كتب الأستاذ نبيل فياض
نصر الحريري: الحوراني genevoise
أتذكّر تماماً المعسكر الطبّي الصيدلاني الذي تابعناه في محافظة درعا كأحد شروط نيل الشهادة. كانت كارثة. فقد زرت دولاً كثيرة في آسيا وأفريقيا وأوروبا وأميركا الشمالية والمكسيك، لكني لم أرَ قط ذلك التخلّف الذي رأيته في قرى درعا "السنيّة"! شابة في مقتبل العمر، حبلى، تحمل طفلاً في يدها اليمنى، تجرّ آخر في يدها اليسرى، ورابع حافي القدمين يمسك بطرف ثوبها الأسود؛ تسألها عن عمرها؛ تجيبك ببراءة: لا أدري!
درعا كانت الشرارة التي دمّرت سوريا وشردت أبناءها وقتلتهم! ولأنها أقرب المحافظات للأردن، ولأن معظم شبابها يعملون في الخليج، فقد برز الحوارنة كأحصنة طروادية وهابية بلا منازع إلى درجة أن غير الخبير يعتقد لكثرة الحوارنة في المعارضة أن درعا محافظة بحجم دمشق أو حلب أو حمص!
أذكر أيضاً ذلك الحوراني الذي تعرّفت عليه صدفة من بلدة على الطريق إلى درعا، وهو من واحدة من أكبر الأسر في المحافظة. أشفقت عليه فطلبت منه أن يعمل معي لأنه عاطل عن العمل. وكنت آخذه إلى بلدته كلّ أسبوع. رجل في عز شبابه، يمتلك تسعة أطفال، ويعيش في غرفة واحدة مقسّمة بلوح خشبي، ينام الأب والأم في قسم، والأولاد كلّهم في قسم آخر. وكان همّه الأوحد في الحياة أن يصلّي كلّ وقت بوقته. وكانت المرّة الأولى والأخيرة التي أستفيد فيها من طقس ديني. فعندما كان الشاب ينتظر موعد صلاة الصبح يوم 24 نيسان 2011، حاول أحدهم تفجير سيارتي القريبة جدّاً من المنزل، وهو ما ساعد في السيطرة على النيران قبل أن تتفجّر السيارة. وقبل السابعة صباحاً، امتطى الشاب أول حافلة إلى دمشق، ولم أعد أراه. طبعاً، وقت غادر كان بانتظار الطفل العاشر!!!
كان نصر الحريري، مثل سميرة توفيق في سلسلة أفلامها التي حملت عنوان "بدوية في ..."، ضائعاً حضاريّاً ك genevoiseمرتبك! لقد حاول المستحيل أن يثبت للآخرين أنه بمستوى الحدث ديمقراطياً؛ لكن كلامه للمترجمة، بلغة الأمر، كشف كوامنه الحورانية بأفضح ما يمكن.
ورغم معرفته العميقة بأن من يقود الصراع ضد الدولة غرب سوريا هو جبهة النصرة، فقد آثر الدفاع عن تلك الجماعة الإرهابية من قلب جنيف. لكن أطرف ما في الحدث برمته هو حديث هذا النصر عن الضابط العلوي [لم يذكر اسمه] الذي يقاتل مع المعارضة، كدليل على أن الأٌقلية الصغرى التي تعيش في مناطق المعارضة تحتوي كلّ مكونات الشعب السوري.
هل سمع السيّد الحريري بقرية اسمها معلولا؟
هل يعرف مصير القرى المسيحية في ريف ادلب وادلب وجسر الشغور؟
هل وصلته أخبار الأقليات في منطقة حرستا وغيرها من بلدات الغوطة الشرقيّة؟
اسمع يا ابني!!
حدثتني صديقة صحفية – مسلمة سنيّة [وفق تصنيفك البشع] علمانية – أرادت الدخول إلى منطقة القابون من أجل تغطية الوضع هناك. قال لها الطرف المعارض الديمقراطي: "لا يمكنك أبداً الدخول إلا بلباس شرعي"!!!
اسمع يا ابني!!
إذا وضعت على خاصرتك اليمنى امرأة غير محجبة فهذا لا يعني أن تصّدق نفسك أنك صرت genevoise. أنت تحمل بصرى الحرير حتى وأنت في شارع لوزان الجنيفي الشهير...
صرتم متعبين!
تعليق