حلاقة وزواج على منفذ هيلي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سالم الجابري
    أديب وكاتب
    • 01-04-2011
    • 473

    حلاقة وزواج على منفذ هيلي

    حلاقة وزواج على منفذ هيلي

    كنت عائداً من مدينة العين بالامارات لمدينة البريمي بعمان بعد صلاة المغرب، وأحسست بضيق شديد حين وجدت أمامي صفاً طويلاً من السيارات. كعادتي أخذت المسار الأيمن لأتحاشى مضايقات "لصوص الدور" الذين يحاولون اختراق الصف بالقرب من المنفذ دون أقل احترام لغيرهم ممن قضوا وقتاً طويلاً يعانون الانتظار. بمعادلي في الصف الأيسر سيارة صغيرة بيضاء، وبرغم أني عادة لا ألتفت إلا أنّي من طرف عيني لاحظت أن السائق يقوم بحركات غريبة، قاومت فضولي في البداية، ولمّا لم استطع المقاومة أكثر تظاهرت أنّي أنظر لصف السيارات خلفي لأسترق نظرة سريعة. لكن النظرة لم تكن سريعة، بل تحوّل الأمر لدهشة ومتابعة للأحداث.

    أول ما رأيت من الشخص الذي يقود السيارة أنّه كان يمسك بملقط وينتف الشعر الزائد من أنفه وهو ينظر في مرآة الشمسية. وبعد شعر الأنف جاء دور شعر الوجنتين. كان يضغط بلسانه على باطن خدّه بمهارة عجيبة حتى لكأنه يرفعه بقضيب حديدي.
    استمر في ذلك لفترة، وصف السيارات كان بالكاد يتحرّك، وأنا لم أستطع كبح نفسي عن متابعة حركاته العجيبة بالرغم من أنه انتبه أكثر من مرّه أنّي أراقبه.

    لم يكتفِ أخانا بالنتف، بل فاجئني بإخراج حقيبة سوداء وضعها بجانب المقود، وعندما فتحها تبيّن أنها عدّة حلاقة. وفيما هو يخرج آلة الحلاقة نظر لي مبتسماً وأشار بيده لصف السيارات التي أمامه وكأنه يقول لي "مازال أمامنا وقت طويل".
    تفحّص رأس آلة الحلاقة ونفخ فيه عدّة مرات، ثم أخذ يتلفّت يبحث عن شيء ما، مدّ يديه يتلمّس المقعد الخلفي، فتح الصندوق الذي بين المقعدين الأماميين وعليه أمارات الضّيق فلم يجد ما يبحث عنه. نظر لي وفتح نافذته، عرفت أنه يريد أن يقول شيئاً ففتحت نافذتي بدوري...قال

    -هل لديك فوطة صغيرة أو أي شيء يمكن أن أستخدمه؟.

    في الحقيقة طلبه أصابني بالدوار، لكن جدّية ملامحه أجبرتني على التعاطي مع الطلب بجدّية. تذكّرت أنّي أحتفظ بفوطة مع عدّة الرحلات في السيارة، ولأن صفّ السيارات لم يكن يتحّرك فقد كان سهلاً علي النزول وإخراج الفوطة.
    أعطيته إياها من النافذة وسألته إن كان بحاجة شيء آخر

    -هل تحتاج شيئاً آخر؟، لدي عدّة رحلات متكاملة.

    -إن توفّر لديك كريم مرطّب وعطر ما بعد الحلاقة فسيكون ذلك رائعاً.

    أعطيته ما طلب وأخبرته أن يعتبر الأشياء هدية له. وأثناء الطريق تبادلنا الحديث، سألته

    -مالذي يجبرك على الحلاقة في السيارة، يمكنك الإنتظار حتى تصل للبيت.

    -في الحقيقة أنا ذاهب لزيارة خطيبتي، وبسبب ظروف العمل وازدحام المنفذ لا أجد الوقت الكافي. لكن هل تتخيّل أني تعرفت على خطيبتي هنا في المنفذ!!!.

    -هل أنت تقول الحقيقة؟!

    -نعم......التقيتها هنا. هي مثلي من العابرين. وتصادف مرّة أن كان الزحام شديداً، وكنت أنا أتضوّر جوعاً، وكانت هي تقف بسيارتها بجانبي وبيدها شطيرة. رأتني فعرفت من نظراتي أنّي جائع وأعطتني من طعامها......فكان الزحام سبباً في المحبّة.

    -ما دمت تزوجت من المنفذ، وأكلت منه، فلا عجب أن تحلق ذقنك فيه.

    ودّعت الرجل عندما اقتربنا من حجيرات التدقيق على الجوازات وأنا في عجب مما قد يحدثه من تغيير في حياة الناس أمر مثل ازدحام منفذ حدودي.
  • محمود عودة
    أديب وكاتب
    • 04-12-2013
    • 398

    #2
    رحم الله ايام زمان عندما كنا نذهب من مدينة العين الى البريمي بدون طوابير وكأنها بلد واحد ما زلت أذكر حتى عام 2000 كنا نقضي فسحة يوم الجمعة في وادي محضة ثم نعود آخر اليوم الى بيتنا في حي العامرية بمدينة العين الجميلة .. نص رائع

    تعليق

    • لمياء كمال
      أديب وكاتب
      • 26-10-2012
      • 270

      #3
      اسلوبك مرتب منظم قادر على إعطاء الفكرة حيزها الإنفعالي والسردي الملائم
      قادر على قولبة الحدث وحتى الاندماج مع تفاصيل القارئ الحياتية

      ومن قلب الواقع تأتي بتلك الأحداث البسيطة المركبة لتصنع منها
      قصة كاملة وبقفلة تجبرنا على إيماءة نعم وإعجاب

      أسجل شهادتي ببراعة إسلوبك
      وأشكرك على القلم الجميل الذي تحمل

      تعليق

      • سالم الجابري
        أديب وكاتب
        • 01-04-2011
        • 473

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة محمود عودة مشاهدة المشاركة
        رحم الله ايام زمان عندما كنا نذهب من مدينة العين الى البريمي بدون طوابير وكأنها بلد واحد ما زلت أذكر حتى عام 2000 كنا نقضي فسحة يوم الجمعة في وادي محضة ثم نعود آخر اليوم الى بيتنا في حي العامرية بمدينة العين الجميلة .. نص رائع
        جزيت الجنة أخي محمود.......أيام ليتها تعود

        تعليق

        • سالم الجابري
          أديب وكاتب
          • 01-04-2011
          • 473

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة لمياء كمال مشاهدة المشاركة
          اسلوبك مرتب منظم قادر على إعطاء الفكرة حيزها الإنفعالي والسردي الملائم
          قادر على قولبة الحدث وحتى الاندماج مع تفاصيل القارئ الحياتية

          ومن قلب الواقع تأتي بتلك الأحداث البسيطة المركبة لتصنع منها
          قصة كاملة وبقفلة تجبرنا على إيماءة نعم وإعجاب

          أسجل شهادتي ببراعة إسلوبك
          وأشكرك على القلم الجميل الذي تحمل
          الرائعة لمياء......شكرا لكِ، هو حسن ظنّكِ بي ليس إلا.
          جزيت الجنة

          تعليق

          يعمل...
          X