بقلم: محمود خليفة
في الأربعينات من القرن العشرين، كان أحد أخوة التنظيم الخاص يدرب خليته الإخوانية على صعود الجبال في جبل عتاقة القريب من مدينة السويس، وأثناء هبوطهم من الجبل فقدوا طريق الصعود، وكان الجو مظلما، والليل البهيم يكسو وجه السماء وخاصة أن الوقت كان قبل الفجر والقمر لم يكن بدرا، وانداحت بهم الحيرة في ساحات الجبل وردهاته... وإذا بصوت يشبه صوت الإمام حسن البنا يوجه الأخ رئيس التنظيم:
-انزل يمينا... شمالا... اصعد... اهبط يمينا... اهبط الآن...
حتى نزلوا بسلام إلى سفح الجبل، والعجيب أن صوت حسن البنا لم يسمعه إلا الأخ رئيس الخلية. وفي الصباح، ركب الأخ رئيس هذه الخلية الإخوانية أول سيارة ليخبر حسن البنا بهذا الأمر العجب، فأمره حسن البنا بألا يتحدث بهذا الأمر أبدا ويكون هذا الحادث سرا بينهما، ولكن في الثمانينات وبعد هذا الحادث بأربعين عاما تقريبا، أخبر هذا الأخ ابن حسن البنا الأستاذ أحمد سيف الإسلام بهذا الأمر، وبرر ذلك بأنه عما قريب سيلقي ربه ولا يريد أن يموت وهو يكتم هذا السر.
هذه الرواية سمعتها بنفسي من الأستاذ سيف الإسلام حسن البنا في منتصف التسعينات في شقته بحي العجوزة بالقاهرة.
كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يخطب في المدينة المنورة خطبة الجمعة فالتفت من الخطبة ونادى: " يا سارية بن حصن الجبل الجبل، من استرعى الذئب ظلم"[1]، فتلفت الناس بعضهم إلى بعض فقال علي : صدق والله ليخرجن مما قال، فلما فرغ من صلاته، قال له علي: ما شيء سنح لك في خطبتك؟ قال : وما هو؟ قال: قولك: يا سارية الجبل الجبل من استرعى الذئب ظلم، قال: وهل كان ذلك مني؟ قال: نعم وجميع أهل المسجد قد سمعوه، قال إنه وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا فركبوا أكتافهم وأنهم يمرون بجبل، فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوا وقد ظفروا وإن جازوا هلكوا، فخرج مني ما تزعم أنك سمعته. قال: فجاء البشير بالفتح بعد شهر فذكر أنه سمع في ذلك اليوم في تلك الساعة حين جاوزوا الجبل صوتا يشبه صوت عمر يقول :يا سارية بن حصن الجبل الجبل، قال: فعدلنا إليه ففتح الله علينا .
فالذي حدث من سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن الإمام الشهيد حسن البنا هو تواصل مع الآخرين عن طريق ما يسمى بالتخاطر. والتخاطر يحدث عندما يهيمن عالم الاستشفاف على عالم الحس، (أي انخفاض قدرات عالم الحس وانكفاءه)، ولا علاقة بين القدرة اللاحسية من جهة والذكاء والأمور الغيبية، من جهة أخرى.
والتخاطر غريزة فطرية، وقد يرتبط بالصفاء الروحي مثلما حدث مع الإمام حسن البنا وسيدنا عمر بن الخطاب في تلك الحادثتين.
وهذه الظاهرة ما زالت موجودة عند البدو الرحل بما يعرف "بقص الأثر" الذي تمكنهم البحث عن الناس المفقودين في الصحراء.
والتخاطر يحدث فيه إدراك أفكار الآخرين، فالشخص الذي يقوم بالتخاطر يعمل على توفيق حواسه على تلقي المجال الكهرومغناطيسي الصادر من الآخرين ومعرفة ما يدور في عقولهم، وهذا جانب من الظاهرة، أما الجانب الآخر فهو إرسال خواطره وإدخالها في عقول الآخرين...
التخاطر مثل البلوتوث:
فهو عبارة عن انتقال أفكار وصور عقلية بين الكائنات الحية بدون الاستعانة بالحواس الخمسة، وهو يحدث عن طريق نقل الأفكار من عقل إلى عقل آخر بدون وسيط مادٍ، وهذا يعني أنه يحدث مثل الريموت كونترول الذي يتحكم في الأجهزة الكهربائية عن بعد عن طريق الموجات الكهرومغناطيسية، ومثل أيضا البلوتوث المعروف الذي ينقل الملفات والصور بين الهواتف والحاسبات.
التخاطر ليس فقط مع الإنسان ويظهر في الأزمات:
إن التخاطر لا يختص فقط بين البشر، بل يحدث حتى في الحيوانات. وقد أجرى العلماء تجارب عديدة على حيوانات مختلفة للتنبؤ بالزلازل والفيضانات والكوارث التي تصيب الأرض فوجدوا أن الكلاب والأبقار والقطط والأسماك تستشعر بالزلازل قبل وقوعها بعدة ساعات، كما أن الكلاب لها القدرة على معرفة الأخطار التي تحدق بأصحابها...
وتعرف موسوعة ويكيبيديا الشهيرة التخاطر (بتصرف):
"التخاطر (بالإنجليزية: Telepathy)، هو مصطلح صاغه فريدرك مايرز عام ظ،ظ¨ظ¨ظ¢، ويشير إلى المقدرة على التواصل ونقل المعلومات من عقل إنسان لآخر، أي أنه يعني القدرة على اكتساب معلومات عن أي كائن واعٍ آخر، وقد تكون هذه المعلومات أفكار أو مشاعر، وقد استخدمت الكلمة في الماضي لتعبر عن انتقال الفكر. وقد قامت الكثير من الدراسات لسبر أغوار هذه الظاهرة النفسية والتي لا تزال في موضع جدال علمي. والناقدون لهذه الظاهرة يقولون بأنها لا تملك نتائج متكررة ناجحة عندما تطبق في بحوث متعددة. هذه الظاهرة شائعة الاستخدام في أفلام الخيال العلمي والعلوم الحديثة. وبفضل تقنية التصوير العصبي صار من الممكن قراءة الأفكار داخل المخ. إن كلمة (Telepathy) هي من أصل يوناني لكلمة من مقطعين بمعنى التأثير عن بعد. ويعد التخاطر أحد مظاهر الحاسة السادسة أو الإدراك فوق الحسي، وللحاسة السادسة مظاهر أخرى مثل الاستبصار..."
أما أكاديمية علم النفس بالسعودية تعرف ظاهرة التخاطر:
"بأنها مقدرة الإنسان على التواصل ونقل المعلومات من عقل إنسان لآخر, وتعتبر ظاهرة غريبة كغيرها مثل بعد النظر والاستبصار والتقمص العاطفي".
وتشرح موسوعة ويكيبيديا أنواعا من التخاطر:
1- التخاطر المتأخر:
وهو انتقال الأفكار عندما يأخذ فترة طويلة بين الانتقال والاستقبال.
2- التخاطر التنبؤي والماضي:
وهو انتقال الأفكار في الماضي أو الحاضر والمستقبل بين إنسان إلى آخر.
3- تخاطر العواطف:
وهو عملية انتقال الأفكار والأحاسيس.
4- تخاطر الوعي اللاطبيعي:
وهذا النوع من التخاطر يتطلب علم اللاوعي للوصول إلى الحكمة الموجودة عند بعض البشر.
والأعجب في التخاطر هو التخاطر الذي يتم بين إنسان وجماد؛ مثل الذي يبحث عن محفظة نقود مفقودة، فالذي يقتفي الأثر يمكن أن يستقبل إشارات من المحفظة المفقودة لتدله على مكانها!...
أسس التخاطر العلمية:
إن الملايين من خلايا المخ تقوم بإرسال إشارات عصبية إلى كل أجزاء الجسم عن طريق الأعصاب وخلايا الأعصاب؛ منها الإشارات الحركية والمسئولة عن الحركة، ومنها الإشارات الحسية والمسئولة عن الإحساس، ومنها إشارات من العين للمخ ومن المخ للعين، ومن الأذن وللأذن، ومن الأعضاء الداخلية للجسم وللأعضاء الداخلية...
وهذه الإشارات تصدر طاقة كهرومغناطيسية أمكن رصدها، حتى الهالة الموجودة حول الجسم هي نتاج من نشاط المخ ومراكز الطاقة الأساسية والثانوية في الجسم، وهذه الهالة أمكن رصدها وتصويرها بأجهزة خاصة مثل كاميرا "كيرليان" المشهورة. ويمكن مراجعة مقالنا عن "الهالة" في هذا الموقع:
وإذا كان التخاطر يظهر بين الحيوانات في حالات الطواريء فإنه من باب أولى أن يظهر في الإنسان في حالات الطواريء والأزمات أيضا. وعلى سبيل المثال، فالأم التي تقوم فجأة من النوم لأنها شاهدت ابنها -البعيد عنها ربما آلاف الكيلومترات- يتعرض لخطر.
في أحد الأيام في عام 2007، تأخر ابني أحمد في الخارج وكان الوقت يسير حسيسا نحو منتصف الليل، فإذا بزوجتي تقف مذعورة وتقول انزل ابحث عن أحمد فهو في خطر، فنزلت مسرعا وأنا أقول ما هذا الهذيان؟! وخاصة أن ابني كان في الصف الأول الثانوي وكان مع أصحابه في نزهة في نهاية الأسبوع، وهو يعود دائما قريبا من منتصف الليل. والعجب أنني بعدما نزلت أبحث عنه، وجدت أحمد يجري بأقصى ما لديه من قوة في الشارع الخلفي لبيتنا، فسألته ما الخبر فأجابني بأن ثلة من الشباب البلطجي اعترضوه وهو راجع بمفرده وهددوه بسلاح أبيض لخطف هاتفه المحمول، فجرى بسرعة منهم.
هنا علماء الباراسيكولوجي يقولون بأن الابن في حالة إرسال (أدرينالي)، والأم في حالة استقبال أو ارتخاء (كوليني)؛ والأدرينليا تعني أن الكائن الحي في حالة الخطر يفرز هرمون الأدرينالين لأنه تحت تأثير (الجهاز العصبي السيمباساوي)، ومن هنا اشتق هذا المصطلح، أما الأم فهي العنصر المستقبِل وهي العنصر النشط في التخاطر، فهي في حالة (كوليني)، أي تحت تأثير الجهاز العصبي الباراسيمباساوي الذي يفرز موادا مثل الأستيل كولين.
وتشرح أكاديمية علم النفس بالسعودية طريقة ممارسة التخاطر لشخص نحبه (بتصرف):
والمحبة هنا تعني بأن أحد الأشخاص يحب الآخر، وليس شرطا أن تكون المحبة بين الطرفين، والمحبة قد تكون بين أخ، أم، أب، صديق، حبيب وحبيبة. ولقد تمكن العلماء من تصوير انتقال الموجات الكهرومغناطيسية التي تنقل الأفكار بين شخصين في حالة حب عن طريق كاميرا خاصة وظهر منها أن هالات الموجات الكهرومغناطيسية للشخصين المحبين تتداخل حتى تبدو كهالة واحدة.
تمرين للاتصال بالأشخاص ذهنياً (التخاطر):
-أبحث عن مكان هاديء، وأجلس على كرسي يكون مستقيم الظهر.
-أجلس ويجب أن تكون مستقيم الظهر والرقبة.
- قبل أن تبدأ بأي شيء فكر بالشخص الذي تود إرسال الرسالة إليه.
- فكر بالرسالة التي سترسلها إليه ويجب أن تكون قصيرة وواضحة.
- والآن أغمض عينيك .
- استرخى وتنفس خمس مرات بطريقة ( الها ) وهي طريقة للتنفس بحيث يتم الشهيق من الأنف والزفير من الفم وبينما تفعل ذلك تصدر صوت (الها) من الصدر، وهذه الطريقة تساعد على التركيز.
-إذا أتت إليك أفكار عند تركيزك على التنفس فلا بأس أكمل وتخيل أن هذه الأفكار سحابة عابرة وستزول.
- وعند انتهائك من التنفس مع التركيز التام ضع يدك اليمنى على جبينك واليسرى على مؤخرة رأسك وركز انتباهك على العين الثالثة وسط الجبين وهي منطقة الحاسة السادسة.
- استشعر هالتك المحيطة بك، وتخيل الشخص الذي تريد إرسال الرسالة إليه يقترب منك أكثر فأكثر وأنظر إلى هالته، وعندما يأتي بقربك أنظر إليه وكأنه موجود حقيقياً، ركز على ملامح وجهه، مشيته، تعابير الوجه، رائحته ، صوته وكأنه بالفعل أمامك.
- دعه يخرج من هالته ويدخل بهالتك المحيطة بك، ستصبحون الآن في هاله واحده. وأمسك بيده وأخبره بالرسالة، والرسالة كما وضحت في السابق يجب أن تكون قصيرة وواضحة .
- انتظر منه الإجابة، قد تكون إجابته في اللحظة نفسها أو قد تكون في وقت أخر،
أو قد تأتيك الإجابة وأنت نائم على صورة حلم.
- عند انتهائك من الرسالة أخبره أنك سوف ترسل إليه رسالة أخرى، وحدد الوقت الذي سوف تقوم بإرسال الرسالة القادمة فيه.
- دعه يخرج من هالتك ويدخل في هالته.
- أنظر إليه يبتعد إلى أن يختفي.
- تنفس بطريقة (الها) مره واحدة بعمق.
- افتح عينيك.
[1] رواه النووي في " تهذيب الأسماء " 2 / 10، ورواه المحدث ناصر الدين الألباني رقم الحديث 1110 السلسلة الصحيحة المجلد 3 الصفحة 101 بقول" يا سارية الجبل ، يا سارية الجبل" فقط.
تعليق