أسطورة فرط الرمان
قصص
ربيع عقب الباب
لا أدري إلى الآن ، لم لم يدهشني
حين أتي ،- بعد غيبة - كملاك
نال منه الهرم ، وسقط عنه جناحاه !
أظنه ما كان بهذا القصر ،
أظنه ما كان بهذا القصر ،
و لا هذه النحافة ، هناك شيء مفقود ، كمدينةتخلت عن بهائها . غادرته شمس كانت تسكن ملامحه ، و أنفاس نال منها طولالعدو ،
في متاهة لم يغادرها ،
وإن بدا كمن وجد شاطئا يتجه إليه !
عاديحمل شجرة و تواريخ ، كان فيما مضى دهس وريقاتها ، وكثيرا من أسمائها ،تماما كما يحمل لحية متنافرة بدت كأية دخيلة ، أو كماكياج مؤقت ،
عاديحمل شجرة و تواريخ ، كان فيما مضى دهس وريقاتها ، وكثيرا من أسمائها ،تماما كما يحمل لحية متنافرة بدت كأية دخيلة ، أو كماكياج مؤقت ،
لدور قديطول قليلا ، وقد لا يغادره
حتى في لحده !
حين كان يستعد للرواح ، لملمبعض أوراقه ، ترك لي ورقتين ، ثم صعد نظرة في سماء بلا نجوم ، هندم ملبسهكِشأنه القديم ، و انصرف كحلم لم يكتمل !
حين نظرت في المرآة عقب رواحه ،
حين كان يستعد للرواح ، لملمبعض أوراقه ، ترك لي ورقتين ، ثم صعد نظرة في سماء بلا نجوم ، هندم ملبسهكِشأنه القديم ، و انصرف كحلم لم يكتمل !
حين نظرت في المرآة عقب رواحه ،
لم أر سوى نصف وجه لم يكن لي !
إلي النور الذي لم يرحل و إن طاله الغياب
رءوف سالم
إيقاع
مرآتها
لا تمل مزاحمة الصخب
العيون المدسوسة
في فراغ غيابه
تصحو
تغفو
على تحليقها بطائري النهدين
فتلفهما بساعديها
أغنية شوق
تغمز
برقصة هادئة بينما دموعها
تشغل مساحات الإيقاع !
غناء
الربيع مازال عصيا
يرفض الرحيل
شنقوه في ميادين الخسة
فنبت أسفل المشنقة
على نواصي قيظهم داهموه
ثلة من رجال مدججين بالموت
طعنة
ثنتين
لخلف قيدوا يديه
ثم قصوا رجليه
فترك لهم جثة ومضى
بكفه قطعة زجاج
يرسل بها خيوط النور في عتمة القلوب
كرسائل عشقية
من خلفه ثلة يخلعون ثياب الشفقة
لا يتوقفون عن الغناء !
بشاعة
مومياء تقطع الطريق
في الصباح و المساء
ثم تبسط كفها أمام العابرات
في وله : أحبك .. أحبك
كلعبة للصغار
لم تفرق بين عجوز
تتكئ على ذاكرة معطوبة
وتهرب الشوارع من بين أصابعها
و طفلة باكية أضاعت سنتها اللبنية
قبل أن تعطيها للشمس
لم تزل تؤدي نفس طقوسها
و لم تستطع بصقات العالم منحها ما تشتهي من حب !
كوميديا
الطفل لم يهتم بظلمة الرحيق
مط جذعه
دنا
طالت أصابعه أصابع الغواية
التقط واحدة
ورجلاه تستعدان للعدو بالفريسة
اصطدمتا بلحم طري
و أنفاس الصمت تتردد
ارتجف
صرخ ملقيا بغنيمته : لص .. لص
عابرا مفازة الحكاية
حين أحيط بالرجال المتجهمي الوجوه
فارقته ضحكة عجيبة .. لم تكن له :
ضحكت عليكم .. ضحكت عليكم "
برغم أن لحما طريا
وأنفاسا بشرية ترمح في وهج الرائحة
وهو يرمح كعود خيزران بين قبضات الرجال الغاضبة !
ندم
نور يشع من عينيها
شفتيها الحالمتين
غنائها المتقافز في اللوحة
أسقط وريقات شجوني في تفاصيل
تظلل خلفية الوقت
أهذه هي
بعد اغتيالي رحيقها
وذبح الشمس في رائعة صبحها الملئ بسلال اللوز و التفاح؟!
ويلي
ويلان
قهري
قهران
موتي
موتان يزحفان في حصى حزني
غبار شقوتي
وغيرتي الأفعى تعبئ كل مساء جحرها جريمة
لتكون الظلال حقيقة مدرجة الدماء
و أكون بين فكي حزنها النبيل في قسوة ما أضعت :
ما تغضن
ما تيبس
ما تألم
ما ظل يورق على خد النهار من فتون !
مشهد لم يكتمل
ثم دنت من أذنه هامسة برقة :
: " أنت بخير .. أليس كذلك ؟!".
طأطأ مذهولا ، وهو يتصفح وجوه السوق ، يشهد إبحارها في لؤمنظراتها الزائغة، بين ما يحدث، وتعمد الانصراف ......
زارت مرة أخرى ،وأتت بكبده في قبضتها ، ثم لاكته ،ودنت من أذنه وهى تتفتت رقة :
" قل أنك بخير .. لا بد أنك بخير ".
--------
حين كان على وشك السقوط ،حالت أذرع السوق دون انهياره ؛ رغم أنها من أفسحت لها الطريق ، أرشدتها إليه ، وتدري ما ستفعل ؛من وقت مر الليلة الماضيةالمخبر الأكثر شهرة بالحارة ، واختفى بها في زاوية خربة !
------
بينما الدماءترسم خطوطا على وجهها و ثيابها .كانت تعود قاصدة آخر ما يحمل ، لكنها لم تجده حيث كان ، فزأرت وهى تسدد نظرات نارية ، تجاه رجل شرطة يتعمد الانشغال ، بضرب أحد الصبية بحزام وسط غليظ .
تهمس فيما ظنته أذنا: "
لا تظن أني أحقد عليك .. لا تظن أنــ.. .. فأنا ......
.............................
.......................
............. ".
ضمان
طلب عزرا ساقه كضمان !
فما كان منه إلا أن خلعها ، و قدمها له ، بين دهشة وذهول القوم ، و فرارهمرعبا ، بينما عزرا يقدم له الدين ، وهو فاغر الفم .. كأنه الموت . ضحكاتالمدين تأخذ أصوات البرق و الرعد المنذر بالمطر ، وحين كان بالخارج علىضحكه ، كان اليهودي يصرخ ، و يلطم ، فما نال سوى ساق خشبية!
نوبة صحيان
المشكلة التي أقضت مضاجع الناس
هذه الرؤوس التي تنبت لتلك الحية
فقد تصوروا أنه بمجرد قطع الرأس الكبير
سوف ينتهي الأمر ، ويخمد الجسد الضخم
الذي يمتد في رقعة عظيمة الاتساع
و تكاد تغطي مدينتنا كلها!
حين كانت تسترد أنفاسها لمرة أخرى
بين ذهول الخلق و تكذيب ما يتم و عدم تصديقه
اقترح أحد الأهالي بسرعة إغراقها بالبنزين
والنار كفيلة بتخليصهم منها .
صرخ في وجهه آخر :" و بيوتنا و أولادنا ، أنسيت أنها تكاد تغطي المدينة بكاملها ؟".
بخيبة أمل قال ثالث :" و ما العمل إذن .......؟".
لم يمكنوا اليأس منهم
و لا أفسحوا له مكانا بينهم
رغم حدة الحديث و النقاش الدائر حول المسألة المعضلة .
ظلت الحلول عصية إلا حل الإبادة الذي لازم معظم المتحدثين
و الذي رفض عن قناعة و رغما!
التقطوا أنفاسهم
و مسحوا ما حملت وجوههم من عرق و غبار
كأنهم كانوا تحت تأثير ريح جهنمية عبر كثبان هشة من رمال متحركة .
تنفس صبح و أعقبه آخر و هم على حيرتهم
يطاردون النوم كما يحاصرون الحية التي كانت تنتفض و تسترد عافيتها بشكل غير طبيعي كأنها مصنوعة من خامات عصية على التلف أو الموت !
لم يتأكدوا من أن الوقت ليس في صالحهم إلا عندما كانت أنفاس الحيةتطلق بعض المباني القريبة للريح كطائر يحلق متناسيا أنه بلا أجنحةوأن رصاصة الصياد حولته إلى قطع متهالكة .
فزع الرجال و بنفس الحبال التي شدوها حولها كانوا يدقونها بالأرضويفصلون الرأس النابتوقبل أن يحطوا من التعب أرضا كان صوت يلاحقهم : " لا تتوقفوا ..لتقطعوها و لو لقطع كبيرة لا يهم حتى تنزف كل طرق العودة إلى سيرتها الأولى".
هاجمه أو بدا لهم أن أحدهم يهاجمه :" أنت واهم ، إنها عتيقة . تنسون أنها كانت هنا لآلاف السنين تربت في حضن الغريب . كان يجب أن تنتهي معه لكن للأسف احتضنها بعض أهل البلاد.. أقصدأنهم دائما ما اعتمدوا عليها في توطيد سلطانهم و قوة بأسهم".
أوقفه شاب فارع :" معنى ما تفضلت به أن نظل في حالة استفزاز لا ترى عيوننا النوم أو الراحة و كلما نبت لها رأس قطعناه ... أنت تهول الأمر .. أنا مع مسألة تجزئتها و أؤمن بأنها الطريقة الأكثر حسما في مسألتنا".
طال النزاع و لم يستقروا على رأي .
ناموا و قاموا و هم على نفس الجدل .
فجأة اختفت كأن الأرض انشقت و ابتلعتها .
أو تطايرت في الفضاء الوسيع أو هي تبخرت كقطرة ندى .
تجهمت الوجوه
علت الصيحات و التوبيخات
وركضت الأرجل هنا وهناك بحثا عن أثر عن سبيليبل ريقهم و يخمد نيران الفزع التي نالت من الوجوه تماما .
أصبحوا الآن مستهدفين هم و أبناؤهم وزوجاتهم و مواشيهم و أعمالهم و أرزاقهم .. بل حياتهم كلها .. فهي لن تنس الرأس المقطوع بل لن تنسى الوجوه و لا حتى الأنفاس التي نادت بإبادتها و أن غضبها سوف يكون رهيبا غير مأمون العاقبة .
لكن أين هي .. لو أنهم يعرفون أين ذهبت لاستراحوا قليلا مما هم فيه و لكن......!
ما كان عليهم سوى انتظار ظهورها فمهما طال اختفاؤها لا بد آتية .. هكذا قرروا حينأعيتهم الحيل ليتفقوا آخر الأمر على ضرورة تطهير كل الأماكن التيظهرتبها أو زارتها و تنفست فيها وبناء ما هدمت على أن يكمن لهابعضهم بكامل عدتهم و عتادهم حتى لا يكون ظهورها مأسويا
و تكون فيمتناولهم
بلا أي انتكاسات قد تأتي على الأخضر و اليابس!
تجلٍّ
كان يراقب كمخبر لئيم ، ويتفحص بعين خبيرة ، وريقاتها المنثورة ، وكلما عدتعينه عبر السطور كشهقة محمومة ، كان صدره يعلو ، وجذعه يضطرب ، وراحت كفهالشبقة تقبض على ثناياها !
كانت كآبقة شهيدة ، تترنح تحت وهجها ، تشتاق للمس الندى .. بل للطم المطارق ، ومع طول انتظارها تهدجت الأنفاس ، وفرت دموع !
حمحم حصان رغبته ، وطوى الوريقات ، و خطا فوقها ، ارتكب الوصول إلى مكمنها كفضيحة نائمة !
في المساء لطم باب شوقها ، و عبر في ثنايا رجفتها ، فامتد اللهب !
براءة
كنا – في المرحلة الإعدادية -نعقد محاكمةمن نوع عجيبفيما بيننالكل شيء فيناحتى اهتزازاتنا أثناء الركض و السير في الطرقات.. أحاديثنالغتناألستنا حين تنطقكحيحناضحكاتنا .. و لا أدري لم انتقل الأمرإلي ذوينافرحنا نفكك كل ألاعيبهم ..معناهمملامحهمأساليبهم .
كنا نبحث عن شيء ماظل غامضاوإن كان ظاهره التقويم
وسبر الاعوجاجرغم أن ثلاثتنا مختلفون في الطبعو النهجكما اختلافنا في الملامحو الأطوال و الأحجام .
في جلسة من تلكالتي لم نكن ننسى مواعيدهاوسط انشغالاتنا بالدراسة خاصةفي الأسابيع التي تسبق الامتحانات
خضت في شيء عجيبلا أدري لمو لكن من المؤكد أنهما كانا يدرياندون أن أعرف.
فجأة نخزني صديقي - الذي كان الحديث بمنأى عنه- في فخذيفتوقفت مستفهمابينما انصرف الآخريعد لنا كوب الشاي الذي حان وقتهدون أن ينبس بكلمة واحدةعلى غير عادته الاحتفالية
لا أذكر سوى أن الصمت خيم عليناكظلالنا الباهتة
أصبح في سواد ليلناالذي كان ثقيلا ربما بفعل ما قلت.
حين احتواني الشارع و رفيقيصرخ في وجهي : ما هذا الذي قلته ؟
بدهشة واسعة : و ماذا قلت .. كنت أمزح مثلكما
عاد لصراخه ثانية : لم تكن مزحة .. كنت تعري حقيقة لا تخفى على أحد !
لم أكن بالفعل أدريو لم أكن أدري لم خضت في هذا الأمر على وجه اليقين
أقسمت له بعدم معرفتي
أغلظت الأيمان وتقاسمتنا الطرق دون أن يصدقني .
حين كاشفت أمي بما قلتأكدت ما قلت دون علمفبكيت
كان الأمر مؤلما
و كان لا بد من الاعتذار لرفيقيالذي أكن له حبا كبيراو مع ذلك آلمته كثيرا دون أن أدري .
رغم مرور كل تلك السنين مازلت أتساءل :لم خضت في هذا الأمر على وجه التحديد ؟
وردة
مع كل دبة قدم ،بسمة بريئة ،التفاتة دلال ،تترك خلفها قلبا ،رئة مخترقة .
يدري أنها قبيلة من نساء ،وجيش من فتنة ؛ لذا آثر السلامة ،
والاكتفاء بالمتابعة من بعد ، مع إلحاح الروح !
غابت فجأة ،غاب في وجع التحري ،وهاله أمر اختفائها ،حين طال ،طاله صدق ما يحمل لها ،استباحته الطرقات ،و النوادي ،
صالات الرقص ،حمامات الوهم ،ألاعيب الكبار ..رأي بعينيه ما فجرت في أفئدة الرجال ،نجواهم ،جيوب متعتهم ،أحلامهم .
صباح أحد يوميات الغياب ،فوجىء مدير نادى البلدة ،بجثة ابن مهران عابد الملياردير ،طافية في حمام السباحة ،وفى أقل من دقيقة ،كانت البلدة هنا ،بوليسها ،سياسيوها ،تجارها ،أصحاب مصانعها،لصوصها ،عاهروها، يحيطون المشهد بين السخط و الاستخفاف ، الغضب و الشماتة .
صوت : قلنا له ، لا تقترب ،الوردة ليست لك .
صوت ثان : رد ليلتها عليك .. إنها تحبني .. تريدني .
صوت : وابن كبير البلدة لا يتركها ، يطاردها في كل حارة ، هو بعض كوابيسها .
من هول ما وصله ،انتابه دوار ،حط به على رصيف ،بالقرب منهم ،سرعان ما تكتم ضحكة مصحوبة بدمعات
: وما شأنك يا صعلوك بين الملوك ؟!
رفض مهران تقبل الأمر ،رفض الجثة ،رفضها كشهيد أبى إلا الموت ،صامدا كهرم .قبيل الفجر اختفت عائلة مهران ،وتحول القصر العالي إلى أثر!
عاد غير مصدق ،يحمل عقلا شاردا كأبله ،يجلده بقسوة ،
يتهمه بالغباء : كيف عشت طول الوقت مخدوعا ؟!
لم تتعرض بلدته لجرائم مشابهة ،طول عمره ما توقف أمام شيء ،يتم في هذه النواحي .
سلخ جلد عقله ،أخرج كثيرا من الوهم ،كثيرا من نبالة ،
كثيرا من خفافيش الزيف ،وقبل أن يفيق من ترنحه ظهرت وردة .
لم يصدق نفسه ، دعك الرؤية الخاطئة ، عاد يحدق ثانية ، يدنو قليلا ،يتأمل ،كانت هي ،ولم تكن من تقف أمامه ،ملامح عجوز كسيرة ،بلا أجنحة ،تكاد تسقط مع كل خطوة ،كل نفثة هواء ؛وقد كانت غزالة !
صرخ : أأنت هي ؟
لم تكلف نفسها حتى الانتباه ،صرخ ثانية : قولي لي ، أنت هي ؟
اهتز جسدها ،رفرفت ،ابتل وجهها ،غرق ،شهقت ،فابتلعها الحزن ،اختفت في لحظة .
غامت الدنيا ،انشقت مغارات ،بيوتا من لهب ،ألسنة كرؤوس الحيات ،فلم ير من كان خلفها ،غير أنه رأها ،حين وضع رأسه باكيا ،على وسادته ،فقام فزعا ،كانت صرخة خاطفة ،
فجأة تدهمها سيارة ،تأتى على أوراقها ،تسحقها ،ليعلو رحيقها على الإسفلت!
باكيا حد الترنح ،يلاطم جدران هذيانه ،غير قادر على شيء ،
يحدد قياس المسافات ،ألوان الفرائس ،وأنياب الذئاب ،ثوب الحمل الذي يرتدي ،فيخلعه ،يمزقه ،يلقى به وبقايا دموع ،
يآخذ طريقا مختصرة ، إلى حدود البلدة ، تؤدى لحانوت عامر،
بثياب الكواسر!
نصف ظل .. نصف وجه
( مشروع تخرج )
كان علىّاليوم ، أن أكون بصحبته ، بعد محادثته بالأمس ؛ لأقف على سر هذا الإلحاح ،الذي بدا في أنفاسه المتلاحقة ، و هذا الصراخ المفعم بالسخرية ، و عدمالاكتراث .
الفكرةكانت مجنونة ، إلي حد بعيد ، وأسلوب تناولها ، لا أقول كان ملائما ، بلأقول ، هو الجنون بعينه ، مما جعلني في حالة ارتباك .عين عليه محاصرة ، وعين تتابع ما تعرض تلك الشاشة ، نصف عقل ، والنصف الآخر داخل غابة كثيفة ،لأشجار تنهار وتتفتت من تلقاء نفسها. أنفاس تختلط ، وأحلام خانهاأصحابها ، تتبادل المواقع و الألوان .. و الحميمية أيضا .
كأننيأعيش كابوسا . هذا المزج ، والتلاعب بالكائنات ، ما بين التجسيد الحي، والتجسيد الممتنع بالعرائس ، و الدمى ، حتى اختلطت برأسي الأمور ،بين نهار و ليل ، شمس و قمر ، حقيقة و خيال .
: " عن أي شيء تبحث ؟".
قهقه بقوة ؛ فاحمر أنفه ، وهطلت عيناه ، ثم حدق الصورة بغيظ عجيب ، تخلص منه فورا :"ربما لا شيء".
أتابعمن ينقر نافذة عدة نقرات ، ثم يستعين بآلة موسيقية ، و يواصل النقر . تفتحالنافذة على وجه دمية ، لم تكن دمية بالداخل ، بل كائنا من لحم و دم ، بينأحضان رجل ، ربما الزوج :" أهو العبث ؟!".
وثب بغضب ، بأنفاس متوهجة ، صدر انفصل عنه ، و تعلق بمسمار على الحائط : " لم تحاصرني بأسئلتك ، أليس في الصورة الكفاية ؟ ".
: " لميعد لي وقت ، الموت يحاصرني ، كما قال الأطباء .. لم جعلتني أحبك .. لمحاصرتني في كل مكان ، حتى أقنعت نفسي أنك تحبينني ؟!".
: " و أنا أحبك .. أعشقك و أعشق صوتك .. هيا الآن ، قبل أن تتخلى عن النائم أحلامه".
و أغلقت الدمية النافذة ، و هي تغني أغنية سريالية الصوت و المعنى ، كصرخة نشوة ، أو لحظة شبقية .
: " وماأمر الدميتين في الخارج ، على يمين و شمال العازف ،لم أحاط الظلام بنصفوجه واحدة دون الثانية ، وأكثرت من الزوم و الكلوز على نصف الوجه دون الآخر؟!".
تحاشىنظراتي ، و افتعل الانشغال ، كأنه منفصل عني ، و لكن :" أنت لم تر جيدا ؛لنعد إلي التتر، كل ما عليك مزيد من التركيز .. هييه اتفقنا ؟!".
تنقلبجسد متوتر ، وملامح وجهه تتلون ، ثم تعود لطبيعتها .. أحسست قلقا حادا ، ولا أدرى كيف واتتني فكرة ، أنني لم أكن خارج الدائرة !
كانالتتر يتحرك على خلفية ، لم تنفصل عن المطروح ، بل كانت تقدم عالما شاسعا ،يكتنفه الضباب ، يمتلك من الأقنعة ، مالا طاقة لأحد بارتكابها ، و كل قناعبلون ، و صوت مختلف بين الجمال و القبح ، الرشيق و الباهت المترهل ، ثمجعلها دمى تحلق ، تتباعد و تتجاذب ،و تغير مواقعها . ثم دنت الكاميرا أكثر من الملامح ؛ لتؤكد أن فعلا ما يتم ، و ليس مجرد استعراض كرتوني ، فثمةعلاقات ، بين جنسين ، صغار و كبار ، شيوخ وعجائز ،صبية و بنات . ثم يحدثزوم، يلم كل الدمى ، ويرجها كحبات نرد ، ثم يلقي بها ، فتغير مواقعها . لايخلو الأمر من مواقف غرامية حميمة ، وأخرى جنسية فاضحة ، و أيضا مواقفرومانسية . وقبل أن يختتم التتر ، تصبح نقطة ، فحبة نرد ، ثم تلقى، وتفرش الشاشة ، بتبديل المواقف ، و الأشكال ، و الدمى .
: " ما يريد تصديره هذا المجنون، و لم ذهب إلي شرح ما عرض بالتتر ، لم لم يكتف ؟
تناهتإلي أذني أصوات طرقات . هب من جلسته ، أوقف الجهاز ، و اتجه حزينا إليالنافذة ، فتحها ، فكشف عن وجه دمية ،كانت هي نفسها ، من كانتمع العازف .
فركت عيني ، قفزت واقفا .. أتأمل الغرفة ، وأتحسس نفسي :" غصبت على ذلك ، لم لا تنس ، هذا لا يعني شيئا".
فجأةعلت ذراعاه ، و أطبقتا على الهواء ، ثم علت ضحكات و صرخات ، ترصع السماءبنجوم ألوانها ، أنفاسها ، حتى تختفي . وهو يكاد يقعي ، يقفز من النافذةملاحقها ، لكن أعجزه أنه لم يكن دمية ، في تلك اللحظة !
أسرعتهربا ، بعقل شرد بعيدا ، في ترحال مر ، و أنا أتحسس نصف الوجه الذي كشفتعنه الكاميرا ، و أيضا النصف الآخر للحُمَى ، و الدمية التي لم أكنها يوما .. و نثرت ما أحمل للريح ، وبصقت لعنتي !
تعليق