الجاحظ ومفهوم الشعر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبدالله علي باسودان
    أديب وكاتب
    • 20-09-2013
    • 171

    الجاحظ ومفهوم الشعر

    الجاحظ ومفهوم الشعر

    يقول الباحثون عن الجاحظ أنه ألمّ بفكرة الشِّعْرَ وماهيته حين عرض لاستحسان أبي عمرو الشيباني بيتين من الشِّعْرَ لأحدهم، وهما:
    لا تحسبن الموت موت البلى
    فإنما الموت سؤال الرجال
    كلاهما موت ولكنّ ذا
    أفظع من ذاك لذل السؤال
    فالجاحظ أنكر هذا الاستحسان من أبي عمرو، وبيّـن أن ليس في البيتين أثارة من شعر، وليس قائلهما بشاعر.
    يقول الجاحظ: «وأنا رأيت أبا عمرو الشيباني، وقد بلغ من استجادته لهذين البيتين في المسجد يوم الجمعة، أن كلّف رجلاً حَتَّى أحضر دواة وقرطاساً حَتَّى كتبهما له. وأنا أزعم أن صاحب هذين البيتين لا يقول شعراً أبداً. ولولا أن أدخل في الحكم بعض الفتك لزعمت أن ابنه لا يقول شعراً أبداً».
    نلاحظ من حكم الجاحظ أنه كان حريصاً على تأكيد أن مفهوم الشِّعْرَ لم يكن واحداً عند أهل عصره، فمن الناس من يرى (الشعرية) في المعنى الحكيم والقول الدال، ومنهم من يراها في قوة الطبع والبراعة في التشكيل. والقدرة على تصوير المعاني. والخطأ الذي وقع فيه أبو عمرو الشيباني في نظر الجاحظ هو انطلاقه في حكمه على البيتين من عنصر المعنى.
    لكنّ الجاحظ لا يرى المعنى الحكيم وحده شعراً، فإن المعاني الحكيمة والمواعظ الدالة حظٌّ متاح للجميع، أيّاً كانت أعراقهم وبلدانهم.
    يقول الجاحظ: «وذهب الشيخ إلى استحسان المعنى، والمعاني مطروحة في الطريق، يعرفها العجمي والعربي، والبدوي والقروي والمدني، وإنما الشأن في إقامة الوزن، وتخير اللفظ، وسهولة المخرج، وكثرة الماء، وفي صحة الطبع وجودة السبك، فإنما الشِّعْرَ صناعة، وضرب من النسيج، وجنس من التصوير».
    هذا النص يضع بين أيدينا مفهوماً متطوراً للشعر؛ فالجاحظ يفرق بين المعاني الغفل الَّتِي لم يصورها الشِّعْرَ، وبين الشِّعْرَ الذي يصنع وينسج ويصوِّر. فالشاعر عند الجاحظ صانع ونسّاج ومصوّر.
    كما أن المعنى الحكيم عند الجاحظ الذي لا يقدمه لنا تشكيل شعري متميز؛ غير خليق بأن يكون شعراً. ويعني هذا أن ماهية الشِّعْرَ وجوهره أنه نظام لغويّ خاص، ينبعث عنه معنى لا وجود له إلا فيه؛ والمعنى الشعري من هذه الوجهة ليس المعنى المنطقي العام الذي يحصله الناس من خبرات الحياة.
    وهو بذلك يصدر في فهمه للشعر عن تصور جديد للفن الشعري، ليس هو التصور العربي المعروف، الذي يرى في الشِّعْرَ تعبيراً عن دخائل النفوس.
    يقول د. إحسان عباس: «لو تخطى الجاحظ حدود التعريف لوجد نفسه في مجال المقارنة بين فنين: الشِّعْرَ والرسم. وإذن فربما هداه ذكاؤه إلى استبانة الفروق وضروب التشابه. ولكنّ كل ما أراده الجاحظ من هذا القول تأكيد نظريته في الشكل، وأن المعول في الشِّعْرَ إنما يقع على (إقامة الوزن وتخير اللفظ وسهولة المخرج وكثرة الماء، وفي صحة الطبع وجودة السبك)، وبهذا التحيز للشكل قلل الجاحظ من قيمة المحتوى وقال قولته الَّتِي طال تردادها: (والمعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والبدوي والقروي)».
    فهو كان يحس أن المعنى موجود في كل مكان، وما على الشاعر إلا أن يتناوله ويصوغه صياغة منفردة. ولم يكن الجاحظ يتصور أن نظريته الَّتِي لم تكن تمثل خطراً عليه ستصبح في أيدي رجال البيان خطراً على المقاييس البلاغية والنقدية لأنها ستجعل العناية بالشكل شغلهم الشاغل.
    التعديل الأخير تم بواسطة عبدالله علي باسودان; الساعة 16-04-2015, 18:25.
يعمل...
X