المشاركة الأصلية بواسطة نورالدين لعوطار
مشاهدة المشاركة
ليس التدين بحد ذاته هو الذي يحمل بذرة العلمانية، بل الديانات التي تعرف ثنائية الخاصة والعامة كالنصرانية (الكهنوت والعامة) والدرزية (العُقّال والجُهّال) والشيعية (الملالي والرعية). لماذا؟ لأن الفصل بين الخاصة والعامة في هذه الديانات وما أشبهها مُمَأْسَس. إن هذه المأسسة عند طغيان الكهنوت وسيطرته على المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية هي التي تدعو إلى التَّعَلْمُن الذي هو فك اشتباك بين الكهنوتي والعامي.
في الإسلام: لا يوجد كهنوت. لكن ثمة محطات في التاريخ الإسلامي كان للعلماء فيه سطوة قوية على خصومهم (ما وقع لابن رشد وكتبه على سبيل المثال). لكن هذه المحطات لم تكن هي القاعدة، بل كانت استثناء.
أما التطرف الذي نشهده اليوم، فأميز فيه بين حالتين:
1. حالة التطرف التي هي رد فعل على الأنظمة القمعية في العالم العربي واستغلال أجهزة الاستخبارات المحلية والخارجية لها وتوظيفها في سياسات استعمارية جديدة (القاعدة وداعش وأخواتهما) لإعادة هيكلة الدول العربية وفدرلتها.
2. طبيعة التدين لدى عامة الناس والفهم العجيب للدين.
أنتجت الحالة الأولى عقلية إقصائية خطيرة جدا وخلطت الأوراق كثيرا في العالم العربي والإسلامي. فالذي يعتبرها حالة طبيعية يدعو إلى العلمنة من حيث هي فك اشتباك بين الدين والمجتمع، لأن إفرزات هذا الضرب من التطرف خطيرة بجميع المعايير. وهي عندي ليست أصيلة بل طارئة لأنها جاءت نتيجة للاحتقان الذي أوجدته الأنظمة القمعية في دنيا العرب. أما الحالة الثانية فقضية تعليم وتربية وتثقيف وأخلاق وحسبة (الكل متدين ولا تكاد تجد في أسواقنا عسلا أو زيتا لم يُعمل الغش فيه).
وفي الحالتين نحتاج - نحن المسلمين - إلى وقفة حقيقية مع فهمنا للدين والتدين بهدف إنتاج ثقافة تمكننا من التعامل مع الخلافات المذهبية والفكرانية بطريقة معقولة. ويبدو أن هذا الهدف بعيد المنال في الوقت الحالي. وإذا ما استحضرنا جدل هيجل فأرجو أن تنتج عن هذه الصراعات بين الطريحة العلمانية الشاملة (تونس وسوريا ومصر أنموذجا) والنقيضة (القاعدة وداعش وأخواتهما) شميلة قابلة للحياة تنقلنا مما نحن فيه إلى سياق لا ينتهي الخلاف الفكري بيننا فيه بالرصاص بل بالحجاج والقبول أو الرفض ضمن حدود المعقول.
وأنا لا أبرئ ساحة العلمانيين العرب الواقفين مع الأنظمة القمعية (باستثناء الراحل صادق جلال العظم) ولا أكاد أميز بين متطرفيهم وبين متطرفي داعش، لآن آليات التطرف وتبعاته واحدة.
تحياتي الطيبة.
تعليق