نقص
تصحو من النوم وتقصد مرآتها الغافية على جدار الممر نحو الحمام، علاها غبار الليل ولا تريد من أحد إيقاظها.
حسنا ما دمت لا تريدين الاستيقاظ أنا أيضا لا أنوي رشق الماء على وجهي ولا رسم شفتي أو تمرير رمح المكحلة على أشفار عيني.. سأترك ملامحي كبيداء عذرية .
سأغمض عيني حتى لا تفر الكلمات من جعبتي ويثقل الخجل لساني حين ألتقيه بعد ساعة.
كم كان غريباً وبعيداً عني..! سأعترف له كم كنتُ بعده كزوبعة تبحث عن مسكن بجنون..
كلماته في آخر لقاء لنا قاسية كضربات محارب شرس! كم كانت عيناه لئيمتان كذئب يصطاد فريسته بدم بارد!
بغيابك كنت كريشة تحاول السباحة عكس التيار. والان بعد عودته هل سيصادقني الزمن!
الساعة المعلقة على جدار الغرفة قتلت عقاربها وانتحرت.. لكن الوقت يمضي شاءت أم أبت..
جاهزة لكنني أشعر بالارتباك، حواسي تنكمش، أتنفس من زجاجة تخنقني.
أقرأ الرسالة التي وصلتني من هاتفه المحمول عشرات المرات وقد بصمتها وصرت أرددها دون وعي .
انطلقت قدماي إلى مقهى كنا نرتاده معا أيام الدراسة الجامعية، كم كان يغمرني بأشعاره الرومانسية التي تروي العطش وتشعل الحب، هنا في هذا المقهى الشاهدات جدرانه على كل حرف، جلست على مقعد مجاور لإحدى النوافذ المطلة على الشارع الذي خلفه متنزه كبير، من الغريب أني وجدت هذا المقعد الشاعري شاغرا، يبدو أن بضاعة الحب قد كسدت هذه الأيام..
تابعت عامل المقهى بحيرة وهو يمسح الوشوشات والضحكات عن الطاولات دون تأثر، ثم يكنس بقايا الأوجاع والتنهدات والدمعات إلى خارج المقهى ويهيء الجو لأمنيات وأحلام جديدة.. كان قد وضع أمامها فنجان قهوة لكنه هذه المرة رغم السكر كان بحلاوة العلقم.
نزل من سيارة فارهة رجل بملامح مختلطة بين المكسيكية والهندية.. عبر وجهي النافذة علني أحدد أهو أم غيره.. نفس العيون ونفس النظرات التي كان يرشقني بها، لكنها هذه المرة مختلفة، بهتت ملامحه الوسيمة، مع مرور السنوات صارت له لحية، استبدل سيجارته بمسواك سحبه من جيبه ودسه في فمه بحركة مضطربة، الجلباب القصير الذي يرتديه كأنه لم يفصل له فليس له علاقة بجسده .
رباه من أرى! هل معقول أن تكون أنت الرجل الذي أقنعني بأنه في بلاد أخرى ليجني المال ونستقر معاً تحت سقف واحد؟ أهكذا غيرتك السنوات وأنت في بلاد غير بلادك؟ هل العمل في دولة أخرى جعل منك شخصا آخر؟
بدأ الخوف يلفها وهي حائرة متسائلة: من هذا، ألم أكن أعرفه قبلاً؟
يقف أمامها وكرسي واحد فارغ يملأ فراغ المكان من حولها، رأسهُ إلى الأسفل، واضعا يديه في طيات ملابسه؛ فقد تعلم أن أول العبادة الصمت، وصوم الكلام نافع غير ضار.. تنحنح بثقة: أنا أعتذر عن تلك السنوات التي انتظرتني فيها وأنت تحلمين كأية فتاة بارتداء ثوب الزفاف، لكنني أراكِ الآن شحيحة النفس، فقيرة المنطق، ولا تناسبينني، أفكارك عصرية أكثر من اللازم.. وحاول البحث في نفسه عن أسباب تقنعه بما يفعل مبتعدا عن تأنيب الضمير... لكن كل شيء كما تعلمين قسمة ونصيب.. باختصار أنا أتيت لأريح ضميري وأعفيكِ من الارتباط بي.. فلا شيء يجعلكِ تنتظرينني بعد الآن ..
دارت الزوابع في رأسها وهي تنظر إلى خاتم يليق بالسلاطين بأصبع يده اليسرى، أخذها صمت فاخر الدهشة وهو يخرج بيده اليمنى خاتم فضة نقش ببطنه أول حرفين لأسميهما.. وضعه على الطاولة بجوار فنجان قهوتها المر..
تنظر الناس له بغرابة مستنكرين منظره فعلى غير العادة أن يكون أحد السلفيين في هذا المكان !
بسهولة هكذا ينهي حياتها.. قررت الانتقام ورضيت أن يكون السواد رفيق حياتها الجديدة .
الشخص الوحيد الذي كانت ترتاح إليه هو ذاك المخبول الذي حماها و أعطاها حق آدميتها، وداومت على زيارته في خربة يسكنها قريبة من ذاك المتنزه الذي شهد لحظة موتها, هذه المرة الأخيرة التي ستراه فيها حين زارها على فراش المرض في المستشفى، حول سريرها كانت هناك مجموعة من عائلتها أيضا..
وكان من بين زائريها أيضا ذلك الشخص الذي قرر ببساطة قتلها..
هو أيضاً مصاب بنفس المرض (نقص المناعة) لأنه كان في ليلة أحد زوارها المترفين.
تصحو من النوم وتقصد مرآتها الغافية على جدار الممر نحو الحمام، علاها غبار الليل ولا تريد من أحد إيقاظها.
حسنا ما دمت لا تريدين الاستيقاظ أنا أيضا لا أنوي رشق الماء على وجهي ولا رسم شفتي أو تمرير رمح المكحلة على أشفار عيني.. سأترك ملامحي كبيداء عذرية .
سأغمض عيني حتى لا تفر الكلمات من جعبتي ويثقل الخجل لساني حين ألتقيه بعد ساعة.
كم كان غريباً وبعيداً عني..! سأعترف له كم كنتُ بعده كزوبعة تبحث عن مسكن بجنون..
كلماته في آخر لقاء لنا قاسية كضربات محارب شرس! كم كانت عيناه لئيمتان كذئب يصطاد فريسته بدم بارد!
بغيابك كنت كريشة تحاول السباحة عكس التيار. والان بعد عودته هل سيصادقني الزمن!
الساعة المعلقة على جدار الغرفة قتلت عقاربها وانتحرت.. لكن الوقت يمضي شاءت أم أبت..
جاهزة لكنني أشعر بالارتباك، حواسي تنكمش، أتنفس من زجاجة تخنقني.
أقرأ الرسالة التي وصلتني من هاتفه المحمول عشرات المرات وقد بصمتها وصرت أرددها دون وعي .
انطلقت قدماي إلى مقهى كنا نرتاده معا أيام الدراسة الجامعية، كم كان يغمرني بأشعاره الرومانسية التي تروي العطش وتشعل الحب، هنا في هذا المقهى الشاهدات جدرانه على كل حرف، جلست على مقعد مجاور لإحدى النوافذ المطلة على الشارع الذي خلفه متنزه كبير، من الغريب أني وجدت هذا المقعد الشاعري شاغرا، يبدو أن بضاعة الحب قد كسدت هذه الأيام..
تابعت عامل المقهى بحيرة وهو يمسح الوشوشات والضحكات عن الطاولات دون تأثر، ثم يكنس بقايا الأوجاع والتنهدات والدمعات إلى خارج المقهى ويهيء الجو لأمنيات وأحلام جديدة.. كان قد وضع أمامها فنجان قهوة لكنه هذه المرة رغم السكر كان بحلاوة العلقم.
نزل من سيارة فارهة رجل بملامح مختلطة بين المكسيكية والهندية.. عبر وجهي النافذة علني أحدد أهو أم غيره.. نفس العيون ونفس النظرات التي كان يرشقني بها، لكنها هذه المرة مختلفة، بهتت ملامحه الوسيمة، مع مرور السنوات صارت له لحية، استبدل سيجارته بمسواك سحبه من جيبه ودسه في فمه بحركة مضطربة، الجلباب القصير الذي يرتديه كأنه لم يفصل له فليس له علاقة بجسده .
رباه من أرى! هل معقول أن تكون أنت الرجل الذي أقنعني بأنه في بلاد أخرى ليجني المال ونستقر معاً تحت سقف واحد؟ أهكذا غيرتك السنوات وأنت في بلاد غير بلادك؟ هل العمل في دولة أخرى جعل منك شخصا آخر؟
بدأ الخوف يلفها وهي حائرة متسائلة: من هذا، ألم أكن أعرفه قبلاً؟
يقف أمامها وكرسي واحد فارغ يملأ فراغ المكان من حولها، رأسهُ إلى الأسفل، واضعا يديه في طيات ملابسه؛ فقد تعلم أن أول العبادة الصمت، وصوم الكلام نافع غير ضار.. تنحنح بثقة: أنا أعتذر عن تلك السنوات التي انتظرتني فيها وأنت تحلمين كأية فتاة بارتداء ثوب الزفاف، لكنني أراكِ الآن شحيحة النفس، فقيرة المنطق، ولا تناسبينني، أفكارك عصرية أكثر من اللازم.. وحاول البحث في نفسه عن أسباب تقنعه بما يفعل مبتعدا عن تأنيب الضمير... لكن كل شيء كما تعلمين قسمة ونصيب.. باختصار أنا أتيت لأريح ضميري وأعفيكِ من الارتباط بي.. فلا شيء يجعلكِ تنتظرينني بعد الآن ..
دارت الزوابع في رأسها وهي تنظر إلى خاتم يليق بالسلاطين بأصبع يده اليسرى، أخذها صمت فاخر الدهشة وهو يخرج بيده اليمنى خاتم فضة نقش ببطنه أول حرفين لأسميهما.. وضعه على الطاولة بجوار فنجان قهوتها المر..
تنظر الناس له بغرابة مستنكرين منظره فعلى غير العادة أن يكون أحد السلفيين في هذا المكان !
بسهولة هكذا ينهي حياتها.. قررت الانتقام ورضيت أن يكون السواد رفيق حياتها الجديدة .
الشخص الوحيد الذي كانت ترتاح إليه هو ذاك المخبول الذي حماها و أعطاها حق آدميتها، وداومت على زيارته في خربة يسكنها قريبة من ذاك المتنزه الذي شهد لحظة موتها, هذه المرة الأخيرة التي ستراه فيها حين زارها على فراش المرض في المستشفى، حول سريرها كانت هناك مجموعة من عائلتها أيضا..
وكان من بين زائريها أيضا ذلك الشخص الذي قرر ببساطة قتلها..
هو أيضاً مصاب بنفس المرض (نقص المناعة) لأنه كان في ليلة أحد زوارها المترفين.