كل عام يأتى علينا رمضان بنسماته وذكرياته وتجلياته،ليجمع شمل الأهل والأصدقاء والأحباب، فيحفهم بالمحبة والدفئ والتآلف.
ورمضان هو شهر الفضيل هو من أعظم أشهر العام،له معاملة خاصة عند كل الناس فتفتح له المساجد ، وتجهز له الموائد ، وكأن الناس فى كل مكان يسيرون فى حالة لا يضاهيها حالة فى أى الشهور الباقية، فلم نجـد الصخب ولا من هو بغيض ولا من هو حسـود، ولا من هو غاضب ولا عاصب، فيه تسلسل الشياطين وتقيد وتصفد، وتخرج الملائكة تستغفر للصائم أينما كان فى الأزقة والحارات وفى أى مكان.
هذا الشهر الذى أنعم الله علينا به، وخصا به أمة محمد صلى الله عليه وســــلم وحدها دون الأمم السابقة، وجعله الله للنـــاس تذكره ومغفـرة من الخطايا والذنوب، فتمتـــلئ المساجد بالمصلين ، والمطيعين لله تعالى والمستغفرين بالأسحار، تتألف بينهم القلوب
فيتزاورون ويتقاربون مع الأهل والأقارب ويتلقون النفحــات والمواعظ من المشــايخ والأئمة ، ويؤدون صلاة القيــام بعــــد الصلوات المفروضة، فتكــون لهـــم عتقــا من
النار.وتعمر بسببها الديار وتطيـــــل الأعمـــار، هـذه الصلوات التى تسمو فى وجدان المؤمن الحق الذى يواظب على أدائها كل ليلة، وصلاة الفجر التى هى خير من الدنيا وما فيها.
كذلك تأتيهم ليـــلة هى خـــير من ألـــف شهـر، يتعبدون فيهــا المؤمنون تقربا إلى الله تعالى، ليغفر لهم ، راجين الله عـــز وجـل أن يتغمدهم فى رحمته، فهذا الشهر الكريم أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.
ويا ويلاه من لا يصبه نفحة من هذه النفحات الربانية التى أعزنا الله بهـــا ، والإنسـان الجاهل الذى يمــــر عليه رمضان مر الكـرام، فلا يصلى ولا يصوم ولا يزكى ، فمن الناس من يصوم فقط ولا يكمل صومه بالصلاة، ومنهـــم من يفطر جهـــارا نهارا فى رمضان وهـــو فى عنفوان شبابه، ورغــــم إن الشياطين مسلسلة فى هـذا الشـــهر لا تخرج إلا بأمر ربها، إلا أن مازال هناك أُناس لا يعرفـــــون الرحمة، فقلوبهم قاســية ووجوههم عارية، يقولون ألفاظا غـــير أخلاقية، وكأنهـــم هـــم الشياطين، فكما يوجد عادات حسنه يوجد أيضا عادات سيئة، نراهــا فى شوارعنا وفى حوارينا وفى أمـاكن الفساد التى لا تفرق بين الصواب والعقـــاب فتراهم وجوههم مسوده، عليهـــا غـــبره ترهقها قطرة، هم لا محالة شياطين الأنس.
فرمضان يزيل ما سـبق، إذا أصدق العبد فى عبادة الله تعالى حق عباده صلى صلاته وزكى زكاته وصـــام شهـــره، فإذا فعــل ذلك صدقا وعدلا غفر الله له ذنبه حتى ولو كانت مثل زبد البحر.
ورمضان ليـــس لتنوع الموائد فقط، ولكن هو للصــيام والزكاة وقراءة القرآن تعظيما لهذا الشهر الذى أنزل فيه القــــرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقـــان، وجعل فيه ليلة من أعظم الليالى على الإطلاق، ألا وهى ليلة القدر .
والناس فى رمضان منهم من يفوز بغفران الله ومنهم من يطـرد من رحمة الله، ومنهم أيضا يكون فى عذاب جهنــم ومنهم مـن يكـــــون فى الفـــردوس الأعـــلى مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، فكن أخى المســـلم من الذين يرضى عليهـم الله ويتغمده فى رحمته، إن رحمة الله واســـــعة، ولا تدع هـــذه الساعات القلائل التى تقضيها فى رمضان أن تفوتك دون أن من العتقاء من النار.
رحمنا الله إيانا وإياكم وجعل مثوانا الجنة.. آمين.