كانت تلك هي الرحلة الأولى له معي ، كنت في نهاية السنة الجامعية لسنة ألفين وعشرة استيقظت على نغمات ذلك الطائر ذو الرأس الأحمر و الجناحين الصفراويين وذلك القوام النحيف و الرشيق، صاحب الصوت الشجي و النطات الموسيقية الموزعة في شكل سنفونية رائعة بين دو ري سي بأزمنة متقاربة وبحركات خفيفة ورشيقة ومتبعة الإيقاع ، ومع تلك الساعة الحائطية القديمة ذات أللون الذهبي محاولة أن تعكس النور في بهو المنزل رغم احتشام الليل وسواد لباسه ، ومحاولة في يأس جلب الجماهير والفوز في هذا اللقاء الذي كانالحاضرون فيه لا يزالون يتمسكون بوسائدهم ويبتسمون لأحلامهم غير آبهين لهذا التنافس ومنزعجين من هته الأصوات القائمة بين هذين المتنافسين*المقنين و الساعة* ، فكانت ترسل نغمة ثابتة منطلقة من دولابها النحاسي وفق زمن واحد و نغمة ثابتة ووفق مدرج واحد، ولكن لم تخجل ولم تمل من هذا الإيقاع الذي أصبح يزعج أهل البيت ولم يبقي لها من داعم سوى تلك الفراشة الورقية ذات اللون الأصفر التي كانت تقوم برقصة منتظمة تشبه رقصة الفلامنغو و تهتز مع مؤشر الثواني الذي كان بدوره متصلا بالبندول النحاسي ، فكانت تتحرك وفق النغمة في حركة إلى الأمام ، فكانت تستمد قيمتها من قدمها وأصالتها فهي أولي الساعات التي دخلت إلي بيتنا فلم نستطع التخلي عنها ، ومع حركات الفراشة التي كانت تومئ بحركية الزمن كان الفجر يبسط ردائه ، فكلما تمايز الخيط الأبيض عن الأسود وانزاح خجل الليل وداعبت خيوط الفجر الرمادية ذلك الطائر ، رفع في صوته وعدد في نغماته محاولا بذلك الفوز في هذه المنافسة التي بدا أن المشاركون فيها يزدادون فكانت السيارات لذوي الأعمال الحرة المجبرين علي التخلي عن مضاجعهم باكرا ترسل من خلف الجدران ...............
حمزة بن دعيمة
حمزة بن دعيمة