ما من صداقته بدّ
يقول المتنبي :
و من نكد الدنيا على الحر أن يرى
عدوَّا له ما من صداقته بد
ذاك المتنبي أما أنا فمن نكد الدنيا عليَّ أن لي صديقا ما من عداوته بد . لا يدع لي فرصة كي أشتاق لسحنته , على الدوام يزمر ببوق سيارته أمام بيتنا محدثا تلوثا صوتيا في الحي , و التلوث الصوتي لا يهمني من قريب أو بعيد إذ أستطيع في نهاية الأمر أن أزرع سماعة عند الطبيب إن عطبت أذني . ما يهمني و يؤلمني هو وقتي الذي سطا عليه بالكامل و بكل اقتدار . لم يدع لي فرصة للقراءة و الكتابة أو الإبحار في الإنترنت أو متابعة برنامج تلفزيوني تحبه نفسي . هل هذا كل شيء ؟ طبعا لا , هناك أيضا جلافته و صفاقته ناهيك عن ثقل ظله . أذكر أنني قرأت كلاما للرئيس الأميركي السابق جورج واشنطن قبل سنوات حول الصداقة , أظنه قال : ( الصداقة الحقَّة نبات بطيء النمو ) لا أدري أي نبتة يقصد , ربما الأزهار و الورود , لكن الذي أدريه و متأكد منه هو أن صداقتي هذه من نبتة الحنظل و لا شيء غير الحنظل .
خطر في بالي أن أدوس على الذوق و الأدب و ألمح لصديقي أنه ثقيل و ممل لعل الثقلاء في العالم ينقصون واحدا , بيد أني متأكد لو فعلت ذلك فإنه سيشتم و يلعن كل ثقيل و ممل في الدنيا و كأن شيئا لم يكن و بلادة الحمير في عينيه .
يقول الشاعر اليعربي :
و إذا بالصديق عنك تولى
فتصدق به على إبليس
ليت صديقي تولى كما قال الشاعر فمصيبة الصديق المتولي عنك أهون من مصيبة الصديق الثقيل عليك . قلت أتصدق به على إبليس كما قال الشاعر و أريح نفسي غير أن لدي ثقة عمياء أن إبليس لن يطيقه و لن يطيق ثقله . و سيعيده لي , لا شك في ذلك !!
لم يبق إلا أن أشرب السم أو ألقي نفسي في البحر .. وما أظن هذا ببعيد . صحيح أنها صداقة بائسة لكن قد لا أعدم الفائدة منها , فلربما يحرم الله وجهي على النار بعد أن أرسل لي عبدا من عباده يعذبني في الدنيا . يقال : ( الصديق وقت الضيق ) أما بالنسبة لي ف( الضيق وقت الصديق )
كم مرة فكرت في التخلص منه ؟ كلما بعدت عنه ازداد قربا مني , حاولت الفكاك منه بشتى الطرق و ضاعت فيه الحيل دون جدوى . إنه مثل القدر لا يمكن الهروب منه , وهو كما يقول نزار قباني :
فكيف أهرب منه إنه قدري
هل يملك النهر تغييرا لمجراه
لن أطيل عليكم كثيرا فالقراءة عن صديقي مملة مثل الكتابة عنه , كل ما أريد قوله هو أنه ذكي و لطيف جدا لدرجة أنه لو قرأ هذا الكلام فسيظن أنني أتحدث عن صديق آخر رغم أنني لا أملك غير طلعته البهية .
تعليق