُصدمي بالصورة التي رسمتيها له في خيالك... فإني أعلم أنك إن وجديه لن يتغير الحال كثيراً لأنه رجل جبان لا يحب تحمل المسؤلية...لكن المهم أن تجدي أختك .. فقلت لها ماذا تقولين؟ أختي .... فقالت لي بصوت خافت وأنفاس متقطعه أن أبوك كان متزوج من قريبه له وأنجب منها طفلة ثم طلقها بعد ثلاثة أعوام عندما علمت بالصفقة التي عقدها، فقد تحصل مني على مبلغ من المال كان من ورث أمك من أبيها بغرض عمل مشروع تجاري وشقة مكتوبة باسم أمك هذا بالإضافة لنصيب أمك من إيجار البيت وقرر أن يتزوج أمك سرا عقب خطوبة سامي وعمتك هدى بيومين وقال لزوجته أنه مسافر لزيارة خالته المريضته وعندما اكتشفت الأمر طلبت الطلاق... أبحثي عن أختك هي أكبر منك بحوالي ثلاثة أعوام ، ماما ما اسمها، ابنتي لا اذكر .
    تلك كانت مأساتي ، مأساة داليا!!! "
    فقلت لها أطمئني ياحبيبتي وانتظريني حتى أخرج من عند الطبيب لأن دوري قد حان الآن وسوف أحكي لكي الشق الثاني من المأساة، مأساة مي، تراجيديا مي!!!!
    وعندما دخلت إلى الطبيب صرخ قائلاً لقد أخذتي الوقت المحدد لكي يا داليا هذا الوقت من حق مريض آخر فقلت له معذرة فأنا لست داليا أنا مي فابتسمم وتمتم قائلاِ مي ولا داليا نفس الفستان ، نفس الصوت ، نفس الشكل ، يبدو أنها بداية زهيمر.....
    وبعد ذلك كرر لي الطبيب نفس العلاج الذي أتناوله منذ سنوات .
    وبعدها خرجت لداليا وطلبت منها أن نمشي معاً على البحر ونكمل حديثنا....
    وما أن وصلنا إلى البحر وجلسنا معاً نأكل الفشار فتحتُ حقيبتي وقلت لها أغمضي عينيك يا داليا كي تري المفاجأة وأخرجت هويتي وقلت لها أنظري إلى الاسم والسن : مي فاروق عبد العال. 28 سنة.
    فامتلأت عينيها بالدموع وقالت أختي ، صدق حدسي . فقالت لي هل تصدقي أقصد تشعري أني أختك ، فقلتُ لها أود أن تكوني أختي ، وإذا لم تكوني أختي في الحقيقة فأنا أعدك أنكِ سوف تكوني أختي في الواقع الذي نصنعة لا الواقع المفروض علينا ، من الآخر أنا أصدق أنك أختي حتي لوكان ذلك وهم فأنا أتمسك بالوهم ..
    آه يا داليا لو تعلمي أن الأوهام والأحلام والتخيلات كانت بالنسبة لي طوق النجاة الذي انقذني عدة مرات من حياتي التي تشبة كتلة الغمام التي فوق رؤوسنا الآن ....فانهالت الأمطار علينا وأبتلت ملابسنا واقتربت الشمس من المغيب وقررنا أن نتقابل غداً صباحاً وطلبت منها أن تحضر المستندات الخاصة بها وتبادلنا أرقام التليفون وذهبت كل واحدة في طريقها....

    كلتانا كانت تعيش وحيده غريبة عن الواقع تنسج من نفسها صديقة تتحدث إليها ، نعم لم يكنا أمامنا سوى هذا الحل بعد أن عنينا كثيراً وأكتشفنا أننا نسير وراء السراب ، لقد أصبح البحث عن صديقة وفية أمر صعب بعيد المنال ، كنت لا أصدق العبارة التي تقول " من رابع المستحيلات الغول والعنقاء والخل الوفي..." كثيراً ما كنت أتأمل هذه العبارة وكنت انزعج منها وكنت أقول في نفسي استحالة وجود غول أو عنقاء لأن كلاهما حيوان خرافي ليس له وجود على أرض الواقع أما الخل الوفي فكنت أعتقد أنه ليس واحد من المستحيلات ، كنت أظن أنه أمر يعتمد على حسن الأختيار... لكن كم من صديقة أخترتها وأختارتني وصارت بينا صداقة حميمة ... وفي نهاية الأمر اكتشف أن الأمر لا يعدو مجرد أكذوبه ...

    هيهات هيهات حتى بزغت شمس اليوم التالي واستيقظت على رنين التليفون...عندما فتحت عيناي تذكرت ما حدث أمس لم استطع أن أُفرق بين إن كان ماحدث أمس حقيقة أم حلم وظل رنين جرس التليفون....
    وبعدها ذهبت وجلست بجوار المنضدة ورفعت سماعة التليفون ارتعشت يدي ودق قلبي بشدة عندما سمعت صوت داليا وقلتُ في نفسي أتلك بداية نهاية وحدتي وكآبتي أم بداية حلم جميل.... وظلت داليا تتحدث وتتحدث وأنا غير منتبهة لكلامها إلى أن قالت لي هيا نذهب لبيت أبي ونعمل له مفاجأة بالتأكيد سوف يفرح... أظن أنه لم يذهب حتى الآن لعمله.... فمازال الوقت مبكرا ومازالت الشمس لم تشرق بعد.... فقلت لها نعم مازالت الشمس لم تُشرق بعد !!!! مازال الأمر غير واضح!!!!
    فقالت بلهفة وبكلمات متلاحقة صفي لي أبي صفي لي بيت أبي أين يسكن حدثيني عن كل شئ يخصه كم أنا مشتاقه لمعرفة كل شئ عنه كم أنا مشتاقه لرؤيته كم أنا مشتاقه لسماع صوته .... عندما يفتح لنا باب شقته سوف ارتمي في حضنه بالتأكيد سوف يفرح..... لماذا أنت صامته .... هيا بنا نذهب إلى أبي.....
    فقلت لها بلهجة شديدة: اسمعي احذرك منذ البداية حتى لا تُصدمي افيقي من حلمك نحن لا نعلم عواقب الأمور ولا نعلم كيف يتقبل أبانا هذا الأمر....
    فقالت فهمت قصدك بالتأكيد أنت مشفقه على أبي من الصدمة .... معك حق ...إذن فالأفضل أن نذهب إليه ولا نقول له شيئا ولنرى ماذا سوف يفعل!!!
    معك حق اتفقنا فلنترك الأمر إلى الله وليفعل الله ما يشاء.....

    وكانت المفاجأة – بالنسبة لدليا لا بالنسبة لي لأنني كنت أعلم رد فعل هذا الرجل المجرد من مشاعر الأبوة مسبقا- فالأمر لم يفرق معه في أي شئ....
    نعم لقد اشفقت على داليا كثيرا من هذا اللقاء، فعندما وصلنا إلى بيت أبينا الذي لم نراه من قبل ظل قلب داليا يخفق خفقان شديد إلى أن فُتح باب الشقة وتحول اللقاء المرتقب من لقاء حار يروي ظمأ السنين إلى لقاء يشبه كتلة الثلج.... كنتُ أظن أن المفاجأة في حد ذاتها سوف تذيب جبل الثلج لكن القاء فاق كل التوقعات....
    ظل برهة لم ينطق بكلمة، وبعدها قال " ما الذي جمع الشامي على اليمني"، ثم أدار دفة الحديث نحوي قائلا: إن كنت قد عرفتي فليس هناك داعي أن تخبري أخوتك بما عرفتي لا أحب أن تفتح علىّ النيران من كل جانب. فلا أحد يعرف شيئا عن زوجتي الثانية سناء، وهذا الموضوع دفن منذ زمان بعيد ولا أُريد أن يفتح.
    لا أريد مشاكل مع زوجتي وأبنائي، أما الآن فقد تأخرت على العمل.... من الأفضل أن تذهبا قبل أن يشعر بكم أحد ... فما زالوا نائمين....
    وقتها اشفقت على داليا من هذا الموقف، لكن كان رد فعلها غير متوقع، فكنت أظن أن هذا اللقاء يؤثر على مشاعرها الرقيقة، لكن القسوه التي تطل من عيناه المتجمدتان جعلت داليا تصر على إثبات وجودها فصرخت داليا صرخات قوية جعلت النائم يهرول مفزوعا وفجأة ازدحم المكان وعج بأشخاص من كل لون وكل سن وأصوات خشنه وأخرى رقيقه وانفاس تتصاعد كالدخان فجأة تجردت من الواقع وتذكرت الحلم.....
    وما كانت إلا لحظات وخرجت من حلمي على صوت يهمس في أذني من وسط الزحام.... فارتعد جسدي ودق قلبي دقات لم اسمعها منذ سنين.... نعم أعرف هذا الصوت العذب الذي كان يزلزل كياني عندما اسمعه... ولكني أخشى أن ألفت فلا أجد الصورة التي لم تفارقني منذ أن افترقنا... لقد تعبت ومللت من البحث عنه.... وتكرر الهمس في أذني فما كان علىّ إلا أن أُدير وجهي نحوه..... أنه هو، نعم هو محمد،
    لقد فُتح جرح قديم... ترى قد فتح ليطيب أم لينزف قطرات الدم المتبقية بداخلة.....فأمسكت يده الدافئة بأصابعي المرتعشة التي تشبه قطعت الثلج وخرجنا من باب الشقه ووقفنا على السلم وتكلمنا في أن واحد: في آخر مكان كُنت لا اتوقع أن أراك فيه....فامتزجت الدموع مع الضحك وامتزج الأمل مع الألم وعاد الوجه العبوس يشرق من جديد...
    ولم تكن إلا لحظات وأسرع من أمامي مهرولا على صوت صراخ فألتفت فوجت "محمد" يحمل داليا ويجرى على السلم وأن ورائهم مسرعة.
    وركبنا سيارة "محمد" وذهبنا إلى المستشفى .... وقال الطبيب أن داليا مصابة بإنهيار عصبي.... وعندما مالت الشمس إلى المغيب رجعت إلى بيت أبي لأطلب مساعدته...........فلم يتوفر معي المبلغ الكافي لتسديد باقي حساب المستشفى ... نعم لقد وضع محمد مبلغا من المال في خزانة المستشفى......لكن مازالت داليا تحتاج أضعاف هذا المبلغ حتى يتم شفائها.....
    ولكن كانت المفجأة غير المتوقعة فلقد استقبلتني زوجة أبي وأخوتي اسقبالا حارا ينم عن مشاعر الأنانية والجحود ....ليس لكما نصيبا في كل هذا الثراء، نحن فقط من تعب معه في تكوين تلك الثروة ولن نسمح لكما أن تأخذا ولو جنيها من أموالنا.... ولن تسطيعا أن تحصلا على إي شئ فلقد انتقلت عقود الملكية إلى إخوتك هم أحق بها منكما... هم الذين تعبوا في تكبير المصنع واليوم نقل أبيك ملكيته إليهم....
    أسمعتِ لم يعد لكِ أنت والتي تدعي أنها أختك شئ .... ولا تعقدا أملا حتى على الميراث.....
    فخرجت من بيتهم مسرعة وكأن نيران اندلعت في جسدي وعنما ذهبت إلى المستشفى وجدت "محمد" بجوار داليا فحكيت له القصة من بدايتها....فكان لنا طوق النجاة .... فقد نسى الخلافات القديمة و قرر مساعدتنا....
    وبعد ثلاثة أيام خرجنا وداليا من المستشفى وتوجهنا معه إلى مكتب المحامي الذي يعمل به وأطلعنا المحامي على القضية وتحمس صاحب المكتب لأن يرفع لنا قضية نفقة على والدنا.....
    ... ومضت أيام كنا نلتقي كل يوم أنا ومحمد ونسترجع الذكريات مرة نتفق ومرة نختلف ونتخاصم ونتصالح ....وقررنا الارتباط واعلنا خطوبتنا لكن أبي لم يحضر حفلنا المتواضع الذي لم يشاركنا فيه سوى داليا وأبوي محمد.
    وعندما وصل إعلان القضية إلى أبي فما كان منه إلا أن رفع سماعة التليفون وقال لي سوف اقطع المصروف الذي ارسله إليك كل شهر - ذلك المصروف الذي لايكمل ثمن علبة دواء واحدة سوف يقطعه- وسوف أطعن في نسب أختك قلتِ لي ما اسمها....
    ومضت أيام بعد أول جلسة تهرب من حضورها.... واستيقظت ذات يوم فجأة ودون تفكير وعلى غير عادتي ذهبت إلى منزل داليا في الصباح الباكر ودون موعد سابق وكأن الأقدار شاءت أن تجمعنا حتى نتقاسم الألم مرة أخرى....
    فصعدت على سلم داليا وقدمي تتعثر من شدة الألم نعم فقد هاجمتني نوبة من نوبات هذا المرض اللعين... وطرقت باب داليا وفتحت لي الباب....
    وبعد لحظات ظل الألم يتباطئ حتى كاد أن يتلاشى ... ترى هل من مفعول الدواء المسكن.... أم من الأحساس بالدفء الأسري والمشاركة الوجدانية....
    وفجأة انقلب الجو وتحولت السماء الصافية إلى سماء ملبدة بالغيوم وقدمت رياح الخماسين وفي طياتها رمال صفراء تسد الأنفاس فأرسعنا لغلق النوافذ، واتجهنا إلى المطبخ لنعد كوبين من الشاي، وكنا في غاية الفرحة عندما بدأت الأمطار تتساقط وهدأت الرمال، وكأن هذا المطر ينزل على قلوبنا ويهدئ من روعنا ، فأتجهت نحو النافذة وفتحتها ووقفت داليا إلى جانبي نلعب بقطرات المطر مثل الأطفال.
    وبعدما جفت عنان السماء عن البكاء وتلاشى المطر حملت داليا أكواب الشاي وأنا ورائها بطبق البسكويت خارجين من المطبخ.... دق جرس الباب وخلف الباب صوت رجل يزعق داليا داليا افتحي يا داليا...
    فوقعت أكوب الشاي الواحدة تلو الأخرى على الأرض وتناثر فتات الزجاج على الأرض، ووقفت داليا صامته وكأن شئ قد حدث.... فتركتها وذهبت نحو الباب وفتحته وإذا بخال داليا "سامي" يدخل مسرعا ومعه الجرائد ويقول.... لابد وأن يثأر الله للمظلوم... لابد وأن يأتي يوم ويعود الحق لأصحابه.... لقد مات أخواتكم في حادث مروع تقشعر منه الأبدان...
    فلم نفكر في شئ.... وانطلقنا إلى مكان الحادث لنرى ماذا فعلت الحادثة بقلب الأب الجافي المتعجرف.... فما كان منه إلا نظر إلينا في صمت برهه والدموع تذرف من عيوننا وسقط على الأرض صريعا....

  • يسري راغب
    أديب وكاتب
    • 22-07-2008
    • 6247

    #2
    اختي الاديبه ايه المحترمه
    البدايه كانت مشوقة رائعه محبوكة بشكل اخاذ ثم تتابع الحدث المشع البراق الى احداث متتابعه اخذت شكل السرد بلهفة احتل فيها الفاريء ابداع الكاتب لتصل الى نهاية القصه التي يمكن ان تنسج في قصة طويله تغني فيها الاحداث بعبارات التشويق القصصي مابين حدث وحدث - تقبلي اعجابي وتقديري

    تعليق

    • آيات شعبان
      أديب وكاتب
      • 19-07-2008
      • 77

      #3
      بسم الله الرحمن الرحيم
      استاذنا الفاضل يسري شراب:
      شهادة اعتز بها وأنا في بداية طرقي الأدبي
      وفيما يتعلق بأقتراحكم "يمكن ان تنسج في قصة طويله تغني فيها الاحداث"
      فقد لمست لب الحقيقة، بالفعل الرواية كانت طويلة ، وقد قمت بحذف بعض تفاصيلها حتى لا يمل القارئ
      لك مني أجمل تحية .

      تعليق

      • يسري راغب
        أديب وكاتب
        • 22-07-2008
        • 6247

        #4
        عزيزتي ايات
        لا يمل القاريء من التشويق ولو كان فيه تطويل
        وصف الحاله الشعوريه للانسان عند اي حدث في القصة او الروايه امر بالغ الاهميه لانه هو الذي يخلق المعايشه بين الانا والاخر - سلمت يداك بما كتبت

        تعليق

        يعمل...
        X