أسطورة فرط الرمان ( الاصدار القصصي السابع )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    أسطورة فرط الرمان ( الاصدار القصصي السابع )

    أسطورة فرط الرمان
    قصص
    ربيع عقب الباب
    لا أدري إلى الآن ، لم لم يدهشني
    حين أتي ،- بعد غيبة - كملاك
    نال منه الهرم ، وسقط عنه جناحاه !
    أظنه ما كان بهذا القصر ،
    و لا هذه النحافة ، هناك شيء مفقود ، كمدينةتخلت عن بهائها . غادرته شمس كانت تسكن ملامحه ، و أنفاس نال منها طولالعدو ،
    في متاهة لم يغادرها ،
    وإن بدا كمن وجد شاطئا يتجه إليه !
    عاديحمل شجرة و تواريخ ، كان فيما مضى دهس وريقاتها ، وكثيرا من أسمائها ،تماما كما يحمل لحية متنافرة بدت كأية دخيلة ، أو كماكياج مؤقت ،
    لدور قديطول قليلا ، وقد لا يغادره
    حتى في لحده !
    حين كان يستعد للرواح ، لملمبعض أوراقه ، ترك لي ورقتين ، ثم صعد نظرة في سماء بلا نجوم ، هندم ملبسهكِشأنه القديم ، و انصرف كحلم لم يكتمل !
    حين نظرت في المرآة عقب رواحه ،
    لم أر سوى نصف وجه لم يكن لي !
    إلي النور الذي لم يرحل و إن طاله الغياب
    رءوف سالم



    إيقاع

    مرآتها
    لا تمل مزاحمة الصخب
    العيون المدسوسة
    في فراغ غيابه
    تصحو
    تغفو
    على تحليقها بطائري النهدين
    فتلفهما بساعديها
    أغنية شوق
    تغمز
    برقصة هادئة بينما دموعها
    تشغل مساحات الإيقاع !






    غناء

    الربيع مازال عصيا
    يرفض الرحيل
    شنقوه في ميادين الخسة
    فنبت أسفل المشنقة
    على نواصي قيظهم داهموه
    ثلة من رجال مدججين بالموت
    طعنة
    ثنتين
    لخلف قيدوا يديه
    ثم قصوا رجليه
    فترك لهم جثة ومضى
    بكفه قطعة زجاج
    يرسل بها خيوط النور في عتمة القلوب
    كرسائل عشقية
    من خلفه ثلة يخلعون ثياب الشفقة
    لا يتوقفون عن الغناء !


    بشاعة

    مومياء تقطع الطريق
    في الصباح و المساء
    ثم تبسط كفها أمام العابرات
    في وله : أحبك .. أحبك
    كلعبة للصغار
    لم تفرق بين عجوز
    تتكئ على ذاكرة معطوبة
    وتهرب الشوارع من بين أصابعها
    و طفلة باكية أضاعت سنتها اللبنية
    قبل أن تعطيها للشمس
    لم تزل تؤدي نفس طقوسها
    و لم تستطع بصقات العالم منحها ما تشتهي من حب !






    كوميديا

    الطفل لم يهتم بظلمة الرحيق
    مط جذعه
    دنا
    طالت أصابعه أصابع الغواية
    التقط واحدة
    ورجلاه تستعدان للعدو بالفريسة
    اصطدمتا بلحم طري
    و أنفاس الصمت تتردد
    ارتجف
    صرخ ملقيا بغنيمته : لص .. لص
    عابرا مفازة الحكاية
    حين أحيط بالرجال المتجهمي الوجوه
    فارقته ضحكة عجيبة .. لم تكن له :
    ضحكت عليكم .. ضحكت عليكم "
    برغم أن لحما طريا
    وأنفاسا بشرية ترمح في وهج الرائحة
    وهو يرمح كعود خيزران بين قبضات الرجال الغاضبة !

    ندم

    نور يشع من عينيها
    شفتيها الحالمتين
    غنائها المتقافز في اللوحة
    أسقط وريقات شجوني في تفاصيل
    تظلل خلفية الوقت
    أهذه هي
    بعد اغتيالي رحيقها
    وذبح الشمس في رائعة صبحها الملئ بسلال اللوز و التفاح؟!
    ويلي
    ويلان
    قهري
    قهران
    موتي
    موتان يزحفان في حصى حزني
    غبار شقوتي
    وغيرتي الأفعى تعبئ كل مساء جحرها جريمة
    لتكون الظلال حقيقة مدرجة الدماء
    و أكون بين فكي حزنها النبيل في قسوة ما أضعت :
    ما تغضن
    ما تيبس
    ما تألم
    ما ظل يورق على خد النهار من فتون !














    مشهد لم يكتمل
    كان في قلب السوق ،حين زأرت ،وبأنيابها مزقتقميصه من دبر ، وبعض لحم منجسده النحيل !
    ثم دنت من أذنه هامسة برقة :
    : " أنت بخير .. أليس كذلك ؟!".
    طأطأ مذهولا ، وهو يتصفح وجوه السوق ، يشهد إبحارها في لؤمنظراتها الزائغة، بين ما يحدث، وتعمد الانصراف ......


    زارت مرة أخرى ،وأتت بكبده في قبضتها ، ثم لاكته ،ودنت من أذنه وهى تتفتت رقة :
    "
    قل أنك بخير .. لا بد أنك بخير ".
    --------

    حين كان على وشك السقوط ،حالت أذرع السوق دون انهياره ؛ رغم أنها من أفسحت لها الطريق ، أرشدتها إليه ، وتدري ما ستفعل ؛من وقت مر الليلة الماضيةالمخبر الأكثر شهرة بالحارة ، واختفى بها في زاوية خربة !
    ------


    بينما الدماءترسم خطوطا على وجهها و ثيابها .كانت تعود قاصدة آخر ما يحمل ، لكنها لم تجده حيث كان ، فزأرت وهى تسدد نظرات نارية ، تجاه رجل شرطة يتعمد الانشغال ، بضرب أحد الصبية بحزام وسط غليظ .
    تهمس فيما ظنته أذنا: "
    لا تظن أني أحقد عليك .. لا تظن أنــ.. .. فأنا ......
    .............................
    .......................
    ............. ".













    ضمان
    لم يجد في كل المدينة من يستجيب ، من يعطيه ليصرف هؤلاء ،ليبتعدوا ، ووقتها يحق له التنفس ، و الرمح إلى حانة مانولي ، يلاحقونه كظل، بل يدوسون قدمه ، من فرط حرصهم .. وبكى أخيرا .. ماذا يفعل الآن ؟ قعدعلى الأرض فقعدوا ، ناقشهم في الأمر . وهم صامتون ، لا ينبسون ببنت شفة .. وفجأة حط أمامه خيال عزرا اليهودي ، جادل نفسه .. هل يستطيع الحفاظ علىنفسه أمامه ، يطلب أشياء عجيبة كضمان للدين .. مرة طلب ولد مدين ، ومرة زوجه، ومرة بيته .. الغريب أنه تذكر رغباته الغرائبية ، فى نيل ضمانجهنمي ، مثل أصابع اليد ، قلب المدين ، أذنه .. وعندما وصل إلى هذه كانيقف ، و يرمح على الطريق ، في نفس اتجاه بيت عزرا ، و الرجال يركضون خلفه !
    طلب عزرا ساقه كضمان !
    فما كان منه إلا أن خلعها ، و قدمها له ، بين دهشة وذهول القوم ، و فرارهمرعبا ، بينما عزرا يقدم له الدين ، وهو فاغر الفم .. كأنه الموت . ضحكاتالمدين تأخذ أصوات البرق و الرعد المنذر بالمطر ، وحين كان بالخارج علىضحكه ، كان اليهودي يصرخ ، و يلطم ، فما نال سوى ساق خشبية!

    نوبة صحيان

    المشكلة التي أقضت مضاجع الناس
    هذه الرؤوس التي تنبت لتلك الحية
    فقد تصوروا أنه بمجرد قطع الرأس الكبير
    سوف ينتهي الأمر ، ويخمد الجسد الضخم
    الذي يمتد في رقعة عظيمة الاتساع
    و تكاد تغطي مدينتنا كلها!

    حين كانت تسترد أنفاسها لمرة أخرى
    بين ذهول الخلق و تكذيب ما يتم و عدم تصديقه
    اقترح أحد الأهالي بسرعة إغراقها بالبنزين
    والنار كفيلة بتخليصهم منها .
    صرخ في وجهه آخر :" و بيوتنا و أولادنا ، أنسيت أنها تكاد تغطي المدينة بكاملها ؟".
    بخيبة أمل قال ثالث :" و ما العمل إذن .......؟".

    لم يمكنوا اليأس منهم
    و لا أفسحوا له مكانا بينهم
    رغم حدة الحديث و النقاش الدائر حول المسألة المعضلة .
    ظلت الحلول عصية إلا حل الإبادة الذي لازم معظم المتحدثين
    و الذي رفض عن قناعة و رغما!

    التقطوا أنفاسهم
    و مسحوا ما حملت وجوههم من عرق و غبار
    كأنهم كانوا تحت تأثير ريح جهنمية عبر كثبان هشة من رمال متحركة .
    تنفس صبح و أعقبه آخر و هم على حيرتهم
    يطاردون النوم كما يحاصرون الحية التي كانت تنتفض و تسترد عافيتها بشكل غير طبيعي كأنها مصنوعة من خامات عصية على التلف أو الموت !

    لم يتأكدوا من أن الوقت ليس في صالحهم إلا عندما كانت أنفاس الحيةتطلق بعض المباني القريبة للريح كطائر يحلق متناسيا أنه بلا أجنحةوأن رصاصة الصياد حولته إلى قطع متهالكة .

    فزع الرجال و بنفس الحبال التي شدوها حولها كانوا يدقونها بالأرضويفصلون الرأس النابتوقبل أن يحطوا من التعب أرضا كان صوت يلاحقهم : " لا تتوقفوا ..لتقطعوها و لو لقطع كبيرة لا يهم حتى تنزف كل طرق العودة إلى سيرتها الأولى".
    هاجمه أو بدا لهم أن أحدهم يهاجمه :" أنت واهم ، إنها عتيقة . تنسون أنها كانت هنا لآلاف السنين تربت في حضن الغريب . كان يجب أن تنتهي معه لكن للأسف احتضنها بعض أهل البلاد.. أقصدأنهم دائما ما اعتمدوا عليها في توطيد سلطانهم و قوة بأسهم".
    أوقفه شاب فارع :" معنى ما تفضلت به أن نظل في حالة استفزاز لا ترى عيوننا النوم أو الراحة و كلما نبت لها رأس قطعناه ... أنت تهول الأمر .. أنا مع مسألة تجزئتها و أؤمن بأنها الطريقة الأكثر حسما في مسألتنا".

    طال النزاع و لم يستقروا على رأي .
    ناموا و قاموا و هم على نفس الجدل .
    فجأة اختفت كأن الأرض انشقت و ابتلعتها .
    أو تطايرت في الفضاء الوسيع أو هي تبخرت كقطرة ندى .

    تجهمت الوجوه
    علت الصيحات و التوبيخات
    وركضت الأرجل هنا وهناك بحثا عن أثر عن سبيليبل ريقهم و يخمد نيران الفزع التي نالت من الوجوه تماما .
    أصبحوا الآن مستهدفين هم و أبناؤهم وزوجاتهم و مواشيهم و أعمالهم و أرزاقهم .. بل حياتهم كلها .. فهي لن تنس الرأس المقطوع بل لن تنسى الوجوه و لا حتى الأنفاس التي نادت بإبادتها و أن غضبها سوف يكون رهيبا غير مأمون العاقبة .
    لكن أين هي .. لو أنهم يعرفون أين ذهبت لاستراحوا قليلا مما هم فيه و لكن......!

    ما كان عليهم سوى انتظار ظهورها فمهما طال اختفاؤها لا بد آتية .. هكذا قرروا حينأعيتهم الحيل ليتفقوا آخر الأمر على ضرورة تطهير كل الأماكن التيظهرتبها أو زارتها و تنفست فيها وبناء ما هدمت على أن يكمن لهابعضهم بكامل عدتهم و عتادهم حتى لا يكون ظهورها مأسويا
    و تكون فيمتناولهم
    بلا أي انتكاسات قد تأتي على الأخضر و اليابس!




    تجلٍّ

    كان يراقب كمخبر لئيم ، ويتفحص بعين خبيرة ، وريقاتها المنثورة ، وكلما عدتعينه عبر السطور كشهقة محمومة ، كان صدره يعلو ، وجذعه يضطرب ، وراحت كفهالشبقة تقبض على ثناياها !
    كانت كآبقة شهيدة ، تترنح تحت وهجها ، تشتاق للمس الندى .. بل للطم المطارق ، ومع طول انتظارها تهدجت الأنفاس ، وفرت دموع !
    حمحم حصان رغبته ، وطوى الوريقات ، و خطا فوقها ، ارتكب الوصول إلى مكمنها كفضيحة نائمة !
    في المساء لطم باب شوقها ، و عبر في ثنايا رجفتها ، فامتد اللهب !







    براءة

    كنا – في المرحلة الإعدادية -نعقد محاكمةمن نوع عجيبفيما بيننالكل شيء فيناحتى اهتزازاتنا أثناء الركض و السير في الطرقات.. أحاديثنالغتناألستنا حين تنطقكحيحناضحكاتنا .. و لا أدري لم انتقل الأمرإلي ذوينافرحنا نفكك كل ألاعيبهم ..معناهمملامحهمأساليبهم .
    كنا نبحث عن شيء ماظل غامضاوإن كان ظاهره التقويم
    وسبر الاعوجاجرغم أن ثلاثتنا مختلفون في الطبعو النهجكما اختلافنا في الملامحو الأطوال و الأحجام .

    في جلسة من تلكالتي لم نكن ننسى مواعيدهاوسط انشغالاتنا بالدراسة خاصةفي الأسابيع التي تسبق الامتحانات
    خضت في شيء عجيبلا أدري لمو لكن من المؤكد أنهما كانا يدرياندون أن أعرف.
    فجأة نخزني صديقي - الذي كان الحديث بمنأى عنه- في فخذيفتوقفت مستفهمابينما انصرف الآخريعد لنا كوب الشاي الذي حان وقتهدون أن ينبس بكلمة واحدةعلى غير عادته الاحتفالية
    لا أذكر سوى أن الصمت خيم عليناكظلالنا الباهتة
    أصبح في سواد ليلناالذي كان ثقيلا ربما بفعل ما قلت.
    حين احتواني الشارع و رفيقيصرخ في وجهي : ما هذا الذي قلته ؟
    بدهشة واسعة : و ماذا قلت .. كنت أمزح مثلكما
    عاد لصراخه ثانية : لم تكن مزحة .. كنت تعري حقيقة لا تخفى على أحد !
    لم أكن بالفعل أدريو لم أكن أدري لم خضت في هذا الأمر على وجه اليقين
    أقسمت له بعدم معرفتي
    أغلظت الأيمان وتقاسمتنا الطرق دون أن يصدقني .
    حين كاشفت أمي بما قلتأكدت ما قلت دون علمفبكيت
    كان الأمر مؤلما
    و كان لا بد من الاعتذار لرفيقيالذي أكن له حبا كبيراو مع ذلك آلمته كثيرا دون أن أدري .
    رغم مرور كل تلك السنين مازلت أتساءل :لم خضت في هذا الأمر على وجه التحديد ؟




    وردة

    مع كل دبة قدم ،بسمة بريئة ،التفاتة دلال ،تترك خلفها قلبا ،رئة مخترقة .
    يدري أنها قبيلة من نساء ،وجيش من فتنة ؛ لذا آثر السلامة ،
    والاكتفاء بالمتابعة من بعد ، مع إلحاح الروح !

    غابت فجأة ،غاب في وجع التحري ،وهاله أمر اختفائها ،حين طال ،طاله صدق ما يحمل لها ،استباحته الطرقات ،و النوادي ،
    صالات الرقص ،حمامات الوهم ،ألاعيب الكبار ..رأي بعينيه ما فجرت في أفئدة الرجال ،نجواهم ،جيوب متعتهم ،أحلامهم .

    صباح أحد يوميات الغياب ،فوجىء مدير نادى البلدة ،بجثة ابن مهران عابد الملياردير ،طافية في حمام السباحة ،وفى أقل من دقيقة ،كانت البلدة هنا ،بوليسها ،سياسيوها ،تجارها ،أصحاب مصانعها،لصوصها ،عاهروها، يحيطون المشهد بين السخط و الاستخفاف ، الغضب و الشماتة .
    صوت : قلنا له ، لا تقترب ،الوردة ليست لك .
    صوت ثان : رد ليلتها عليك .. إنها تحبني .. تريدني .
    صوت : وابن كبير البلدة لا يتركها ، يطاردها في كل حارة ، هو بعض كوابيسها .

    من هول ما وصله ،انتابه دوار ،حط به على رصيف ،بالقرب منهم ،سرعان ما تكتم ضحكة مصحوبة بدمعات
    :
    وما شأنك يا صعلوك بين الملوك ؟!

    رفض مهران تقبل الأمر ،رفض الجثة ،رفضها كشهيد أبى إلا الموت ،صامدا كهرم .قبيل الفجر اختفت عائلة مهران ،وتحول القصر العالي إلى أثر!

    عاد غير مصدق ،يحمل عقلا شاردا كأبله ،يجلده بقسوة ،
    يتهمه بالغباء : كيف عشت طول الوقت مخدوعا ؟!
    لم تتعرض بلدته لجرائم مشابهة ،طول عمره ما توقف أمام شيء ،يتم في هذه النواحي .
    سلخ جلد عقله ،أخرج كثيرا من الوهم ،كثيرا من نبالة ،
    كثيرا من خفافيش الزيف ،وقبل أن يفيق من ترنحه ظهرت وردة .

    لم يصدق نفسه ، دعك الرؤية الخاطئة ، عاد يحدق ثانية ، يدنو قليلا ،يتأمل ،كانت هي ،ولم تكن من تقف أمامه ،ملامح عجوز كسيرة ،بلا أجنحة ،تكاد تسقط مع كل خطوة ،كل نفثة هواء ؛وقد كانت غزالة !
    صرخ : أأنت هي ؟
    لم تكلف نفسها حتى الانتباه ،صرخ ثانية : قولي لي ، أنت هي ؟
    اهتز جسدها ،رفرفت ،ابتل وجهها ،غرق ،شهقت ،فابتلعها الحزن ،اختفت في لحظة .

    غامت الدنيا ،انشقت مغارات ،بيوتا من لهب ،ألسنة كرؤوس الحيات ،فلم ير من كان خلفها ،غير أنه رأها ،حين وضع رأسه باكيا ،على وسادته ،فقام فزعا ،كانت صرخة خاطفة ،
    فجأة تدهمها سيارة ،تأتى على أوراقها ،تسحقها ،ليعلو رحيقها على الإسفلت!

    باكيا حد الترنح ،يلاطم جدران هذيانه ،غير قادر على شيء ،
    يحدد قياس المسافات ،ألوان الفرائس ،وأنياب الذئاب ،ثوب الحمل الذي يرتدي ،فيخلعه ،يمزقه ،يلقى به وبقايا دموع ،
    يآخذ طريقا مختصرة ، إلى حدود البلدة ، تؤدى لحانوت عامر،
    بثياب الكواسر!



    نصف ظل .. نصف وجه
    ( مشروع تخرج )

    كان علىّاليوم ، أن أكون بصحبته ، بعد محادثته بالأمس ؛ لأقف على سر هذا الإلحاح ،الذي بدا في أنفاسه المتلاحقة ، و هذا الصراخ المفعم بالسخرية ، و عدمالاكتراث .
    الفكرةكانت مجنونة ، إلي حد بعيد ، وأسلوب تناولها ، لا أقول كان ملائما ، بلأقول ، هو الجنون بعينه ، مما جعلني في حالة ارتباك .عين عليه محاصرة ، وعين تتابع ما تعرض تلك الشاشة ، نصف عقل ، والنصف الآخر داخل غابة كثيفة ،لأشجار تنهار وتتفتت من تلقاء نفسها. أنفاس تختلط ، وأحلام خانهاأصحابها ، تتبادل المواقع و الألوان .. و الحميمية أيضا .
    كأننيأعيش كابوسا . هذا المزج ، والتلاعب بالكائنات ، ما بين التجسيد الحي، والتجسيد الممتنع بالعرائس ، و الدمى ، حتى اختلطت برأسي الأمور ،بين نهار و ليل ، شمس و قمر ، حقيقة و خيال .
    :
    " عن أي شيء تبحث ؟".
    قهقه بقوة ؛ فاحمر أنفه ، وهطلت عيناه ، ثم حدق الصورة بغيظ عجيب ، تخلص منه فورا :"ربما لا شيء".
    أتابعمن ينقر نافذة عدة نقرات ، ثم يستعين بآلة موسيقية ، و يواصل النقر . تفتحالنافذة على وجه دمية ، لم تكن دمية بالداخل ، بل كائنا من لحم و دم ، بينأحضان رجل ، ربما الزوج :" أهو العبث ؟!".
    وثب بغضب ، بأنفاس متوهجة ، صدر انفصل عنه ، و تعلق بمسمار على الحائط : " لم تحاصرني بأسئلتك ، أليس في الصورة الكفاية ؟ ".
    : " لميعد لي وقت ، الموت يحاصرني ، كما قال الأطباء .. لم جعلتني أحبك .. لمحاصرتني في كل مكان ، حتى أقنعت نفسي أنك تحبينني ؟!".
    : " و أنا أحبك .. أعشقك و أعشق صوتك .. هيا الآن ، قبل أن تتخلى عن النائم أحلامه".
    و أغلقت الدمية النافذة ، و هي تغني أغنية سريالية الصوت و المعنى ، كصرخة نشوة ، أو لحظة شبقية .
    : " وماأمر الدميتين في الخارج ، على يمين و شمال العازف ،لم أحاط الظلام بنصفوجه واحدة دون الثانية ، وأكثرت من الزوم و الكلوز على نصف الوجه دون الآخر؟!".
    تحاشىنظراتي ، و افتعل الانشغال ، كأنه منفصل عني ، و لكن :" أنت لم تر جيدا ؛لنعد إلي التتر، كل ما عليك مزيد من التركيز .. هييه اتفقنا ؟!".
    تنقلبجسد متوتر ، وملامح وجهه تتلون ، ثم تعود لطبيعتها .. أحسست قلقا حادا ، ولا أدرى كيف واتتني فكرة ، أنني لم أكن خارج الدائرة !
    كانالتتر يتحرك على خلفية ، لم تنفصل عن المطروح ، بل كانت تقدم عالما شاسعا ،يكتنفه الضباب ، يمتلك من الأقنعة ، مالا طاقة لأحد بارتكابها ، و كل قناعبلون ، و صوت مختلف بين الجمال و القبح ، الرشيق و الباهت المترهل ، ثمجعلها دمى تحلق ، تتباعد و تتجاذب ،و تغير مواقعها . ثم دنت الكاميرا أكثر من الملامح ؛ لتؤكد أن فعلا ما يتم ، و ليس مجرد استعراض كرتوني ، فثمةعلاقات ، بين جنسين ، صغار و كبار ، شيوخ وعجائز ،صبية و بنات . ثم يحدثزوم، يلم كل الدمى ، ويرجها كحبات نرد ، ثم يلقي بها ، فتغير مواقعها . لايخلو الأمر من مواقف غرامية حميمة ، وأخرى جنسية فاضحة ، و أيضا مواقفرومانسية . وقبل أن يختتم التتر ، تصبح نقطة ، فحبة نرد ، ثم تلقى، وتفرش الشاشة ، بتبديل المواقف ، و الأشكال ، و الدمى .
    : " ما يريد تصديره هذا المجنون، و لم ذهب إلي شرح ما عرض بالتتر ، لم لم يكتف ؟
    تناهتإلي أذني أصوات طرقات . هب من جلسته ، أوقف الجهاز ، و اتجه حزينا إليالنافذة ، فتحها ، فكشف عن وجه دمية ،كانت هي نفسها ، من كانتمع العازف .
    فركت عيني ، قفزت واقفا .. أتأمل الغرفة ، وأتحسس نفسي :" غصبت على ذلك ، لم لا تنس ، هذا لا يعني شيئا".
    فجأةعلت ذراعاه ، و أطبقتا على الهواء ، ثم علت ضحكات و صرخات ، ترصع السماءبنجوم ألوانها ، أنفاسها ، حتى تختفي . وهو يكاد يقعي ، يقفز من النافذةملاحقها ، لكن أعجزه أنه لم يكن دمية ، في تلك اللحظة !
    أسرعتهربا ، بعقل شرد بعيدا ، في ترحال مر ، و أنا أتحسس نصف الوجه الذي كشفتعنه الكاميرا ، و أيضا النصف الآخر للحُمَى ، و الدمية التي لم أكنها يوما .. و نثرت ما أحمل للريح ، وبصقت لعنتي !


    sigpic
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #2
    خلايا نائمة

    لا يدري أي شيطان خدعه ، فيصدقكذبتهم ، و يغلق أذنيه عن سماع همس ، لا يدري من أين أتي وقتها ، محذرا منالانصياع لهم ، والعودة بالسيارة إلي المكان ذاته ، هناك عند انحدار السكةالزراعية ، تحت زعم إعادتها ، و معها المبلغ الضخم الذي أعطاه لهؤلاءالأشقياء .
    في قلق وتوتر يقطع الشارع جيئة و ذهابا ، و الهواجس تتلبسه ، كلما علا ذات الطنين : " لن تعود .. لا هي، و لا الفلوس".
    يلوك الوقت سجائره ، و الغيظنجمة تتشظى ، بقوة الاحتراق ، و المسافة ما بين السيارة و الفلوس تتباعد ،كلما أمعن الوقت في السير ، و الغوص حد الضياع
    :
    "علم كبارهم بما يفعلون من وراء ظهورهم .. لا تتسرع ، و تقع في شباك العنكبوت .. انتظر".
    أنى له الانتظار ، و الوعد عندهؤلاء دين ، بغض النظر عن سفالتهم ، و انحطاطهم ، إلا أنهم في هذه لايتسامحون .. في مكان قريب ترك السيارة في الطريق ، ثم أعطاها ظهره و مضى .. حسب التعليمات تماما ..لكنه بظهر عينيه رأى أحد الشبان يدنو منها بحذرشديد ، وبسرعة البرق كان داخلها ، و بنفس السرعة كان يغيب بها وسط غباركثيف ، و كأنه خلع قطعة من جسده .
    : " هذه حسابات بينهم .. انأ بنفسك عنهم ".
    لم يكن الوقت كافيا ليصل بيته ، قبل أن يصك أذنيه انفجار ، فيرتد علىعقبيه ؛ ليشهد ألسنة الدخان تتصاعد ، و نفس الهمس يطارده : " أرأيت .. ألمأقل لك ، ضاعت السيارة و ضاع مالك ، و أيضا الطريق إلي هؤلاء .. لميبق لكسوى عض أصابع الأسف ! ".













    لمُّ جرج

    فُرش الشارع الكبير بطاولات
    حول كل طاولة أربع كراس أو أكثر
    وفوقها زجاجات البيرة
    أطباق البانجو
    الحشيش المسلفن
    تتسلل الرائحة كفراشات حتى خدور الأطفال داخل الكراتين المغلقة
    بعض صحون الترمس و المخللات و الخضرة و ربما الفاكهة تعطي لمسة شعبية
    كأننا في بوظة أو غرزة سحرية من أزمنة القبائل .

    حين علا صوت " الساون " مزلزلا رئات و قلوب البيوت
    كانوا يقبلون جماعات و فرادى
    يتطوحون
    يحطون حول الطاولات
    يرشقون مطواتهم قرن الغزال أمامهم في أبهة و عظمة
    و يعلو الصخب
    التجشؤات
    النداءات البذئية

    بعد قليل على دوي صوت المنشد
    يتقدمون فرادى ملوحين بالأوراق المالية
    وأحد الشبان بصعوبة يسجل الأسماء و المبالغ

    في منتصف العمى ينصرفون كضباب يجيد التحلل
    يتخبطون في قمامتهم
    بينما صاحب الوليمة يحصي غلة الليلةبضيق حيث لم يصل المال إلى ما كان يشتهي و يصبو

    أرانب البيوت تغط في الخوف والغضب والرعب
    تنتظر انفضاض وليمة ( لم جرح ) التي ابتدعها زمن الجدعنة و الشهامة و المخبرين
    لتخرج من جحورها تحت سماء الله!





    لن أستطيع .. لن أ.........

    تداعيات

    جذبت إيزيس مفتاح الشقة من حقيبةيدها بقلق وتفكير عميقين ، تلوك لبانتها باسترخاء ، فضح جسدها حالة التوترالتي تعانيها ، انثنى جذعها بعض الشيء ، دفعت المفتاح في عنق الكالون ،انفرج الباب محدثا أنينا ، تقدمت ، أطاحت به وراءها .
    وجوم جاد يهيمن على المكان ، لا صوت .. صحراء لا حد لها ، تتشح بالكاكي المائل إلى الكريم ، كأنها تحدق من خلالعتمة ذاتها إلى قتامة ضاربة بلا حدود ، تضخم اشمئزازها . طن صفير مباغت فيطبلة أذنها ، تجمدت ، تستشعر عظم وطأة هذا السكون إلى حد الموت . سكون فيوحشة الأطلال و الخرائب ، وفى قتامة أحزانها و مشاعرها المتخمة التيتصارعها .
    نفرت من تحنطها العفوي ، ساقت قدميها، اقتلعتهما عنوة ، جاهدت قدر طاقتها لانتشال نفسها من هذه الدوائرالتهويمية ، انتقلت بناظريها إلى أشياء فقدت جمالها ورونقها . تديم التحديق .
    هاهنا كان يجلس ، يدور النقاش ،يتجادل و الرفاق في قضايا الدنيا . كان كل شيء يوحي بالحياة و الأمل و قربالنهاية . حورية ما تزال بالخارج . تنظر إلى ساعة معصمها ، لم يحن بعد موعدعودتها من كليتها . أين انزوى إبراهيم ؟ أمازال قابعا بحجرته .. أم أنهبالخارج ؟!
    ليته يخرج .. من يوم عودته ، وهوصامت لا حس له ، لا كلمة يصرف فيها ، ليته يزعق ، يتهور ، يضرب ، يحطم أيشيء ، لو لم ألتقط تردد أنفاسه لأيقنت أنه في عداد الموتى .
    لا أدري ما ألم به ، عزف عن كل شيء ،فقد شهيته حيال كل شيء ، ضج وجهه بالتجاعيد و اكتظ بالخطوط .. ليتني أقفعلى ما يؤرقه ، ويشقيه . إن صمته يقتلني ، يعذبني في صحوي و منامي ، وكلمااقتربت منه ، تكور على نفسه ، وتحاشى النظر إليّ ، متبالها حد الشطط ، كأنهيحمل أحزان العالمين .. أكاد أجن ، إنه لا يتذوق أي شيء ، أسقمه الهزال .. لم كل هذا العذاب .لم ؟ مالي أختنق ، أستشعر كابوسا يجثم على صدري ؟
    طوحت بحقيبة يدها ، اعتدلت في سيرهابتؤدة ، دانية من حجرة زوجها . دفعت الباب الموارب برفق ، انفرج أمامها ،مدت ناظريها ، تسمرت ، تصلبت كأنما شدت على قالب .. تمثال لمسخ ، يومضالفزع و الذعر من حدقتيه . إن هي إلا ثوان معدودات ، حتى ارتعدت فرائصها ،تلوى جسدها ، احتوته رجفة ، وندت عنها صرخة مدوية ، ثم تدحرجت إلى أسفلبطراوة مغشيا عليها .


    مؤثرات خارجية

    صوت نسوي يتردد من خلال مذياع في شقة مجاورة
    ع لادى العونة .. ع لادى العونة
    صلوا ع النبي .. لا تحسدونه
    ها نروح القدس و نكيد أعادينا
    وكل حاقد ندي له.......!



    قيد الشعرة

    حجرةإبراهيم .. يسيطر عليها اللون الفستقي الفاتح ، يتصدرها سرير من المعدنالرخيص ، مطلي بالأبيض الباهت ، تناثر عليه الفراش في إهمال . في أحدالأركان كرسيان متداعيان . يزدان الحائط الأيسر بمنظر طبيعي ، ذي ألوانزاهية متداخلة ، أكواخ مترامية حقيرة ، تحتضنها غابة بمستنقعاتها ، تطالعكبرائحتها الأسنة ، و أشكال وهياكل عظمية تروح و تغدو . أطفال ممزقو الثياب ،ضامرو العظام ، يبلبطون في أكوم القمامة ، وشمس تغرب ، فترخي القتامة والظلال على تلك الأكواخ .

    فيالجانب المضيء نهار فضي متلألئ ، توشي خيوطه ملكا و ملكة بصولجانيهما ،وصحن بلور يعكس الرؤى ، يرصد الريح أينا كانت ..نرى خيال و ظل الاثنينبارزا حيا ، وحدائق غناء مترامية الأطراف ، عشبها النرجس ، و قطيف القلوب ،تتناثر الطنافس و الأرائك و الزرابي .. يزهو طاووس ، ينحني الخصيان والوصيفات عند موطئ قدميهما ، غطاءات الرؤوس متباينة ، بين عمامة و طرطور وبرنيطة و كاب عسكري .

    يعتليالمنضدة التي تطايرت عليها مجلات و كتب شتى ، أهم ما يرى على صفحات إحداها ،مهرة ممشوقة ، تتأرجح و تتمايل على ظهرها برذعة من سندس موشى بالقصب ، أشدما يبهر في تشكيلها نظرة الأحداق و تلك الدموعالمتحدرةعلى خطمها .. وذاك حصان عربي تربط الظلال بينه و بين الخطوط الداخليةللمهرة ، كلما هم بالانتفاض ، ينجذب برغمه ، في عجز قبيح ، تشتعل في عينيهنظرة إحباط يوزعها في أرجاء المكان .

    تتدلىمن سقف الحجرة نجفة متواضعة ، بيعت ، وصرف ثمنها البخس على إبراهيم وهوسجين . كان مكانها خاويا، ملأ فراغها هذه الليلة جسد آدمي .. سكنت أنفاسه ،جحظت عيناه ، وتدلى لسانه ، تقوست ساقاه .. يواجه بنظراته الزاعقة هذاالحصان ، يتحداه ، يعلن انتصاره عليه ، و الولوج من قيد الشعرة !

    من كتاب الجريمة
    ما كان يجب بأية حال منالأحوال ، أن أضعف إلى هذا الدرك المزري ، كان عليّ أن أستجمع جل ما يكمنداخلي ، إنه لشيء مقزز أن يصل بي السفه إلى منعطف التبرير و إبراز الدوافع . أقدح زناد فكري في تهويماتي الهلامية ، فتختلط الأضداد .. أحس نفسي فريسةشيء ما ، قوة خارقة تدفعني ، تجذبني ، بل تسوقني إلى عمل حتمي ، في غايةالشموخ و الرفعة ، أو هو قمة المروق و الهرب .. سيان .. أظنني ما علوت هذاالعلو الذي قد يراه البعض منتهى العبثية ، ويراه الآخرون علوا لا يدانيهاكتشاف قارة ، أو إحداث ثورة على سطح القمر الناعس .
    مالي أنزلق في تهويماتي بهذا الشكل المفرط ، هل هو القنوط ؟
    جبان رعديد من يتصور أنه يمتلكالقدرة على إصدار الأحكام ، أنى لي بهذه القوة الخارقة القادرة على النفاذإلى ما بين البين ، أمرق إلى متاهة ، أصارعها .. إلام وصلت ؟
    حسبي هذه الهرطقة التي أدور رحاها ، يستبد بي شطط عجيب ، ألهث من فرط السخرية والقهقهة و الهمهمةالمعادة ، أترنح من قسوة العذاب الذي يدمدم في كياني ، يعتصرني ، أحاولجاهدا أن أركز .
    ما كنا نبيت على مؤامرة أو عملشائن ، يستلزم كل هذا الحدب ، شغلنا الشاغل ، الواغل في أعماقنا ، مهرةمكتنزة الأرداف ، تتجمل بالسندس ، وكوخ يرتمي في أحضان الفقر و الجهل والمرض ، و " يانكي " جاء على عجل ، وفي ذاكرته تترسم الأساليب ، و الملامح .. و ما أقرب اليوم بالبارحة !

    زجبي عنوة في غياهب السجن دون جريرة ، كل جريمتنا هو التعبير عن النفس ،وفضح المؤامرة المحبوكة ، التي يدبرها السادة و " اليانكي " ، و الصديقالجديد ، الذي قتل منا الآلاف .
    حط بنا تدمير قذر ، شوه شخوصنا ، أحال البعض منا إلى منزلق التردي و التخاذل ، متحللا من كل شيء ، يدمر بدعوى السلام ، والعيب .
    ترحل النوارس مخافة الحيتان ، والأمريكان يشحذون أقبيتهم الحمراء ، و يحتلون ما طردوا منه قديما ، أتووابخزائن خاوية ، وراحوا يغترفون من حويصلات الوطن اللقمة ، وشربة الماء ،فتمتليء الخزائن ، و تعود إلينا قروضا و منحا .
    نرزح تحت وطأة العذاب ليل نهار ، نبيت برغمنا هذا البيات المفجع .. لا بكاء ، البكاء مصغرة و منهبة ، إن تبك تكن فريسة طيعة .
    طال بنا الأمد ونحن .. من نحن ؟ مجانين ، معتوهون ، علماء ، مهووسون ، متحللون ، مناضلون ، ثوريون ؟
    غير أننا الآن مشتتون ، تمزق جلودنا سياط الحاكم و الكبار ، تلوكنا الألسنة و الأقدام ، نزيّف ، نقهر ، نموت عريا وإهمالا .
    تمخضت الأيام عن نوع عجيب منالقهر و التسلط .. رويدا رويدا ، ومع مرور الأيام ، وتعاقبها ، تضاءل جمعنا، تقلص ، نال بعضنا حريته .. لكم عشت ليالي طوال أبحث عن مخرج ، عن شعاعضئيل ، عن على بابا : افتح يا سمسم .
    أزعق ، أدور في فلكي هاذيا .. تشككت في كوني على بابا ، فلأكن قاسما .. لا .. لا .. لا !

    خيطرفيع رهيف يفصل بين الأضداد ، وخوفي من الانزلاق في التعليل يلجم لساني . لن أصور نوع العذاب ، فإنه يتساوى بالضد عندي .. ابنتي حورية ، من أجلهاكان صراعي ، كنت أبحث لها عن ثقب إبرة ، مجرد ثقب ، بل أنا من كنت في أمسالحاجة إليه .
    ضاق العالم على سعته ، صدري يضيق بما يحمل ، أحدهم يسوق إليّ كلماته عقب زيارة له .
    -
    لا تبهرك الظواهر كثيرا ، تقبل هذه الزوجة دائما لزيارتي ، تكدس السلال ،تتخمها باللحم و الفطائر .. ليس من أحد يحن عليها أو يعولها ، من أين جلبتكل هذه الأشياء ؟
    ضخمكل شيء ، مسخ كل شيء ، سخر من جمودي ، أعدم في لحظة كل عمري ، ذبحني تحتأقدام الفكر قربانا لفكرة وليدة ، سيئة السمعة ، وجدتني ألطمه بلا رحمة ،أصرخ اخرس .. اخرس ، ثم انهرت ممتلئا بموتي .
    تلوتإيزيس أمامي جسدا ، لا تستره إلا غلالة شفافة ، تلوت بين أحضان من نقدهاثمن الرغيف ، أباح لها إطلاق الطموحات و الأماني ، رأيتها تبثه حبها ،تتثنى كأفعى ، تلقي بنفسها في شبق و فتون وجوع بين أوتار عرقه و أنفاسه .
    نضجتحورية ، اكتملت أنوثتها ، اكتنز ردفاها ، وبرزت حبتا الرمان كسهمين قاتلين، أصبحت ملفتة للأنظار و الأوتار .. تعاركت الصورتان ، تراقصتا بين أحضانصاحب العطايا و مفجر الأماني .
    أحسستأنى في طريقي إلى الموت ، فكل شيء هراء ، و بلا قيمة .. أدور في معتقلي ،أخبط دون ترو ، تتشكل الرؤى .. بعنف .. صرخت : افتح ياسمسم . وتناست تماماأن السيف سبق ، ما كان وقع .. أنا .. من أنا ؟ لست قديسا و لا نبيا ، بشرايشعر ، يتألم ، ينعق من العذاب ، يتلوى تحت القهر .. يداهن نعم .. وانتشىالهاجس ببقايا التصدي و الصمود ، فتسربت مني جمل الانتهاء : افتح يا قرع .
    فتحهقرع على مصراعيه ، ولم ينته بعد سحر شهرزاد ، و مسرور طوع البنان ، و قاسميسوق لسانه الخوف ، فيكشف حدود اللعبة ، و حدود ما قبلها و بعدها .. الأربعون لصا يدفعونها لمزيد من التبذل ، فتفرز الحكايات لا تستكين ، و لايتوقف لسانها عن الرقص بين خيوطهم ليقينها أن الانفلات صعب و مدمر!

    بداية
    التهمت عيناها كلماته . كانيبرر أحداث المهزلة ، عظيما شامخا ، قدر كونه جبانا رعديدا . هدرت دموعهاغزيرة ، تشنجت أطرافها ، سرت في بدنها ارتعاشة .. هتفت :" كل هذا العذاب .. ألم تكن تدري مدى اتساقي معك ، صراحتي الفياضة .
    حطت بجبهتها على طرفمنضدته الأثيرة ، اعتدلت ، عادت لأوراقه ، تحاول أن تفهم جيدا :" تبين ليبشاعة ما توهمت أو ما دفعت إلى توهمه ، يتخيرون وقتا لا يكون في الشقة أحدغيري ، يأتون مدمدمين ، ساخطين ، يأمرون و ينهون ، يجتهدون في النيل منكبريائي المهان .. من يوم خروجي ، وهم دائبو التعجل و الاستفسار ،يطالبونني بتنفيذ باقي بنود المعاهدة ، و ثمن الإفراج ، يسألون عن التقارير .. عن العمل ، عن الأشخاص . يجسدون ألوانا من المضايقات .. البنت حورية . يدخلون في رأسي قدرتهم على التنكيل بها ، إن هي إلا ضربة في طريق عام وسيارة مجهولة .. أما إيزيس الحبيبة ، تدبير محكم و قضية دعارة . أكاد أفقدعقلي . منذ شهور على وجه التقريب ، أضرب عمال شركة الغزل ، وأجهضت محاولتهمفي نيل بعض الحقوق المسلوبة ، أرسلوا إلي من يوبخني ، من يقرعني بسياطالجريمة .. و في بيتي .. هل أنا فعلا في بيتي ؛ وهم يستبيحون كل حرمةبقوانينهم سيئة المصدر و السمعة ؟
    كيف جرؤ هؤلاء ؟
    وعادوا يائسين ، عادوا أكثر غلظة وحكمة .. منذ يومين أسندوا إلي بعض الأعمال الخسيسة ، الكريهة كأشكالهم وطرائقهم . تذوب قدرتي ، تذوب .. لا شيء إلا الانزواء و التقوقع في بئرالإحباط المندى بالصراعات و التهيؤات و التدبيرات المحكمة . مصممون هم علىقتلي و هلهلتي . لم يكفهم إعلان توبتي ، على حد زعم البلهاء و المجانين ، وتنكري لعشرين عاما خلت من عمري ، أرادوا مسخ كل شيء .. كل شيء .. أي تشويه، و أية تقارير ، و أية ..... و أية حياة نحياها ؟ الخذلان و الموتيحاصرني ، يرعد بدني أنا القوي الذي ما اهتز يوما أمام طوفان الخوذات والعصي المكهربة ، و البنادق .. أرتجف من أبله ، من حمار ، من عدو نفسه ،أهان ، أكلل بالطين و القطران .. إنهم يدفعونني دفعا .. لا سبيل أمامي .. لا أستطيع أن أسايرهم .. أبدا .. لن أستطيع!

    يوليو 1987









    بندق

    تمكن بندق أخيرا ، من فتح الدرج المغلق ، ألقى بالمسطرة جانبا ، و قبض على غنيمته ، تمعن فيها ، بعد تردد ، أعاد بعضها ، و أغلق الدرج .

    في المساء كان يهيئ وجبة دسمة لأصدقائه - أصحاب المكان - ، و يرفض بشدة مشاركتهم في دفع الفواتير!

    حين كان محمد يعيد إحصاءثمن البضاعة ، الذي تركه في درج المكتب ، أصابته دهشة ، تراجع جالسا ، وقدذهب عقله ، لم يعد قادرا على التفكير .. إنه اليوم الثالث ، وفي كل مرةيعجز عن الفهم ، فيسأل أخاه ، و أيضا ينكر اقترابه من الحصيلة ، بنظرةفاحصة أبصر أمامه المسطرة الحديدية ، تضيع معالمها في التواءات عجيبة ،فغرق في ضحك متواصل!

    في المساء كان الأب ، علىيقين أن بندق ، هو الذي خان العيش و الملح ، فراح يلاحقه بنظراته الطيبة ،و من بعد يبحث عن أغنية مؤثرة عن الأمانة ، أو آية قرآنية ، فربما في لحظةتمكن منه ، و تهلل الخير في روحه .. لكن بندق لم ينخدع ، بله استأذنمنصرفا بفرح و تيه !

    جن جنون الأب ، أمام ترددولده ، و بعنف ناقشه ، و بعد وقت يسير أرسل من يأتي ببندق من صالة للرقص والقمار ؛ بينما محمد ينتفخ بالرفض ، و عدم تصديق أو تكذيب ما توصل إليهأبوه!

    كان من الصعب ، أن يلاحق هذه الهراوات التي تنتظر دخوله ، و هذا الغضبالمتفجر في وجه ابنه الكبير ، و حين أفلح في إزاحتها بعيدا ، دفعه أمامهبليونة ، و هناك بالغرفة الداخلية ، كان يستدرجه !

    حين لم يعد بداخله صبر و لا طاقة على تحمل المزيد من المراوغة ، كان يلطمهبقسوة عجيبة ، و يتفنن في ضربه ، باليدين و القدمين ، وهو يصرخ فيه :" لم .. تكلم ؟".

    توقف الجمع أمام المشهد ، غير مصدقين ما يحدث ، فلأول مرة يعرفون - هذاالطيب دائما ، برغم انحنائه للريح ، و طيبته التي يدركها أهل الحي – أنه قادرعلى كيل اللكمات!

    أخيرا أخرج بندق ما تبقى في جيبه ، أمام ذهول الجميع ، فتراجع الأب منهكا ،و بسخرية أرسل نظراته إلى ابنه الأصغر وهو يلوح بالفتات من المالالمسروق ، بينما الابن مازال في تردده و إنكاره !
















    عاصفة من لهب

    لم أتوقع أن يهزمها الإحساس ذاته الذي خامرني
    حين تأبطتني نخلة تخلصت من فيونكتيها
    و مكنت أحمر الشفاه من وضع لمساته المشقوقة
    بيد أنها كلما خطوت في الظل
    سبقني إليها
    و أعلن على الصمت رجفتها بدبيب الألم و القيظ الثائر !

    لم يكن بيني و بين النخيل إلا بعض قرابة
    وميل إلي اللون المهاجر صوب الشمس
    و تلك الفرحة التي تحزمني بحبالها حين أرتقيه
    لأتي بجمارة و عش للنحل كي أقيم خليتي الخاصة

    غابت النخلة و لم يغب ما تركته
    من زلازل .. و فرج أطل من عين الغياب الذي يتربصني
    منذ غيرة و مرارتين
    و كم أبكاني و جنّد علىّ كل ما استطاع من أرق.

    في المساء تراكضت الحجارة لاطمة كل بؤر الصمت
    و الحزن
    فتشابكت طيور لم تجد على النار هدى
    تتخبط الجدران و العيون التي تتعكز على الأبواب
    و فصول الحكاية
    بعضها يرسم تمتمة
    وبعضها قزحا من كيد العارفات بمحن الحب و الصغار
    و الأعتاب تضرب رأسها من جرأة النمرة

    عاصفة من لهب
    و ملح أجاج يرمي حصاته فتعلو النقمة حتى تصل
    إلي ما بعد الوقت و السماء
    انتهى إليها صاعدا هابطا
    حتى تأبطها و تأبطته
    فسال النهر من عيون الرضا
    قالت : كيف لنخلة أن تعجز الريح عصفا ؟
    قلت : أنى لها هذا و السماء فضائي .. فلا ترجمي كيدي حين أتي بك .. فما كان للهب أن يفعل سوى المس لا الحرق ؟!



    الشطاح
    عن الشطاح بن زنوبة سلك الله حباله :
    كنت و كلبي في طريق ،فإذا ضباب كثيف ، لا أدري كيف لفنا كخيوط العنكبوت ، حتى كدت أختنق .
    و حين استطعت فتح فرجة فيه ،وجدتني خارجه بلا كلب ، فتحسست نفسي التي أعرف ، فما وجدتني و لا وجدت كلبي . و إذا بكائن يقبل علىّ ، نصفه الأعلى لامرأة فائرة ، و الآخر لحيّةطائرة؛ فآثرت البقاء حيث أنا ، و تناسيت الخارج مني .
    تماوت .. بينما هي تدنو ، تقطععلى خلوتي ، بل و تضمّني ، ترجّ كل الثلج الذي ران على جسدي ، حتى انتشرالدفء ، بل و اشتعلت جوانحي ؛ فانقشع كثيف الضباب كأن لم يكن .
    ما همّني سوى كلبي الذي أصابهالعمى ، و ضل عني هاربا ، بينما هي تتشكل شجرة ، ليس بها غير غصون جافة ،كشجرة سنط . . و برغم ما نالني من فزع ، إلا أنني لم أستطع مغادرة الشجرة ،حتى هاجمني وارد الليل ، راكبا فرسا سقيما ، كفارس الحواديت ، وهو يردد فيصوت مهيب : " لك ما ظل في رأسك ، فخذه و لا تعد ، هنا مقبرة الحكايات ، وقد أصبحت حكاية ، بلا رأس .. انته أيها الحي الميت !
    طرت فزعا و رهقا ، لكنني لم أعرف للبلاد طريقا ، و لا أدري كيف عثروا على جثتي أسفل الشجرة !
    وجدتني مجرورا إلي ناقة حمراء ،كأنني أغادر رمالا متحركة ، و عيناي لا تغادران الشجرة ، و لا تطرفان عنرؤيتها مثقال دمعة ، حتى إذا توقف بي القصّاص ، سقاني ، و كلي يرتجف ، دونأن أنتبه أني أطالبه بريشة و دواة ، وجلدا أخط عليه وصيتي .
    ^^^^^^^^^^^^^^
    ^^^^^^^^^^^^
    و الشجرة تناديني ،بالهيئة التي رأيتها عليها أول مرة .. لا أستطيع التحكم في رباطة جأشي ،كلي مفكك ، و الرجل يقبض على ، ما وسعه ، حتى أنهي ما أود ^^^^^^^^^^ ألقيت بالرقعة ، وزحفت عائدا ، و قد نال مني الحنين منالا صاخبا ، والرجلفي إثري ، و لولا الحبال التي تشدني لأصبحت في أحضانها الجافة ^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^
    ^^^^^^^^^^^^^^^^^^
    ^^^^^^^^^^^^
    ^^^^^^^^
    ^^^^^

    انتابني الشك ، فور انتهائي منفض المخطوط ، حتى شعرت برأسي تطقطق ، وشعري كأنه مشدود بقوى خفية . أستشعرحلقة مفقودة ، ما تزال غائبة ، فمن المستحيل ، أن يكون كل هذا العشق والسحر ، لشجرة سنط ذابلة ، يعشش عليها البوم و الغربان .

    خطفت نظارتي المكبرة ، التي أهملتها طيلة سنتين و نصف ، كانت عمر قصة حب ، لم يكن لها شبيه .
    الآن وضعت يدي على ما عميت عنهعيناي ، من حكاية الشطاح ، فحين احتضنته تلك المسحورة ، خرج جزؤها السفليإلي طبيعته البشرية ، و كان هو بين حد الترنحو الهذيان ، قبلها ؛ فتحولتلشجرة حور ، ظلت تعلو ، تتسامق حتى قبلت القمر ، و غفت على صدر المسحور ، ^^^^^^^ واضح أنه كان يبذل مجهودا رهيبا ، لكي ينهي ما عنده ، فجاءت الحروفبلا نقط بلا تماسك ، و لا من لغات أخرى ، بقادرة على فك شفيرتها .
    عضضت أظفار الوجع ، وعدت للقراءة مرات ، و لكن بلا جدوى .

    هذا ما كان ، وما استطعت التوصل إليه ، فيما خلف الشطاح على الرقعة .
    و لا يدري أحد : ما المصير الذي انتهى إليه الشطاح بن زنوبة رطب الله ثراه ، و عفا عنا و عنه ؟!
    بيد أنني سوف أبحث في بعض الكتب الصفراء ، ربما وجدت ما يفيد ، و يشفي الغليل !

    sigpic

    تعليق

    • ربيع عقب الباب
      مستشار أدبي
      طائر النورس
      • 29-07-2008
      • 25792

      #3
      بهنسي


      حين سألوه فيالدار :" إلى أين ؟
      رد بلا أدنى تردد : السينما".
      و على غير العادة قالوا :" وحدك ؟ ".
      قال :" وحدي ".


      شطح عقله بعيدا . عيناه تحدقان بين تلافيفشجيرات الباذبجان المتعانقة . أمامه نفس المنامة التي دائما ما يجدها هنا ، و كم سببت له الحرج ، وهو يجمع الباذنجان مع زوجات إخوته . القش ، بصمات الجسد الحية ،تشابيح الملاءة ، الأفخاذ .
      يتوعد النسوة بقطع دابر هذه النجاسة ، و إنقاذ الأرضالطاهرة من الشلل ، و العقم .. و على غفلة كانت ناعسة تخايله :" آه .. لو أتزوجكيا ناعسة .. يا بني ابعد عن الشر و غن له .. لست قدها ، هذه تأتي على بلد ، دون أنتبتل .. أهو عيب أن تكون مدردحة و صاحبة مفهومية ، ألا بد أن تكون حمارة .. إنها صدرد ، جامدة وقوية ، تتحمل هم الفلاحة ، و الصبر على العيشة الجافة .
      :
      تعاليا بهنسي .. تعال . عيناها تصرخان ، كل خلجة فيها تقول تعال . صحيح وجهها مكشوف ،ولا تستحي ، وعيناها تندب فيهما رصاصة ، لكنها جدعة و بنت بلد متعة ، وهي جاهزة ،لا ينقصها شيء .
      المندرة في الدور الثاني فارغة ، تنتظر من يعمرها .. تنتظر يا شيخ ...
      وهذا الأمر لن يكلف الكثير ، يكفي بيع عجلة أو خروفا .. المندرةعمرتها العفاريت يا شيخ ........

      كان قريبا من المنامة التي دائما ما كان يزيلآثارها كلما استوت . استلقى على بطنه . تحتضنه شجيرات الباذنجان . الشمروخ الذي خرج به من الدار ، على غفلة من الجميع بجانبه . عيناه تخترقان العتمة ، تصلان إلى شاطئ القناة الصغيرة على حدود الغيط . ينتابه فجأة خوف قاتل ، وهو يتصور ذلك العفريتالذي طار خلفه منذ أسبوع ، ولم ينقذه منه إلا الشيخ أبوه .
      داخله ذعر . يجري .. يجري . يغلق عليه المسالك . يحدو به أن يسرع . يتشبث بالشجيرات ، بالشمروخ . كأن ريحا على وشك اقتلاعه . خفتت حدة الخوف . خدره إحساس محموم . غاص معه .


      ناعسة ، بدنها الممتلئ ، عجزها النافر . أخوه المقتر الذي لا يعطيه حتى مصروفيده ، ولو لم تنفحه أمه بعضا مما توفره ، لما استطاع الذهاب إلى السينما .
      تعودالترويح عن نفسه كل أسبوع ، يشاهد فيلما لفريد شوقي ، أو أنور وجدي
      مازالبعينيه وميض الخدر الذي انتشى به . هذا الفخذ اللدن مازال ماثلا أمامه ، ينساب رقصافي الخمارة .. و هذا المعلم الذي أخضع الراقصة .


      ليلة اصطحب رمضان - جاره - كانت المرة الأولي لرمضان ، انشحط في ذراعه ، وانطلقا . بمجرد أن رأي رمضان قطارايهل في مواجهته انتفض ، وفزع محتميا : القطر .. القطر يا بهنسي .. القطر يا بهنسي". وصرخ . ضحك هو ، ضحك الجمهور : الفلاح أهوه .. وظل يجري .. يجري و بهنسي يلاحقه مقتولا من الضحك !


      أحسبهسيس . انتبه . أرجل تدبدب ، تقترب . القمر في السماء يستدير قرصه ، تقبله غيمة وسحابة تلاطفه ، تمتد شعاعاته فيرى من مكمنه كل شيء ، ويسمع كل شيء .

      :
      " لازم يكونفيه حل".
      : " و إيه اللي في إيدي يا بنت الناس ؟".
      :
      " أصلك ما سمعتش الكلام اللييسمم البدن كل ساعة و التانيه".
      يخترقان القناة الداخلية ( الزاروق ) فيانحناءة ، يختفيان ، يبسطان بعض عيدان القش ، عليها الملاءة السوداء .
      :
      " أمن أجلهذا العود المسوس تغامر يا بن الناس ؟".
      انطرحت . حط فوقها . علت أصوات لهاث ،آهات نشوي ، انفعالات . يرى حركة الجسدين بوضوح . اختلج غضبا .. حنقا .. رغبة . الرغبة تلهب كيانه ، تتنامى . يلتوي جسده تحت وقعها ، يحتم ، ينهض فزعا ، يقبض عليشمروخه جيدا ، يتقدم ، يدنو منهما ، يهوي به على رأس الرجل المحموم . انقلب هامدا ،يتآوه ، كأن صاعقة حطت به . اتسعت حدقتاه ، همدت أنفاسه . شهقت المرأة ، صرخت ، أدت صرختها :" جوزي .. و رب العزة جوزي ياخويا".
      تتزحزح للخلف . بهنسي يدنو منها . تتزحزح ، تحتمي بالجسد المغدور . يحكم قبضته علي فخذها ، يعتليها . تنتحب ،تنتحب :" و النبي .. أنا في عرضك يا خويا".
      لا يسمع شيئا . تتوسل . وهو سادر لايني ، يطفيء نيرانا تأكل جسده ، يحتويها ، يقلب فيها .. تلاشت أصوات التوسل . يلهث . غابت أنفاسها .
      مخدرا يحاول إنهاء اشتيهائه متناسيا الدنيا من حوله ، حتى أنهما أحس بسلاح المطواة وهو يخترق أحشاءه!

      أغسطس 1986











      توق إليها


      هناك : حيث الجبل و نقمة الرمل ،وحشة الانتظار للخروج من الطوق ..نبراتها تخترقني ،تزحف ،تلتوى ،تلتف على كل جسدي ..حتى الرأس ؛فتلاعبت بين أرقي ورقة ..وقلم ظامئ ،
      دأب على رصد مهمات الجنود ،على وضع أصفار كثيرة،
      أرقام بلا نهاية ،أثاث ..ملبوسات ..مفروشات ..أسرة .. خسائر ..استهلاك .
      الآن يتحرك الصمت قيظا .
      :
      عمي وصديقي الذي كان أستاذي و معلمي
      سلاما و حبا رغم أي شيء ......
      .............................
      ............................
      ..........................
      .....................

      مترددة مابين شغفي ،وخطر تخشاه .عيوني تسرق انتباهتها ،
      فتسيل في ضلوعي ..عذبة .في أذني صهدا .. ووجعا
      قال : .. إلي أين ؟
      نعم يدري برصيده لدي .. لديك
      قلت : أتسوق
      قال : من أي طريق ؟
      رغم دهشتي لم أخن صدقي .
      عندما دنوت من هناك .. لمحته بقلقه ؛ فانزويت !
      لا تخيب ظني حبيبي ، لا تقتلنا !
      غرقت في وجعي ،بينما نقمتي تشدو لحنها الخالد ؛ دون جمهور سوى الرمل و الخيبة !

      حين أتت بعد موت ،تأملتني ، و الصمت يرسم تباريحه على وجهها الأسطوري .
      :
      لم أستطع !
      :
      حذرتك ؟
      :
      لم أطمع فيما ليس لي ، ما تمنيت ما كان لغيري .. و أنتِ كل ما لي ، الغنى الذي ينسف فقري المميت .
      قبلتني ، و اختفت في هزيمتنا ،و اختفيت في بزتي و كابي ،
      ثم في جسد شاطرني جسدي . روحي في ترحال وشهادة ،
      تبحث عنها في كل الدقائق و الدروب ،تتخبطها الخيالات و أشباه الحقائق ،حتى نال منها كيد الوقت ،وتاقت للنهاية .. كطريق تأتي بها !


      هي خطوة لا أكثر ،عبرت بها باب الدار ..بلباسي الميري .
      قبل أن تحيطني الأبدان ،التساؤلات ،الصراخ . ما بين العم الكبير و الجدة .
      :
      قل لنا كيف ستقتله ؟
      :
      أي عاق أنتَ ، أليس من خاطبت عمًّا لك ؟
      لم أنطق ،فقط أتأمل .. قبل أن أخلع وجهي الطيب ،تتحرك كل نوازع القهر في هذا البيت المعتق الظلم و الظلمة .
      :
      حين تأتي سأفضحها أمام الناس ، أوصل بها القبح ، حد الوقيعة بينك و عمك ؟!
      هنا ارتعدت ..هنا صرخت ..
      هنا لم أحتمل كلمة أخرى تمسها ؛ فأفسحت الطريق لجنوني ،
      و إلي آخر نقطة تسكن الدم !






      أسطورة فرط الرمان
      " من أوراق عاشق مجهول "

      شياطين
      كانت العتمة تضرب استدارة القمر ، تطاردها بلا هوادة ، من بقعة إلى أخرى ، و محدثهينفخ في نار علاها الرماد ، يمدها ببعض الشرر، و هو يكاد يلتهم مبسم النارجيلة بشفتين غليظتين .

      الدخان يلفهما، فيقطعهماعن المضارب التي تسبح في عتمة السكون ، والليل .
      لايدرىكيف لف حول رقبتهثعابينه و حياته ، جعلهفي حالة اهتراء و تهتك ، ما تعرض لها من قبل ، لكنه يدريهاويعيهاتماما . تركهفي البراح ،يطارد " فرط الرمان" غجريته الأسطورة ، فيهو فيهم ..كيف وقر في ضميرهأنه يعرفهامنذ قديم ، ولم تكن حكاياه عنها ، سوى نبش في الرماد .." فرط الرمان " اختفت فجأة ، حطت بكل من حلم بها ، في وحلة غيظه ، نقمته ، حساباته ، لايدرى أحد متى خلفته ، وأين ، لم كان بعدها ؟ و كل هنا يتمسك بها ، يطلبودها ، كأنها حصن ومنعة ، حتى وهى منيعة عليهم ، وعصية !

      كانصوت "ريح البندق" يعلو بين وقت وآخر ، كأنه يأتي من السماء والأرض ، يترددصداه في كل المدينة ، الغيطان التي تحف بالمضارب ، بينما يتهامس أنين " ناب الفيل" فيتهاطل المطر ، كأنه شتاء في غير موسمه ، له رائحة البراءة ، وسخونة الفراق !

      تشاغبهأضواء المدينة من بعيد ، تلك التيفرمن ضجيجها ، وأنفاس التوحش التي تدب في أوصالها ؛ فالليلة يعلن على الملأ ،من سيعتلي سدة العرش في المدينة ، بعد أسطورة النيابة عن الشعب ، و التفننالذكي الذي أبدته الأحزاب المتصارعة ، مرة بالأموال ، ومرة بالرصاص والسنجوالمدي وركائز الخيام ، و تحريك الكامن في العشائر وأهل السطوة ، بل والسيطرة على رجال البوليس ، و اللعب بلا حياد لصالح حزب بعينه !

      فجأة علت طلقات رصاص ، تهادت في قوة ، ترامت في الفراغ بلا توقف ، بينمااصطخبتقهقهات الشيخ ، و كحاته المثقلة الأنياب .. هنا خرج عن صمته المقيت ، وهويترنح ، يتراجع بجسده : اللعب عندكم فاق لعبنا ، كنت أظن أننا شياطين لايبارينا أحد !! ". بينما رائحة البارود تجلد المكان .


      جمر لا ينطفئ
      "فرط الرمان "، قطعة جمر تشكلت كيانا لامرأة، فأنضجتها هي البنت التي لا يعرف لها أحد عمرا ، تتهادى كغواية مجنحة ،كأن في ركابها ألف عفريت وجني، تأخذ الأمكنة التي تعبرها لون ملامحهاالصاخبة ، فتشتعل، تدب فيها الحرائق . تتعالى ألسنة اللهب ، و لا تصاب بالخمود أو الوهن،بلها تطارد رحيقها ، تتمايل ؛ فتصرخ أشجار السرو والصفصاف ، تحلق كفراشات ،تحتضن جمرها .. حين تتباطأ عنها ، تقف "فرط الرمان "، باستدارة غرائبيةلإله إغريقي ، تنفث الحمى ، لتشتعل المضارب .ترتفع كميان التل ، ثم تقهقهمتفسخة ، وتحط متناثرة كغبار .. في الليل يسمع بكاؤها ، كصدح اليمام البري ،فيثير دهشة و استغرابا وغربة لا حد لها ، مما حير الجميع ،ودفعشكوكهم إلى الطعن في نسبها ، أصلها و فصلها ، فهذه الخرافة كانت ابنة لـ"صحن العسل" ، أو كما يطلق عليه الجميع القمر ، من زوجته "رمال الندى"،البلانة الشهيرة التي على يديها اختلجت المضارب.. عششها ودورها ، بالصبيان والبنات ، وأدخلت الفرحة كل القلوب ، خاصةالفتيان و الفتيات .. صرخوا بقذف "رمال الندى" بإفك برعوا في رسم ملامحه ،فادعوا معاشرتها لجني ، و حملها منه ، بل زادوا وعادوا في الأمر ، و غالوافيه ، و أبحروا ما شاء لهم .. بعد سنين طويلة شاهدوها مشنوقة على شجرة سرو ،ممزقة الثياب و اللحم، فحطت اللعنة على المدينة كلها ، وعموباء ، حصد الكثير من الرؤوس ، كما تكفلت جيوش الغازي الإنجليزي بالرؤوس الباقية !


      خارج الذات
      كانلاختفاء " فرط الرمان" وقع الصدمة ، في كل المضارب ، بل و تعدى ذلك حضرالمدنية ، الذين كانوا لا يقلون عن غجر المضارب رغبة في الاستئثار بها ،التطاحن حد الموت في سبيل نيلها ، و الارتباط بها.
      كانالتوقيت غريبا ، ومضللا ، مع ذلك لم يمنع حضر المدينة من الهرولة ، والركضبحثا ، مخلفين الانتخابات الدائرة ، كأنها لا تعنيهم من قريب أو بعيد ،وقد أحسوا بخسارة فادحة لغيابها ،فأبحروا في ليل القرى ، قاع قاع البحر،الأنهار الجارية ،العزب و الكفوروالنجوع ، قلبوا الأرض بحثا ، علىرؤوس أصحابها ، ولم يعودوا خشية الشعور المؤلم بالخيبة وانكسار الخاطر ، وربما ليقينهم في أن وجودها كان مهما في مثل هذه الظروف ، وكان من شأنه تغيير الكثير من الأمور ، التي تؤرقهم بلا استثناء !

      إلي قاع الوقت
      قطع عليهماخلوتهماصوت " ريح البندق" ، كان عواء صاخبا هذه المرة،يقترب منهماريحا عاصفا تلفحوجهيهما، تزوبعهماغبارا ، تطيرهمافي المضارب كأوراق شجر جافة ، ثم تخلفهما، وقد انقلبت النار ، و تدحرج الشيخ بشكل مؤلم ، كأن هناك من يصارعه ،ويسدد له طعنات قاتلة ، ثم خمدت حركته تماما !
      كانتناثر بعيدا ، و عندما سكنت الريح و العواء ، زحف مقتربا من الشيخ ، وقد أصابهالهلع ، لا حركة ، لا صوت ،يقلب فيه ، ليس إلا ملابسه ممددة ، و لا أحد داخلها !
      كاد يجن ، لكن الليل و الحدث ، أرغماهعلى التزام الحذر ، فسكن مكانهلايبرحه ، محاولا كشف غياهب الأمر ، وحقيقة ما تم و يتم!

      يتحركزحفا .. خطوة ويتوقف،يحدقفيما حوله. كان الليل و السكون ، ليس إلا أنين " ناب الفيل" خافتا ، لا يتوقف .. وهو يزحفوويتوقف، وقد أخمد برغمهكل تفكير ، إلا أنيبرحهنا سالما ، ولعنة بداخله يقمعها، تخص هذا الهوس بالحكايا ، و القرب من الناس؛فما أجدبه، و أقحل خياله!

      أوغل في الزحف و الحذر ، فجأة اختفت الأرض من تحته، هوي في سحيق معتم، كأنه سقط من سحابة ، لايتوقف .. بدا نور قوي يغشي العين ، و رائحة عبق ياسميني .. بلا وزنيتهادى،يدنومن بحر أو سطح زجاجي، لايدري .. كل مايدريهأنه تعلقت بسدرة !

      السماء تمطر زجاجا
      حين ضيقوا عليها الخناق ، أحاطوا بها ، و قد تفنن كل منهم،في تأكيد وجوده ، قدرته على سلب لبها ، إبهارها ، بشتى أنواع الحيل ..وكانت نفسها تتوق للتحرر ، فما أحبت واحدا منهم ،ما رغبت إلا واحدا .. و لن ترغب سواه . ما عاشت و كانت !

      المهرجانصاخب ، لا ينفض و لا ينتهي ، و السامر حتى حدود السماء ينهش روحها ، فماكان منها إلا أن تحركت ، فاشتعلت نارها ، أكلت ملامحهم ، بينما هم لايتحركون كأن مسا أصابهم ، حتى أتت النار على الكثير، بينما الصرخات تتعالى ، الأنات تملأ المضارب ، الأشباح تتحرك ككتل الجحيم.
      كانتتضحك ، فتزيد النار قوة .. هنا أحست بخسف ما تفعل .. في لمح البصر خلفتلهم المضارب ، اختفت .. بينما كان " ريح البندق" يصرخ بتهافت عجيب ، وهويجذب خيوط غزله ، ويعود يرخيها ، ثم تختفي تماما كأن لم تكن ، تظهر بيضةبكفه ، بالآخر حجر.. و " ناب الفيل" يئن ويعض أصابعه ، فيموت الشجر عصفا،وتهطل السماء زجاجا !

      البكاء على اللبن المسكوب
      كانالحاكم الجديد يؤدى اليمين ، حين كان الرجال يعودون من رحلة بحثهم بخيبةأمل ، نالت منهم جميعا ، وأشعرتهم بعار ما بعده عار ، فانزووا في دورهم، يبكون ما آل إليه حالهم، كأنهم كانوا يلهثون خلف شيء لا وجود له ، عن حلم خامر صدورهم في ساعات نومهم و يقظتهم، و هاهم يصحون منه ، محملين بيأس عتيد ، ومرارة لن تفارقهم ، زادت لذعاتها حين طالعت عيونهم ، الحاكم الجديد من خلال الشاشات !

      ناب الفيل" حين طالع وجه الحاكم ، تهلل ، و ارتفع أنينه ، فاهتزت عشش الغجر ، خانتها الأرض؛لتعلو صرخات من بها ، بينما هو يأخذ طريقه إلى قصر الحاكم مباشرة ، و هو يهذي :" بني ريح البندق.. ابني".

      ليس من بد
      حين عادمن موته، كانت أمامه .. شعر بها تسكنه، أنها تتحرك داخلهبكامل حريتها ، كما تتحرك أمامهالآن ، تاهعن نفسه، و عن العالم ، كأنه الحلم يزوره، وبكامل بهائه ، و هي تبسم كأن وجدا في السماء هبط هنا ، ثم مدت ذراعها ، جذبت شعر رأسه، كأنها تخلع منه شيئا ، عادت كفها تحمل كائنا .. يا ربى .. إنه الشيخ .. الشيخ .. ما الذي يحدث :" شبّعكم بي ، حتى كدت أعشق وجوهكم ، و ألوانكم .. لكن ما وجدت من يأخذني لنفسه ، يغتصبني مني ، أكون له ، معشوقة ، يموتلأجلي !".

      كانت المفاجأة أقوى من احتماله، أقعيأرضا :" أيها الشيخ .. ألم تقل .. احترق الكثيرون بجمرها .. ألم تقل .. لا تتركني أهذى ؟".
      عدللباسه ، وهمهم :" ماتوا على بابها ، ماتوا في الشكل ، وليس الجوهر .. وكانت وسيلة .. وسيلة لأطماعهم .. كلهم تخاذل أمامها .. كلهم !! ".
      صرخ مدبدبا :" لكنها في تتحرك .. تتحرك !".
      اقتربتْ :" ما الفائدة ؟ كان ريح البندق أقوى منك اقترابا ، لعب بحنكته فيما يريد و يطمح ..أقوى منكم جميعا بأسبابه وطريقته !".

      هنا لميستطعصبرا ،يهذي بقسوة ، ينهالعلى رأس الشيخ،و بقطعة خشب مدببةيفجر دمه :" كنت تتلاعب بي .. كنت لعبة أنا .. و أنت تمارس على عجزك .. مت الآن .. مت !".

      ينحدر شلال ماء ،يجرفه على حين غرة.يناديها : " فرط الرمان". لا من مجيب .ينزلقبقوة .الماء يغمره.يشهق ،يكادينتهي،يسقط من حالق .. الموت الآن إذًا .. وهولايريده .. نعم طلبه تمناهكثيرا ، لكن الآن لا .. سبح بجسارة، بإرادة عجيبة ، سبح عكس التيار متجها صوب الشاطىء ، حين اقترب من جذع شجرة ، تقبل فروعها وجه الماء ، كانت تملأ الوجود أمامه، ببسمة أحدثت سحرا ، فتناثرت نارها . قبض عليها ، دنا . نفثت نارا كالجحيم . خاضفيها . كان الألم رهيبا ، لكنها كانت تستحق ، و كان لا بد أنيصل إليها!

      " بداية القصة "
      تجدونها في المخطوط اللاحق ( ... ) المتن و الهوامش!
      تل الواقعة * في الرابع عشر من هاتور1700
      عاشق فرط الرمان!
















      *
      أحد أسماء المحلة الكبرى قديما
      الموت قهرا

      لا يدرى أي صدفة ،أتت به ؛ليعيش هذا المشهد ،حين تقدم على أطراف أصابعه ،في صالة الشقة ،التي لا تحوى سوى غرفة واحدة ،يرى بعينيه ،و يسمع ولده البكري ، يصرخ بإخوته ،وهو يطوق خصر أخته :"
      هيا اصعدوا للسطح ، و اتركوني قليلا ،أريد أختكم لبعض الوقت ،و لا تنزلوا حتى أنادى عليكم".
      تماما كما يفعل حين يرغب أمهم!

      بهدوء شديد ،عاد إلى باب الشقة ،ضغط الجرس ،فهللت البنت ،أسرعت بفتح الباب ،طوقت والدها .حملها ،دخل الشقة .
      الأولاد يحيطونه ،بينما أخوهم الأكبر بداعند باب الغرفة بوجه حائر !

      بإيحاء من صديقه الوحيد ،كان يبنى ،يؤسس مدنه برؤية جديدة ؛فيطالب الأولاد بصعود السلم ،إلى السطح ،مستبقيا الأكبر معه .
      ثم في ليلة أخرى يستبدله ،متعمدا حكاية ما ،ذكية ،و في صميم ما يريد تأكيده !
      وفى ليلة أخيرة ..أمام الأولاد ، رمى على زوجتهيمين الطلاق ، و هم يصرخون ،بينما كان ينصرف ،ممزقا ، و هو يدري تماما ،لم فعل !!

      بعد شهور من مغادرته مسكنه ،ألقي القبض عليه ،بتهمة اختلاس و تبديد عهدته ،وحكم عليه بالسجن ،بعد أن رفض ، و بإصرار عجيب ،أن يدلهم أين خبأ عهدته ،أو كيف أضاعها !
      بكى كثيرا ،طيب خاطر الخيالات ،و الأطياف التي زرته ،في تلك الساعة ،و من بين حزنه ،كان يضحك بمرارة ،يلتوي على البرش نائما ،بوجه يملؤه الرضى !

      كان المبلغ الذي أتهم باختلاسه ،يقدر بمائة ألف من الجنيهات ،وهو نفس المبلغ الذي دفعه أخوالزوجة المطلقة ،ثمنا لمنزل تسع حجراته الدافئة الأولاد ،إلا حجرة واحدة ،كانت تعيش في برودة ثلح الوحدة ،تمارس الإنهيار اليومي من وقت ،نبت هذا الجنون برأسه ،ووافقته عليه ،حيث قاده للسجن ،وقادها إلى حلم ،ما حلمت به .. مع الثلج !

      أخبار الأولاد كانت تعينه ،على مزيد من جسارة الاحتمال ،
      تشرق في وجهه شمسا ،فينز عرق بهجته ،وهو يرى ،مشهدا عجيبا ،لو أنه لم يفعل ؛لاستحق لعنة السماء و الأرض ،ولمات قهرا من هول ما قد يرى!

      في فجر يوم عقب زيارة لقريب من أقربائه ،فوجئوا به ،
      يتأرجح بحبل يتدلى من سقف الزنزانة ،وكان الرعب و القهر ،والمحققون !
      لم يصلوا لشيء ،حتى حين استعانوا بأهله ،ومعرفتهم بأمر مطلقته ،حاضنة أولاده ،زوجها الذي كان أقرب أصدقائه ..
      خير معين حين اصطدم بمشهد ما قبل الرحيل !











      رقصة عند الفجر

      حين أبصروه
      تلاعبت ألسنتهم
      كأنهم كانوا طول الوقت يبحثون عنه
      كم وشى بهم وفضحهم
      ولمتثنه حصته التي نالها منهم
      بله في كثير من الأحيان
      كان هو من يرسم لهم خارطة سرقاتهم

      في لمح البصر جهزوا آلة تصوير
      وكأن ما برؤوسهم توحد في لحظة
      كلهم اتفق على سحبه إلى المقابر دون كلام
      و إذلاله هناك
      لن ينتهوا عنه حتى يصبح فيلما تحت رغبتهم
      يمنعه عنهم إذا ما عادت إليه قوته
      التي خسرها تماما و بغباء خلال ثورة التحرير

      تحسسوا خطواته بمهارة
      حتى أوشكوا على الإطباق عليه
      لولا عينه الخبيرة التي رأت حجم حصارهم
      فركب ريحا أخفته على سطح أحد البيوت
      وظل هناك بين احتمالات لا تقف عند حد
      و لا تهدأ
      هو المخبر الأكثر شهرة في المدينة
      من كانت له السطوة في أحداث أبريل الشهيرة
      و غيرها من المواقع يصبح هدفا سهلا لهؤلاء الشياطين!

      اقترب الفجر
      وانشق صدره وجعا
      وارتكبه جوع كافر أثار مغصا و ألما
      فحملته قدماه الخائرتان
      لتطل عيناه
      تجوسان في العتمة
      ليرى المدينة من بعيد مضاءة تتهللها فرحة النصر
      و الصمت يرسم أسفل البيت ضحكة متآكلة
      تسخر من خوفه وملابسه المبللة بالبول و العرق

      عندما كان بحذر يغادر البيت
      على خف الخوف يتحرك
      و أصوات بعيدة تنتهك ما بقى من تماسكه
      كان الشيخ نوح يتجه صوب المسجد
      فجأة علا صوته : وحدوا الله يا عباد الله
      فسقط المخبر الأكثر شهرة على الأرض بلا أنفاس
      بعد قليل تحلقته كلاب الحي التي خرجت
      عن بكرة أبيها من الحارات
      لتوديعه في رقصة غريبة
      صورها أحد المارة بجواله الخاص!

      sigpic

      تعليق

      • ربيع عقب الباب
        مستشار أدبي
        طائر النورس
        • 29-07-2008
        • 25792

        #4


        ذات أرق

        طالت الحيرة بورد ،اعتراه ضيق ، وفزع عجيب ،وهو يبحث عن سبب مقنع ، لتصرفأمه المفاجئ ، و نقل مرقده إلى الدورالأول من سريرهما .
        ومما زاد الأمر عجبا ، عدم اعتراض أخته ،أو حتى الإدلاء بكلمة واحدة ، ترضى حفيظته ،بلها ظلت على حزنها القاتل ، الذي يلازمها منذ أيام !

        حين جرؤ على سؤالها ، لم يجد سوى ابتسامة مغتصبة ، و ارتباك بدا واضحا على قسمات وجههاالحبيب : أبدا .. مجرد تغيير .. لا تشغل رأسك حبيب ماما .

        المدهش أيضا أن والده الذي يتدخل ، في أخص الأمور ، و أتفهها ،حين كانت الأم تقرر ذلك ، لم يعترض ، بل أنه انسحب في صمت ،بوجه يمتلىء بالنمش و الانكسار .

        بعد قليل كان الصوت المكتوم ، يتردد كالعادة ، من داخل حجرة والده .ولم تغادر الأم الحجرة ، إلا ليلا ،بوجه منتفخ ، يحمل آثار لكمات والده القاسية !
        بكى ورد ، وقبل رأس أمه مربتا على كتفها :"أما لهذا الموت من آخر يا أم ورد ؟!".
        برغمها مسحت آثار الحزن عن دمها ، و ابتسمت متهللة بافتعال
        واضح :" كل ما عليك أن تنتهي من دراستك أنت وأختك".

        ذات أرق أبصر قدمين تتحركان على أطراف أصابعهما ،
        متجهتين صوب السرير ، ثم توقف صاحبهما قليلا ،متأملا في جثة أخته النائمة ، في الدور الأعلى .
        أحس بارتباك ، و اهتزاز هيكل السرير ،فانفلت تماسكه ، وخرج عن صمته :" من .. من هنا ؟".

        نط صاحب القدمين مبتعدا ، مزلزلا ردد :" أنا .. أنا .. لم لم تنم ؟".
        نال منه الخوف ، هم معتدلا كلص مداهم :" أمرك يا بابا .. أمرك".
        خلفه دون كلمة أخرى ، لتمتلىء رأس ورد ، بما لا طاقة له به ، ويدرك أن في الأمر سرا ، و لا بد من كشفه!


        ظهر مجددا

        كنت وقتها أتعجب ،من أمر أطفالي ،و أتساءل : من فعل هذا بهم ؟
        كان كل منهم منصرفا ، مع سندويتش ..أو زجاجة ماء ،أو مصاصة ، يتشدق بها ،في تلذذ و ربما متعة ، و كأنه يدري ما بي ،فيمعن في التنكيل ، و يلقي النفاية ،في ذات المكان الذي يشغله.. حين جاءني صوته ، يلحن مارشا عسكريا ،و يهتف بقوة عجيبة تحية للعلم .
        أسرعت إلي البلكون ، منفلتا خارج الفصل ؛لأرى أمامي رجلا ، يرتدي ثياب الكشافة ،و في تشنج يحيّ العلم ما يزال ،ثم يدندن موسيقاه..و بنفس الخطوة العسكرية يستدير،ثم يلتوي قاطعا فناء المدرسة ،لمرات بأريحية عجيبة ،و تبختر ما.
        من بعد يعلو سبابه بالانجليزية ، و بلغات أخرى ،تصاحبه بعض الحركات البذيئة ،قبل أن يندفع رافسا قافزا ، خارج حدود الرؤية .تعلو همهمات الزملاء و الزميلات ،وربما ضحكات و همسات : " زكريا .. ظهر مجددا ".
        لم يخل الأمر من إحساس بالقهر،و التأسي ، وربما بتحسس الذات و الأجساد !
        و أنا نهب حالة ذهول ، و إغراقفي تفسير المشهد ، حتى أني لم أفطن إلي اقتراب أحد الزملاء ، إلا حين كانيردد :" كان معلما مثقفا ، و مصدرا هاما لمعلوماتنا خلال سنوات ، قبل أنيتمكنوا منه".

















        رسالة أخيرة

        عاد ثانية ليكمل رسالته إليها ، بعد أن سمع صراخا يتردد ،
        فتركها ليرى ما يتم .. كان أحد المصابين في نار جنونه :"
        نعم .. سوف أحتضنك كطفل ، أنفق الوقت الطويل ، الذي تكونين فيه معه ، فيالتسلي بما كان هنا منذ قريب ، و أوهمتني طويلا .. دائما ، ألا شريك لكفيقلبي و روحي ، سأتواطأ معك على روحي ، أدعى أمامها بصدقك ، بأن الأمرطبيعي ، و لا حاجة لمدية أو مسدس ، أو قبضة يد خانقة ، سوف أخترع لهالأعذار هو الآخر ، فهو لا يدرى ، لا يقرأ بكائي فيك ، و ربما أخشى عليه ،حين تلقين به ، و تخرجينه من وقتك ، إن عاجلا أم آجلا ، أن يكون أكثر جنونا، و يكون قلبه ما يزال في موضعه ، فيبكيك ، و لا يجد منى قلبا يسع بكاءه ،أو يدا حانية تربت حزنه".
        دوت صرخة ، فترك الرسالة ، اندفع إلى الداخل ، كان الصغير يتألم من حروقه .. ربت عليه ، أعطاه الدواء ، عاد ليكمل :"
        وقتهاسوف أكون قريبا منه ؛ لأقف في وجه حزنه ، أغير الطلقات في مسدسه بأخرىفاسدة ، وربما سرقت مديته التي يعدها للمشهد الذكي ، أو طعنته هو ؛ لتظليفي تحليقك البهي ، لأنني لا أتصور غيابك ، إلا بموتى !
        علىّالآن تناول الدواء ، ليس للمعدة هذه المرة ، لكن ، ليساعدني على احتمالوجودك أمامي ، و أنت معه كل هذه الساعات ، ولا أعود لتسويد الأوراق بنفسالحديث ؛ الصدر لم يعد قادرا على تحمل حرائق من هذا النوع ؛ فمنذ أيامأشعلت الكثير منها ، هنا ، أتت على كل شيء ، كتبي و أوراقي ، أيامي ، بعضثياب ، وبعض فتات حياة ، كانت على وشك التهام صغاري ، و يا لفرحتي .. ظلتأشياؤك كما هي ، لم يمسسها ضر!
        مع تمنياتي بقضاء وقت ذكي معه ، تأكدي أنى أرى كل شيء ، أرى عريك ؛ فأرجوك تحشمي قليلا لأجل خاطري ، و لا تبتذلي نفسك .. أرجوك "
        أغلق الرسالة ، وهو يبكى بشكل هستيري ، وضعها في المظروف ، كتب عليه اسم المحافظة ، ورقم صندوق البريد ، الاسم ، ثم دسها في كتاب !
        في اليوم التالي فعل نفس الشيء ،حتى امتلأت كتب مكتبته برسائله ،التي لم تغادر المكان ،
        رغم علمه بأمر هذه ، التي خلفت معه الكثير من الضحايا!
        يونيو 2008


        حلوى
        إلى روحه و روحها الطيبة

        جاءتني مديرة المدرسة تخفي شيئا ما خلف غضبها ،وتشكو من صغيري – الضيف المستمع - الذي أهانها أمام زهور البستان ، و لميحترم فيها كونها في منزلة أمه أو جدته ؛ فبمجرد رؤيته لها ، ارتقى مقعده ،وصعد فوق الدرج ، وهتف : قيام .. تعظيم سلام".مما دفع الزهور للضحك و التهليل ، فانتثرت فراشات تحمل الرحيق!
        طيبت خاطرها ، وناديته بعد انصرافها ، وطالبته بتفسير لما وقع منه .أشار إلىّ أن اقترب ، فقرفصت أمامه :
        ماما نوال عندها حلوى لذيذة يا أبي !
        بافتعال : وما دخل ما فعلت بالحلوى ؟
        عانقني : ألا تر كم أحبها ؟!
        خلصت ذراعيه ، و درت : لا أفهم إلا أن عليك أن تعتذر".
        فانطلق صوب حجرتها ، وطرق القلب بحذر ؛ فانفتح له : وماذا ستفعل هنا أيضا ؟
        دنا منها : قال بابا ، رح لماما نوال ؛ فقد اشترت لك حلوى كثيرة !
        لمته بين ساعديها ، و أمطرته بحلوى من صنف لا يباع!

        مع سبق الإصرار

        : "عندي امتحان ، وليس من وقت أمامي ؛ لأستقل أخرى .. ممكن أقعد جانبك ؟".
        ما تصورت حين غادرت الميكروباص ؛ رحمة بهذا الشابالذي توجه إليّ راجيا ،
        أن تقبض علىّ يد قوية ، و هي تصرخ :" حرامي .. أليس حراما عليك ؟ هات ما سرقت".
        كانت المرة الأولى في عمري ، التياستخدمت فيها نفوذي و معارفي ، في إنهاء مهمة ما ؛ فحين اختنقت من الزحام ،و أنا أطالع الرقم الذي أعطيت ، محددا كم من وقت علىّ أن أنتظر دوري .. هنا أسرعت بالمغادرة ، قاصدا قصر الثقافة المواجه للبنك تماما .
        كان لا بد من إيداع المبلغ ، حتىيتمكن ابني الصغير ، من دفع إيجار شقته الشهري بالقاهرة ، و بالتالي لاتكون عودته متعسرة ، في أي وقت شاء .
        اقتحمت قصر الثقافة ، و أنا لاأعول على شيء ؛ فكثيرا ما يكون صديقي مدير القصر خارج المبني ، إما في خطسير رسمي ، أو في منزله لم يزل ، و خاصة و نحن مازلنا في ساعات النهارالأولى .
        كانت مفاجأة كبيرة أن وجدته في مكتبه ، و بشرى طيبة في كل الأحوال ، حتى و إن أحجمت عن مكاشفته بالسبب الحقيقي الذي أتي بي .

        لم يستهلك الأمر أكثر من ربعالساعة ، غادرت بعدها منتفشا ، ممتلئ الثقة ، في نفسي و أصدقائي و الوطن ،الذي أعشق بمناسبة أو بدونها ، و على أن أطير امتناني لتلك السيدة التيرافقتني إلي البنك ، و المدير الصديق، ثم أتوجه عائدا إلي منزلي .
        كانت الميكروباص في حالة امتلاء ، فجلست على المقعد الخلفي للسائق ، ملاصقا للباب ، في انتظار راكبين لا أكثر .
        صعد جلباب طيب وهو يطير حنقه و زهقهعلى الركاب ، و يسوط الجالسين أمامه بكلمات شديدة القسوة ، و بلا مناسبة ،سوى أنهما يضعان على فخذيهما مفروشات وبعض الأشياء ، طغت على حقه قليلا فيأن يكونبراحته ، يتنفس ملء رئتيه ووركيه . عبرت سيدة بصعوبة ، و تحت نيرانلسانه ، أوقعت النافذة الزجاجية ، و دار لغط و بعض وجع ، حتى أعاد السائقالنافذة إلي موضعها .. في تلك اللحظة صعد الشاب مديد القامة ، بوجه مخطوف ،و طالبني بسعة ما ، حتى يتمكن من إدراك امتحانه ، فما كان مني ، و زهقا منتلك الحال ، أن غادرت السيارة ، دون تفكير في ظنون الناس ، و نظراتهمالداعرة !

        لا أخفي سرا ، أني فكرت بتسديدلكمات لوجهه الشره ، لكن نظرة واحدة إلي رواد مقهى المحطة ، كانت كفيلةبلجمي تماما ، إلي حد الاختناق ، و ربما كان خوف من أن ألصق بنفسي تهمةأدري أني بريء منها ؛ حتى و إن عثروا على الضائع في جيوبي .
        هطل العرق غزيرا ، تاهت أنفاسي ، وأنا أتخلص من الجاكت ، ناثرا كل ما معي من مال و أوراق أمام اللمة .. كلهذا يتم ، و بلا أي أثر على وجوه المتحلقين ، كأنني أتعرض لكمين من نوعغامض ، حتى أبصرت وجها مألوفا بين جموعهم ، يزيحهم بعيدا ، و يقف بين مابقى مني و بين الرجل : أنت عارف .. أنت واقف قدام من يا رجل ؟".
        عادت أنفاسي للانتظام ، والوجوهإلي الألفة ، و الاعتذار عن كل ما فعلت في هياجي ،أقعدوني على كرسي ، وأتوا بكوبي ماء و شاي ، بينما الرجل ما يزال على يقينه الغريب و العجيب ،يتزحزح إلي الخلف خوفا من التفافهم حولي .

        سوف يظن الطيب ، أنهم رفاق طريق .. هكذا فكرت ، فطاردته قائلا : ليس أنا يا طيب ، ابحث عن مالك إن كان فعلا مسروقا ".
        لكنه على ما أعتقد ، و ما رأيت غير مقتنع ، و يبدو أنه سرق في مكان آخر ، و أني كنت فريسة لفريسة .
        ساعدني الجميع في ركوب سيارة أخرى ، بل و طاردني أحدهم بكوب الشاي الذي خلفته .
        تحركت السيارة ، ودمي هناك فيالمكان ، يبكي المشهد الغريب ، و هو يسائل مارة غير مرئيين : إلي هذا الحدتبدو على وجهي أمارات اللصوصية ؟" .
        حين ترجلت في محطتي ، كان مجرد إحساس أنه يتبعني لم يزل ، و بنظرة غصبت عليها عيني ، كان بالفعل خلفي .
        توقفت لأنهي الأمر ، و ليس بداخليذرة شر ، أو نزوع إلي تجديد ما سبق ، فعرفت أنه محض محتال ، يبحث عن ضحية ،حين أخبرني أنه يسكن في الطرف الجنوبي للبلدة ، و الطريق الذي ركبها لمتكن لتصل به هناك .
        مع ذلك لم يتراجع ، بل أنه بكى فيمسكنة و ذلة ، مما حيرني أكثر ، و الطريق قصيرة ، و مجرد مكالمة بسيطة قديكون فيها أحد الأولاد ضحية هذا المعتوه الطيب .
        لم أجد بدا من إنهاء الأمر ؛فإصراره على مرافقتي إلي بيتي ، لن يمر بسلام ، لا عليه و لا على من سيتعرضله ، من الجيران أو الأولاد .. و عليه توقفت أمام حانوت جزار، و كأننيأستنجد بمن فيه : " أتعرفونني ؟ ".
        :"نعم أستاذ .. عزَّ المعرفة ".
        : " هذا المعتوه الطيب يتهمني بسرقته ... ما رأيكم ؟".
        و لم أتوقف .
        عند منعطف الطريق حانت منيالتفاتة ، أو أرغمت نفسي عليها ؛ فلم أره ، و لا رأيت نفسي إلا كائنا غريباعني تماما ، يعارك حصى الطريق ، وعلى استعداد لالتهام أول كائن يقف أماموجهه ، ثم فجأة أسقط في نوبة من ضحك هستيري ، عدت بها حيث تركته هناك علىعتبة القصاب .
        أخافني أني لم أجده ، فبادرت صاحب الحانوت :" أين الرجل الذي تركته هنا ؟".
        بعدم اكتراث وهو يكسر بساطوره عظاما :" أي رجل يا أستاذ ؟".
        :" الرجل الطيب الذي كان معي حين مررت بك ؟ ".
        :
        " أنا لم أرك اليوم إلا الآن .. تعال أستاذ ربما هناك خطأ ".
        : " يا معلم .. تركت هنا رجلا ، و قلت لك اتهمني بسرقة ، وتركته لكم ".
        : " ربما لم تتركه هنا .. تذكر جيدا ؛ فالبلد تزدحم بالجزارين ، اهدأ و تذكر".
        غامت الرؤية في عيني . فشلت في مزيد من الثبات ، تراجعت خطوات ، و أنا تائه تماما : أي عبث فعلت بنفسي .
        و أغلقت فمي ، أغلقت حتى ذاكرتي ، خوفا من ضياع هيبتي : أنا آسف .. ربما أنت صادق".
        لكنني حين كنت أنقل وجهتي للعودة ،لمحت شبحا هناك في البعيد ، يكمن كقط بري ، و يحاصرني بنظرات مكر ثاقبة ،فالتويت ناكرا ما رأيت ، و لا أدري كيف حملتني قدماي إلي مسكني !











        عناقيد النار

        حين عرض على الأمر ، لم أفكر كثيرا ، وافقته فورا ، و كان لزاما تعقبه ،حتى في لحظات راحته .. نعم .. كيف أكتب عن شخص لا أعرفه ؟
        درت معه في أنحاء القصر ، الذي يعيش فيه ، أتعرف عن حجراته ، و على التحفالمتناثرة هنا و هناك ، و أنا منبهر للغاية ، و إن كنت أعي ما أسير فيه!
        حتى تلك اللحظات التي كان يسترخي فيها ، و هو يمضغ قطع الحشيش ، أو الأفيون، و يتحدث إليّ ، كأنه يهذي .. لم يكن من حاجة لجهاز تسجيل خوفا من تفلتالذاكرة ، أو الزهايمر الذي بدأ يشاكسني ؛ فقد كان الأمر في غرابته فريدا ليظل قويافي مخيلتي ، بل أقوى مما تصورت !

        ربما كان من تلك الفئة ، التي تثير في الاشمئزاز ، و أبالغ في تحديها ، وتحدي أدواتها غير الإنسانية ، في ارتكاب جرائم جمع الأموال .. وجرائم الجنس، حتى وهو زوج لامرأتين ، أولهما ثابتة ، و الثانية متغيرة كما قطعالأثاث ، يشتريها كل عام ، أو كل بضع شهور ، بعد أن تكون أخرى هيجت ذكورته، التي يستطيع دائما استحضارها في حالة نفور دائم ، بفضل الأطباء الذييستدعيهم ، و الكثير من المنشطات غالية الثمن .. أردت بعض هدنة لأعرف .. فقط لأعرف ، ومن ثم أقرر ، أو يقرر الوقت ، أعود إلى مشاغبتي ، أم أكونبينهم محض كلب حراسة ، أو إمعة ؟ !

        لم يكن قد مر وقت طويل ، على مصاحبتي إياه ، حين بادرني :" ما رأيك .. معي دعوة في مدينة ساحلية .. أتحب أن تكون معي و ترى ؟!
        لم أتوان عن الإيجاب :" نعم .. دعني أعرفك بشكل جديد ؛ إنني أفكر في عمل أسطورة بك".
        بالطبع كانت الكلمات ، دعوة له ، على عدم التخوف مني ، أو معاودة التفكيرفي أمر مصاحبتي ، و إرخاء الحبل إلى أبعد حد ممكن ، و أيضا السماح لنفسيلكشف هذا العالم الغامض بالنسبة لريفي مثلي !

        وصلنا و الحفل في أوجه ، كانوا يحيطون بعامل نظافة ، أطولهم يلقمه قطعامعدنية ، و آخر يصب الماءفي فيه ، و ظلوا على هذه الحال ، و بين تصفيقالمحيطين ، حتىأتخم الرجل ، و هربت منه أنفاس الحياة ، فارتمى أرضا ، وسحب كرمة إلى الخارج . الموسيقى تؤدى دورها ، في الإمتاع و الصخب!
        كانت قاعة تشغل فدانين و أكثر ، مغطاة بالمرمر ، و القيشاني ، و العاجالطبيعي ، وربما بجلود نسائية ..و تمتد على حوائطها إضاءة فيروزية ، وكهرمانية ، و بعض المقتنيات التاريخية ، التي عرفت فيما بعد ، أنها جلبت منهنا وهناك ، من قصور القدماء ، وتوابيت الفراعنة !
        المدعوون يترنحون على مقاعدهم الوثيرة ، و لا تكاد ترى طاولة إلا و بها سيدة كملكة متوجة !
        كانت وصلة غناء و رقص ، لفتيات ما نالت منهن حكايات ألف ليلة و ليلة ، و لاكانت في جمالهن نساء ، القاعة غارقة في إضاءة نوعية ، لم أر لها مثيلا .. إلى حد أنى قلت : هل نحن في الجنة الآن؟ ".
        حدقني بنظرة ، همس ، وهو يبتعد عني : " لا تبعد .. تمتع فقط ".

        حين راحت كل فتاة ترفع عنها خفيف ما تلبس ، كانت القاعة تنغمس في البحث عن الأماكن الحساسة ، فيمن تجلسن حول الطاولات .
        كانت رأسي تحتشد بآلاف الأسئلة ، و آلاف المرارات ، و أنا أحرك رأسي كأنيأصبت بخبل أو جنون ، باحثا عن من يوقف هذا القتل ، الذي رأيته صغيرا ، حينشدتني فحولة المراهقة إلى مخزن تحت ألأرض ، حيث تجمع الشباب، و كانفيديو .. وكانت متعة الرؤية في ذاك الوقت !
        شاشات العرض تتناثر في أرجاء المكان ، وخيوط قزحية ترتمي على الوجوه ، وتفرشها بالخيالات و الظلال .. أشعر أن ما يميز المكان العيون ، كله عيونمفتوحة ، عيون لوحش خرافي ، ما طالعته العصور على اختلاف تنوعها وولاداتها!
        لم أجد رأسا فيمن يجلسون ، و لا قاعدا ، كل تهالك ، كل تعرى .. حتى أني ماعدت متيقنا ، أن هذا المكان ينتمي إلى بلد أعرف ، وهنا لم أستطع الاستمرارفي إمساكي ، قبضت على جسد زجاجة ، و في كأس صببت نقطتين ، مع ماء مثلج ،شربت . كان أمر معدتي يشغلني ، كنت مازلت أعي من أنا إلى هذه اللحظة ، التيبانت فيها الأثداء ، كأني ما رأيت ، و لا عاشرت امرأة ، و لا حتى قرأتشيئا عن أي شيء .. لم تسعفني الكأس .. كأن نارا من الحقد استعمرت كل كياني ،الدخان هنا له طعمة ، وبهاء ، ليس كدخان سجائرنا الذي هرأ معدتي ، و فتكبصدري .. النساء تتعرى ، الأرض تعوم في سحابة ناعمة ، شفافة ، طرية ، ترىفيها كل ما يدور ، كأنه عالم آخر ، لمكان تحت الأرض ، فتنالك الدهشة ، وتقتلك المفاجأة !
        و أنا أبحث عمن يوقفهن .. الصخب يعلو .. يعلو ، يطغى على كل شيء ، والموسيقى تتهادى في نعومة قطرات ندى مذابة بنسائم ليست من هذا العالم بأيةحال!
        تظهر امرأتان ، فارعتا الطول ، قويتا البدن ، تتبختران ، و تأخذان بساقييإحدى الفتيات الراقصات العاريات ، و تقلبانها ، و تفسحان ما بين فخذيها ، وتقومان بإفراغ زجاجات الويسكي واحدة بعد أخرى ، و الصخب يعلو بشكل فوضوي ،ورعونة مالها حدود ، و لم تتركنها ، حتى انبثقت من بين الفخذين نافورة بينتهليل ، و شرب بالكف ، وضحكات ماجنة .
        رجال يلبسون أقنعة ، و بطريقة عجيبة ، و بعد وقت يسير تكتشف أنهم نساء ، ما رأتهم الأرض من قبل ، و لا اكتشفهم أحد
        حين يتخلين عن كل ما يعلو جلودهن البضة!
        تخلت عني حكمتي ، جرعت من الزجاجة ، جرعة واحدة ، فصهلت رأسي ، الصورتطاردني ، صور الفقر ، و العراة ، و العالم هناك خلف هذا القصر المنيف ،ومدينة شائهة ، تموت في برك الموت ، والمرض .. يالرأسي وجنوني!
        علا الصخب ، و علت المخالب ، و امتلأت القاعة بأكداس من الدولارات ، تتحرككسحاب ، و تتهادى كريش مهيض .. فما عدت أرى ناسا ، زجاجات .. و أوراق .. وأجساد تخلت عن أثدائها .. و خصرها .. و بض لحومها .. لوحة ما استطاعهابيكاسو أو أي من المغامرين!
        هنا كنت فقدت القدرة تماما ، على التماسك ، صرخت :" يا أولاد الكلب .. يا أولاد الأفاعي .. مجرمين .. سفلة".
        و أخرجت دون وعي مني علبة ثقاب ، و أشعلت نارا في ستارة قريبة مني ،أفرغتعليها زجاجة الويسكي ، ثم علا صخبي ، و أنا أتهالك ، و أقعي هنا وهناك ، وأركل أي شيء يصادفني ، حتى زجاجات الويسكي ، كنت في أحضان واحدة منهن ،فألقت بي فزعة ، فسارعت إلى الأجمل ، أحتضنها بقوة ، فأشم رائحة مخدر نفاذة ،و هي تتطوح بين ذراعي ، مستسلمة حينا ، متمردة كفرس حرون تارة أخرى ، ثمفي رعونة أجذبها ، و أحاول إبعادها عن الأنظار ، و أنا أصرخ فيها ، و لمأتركها حتى حملنيرجلان ،واتجها بي إلى الخارج ، و كبيرهما على رأسيهما ،كل ما رأيته وجها ضخما ، علته ندوب ، أظنني رأيته من قبل ، أكان أحدالوجوه المهمة في جهاز الأمن ، أم من عتاة المجرمين ؟!

        بعد يومين أو يزيد أفقت ، أدركت أني بالمشفى ، أعالج من كدمات و حروق ، إلىجانب نزف من معدتي نتيجة الشرب ، و الكم الهائل من الطحن ، و الذي نلتهعلى أيدي رجال المكان الميامين !
        قالوا .. أو قالت تلك التي تدعى زوجة :" سال عنك سيادة المليونير ،لولاه لمت هناك".
        اغتصبت بسمة :" و هل أنا حي .. أأنت امرأة .. أنت امرأة ؟!".

        حين عادني مرة أخرى ، أومأ برأسه ، ابتسمت و هززت رأسي بالموافقة ، فرفعإصبعه ، خلص رزمة من أوراق بنكنوت ، ألقاها كما نلقي بشيء خرق ، انصرف ،وهو يردد :" نمت كثيرا .. يكفى هذا".
        رغم ما ألم بي ، و ما تعرضت له ، قررت وسط ذهول من يطلقون عليها امرأة ، أنأكمل ما بدأت ، و ألا أخرج من جلدهم حتى أقشره تماما ، و ربما أشعلت فيأبدانهم جحيما على طريقتي!
        خطفت نظرة منها ، كانت في حالة يرثى لها ، اختطفتها ، أسكنتها صدري ،ودموعي تجري دون توقف :" سوف نعيش .. نعيش .. كوني أكيدة من ذلك".




        على عين الشمس

        حين وصلتني وشوشاتهم ؛
        وقفت جامدا ،كأن صاعقة أبّدت كل شيء فيّ ،اللحظة و المكان و تطاير روحي ؛فقررت فورا الاقتصاص من لصوصية ،
        نالت الكثير من مشاعري و احترامي !
        قالت : " من خمس عشرة سنة و نحن زملاء ، لم أر في تصرفاته خروجا".
        قال : " و أنا ؛ لولا زملاؤه القدامى".
        قلت :" أكدوا .. أكدوا ما كان منه ؟".
        قالت : " البنات سفلة ، رحن يمثلن كيف كان يجلسهن على حجره ، و حين يطالبهن بالخروج للسبورة ، كان يحتك بهن .
        لالا .. أنا لا أصدق . حركات البنات مفتعلة ، كأن أحدا دربهن عليها".
        شط بي ،
        و اشطّت النار بصدري
        : " ونحن .. أمازلنا رجالا جديرين بالاحترام ؟ ".
        طوحت بحقيبتي ،و دون وعي قهقهت ، و سببت .
        أصبحت داخل دائرة كثيفة من الزملاء و الزميلات ،
        كأنهم يحاصرون غضبي ،يحاصرون فضيحتهم .
        صور كثيرة تترى ،تبتعد و تقترب ، تبتعد و تقترب في استماتة ..
        ونزلت على الأرض بين فزع و همهمات و وشوشات و تكهمات !

        لم أستطع طي ما كان ،و تجاوزه ،درت في المدرسة كمن فقد عقله ،أبحث عنه : " تم مطالبته بضرورة النقل ، و بسرعة تمت الموافقة".
        الستر . الستر و على حساب جيل !
        أي مرض هذا ،كيف أقتنع بما يفعلون بنا ،وكيف أنتمي إلي هؤلاء ؟
        : " لن يسعدنا أن ندمر حياته ، و مستقبل أولاده".
        عدت لصراخي .لكن معدتي الجبانة تحالفت معهم .

        أغرقت سكينا بملابسي ،و اتخذت طريقي صوب مسكنه .
        ما تزال الصور تنبض ،تومض بقوة ،و أنا أسير متعثرا في نقمتي .
        كهل يغتصب حلما في سنته الخامسة ،و جثة مشوهة لفتاة بكر داخل مخزنمنتهكة .
        آآآآآآآآآآآآآآآه
        حين أصبحت وهو ،لم أدر ما فعلت ،غير أني رأيته يركع أمامي ..بلا صوت ،
        وهو يلوح كأنه يرفض ما كان و يكذبه .
        واصلت ركله ،فازداد انكماشا .
        كانت السكين بيدي .هممت بطعنه ،فانسل هاربا صارخا .
        لم أخرج سليما ،بل محمولا .
        مازلت على غضبي ،ونقمتي ، أدور في المدرسة كمحموم ، أطالع وجوه الأطفال ، أبحث في ملامحهم عما ظللت عمرا أكنزه ، و أضعه على أعلى نقطة في عين الشمس !












        هذا ما كان من أمر محروس
        وكيف خرج مولودا من قسم البوليس

        كان يعي تماما ما يحاولون ،فما لمحهم من بعيد يندسون ، ويدورون في المنطقة ، وقد كشفتهم ألآعيبهمالمبالغ فيها ، حتى انهال على زوجته ركلا وزغدا ، وبصوت حرص أن يخرج همساراح يستحثها ، وبقبضته يلملم أطراف الجوال ، ثم بدوبارة مجدولة يحكم رباطها، من بعد ينضغط رافعا الجوال ، ويعدّله على ظهر الحمار المستفز .. بينماكانت عينه السليمة بمكر تنوب عنه ، وتوحي لابن أخيه بضرورة فك أربطةالبهائم ، و اللحاق به فورا ، ولولا خطورة السكة الجديدة لتركهم ، وولىهاربا .

        كما هو شأنه دائما حينيتأخر به الوقت ، ينخز الأعشى بقسوة غير معهودة ، وساقاه تطحنان بطنالحمار ، الذي أرغمته الجاموسة من الخلف على الاعتدال ، وعدم مجاراة صاحبهفي انفعالاته ، ومحروس يتقدم الركب ، ساحبا جاموسته العنود .. لكنهم أغلقواعليه الطريق ، وفى لمح البصر أحاط به رجال أربع ، ولم يعد يرى قرص الشمسالمتهالك في بحر المساء القادم !

        تماسك كعود جاف ، وبطيبته المعهودة ، كان يهمهمدافعا الحمار على التقدم ، فنط الأخير محاولا اختراق الحصار ، وكاد يفلح فيقلقلة الجدار البشري .
        ترجل كبيرهم كإله ، عابرا حاجز الرجال بسهولة ويسر ، مسلطا نحوه عينين تطفحان شرا و جريمة . هاله المشهد المهيب ، و أصابهرعب وذعر أتيا على أربطة مصرانه ، الذي زعق كحوت مسعور . إنه في مثل عمرأصغر أولاده ، فلم يخاف منه على هذا النحو ؟ حتى أصبح ميسورا لأبعد عابرسبيل كشف حجم الفزع الذي يدب في أوصاله .
        ابتدره كبيرهم : " أنت تعرف إبراهيم وهدان يا ولد ؟".
        صعق ، وبغيظ ردد :" قطيعة ". وهو يطوح رأسه شاعرابمدى الإهانة ، ولم يخطر على باله للحظة ، أن يكون رد فعله فظيعا ، وبمثلهذه الدرجة ؛ فقد انقلبت سحنة الضابط ، وتأرجح الكاب على رأسه الشامخ ،وحين رفرف النسر بجناحيه طربا على الجبهة العالية ، كانت بطن محروس ترتعدهلعا ، و إحساس غامض يغزو قلبه ، وفورا أمره بالترجل عن حماره ، ودفعهبقبضته :" طيب اركب .. يللا ". وكم كلفته " يللا " هذه ، فقد كانت بمثابةزلزال قلب محروسا أرضا من فوق ظهر حماره .

        كان قد أحيط علما بما يتردد ، حول مقتل " إبراهيموهدان " وسط الغيطان ، منذ ثلاثة أيام ، رغم عدم علم البوليس إلا اليوم ، وليومين سابقين كان يستطيع التقاط رائحة دم القتيل ، في الدخان الرائق ،المنبعث من الحرائق المباغتة ، التي أشعلها الفلاحون في العشش القائمةعلى رؤوس غيطانهم منذ عشرات السنين ، بل كان يراها تتموج ، وترسم هياكلكانت أكثر شبها بالقتيل !

        اليوم .. الحكومة تجد ما وسعها للإيقاع بقاتله ،قطعوا الزمام طولا و عرضا ، أحاطوا بالصغار و الكبار على حد سواء ، لكنهمما أخذوا أحدا منهم ، مثلما فعلوا معه .

        أحس العم " محروس " أي مصيبة أوقع نفسه فيها ، قدحزناد فكره الخرب ، فألهب الموقف سوءا ، استرحمهم مشيرا تجاه الزوجة و الولدالصغير و البهائم ، والطريق الخطرة : يابيه أعديهم بس ، وأنا تحت أمرك ،اللي أنتم عايزينه يمشي على رقبتي".
        و على حين غرة جاءته لكمة قوية ، أخلت بتوازنه ،ودفعته إلى داخل العربة ، ظلت تئز في أذنيه ومخه طول الليل ، ولسنين قادمة ،بينما الولد و الزوجة و البهائم في عجب من أمرهم ، يندفعون صوب المدينةبخوف دام !

        عاد بعين زائغة يستميلهم :" أعدي العيال من الطريق يا سعت الباشا".
        لوح له بالسكوت ، وحاجباه و أنفه المعقوف ،وعينه الواسعة كصقر إفريقي تعطي أمرا للمخبر المتحفز خلفه ، بالتهام هذهالفريسة ، فالتهمها فورا ، وطرح العم محروس بلطمة أخرى على صاج العربةمكتويا ، وشفتاه تتوجعان بلفظة ظلت حبيسة :" يا ولاد الكلب .. آه يا ولادالكلب ".

        انسحبت العربة ، و انسحب الألم على امتداد جسده ،ولسانه لا يفتأ يردد يا ولاد الكلب ، أنا اللي أستاهل .. أنا اللي أستاهل ". يؤنب نفسه ، ويلومها على غشمها ، يضحك على زناخة عقله ، التي سوف تودي بهقريبا وراء الشمس .. لقد داهموا الصغار ، على الجسور و القنوات ، فرددواببلاغة : لا نعرفه " وهكذا أفلتوا ، رغم علم الجميع ، صغارا وكبارا ، أنهمكاذبون ، فعلى مدى ثلاثة أيام ، وطرق السروح تتغير ، وتتبدل ، وعلى مدىثلاثة أيام و مزارعو الزمام القريبون من المقابر لا يسرحون . لكنه وقع ،أوقعه سوء تقديره .
        يتحسس قفاه المتوهج كجمرة ، واللطمات ما تزال تدوي، وتصفر في أذنيه ، مطأطئا يضع وجهه بين راحتيه بمسكنة ، وصوته يثقثق ،ورأسه تتطوح بغيظ ، سرعان ما امتلآت العربة ، و أصبح لا يجد هواء كافياللشهيق !!

        لم يكن غيره ، كلهم كانوا يلبسون البناطيل والقمصان ، هو الفلاح الوحيد الذي خرج من الدنيا حمارا ، وما علمته الأيام ولا السنون ، أصبح أبا لرجال يدبون على الأرض ومع ذلك !
        كان قاسيا في لوم نفسه ، قاسيا .. وكانت العربةخانقة ، العرق ينبجس من كل جسده ، وتنفذ رائحة عرقهم عبر بدنه ، فيتراخى ،سرعان ما يندفع تحت الأقدام لالتقاط بعض من هواء رطب ، المخبرون يشكلونحاجزا من الحديد ، والبنادق الميري مسددة إلى صدور المشبوهين .. أخيرا صرختفرامل العربة ، اندفع الجميع مسوقين تحت لطم الجنود والآليات ، إلى داخلالمبنى المهيب !

        كان في واد ، وهذه الكتل البشرية في الوادي الآخر . كفاه منها نظرة واحدة ، سلطها على الجميع ، سرعان ما انكمش إلى الجدار ،وقد دفن وجهه بين راحتيه ، وألم قاس ينتشر في جسده . رأى وجوها عرفها خارجالمبنى ، وسمع عنها حروبا ، وحوادث سرقة وقتل ، ووجوها كانت قريبة جدا ،كانت إلى جانبه .
        كان صابر ، هذا الرجل الطيب ، الذي ما سمع عنهإلا كل خير ، نعم هو جزار ، وهو حزين .. حزين وحده منذ اغتيل أخوه في مقهىالبيلي ، ومنذ ثماني سنوات ، وهو وحيد .
        يتذكر هذا الوجه البعيد ، يغوص في الزمن، سرعان مايلهبه قلبه فزعا على البهائم و الحمار و الأولاد ، الذين خلفهم ، وأرغموهعلى تركهم فريسة للسيارات ، لا يدري هل وصلوا بسلامة أم لا .
        قدم له أحدهم كوبا من الشاي ، رفض .. أول كوب شاي يرفضها في عمره ، رغم حاجته إلى بل ريقه الجاف . يطالع الوجوه مرة أخرى .
        : " أليس عجيبا ياشملول .. في حياتي الطويلة ما دخلتهذا المكان ، كنت أطالعه من بعيد .. بعيد فأجري ، ومع رفاقي نروح نشتمالعسكري ، ونجرى .. أقرف من النظر في مبناه.. ليس كرها ، بل خوفا .. ومنبعد كرهته ، حتى إذا ما دعتني الضرورة ألجأ بمن ينهي الأمر ، و أنا بعيد ..أنا من البيت للغيط .. ما قلت إلا كلمة واحدة و لمأكن لأقصدها ، خرجت هكذا .. انفلتت من لساني ". يعطيه أحدهم سيجارة . ينتبه، يتداخل في بعضه مرتعشا . يبش في وجهه معتذرا بعدم التدخين .

        اتكأ بذراعه ، فاصطدم بشيء كان يملأ جيب الصديري . تذكر الشنطة التي ضحك بها ابنه على عقله حين عاد من العراق ، و التييستعملها كحافظة ، على الفور تغير لون وجهه كلية ، استشاط رعبا ، اعتدلواقفا .. كيف يتخلص منها - هذه الحافظة التي تحوي إلى جانب المسلة والدوبار أربعة قطع من فئة الخمسة قروش .. وخنسر!
        : " آه .. ضعت يا محروس .. ضعت و لا أحد سمى عليك .. آن أن تتصرف بحكمة ، وكيف تواتيني الحكمة ؟ إنها كارثة .. كارثة".
        جذب الرعب المرتسم على وجهه نظرات الجمع المحشود ،في هذه الحجرة الداخلية ، التي دائما ما يقال أنها تبكي طول الليل على منخرجوا منها فاقدي البصر أو العقل ، ومن فقدوا رجولتهم ، حتى أنك لترى نهاراآثار هذهالدموع على الجدران ساخنة لم تزل !!

        : " خنسر له مقبض من العظم .. خنسر يامحروس ، والذبيحة يأتي عليها خنسر ، ويشفيها خنسر .. قد يسألونك و أين الساطوريا محروس ؟ ستنكر بلا شك أين الساطور ؛ لأنك لم تمسك ساطورا إلى اليوم ،لكنهم لن يملوا ، لن يتعبوا معك ، ولن يصدقوك .. حاول أن تلقي به من الشباكأو تحت الأرجل.. آه لو شافوك ثبتت عليك التهمة .. خنسر يا ويلك .. لعبةجميلة يا محروس ، فحين أزاغ عقلك ، وقررت سرقته من الجزار .. كنت في العيدالكبير ، ولما فشلت من سرقته ، أعطاه لك الجزار عن طيب خاطر .. كان جميلا ،وكنت في حاجة إليه لقتل أعواد السريس و الجلاوين و الخس ، وتقليم أظافرك .. وماذا أيضا يا منحوس ؟".
        يهيم في فزعه ، يتدبر أمر الخنسر . كان القتيلبلا رأس ، بلا ذراعين ، بقدم واحدة ، وقد شفي كذبيحة ، و هذه أداة الجريمة :" خنسر يا محروس .. ألكي تقطع حبلا أو شحاطا تحمل خنسرا .. آتاك قضاؤك .. آه".
        يبكي العم محروس ابن الخامسة و الخمسين ، يبكي وسطأولاد صغار ، وفتيان قساة ، ومشبوهين عتاة .. يبكي ويروح يخبط رأسه فيالجدار خائفا حانقا .

        دنا منه صابر على حذر :" عيب يا عم محروس ، دول كلمتين ياخدوهم منك ، وتروّح على طول .. أنت راجل طيب".
        مصمص شفتيه خالعا طاقيته الصوفية ، ثم أخرجمنديله المعبأ بالسخام ، مرره على وجهه :" ماذا أفعل .. كنت تعرف أنك حمار ،لم لم تهرب من أمامهم ، وليذهب الجميع إلى داهية ، خائف على البهائم ،ابسط يا عم ، سوف تنسى اسمك و بهائمك ، و أرضك ، ويتفرج عليك الخلق واحداواحدا .. خنسر يا محروس . كانت الترعة أمامك ، وزوجتك .. كانت العربة ، كنتتستطيع التخلص منه ، لكنك أحمق .. ماذا ستفعل ألآن ؟ و إذا ما رآك أحد وأنت تلقي به .. آه .. انتهى الأمر ، أصبحت قاتلا .. أيعقل أن يكون صابر هوالقاتل .. لا .. لو أراد لفعل من زمن ، مر وقت طويل ، نعم فات وقت ، إنهيفتح بيتين الآن .. بيت أخيه و بيته ، فكيف يفعل ؟ لا .. إنه أحد اللصوصالذين يقتسمون معه أو قد تكون أنت ".

        ضبط يده على الحقيبة ، فجذبها بعيدا . هاهي ذيالأنظار تتجه إليه . يتحدث إلى أحدهم ، يكرر ما يقول حتى ملّه ، فيصرخ فيوجهه ، يتجه إلى آخر ، يتحدث إليه ، يعطيه أذانا صاغية - أول الأمر - يعوديكرر ما قاله ، فيمله ، يصرخ في وجهه . في نهاية الأمر ترابط محتميا بصابر ،فيهدئ من روعه . يكاد يسقط بلسانه ، فيبوح بما ينغص عليه ، يلطمه صوت أبيهالفاني ، يتمثل أمامه بشحمه و لحمه ، مكشرا في وجهه :" خليك رجل ياولد .. إلى متى .. اكبر ياخرع".
        كان بوجهه المقطب ، و أنفه العظيم ، وشعره الأبيض ، صوته الأجش كموتور خرب .

        أخيرا جاءوا ، وجاء المغص .. جاءوا خلف بعضهم ،وما أفلت أحد من قبضتهم .. لا يعرف ما الذي أحسه حين حدق في وجه صابرلحظتها ، مما دفعه إلى معاودة النظر إليه . كان أقرب شبها بالضابط ، نفسالملامح ، نفس النظرات القوية . كانوا يدفعون شبابا إلى الحجرة الأخرى ،القريبة .. هناك ، يعلق المشبوه ، يدلى من السقف كذبيحة ، ويضرب ضربا مبرحا. أحس بهزة قوية ، تسرى في جسده ، على الفور اصطكت أسنانه :" يارب .. أنارجل كبير .. هل ؟ يارب كن إلى جانبي .. يا حسين .. يا سيدة يا طاهرة .. يا أمالعواجز .. يابه".
        اللطمات لا تنقطع ، قوية كالرعد تدوي ، ترجف بدنهالهزيل ، تدوي فتحط عليه هو .. وحان دوره ، حان دوره أخيرا ، سحب فأطاعطيبا كطفل وديع ، واجهه السيد ضابط المباحث ، سأله مناورا . رد عليه محاولاقدر إمكانه الحرص . لم يكن بليغا . هاج سيادته ، هجم عليه لاطما . مهانالوى عنقه ، ودون تفكير :" أنت يادوب قد ولد من عيالي".
        لم تعجبه هذه اللهجة ، ثار ثانية ، ومنتفشا كطاووس كانيسدد لكمة متقنة إلى وجه محروس ، الذي تهالك إلى الخلف ، مصطدما بحوائطالرجال ، فأعادوه إلى قبضته !

        حدق بسعادة ، ارتخى على كرسيه . محروس يرغي ويزبد بكلام كالبكاء ، وبطيبته المعهودة ، كان يكرر ما سبق قوله ، فأطاحوابه ، وما تركوه حتى أشبعوه ضربا ، رغم كل ما ناله منهم إلا أنه كان راضيا ،فلم تمكنهم هذه الوسائل من كشف المصيبة التي يحملها . كان يردد :" الحمدلله ". لكنه حدس عودتهم إليه ثانية . ما أفلت أحد من قبضتهم حتى الآن ، ومامرروه على الغرفة الثانية بعد :" الحمد لله .. الحمد لله .. يابه .. الدارتختنق بمن فيها ، و ما أتى أحد ليرى حالي ، ينقذني من هذه المصيبة ، سوفأعلق من عرقوبي ، يضربني فيل من هذه الفيلة ، التي لا تعرف رحمة أو مروءة .. يا ربي .. أنا لا أترك فرضا من فرائضك ، و لا أعتدي على أحد ، حتى أولادي، أتسامح معهم في حقوقي .. أسرح إلى الغيط من النجمة ، و لا أرى الدار إلاليلا .. ماذا أفعل ؟".
        الزبد يتكور على جاني فمه ، يترنح بلا عقل ، ولا يرى إلا أشباحا وخيالات باهتة .

        حط غاضبا موهن العظم . ناداه صوت أبيه :" لا تبك ياولد .. كن رجلا و إلا أكلوك".
        قطع بكاءه مشدوها ، راح يتابع الشيخ الفاني :" إنهم اكتفوا .. اكتفوا بهذا .. انتظر".
        كان يرتعد كلما شعر بجيب صديريه ، يصرخ بأعلى صوتكمؤامرة :" أنا الخنسر هنا في جيب محروس .. يا حضرة الضابط أنا الخنسر هنافي جيب محروس".
        يدور حول نفسه كمجنون ، يتكوم ، ينحني ، يحاول كتمأنفاس الخنسر الجبان ، يود لو سخط خنفساء ، لها حرية الخروج من هذا المكان ،و الأصوات من حوله تتعالى في فراغ الحجرة .. صرخات و لطمات ترن ، وبكاءوركلات تمزق وجهه ، تسلخه سلخا رتيبا .
        كان أولاده و أولاد أخيه يحومون حول المبنى ،يسمعون صدى الضربات ، تئن ، وترتجف لها الجدران ، وفى الظلام كانت خيوطفضية تنز على خدودها .
        كانت جموع غفيرة تتحرك بقلق ووجد ، تفترشالطوار ، تحتضن الأسلاك الشائكة ، والبعض هناك في الخلف ، حيث تصلهماللطمات ، كما يصلهم الصراخ و العويل .
        التجأ أولاد محروس بالمحامين ، فما حركوا ساكنا ،كانوا على علم بالجريمة ، و أمر المشتبه فيهم ، و التقليد المتبع في مثلهذه الظروف :" سوف يتركونه ، لكن بعد ضربه كالعادة".
        شغل أصغر أبنائه نفسه بإحصاء عدد مكاتب المحامينالمحيطة بالقسم ، و أيضا مقر الأحزاب ، عدد الجرائد ، النواب ، لكنه فشل فيلعبته ، فتركها فورا .
        ظلوا يحومون بخيبة أمل ، تعلموا ووظفوا ، شغلواالوظائف ، وخابوا عند الوصول إلى عمهم .. إلى أخيهم .. إلى أبيهم .. كانشعورا فظيعا ، شعورهم بعدم جدوى المحاولات المنهكة ، إنها ليست مدينتهم تلكالتي يتحركون فيها ، أبدا ليست مدينتهم .. وصلوا إلى شقيق المارد السيد ،إلى قاض طيب آخر الأمر .. أقسم على التصرف ، وكانوا أكثر حرجا و قلقا .

        كان هو في الداخل يري بعينه ، و لا يصدق ، يرى و لايفهم . عاش بفأسه و قضيبه ، في الأرض و الدار ، ينبت الزرع و يبذر الذرية ،و الخنسر في جيبه إلى الآن .. الخنسر و المشنقة .. المشنقة لا تلتف إلاحول رقاب الخائبين أمثاله .
        فجأة ناداه الصقر ، تهالك ، امتقع وجهه ، تقدمبرغمه ؛ فالأكف في عطش إلى اللطم . زحف :" أنا هاسيبك يا محروس تروّح ، لكنأنا هاديك علقة ، عشان إما حد يسألك عن حاجة ، تقول معرفشي!".
        سبتمبر 1997

        تمت معالجتها مسرحيا ، ونشرت بعنوان "أنشودة الصقر "
        كنز

        في غبشة الصبح ، تهادت نعيمة ، صوب أرض البلد ، و على رأسها تتهلل آنيةالروث ، عودها الطري يتثنى و يتغنج ، بينما بين شفتين لوزيتين بسمة حلوة ،تعانق وجوه الجيران ، التي بكرت بالسروح بدوابها !

        على كومة عالية ، صعدت بأنفاس مجهدة ، و حين كانت في المنتصف تقريبا ، غارالتراب تحت قدميها ، فشهقت من هول المفاجأة ، و تخلت عما تحمل ، وهى تلتفتيمنة ويسرة ، كأنها تطلب النجدة ، بينما الصمت يحيط بها ، منسجما مع ضبابكثيف يغشي الغيطان ، والدنيا من حولها !

        الساقان حتى الخصر غرقا ، أصبحت مثل فأر يقاوم مصيدة ، تخلع ساقا ، و ترتكز على أخرى .. كل مرة تفشل ، فتعاود الكرة ، توقفتو ركزت قليلا ، حين أحست بشيء غريب تحت قدميها ، له طراوة ولزوجة ، و ربماصلابة ما ، بدا لها كذلك ، فنشطت ذاكرتها ، و هي تقلب مئات اللقى و الكنوزالتي وجدت ، و اكتشف أمرها كل من هب و دب .. هنا تحركت عيناها بشكل هستيري ،لتتأكد من خلو الطريق الزراعية ، و بقوة دفع الاكتشاف ، كانت خارج التراب ،تئن من الوجع و الإجهاد !

        بين طراوة حلم ، حلقت كطائر خفيف ، تعانق نجوما و شهبا ، و تبنى ممالك ،وأفدنة لا عد لها و لا حصر ، يغدو عامر رجلها شيخا للحارة ، بل أميرا لها ،لا يقل عن أحمد أبو ناف ، رئيس الجمعية الزراعية ، بل يبزه في وسامته ، وفحولته ، التي أهدتها نني عينيها " أحلاهم " ، كم رفعت رأسها بين نساءالحارة ، و أصبحن لا ينادينها إلا بأم الأستاذة .
        : " صبحى يا أم الأستاذة " أخرجها صوت أبو صلاح جارهم ، من حلمها ، فلمتشعثها ، و بسرعة أتت ببعض عيدان من القش و الحطب ، ووضعتها في نفس الموضع ،و حملت آنيتها ، غادرت المكان ، وهى تلتفت بين خطوة و أخرى ، غير مصدقة ماحدث ، و ما تم !

        كان منزويا كعملة ملها الناس ، لعدم جدواها ، يتحين وصول رفاقه ، مثل كلليلة ، لتبدأ السهرة ، وتعلو الحناجر .. فجأة تخطفت رأسه طيور جارحة .. قلقيصرخ في أطرافه ، فيبقبق صدره كجمل في قيظ ، حين لقط هيكلها ، و " أحلاهم " تتعلق بها ، متجهة إلى أرض البلد !
        لم يصدق عينيه ، فركهما ، و اعتدل ملسوعا ، ثم لف حول نفسه ، ليتأكد أنعينا هنا لا ترى مثله ، و داخله ثورة و هواجس تكفى لإغراق مدينة !

        :
        " بس يامه كان لازم نقول لأبويا .. الناس تقول علينا ايه دلوقتى؟".
        قطبت جبينها ، و لوت شفتيها : " أبوك ما بتنبلش في بقه فوله ، والحاجات دي عاوزه الستر .. مش بيقولوا داري على شمعتك تقيد".
        ثم جذبت ابنتها ، وهمست :" قربي أمال قبل ما حد يقطرنا ، يدوب على ما يخلصوا صلاة العشا.. يللا يابت أمال ".

        بكى عامر ، حين أبصرهما تعتليان الكومة ، و تبعدان التراب بجنون .
        بكى ، رفع وجها للسماء ، يحمل رجاءات ، و ندما عما سلف ، وما كان من لسانه و قلبه !
        كان يدري ، هاهنا يرقد قتلى المدينة ، و كم رأى بعينيه أولاد الليل ، يجهزون على ضحاياهم ، و أين يضعون جثثهم !
        في هذه ينام عدد كبير منهم .. تماسك عامر ، وفكر .. وبسرعة قبل أن تختل موازين الكون ، وتضيع البنت و الزوجة و الدار كلها في لحظة !
        أصدر صوت عواء ، ضعيفا كان أول الأمر ، ثم رويدا رويدا حمَّله رعبا حدالافتراس ، مع طرق وخشخشة بعيدان الذرة .. نال منهما ، فأسرعتا بمغادرةالمكان ، و لم يتوقف حتى اختفيتا تماما عن ناظريه ، فسجد لله شكرا ، ومسحوجهه بفرح كظيم !
        حين كان يعتدل ليغادر ، كانت أشباح تحيطبه من كل جانب!










        تمت معالجتها مسرحيا في نص ( تلة صابحة ) المنشور في مجلة آفاق المسرح وقدمته فرقة الوادي الجديد المسرحية


        صرخة لم تغادرها

        : " يللا ياخويا مالك ..؟ يللا .. هات ايدك".
        مرات أتىبها إلى هنا ، وكم تعرت معه،هنا في هذا المبنى المهجور ،كان إحساسها بالسعادة خليطا من الخوفوالرهبة ، و الرغبة المحمومة . هاهنا كان يطالبها بالتعري كاملا ، و الرقصعلى نبضات قلبه الفتي ؛ هو أخو زوجها الصغير .. لا تدري لم هي خائفة الليلة-خائفة حد الموت - ، هي التي من يوم أحبته ، وقررت منحه نفسها ، ما شعرتبخوف ، أو أي من تلك المشاعر التي تفسد الآن جمال وروعة اللحظة .
        صعدت خلفه على أطراف مهتزة ، بين صعدة وأخرى تخطف نظرة خلفية . لا شيء سوى الظلام ، و خيطباهت للقمر .. أضاءشمعة . كان خيال يتمدد على الحائط .. لا .. لم يكن له . كان أضخم و أطولبشكل واضح. تراجعت ، صرخت ، لمت جسدها بثيابها الملقاة ، التاذتبالحائط. شعور جحيمي . الآن أحست بورطتها .. بضياعها . اقترب الخيالالضخم . كان أقرب لزوجها . من الجهة الأخرى خياله كان . ندت عنها صرخة. تكتمتها قبضة ، بينا يدان تغرسان حدين في الجنب و القلب . دهشة لمتغادرها ، تتكتم القبضة بقوة ، و الأخرى تضغط حد السكين أكثر . فارقتالروح . انطلقا على حذر مغادرين

        أبريل 2008

















        بكاء على هدب يمامة

        اخترق صراخه تجاويف الريح و الهواء ، ارتحل مطاردا خامد الوسن ، لاطم شبابيك و أبواب الليل الغافي .
        اهتزت بعنف تحت وهج العيون و التساؤلات .. انتفض جسدها البدين ، رفرف كأنه يتفتت ، ينهار .. ثم فزعة تغلق الشقوق ، و العيون المشرعة ، و ترتمي على أنفاسه بثقلها :" هيت أوجعك ، و أنا بعضها ، ورجع أنينك ، فلا تهدرني بنفثة هاجرة .. اهدأ .. اهدأ قليلا ".
        خلص عنفه المكبل بأعجوبة ، و أطلقه في فضاء الغرفة ، محدثا الصمت و الفراغ ، و ساكن الوقت ، الكائنات الفارة أمام زفيره الحار .. الرعب يستولي على روحها :" يا ويلي يامه .. يا ويلي ...".

        تهالكت على عوده النحيف ، ضمته رهيفا كي لا يتناثر منها زجاجه ، ثم أمعنت في الضغط : " اهدأ حبيبي .. اهدأ ".
        كانت في عينيه الجافة ، و الأخرى في الماطرة ، وكان على قيد نظرة من روحها ، متغلغلة في الدم و النخاع الشوكي ، و جنونه المهاجر في رحيب السراب : " لم .. لم استعصمت و بم .. لم ؟
        في هجسة الريح و الوقت ، كنت ألوان لك الوجود ، و أضع اسمك في سجلات الماء الوارفة ، ظلا و رحيقا و معنى .. خانتني .. خانتني ".
        كفها عود نعناع يلامس وجهه الساخن ، تلملم الريح قبل انفلاتها هربا و استعارا :" أرأيتها عينا أم ظنا .. أرأيتها بيد لم تكن لك ؟".

        قهقه القيظ مزلزلا فرائسها ، و بعنف جذب رئة الريح ، فانفتحت على آخرها ، ليمرق من بين براثنها إلي المطبخ ، و بنفس الوهج ، كان النصل يمزق الوريد ، و يفجر الدم شلالا قانيا !

        صرخ الفزع ، صرخ بكل عنفوانه بالضجر و الألم ، ورفع عباءة الليل عن شيوخ النعاس :" أجننت .. جننت .. النجدة .. أغيثوني ".
        ليس إلا ضحكات تشف و بله ، تتمايل على حر الدماء ، و لذعة الألم .. و على وقع خطوات النشيج كانت تهاجم الجرح ، و بقوة تعافر ثقوبه الفائرة .. بقوة توقف زحف الموت : اهدأ .. ونحن .. نحن .. لم ترنا جيدا ، وما كنت أنانيا ، جحودا .. اهدأ .. حقي فيك و حق أولادك أين هو .. أنسيت أنك أب .. بأي شيء سوف أجيب تساؤلاتهم .. رد علىّ .. لا تسكت .. لا تسكت .. مالك تترنح .. مالك .. أغيثوني ".

        تواطأ معه استغراب ، و بعض تهكم :" من .. من أنت .. من أنتِ ؟ أنت لصة .. أنت من سرق مني ثلاثين عاما من عمر نحيل واهن العظم .. ثلاثين خريفا و أنا لا أجد نفسي .. الآن فقط أستردني منك .. أستردني .. أستـ ............".
        تتمرد على نفسها ، أنانيتها ، حقها ، تعدل وضع الضمادة ، تضغطها بقوة أكبر :" الآن .. ذهبت .. و أنا سأذهب لا محالة .. و أنت .. ماذا عنك .. ماذا عنك .. أنت تموت .. تموت ".
        فرت الصرخة عالية ، بينما انهار ضعفا على أريكة بوجه فقد ألوانه إلا الأصفر ، و تمددت التجاعيد على خلايا النفس و الشفاه ، و علت الرجفة بدنه ، و الدم نهر ينزف بلا توقف :" أولادي .. أولادي .. أنت تموت .. تموت ".

        تهالكت الأنفاس على أرض الوجع ، آخذة في طريقها تماسكه ، و الرؤية في عينيه تضيق ، تصبح كثقب إبرة .. الشفتان مقيدتان بالوهن ، ترتجفان بردا " الموت راحة سيدة الوقت .. الموت راحة .. كيف لم أنتبه .. كيف أعطيت لطفلة كل هذا اللهو ، مكنتها مني إلي حد التمنع عن الرحيل أو الغياب .. لا بد أن أنزفها أمي كاملة .. لا بد من نزفها ".
        ضغط الهواء في بدنه ، ثم أطلقه متخلصا منها :" اتركيني ".
        قبل أن يمعن في الهوج كان أكبر الأبناء ، على قيد نجوى ، و كانت الغيبوبة تسحبه من مواجهة مريرة ، لم يحن وقتها بعد !














        ليته يفعلها

        كورقة تلوكها الريح كان ، شاردا بين أعاصير من هم و حزن . لا تحط عيناه على معنى ، إلا ما كان دفينا . فجأة ينتبه ، فيتوقف بذات الشرود و التيه ،يطالع صمت الجدران ، و هزيمة الوقت بين أشلاء الشوارع .. ينتزع قدميه ، يخطو برغمه ؛ كأن بينه و بين الهواء المار بجواره جدارا سميكا . منفصل هو ، متوحد ..حتى حكة الهياكل ، و اصطدامها به حد التعثر ، لا يبعد صورتها قيد شعرة ، و لا يستشعر حرجا في اختلال توازنه ، و سقوطه الذي كان يعني الكثير فيما مضى .

        على الطريق ارتفعت أبواق السيارات ، نالت من رأسه شتائم السائقين ، بصقات المعبئين في صناديق الحافلات .. ما كان هنا ، و لا كان هو . غريبا ممزقا فاقد المعنى مذ قرأ تلك القصة ، مذ رأى ما غاب عنه في حديثها ، ما اختزلته خشية من تورطها ، و هي لا تدري أنه متورط حد التلاشي في جناحها ، و بها يعافر الوقت ، كأنه فتى لما يزل ، على قيد شفرة من حياة أخرى .

        ما تصور حين قشرت أوجاعها ، أن يكون الأمر أكثر من ذلك ، محض تصرفات خائنة ، وطيش شباب ؛ وكثيرا ما كان الأمر كذلك ، و لكن أن تتهشم الجوهرة كل مساء ، و بتلك اليد الثملة الغبية ، تقذف بها كخرقة ، إذا ما اعترضت ، أو طالبته بالاعتدال ، و أعلنت تذمرها ... يرحل في بيادق الرقعة ، ليرى ما يسكن توتره ، كأنه يبحث عن مبرر ما ، لم يقنعه أبدا ، ليتوقف سيل الرفض ، وهذا الجيشان القاهر وجعا ، في فلك ضميره وروحه .
        باسترخاء عبر بوابة حنينه . كانت الأم في ركنها المعتاد ، قعيدة تحدقه بنظرات فرحة ، تحاصر عينيه الباكيتين . وقبل أن تنطق باسمه ، يرتمي على صدرها : ضميني يا أمي ". يلثم يديها بدموعه ، حتى أشعل روحها قلقا . ضمته كشجرة عتيقة ، وصوتها يخرج من كل جنباتها : " يا ولاد .. يا ... يا... أخوكوا يا ولاد ماله .. ". يأتي من الأرض و السماء ، ، كأنها تتحدث إلي نفسها ، ما كانت تنتظر تلبية ندائها ، ثم انهمرت دموعها كسيل .

        من بين النشيج تفلتت كلماته : لم أنس أبدا ، حين كان يعتدي عليك ، أتذكرين يا أمي .. كم مرة كان غضبه يؤلمني ، و يشقيني، بل يذهب بي إلي التهالك كعصفور مبلل ، هناك أسفل السرير ، و أنت تتخذين ركنا حانيا يضمك و دموعك ، و انكساراتك .. كانت مثلك .. كانت أنت ، و كانت تبحث عني . كنت رجلا عاقا .. ما رأيتها ، ما سمعت حزنها إلا حين أدركني الشيب .. ضميني يا أمي ".
        مسدت حزنه بملائكتها ، ثم نثرت بسمة حزينة :" ولم يحتمل القلب يا روح حنائي ، و أول هزائمي وفرحي .. كل البيوت مغاليق على جراحات .. كان حلما ، و كان لا بد أن أتحمل كل مشاغباته وأوجاعه .. المأساة أعمق يا قلب أمك .. أعمق .. و كلنا سنمضي ، بين يديه .. يدي .. أكفنه أو يكفنني ، ألا تستحقون يا صغار بطني ومواجعي ؟ ! ".
        : لم كانت تبحث عني ، وهي تحمل ذات الوجه .. لم ؟!
        : لأن الريح لا تستوي ولدي ، قد تمسد جذوة أو تطيرها رمادا ، كأن شيئا لم يكن .. وقد تشعل الرماد بلا رحمة ، و كلما خبا اللهب أعطته مزيدا من القوت .. سير يأكلها التراب ودود القبر ..
        الفرق في الحطابة يا ولدي ، و حطابكم لم يكن سوى نقطة تبحث عن العدل في أرض مظلمة .. فلا بأس أن نلت حصتي من وجعه ، ونال حصته من ضعفي ".
        هيجه ما كان منها ، استفزه بقوة . اعتدل واقفا مطلقا دهشتها ، و كنحلة دار حول نفسه : استعذ بالله .. استعذ بالله .
        شلت صورتها المرتسمة على الحائط جنونه . تأملها ، غاب فيها . بينما الأم تسأله عن الأولاد ، و الزوجة .. و أنفاس الكبير تأتي من حجرة مختلطة برائحة الأدوية و المطهرات .
        حدثته بصمتها المتغلغل في أعماقها ، بشت في وجهه ، و بين ارتخاءة نظرات الأم و غفلتها ، كان يردد : كم نحن قساة ، أنتِ جريمتنا .. أنا و هو .. أقول أحبك ، و هو يقول .. من منا كان صادقا .. من .. من .. من . كلي ظمأ إليك ، ولو كنت في آخر بقاع القهر .. في غيابك تائه ، فلا كنت هو و لا حطابي .. حطابها .
        : دمك لن يتحمل يا ولدي .. لن يتحمل !
        : ليته ينهزم - هذه المرة - يا أمي ، ليته يفعلها ؛ فهو يدري ما أحمل .. ليته يفعلها !




        محتوى الأسطورة
        sigpic

        تعليق

        • لمياء كمال
          أديب وكاتب
          • 26-10-2012
          • 270

          #5
          وجبة قص دسمة , قطفت رحيق الشعر وطارت على متن أسطورة الحكاية الأولى
          ودخلت من باب وخرجت من باب واتسعت الأبواب
          وأثر الأدب الرفيع يسوقها نحو بلاغة مفرطة

          لا بد من وقفة تأملية طويلة مع هذا العقد الذي فرط الرمان وما فرّط بالمتعة والجمال

          تقديري

          تعليق

          • ربيع عقب الباب
            مستشار أدبي
            طائر النورس
            • 29-07-2008
            • 25792

            #6
            مرورك أنيق كحرفك أستاذة لمياء
            ممتع كشتلة أسطورية تأخذ الألباب إلي محاريب معلقة بين السماء و سماء أنت موطنها و أرضها !

            شكرا كثيرا على بذارك الطيب

            كل التقدير و الاحترام
            sigpic

            تعليق

            • عائده محمد نادر
              عضو الملتقى
              • 18-10-2008
              • 12843

              #7
              وجودك كل الرمان وفرطه
              والألوان تفقد بهجتها بغيابك صدقا
              لاأدري كيف تغيب الشمس عنا
              وغيابك لابد وأن يكون خلفه سر
              سلام عليك عزيزي
              محبتي يالربيع وعساك تكون بخير
              الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

              تعليق

              • ربيع عقب الباب
                مستشار أدبي
                طائر النورس
                • 29-07-2008
                • 25792

                #8
                المحتوى في النسخة المطبوعة ورقيا


                تقديم
                الإهداء
                هذا ما كان من .......
                كنز
                صرخة لم تغادرها
                بكاء على هدب يمامة
                شهد الرضا
                مشهد لم يكتمل
                ضمان
                نوبة صحيان
                تجل
                براءة
                وردة
                نصف ظل نصف وجه
                خلايا نائمة
                لم جرح
                غياب
                بندق
                عاصفةمن لهب
                الشطاح
                بهنسي
                توق إليها
                أسطورة فرط الرمان
                الموت قهرا
                رقصة عند الفجر
                ذات أرق
                ظهر مجددا
                رسالة أخيرة
                حلوى
                مع سبق الإصرار
                عناقيد النار
                سقوط
                ليته يفعلها
                وردة الوقت الضال

                وكلها أعمال تم نشرها في الملتقى
                اختلف المحتوى عما هو مطروح في هذا المتصفح
                رأيت أن التنويه واجب ولازم

                شكرا أستاذتي عائدة على سؤالك الكريم و على عطائك الذي ألان قناة الشح و أعاد الحياة لتلك البقاع
                كم أنت رائعة

                sigpic

                تعليق

                • حسن لشهب
                  أديب وكاتب
                  • 10-08-2014
                  • 654

                  #9
                  السلام عليك أيها الرجل الطيب
                  أتدري أنك آنستني بهذه الرائعة منذ يومين ، طبعتها على الورق لأن ضوء الحاسوب يؤلم عيني المتعبتين .
                  وجدت الشعر هنا يعانق النثر في تساوق وانسجام ، وجدت العبارة مختالة زاهية في عناقيد بلور ومرجان ...
                  شكرا لك
                  شكرا كبيرة ولو أن هذا الجمال يستحق أكثر من الشكر
                  كن بخير أستاذي الرائع.

                  تعليق

                  • ربيع عقب الباب
                    مستشار أدبي
                    طائر النورس
                    • 29-07-2008
                    • 25792

                    #10
                    كم هي محظوظة هذه المجموعة سيدي حسن
                    و كم شعرت بالاسف لأنني لم أهتم بمراجعتها هنا ؛ لأوفر عليك كل هذا الجهد
                    ربما عذري أنها منشورة على صفحات الملتقى ( القصة القصيرة و القصيرة جدا )
                    أسعدتني كثيرا و طوقتني بأكبر و أكرم مما تخيلت أستاذي ؛ فشهادتك غالية جدا و لا تعادلها عشرات الدراسات الاكاديمية !

                    قبلاتي
                    sigpic

                    تعليق

                    • بسمة الصيادي
                      مشرفة ملتقى القصة
                      • 09-02-2010
                      • 3185

                      #11
                      أسطورة تكتب أسطورة
                      كم أشتاق إلى حروفك أستاذي
                      وإلى روحك التي جعلت هذا المكان جنّة
                      وحوّلت صحراء القلم إلى أرض خصبة
                      مودتي التي تعرف واكثر
                      في انتظار ..هدية من السماء!!

                      تعليق

                      يعمل...
                      X