المؤامرة /هدير الجميلي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • هدير الجميلي
    صرخة العراق
    • 22-05-2009
    • 1276

    المؤامرة /هدير الجميلي

    المؤامرة

    للحب علامات يفهمها الفطن ,منها عدم الضجر من دوام النظرإليه دون أن يرف جفن, كالمسحور تنصت لحديثه بلا ملل ,يضيق مكان لايكون هو فيه وإن كان واسعاً ,وعلى النقيض تكون متثاقلة الخطى ,حائرة النفس,جامدة الحركة ,يضجرها الحديث مع الآخرين .
    أصاب جسدها هزال مفرط ,تتقلب في فراش أعياه لهيب أشواق تتدفق من شلالا خواطر تجلب ذاكرة وتصب حممها في هذا الجسد ,حتى السهر لم يعد قادراً على مجاراة حنيني ,يتلفع بالسواد ويجثو قربي بلا حراك..
    غصة أمر من الزقوم تمنع قلبي المفطور من الإفصاح عن مكنونه,وعيني إلا من دمع يسير ..
    كيف يخيل إليك بأني سأنساك يوماً وأودع ذكرياتي معك ,كيف يتسرب إليك الظن ويأخذك بعيداً عني؟
    اختياري لغيرك كان قدراً إجبارياً,لم يكن تخلياً عنك,نصيب كان الحد الفاصل بين الحياة والموت ,لم يختر أي منا حياته..هل نحن أحياء!..
    شعرت بالكمال معك ..كمال الهيبة والأنوثة ,متعة النظر إليك عن بعد له لذة عجيبة تعادل اللقاء,كم سقيت الحبر بالدمع وكم أوجعني هذا الابتعاد عنك.
    لسنوات طويلة كنت ظلا عاقلاً ظلاً بلا شمس,مضى ستة عشر عاماً ولم يتغير شيء ..
    أجدت الحضور رغم منصبك العالي, وسيماً لامعاً كنجوم السينما, وبقيت متمسكاً بامرأة أقعدها المرض,فرضها عليك والدك ,زوجة كما يفهمها هو؛ لم تكمل دراستها ,تكون كروبوت ينفذ أوامر دون نقاش ,دفنت دموعي وعشت الجحيم خاصة عندما علمت إن الذي بيني وبينك لم يكن سوى نزوة عابرة,حكم الأب كحكم الرب تعالى,نفذت ما أمرك به والدك وتركتني أتخبط وحيدة في دوامة داخل بئر مظلم في صحراء منسية...
    الرجل الذي حسب علي زوجاً لم يكن سوى قطعة من الخشب العقيم ,لا تحركه مشاعر ولا تشعله نار ,يظن أن أمواله العريضة ستهبه السعادة المطلقة ,اللهو واللعب جعلاني أمقته أكثر , حاولت التخلص من نفسي عدة مرات وفي كل مرة كنت أفشل ,ولا أتوب
    في شتاء سيبيري فتاك , كنت كعادتي في مختبري الكيميائي الذي أمضيت فيه سنوات عمري من نجاح إلى آخر ,في وقت الراحة حين وقفت خلف النافذة التي يكسوها ثلج فاخر أراقب الهطول , لاحظت شخصاً يراقبني عن بعد من المقهى المقابل,يطيل الوقوف وكأن الزمن معه جالس على كرسي المقهى,حدثت صديقتي هالة عن هذا الرجل الذي أعتقدت أنه مجنون ..
    هالة هي التي أبقتني على قيد الحياة ,ليس سهلاً أن نجد الأصدقاء المخلصين,لم تتبرم يوماً من سماع مشاكلي,ضحكت ضحكتها ذات اللحن الذي يدغدغ الحواس ويبهجها,وقالت:نحن العرب عاطفيون جداً,وهذا لايجوز!
    لا أعرف ربما هي محقة ..نعم على المحب أن يكتم حزنه ويكظم أسفه وينطوي على علته...
    أصبحتِ تتأخرين عن الحضور للمنزل الذي هو بيتك ,وليس ذلك المختبر المخيف التافه ..قال وهو يستقبلها حال عودتها من العمل

    رشقته بنظرات تقول: نعم لكنك لم تقل هذا الكلام لنفسك عندما تخرج ولاتعود إلا صباح اليوم التالي,لتكمل باقي النهار غارقاً بالنوم كخنزير بليد ..لكن لسانها بقي ساكناً..
    كيف يكون الصبر جاراً للمذلة ,كيف نستهين بأنفسنا ونتلاعب بمصيرنا لخوفنا من مواجهة حقيقة ما نعيشه!
    جَرَّتْ ظلها المنكسر وصعدت درجات السلم الذي خيل إليها أن كل درجة فيه تعادل مائة عام من التعب ,فتحت شبابيك غرفتها وأنصتت إلى الضباب الكثيف الذي غشى المدينة ,تسللت بنظرها حين شعرت بظل ملتصق بأحد أعمدة الكهرباء ,لم تتأكد من صاحبه فأطلقت تنهيدة,واندست بفراشها المكتظ بالأحلام المزعجة,تتمنى أن يذيب النوم كل اللحظات التي مرت بها.
    على صوت زعيق السيارات تصحو, تلملم أشلاءها بدلال ,هي لا تذكر ما حدث ليلة البارحة ,وربما لاتريد أن تتذكر, تعم المكان فوضى غريبة, ملابسها شبه ممزقة , زينت جسدها نصف العاري خدوش وآثار ضرب مبرح تركتها سياط جلاد ,دوامة تتقاذفها وأسئلة تعج برأسها المثقل بالخدر, مهما حدث لا يهم !
    انسلت بكسل تأخذ حمامها الدافئ وتعالج جروحها بعناية , والدموع بعينها تتقافز كالشرر ,أطالت النظر في ملامحها وأغرقت الدموع بشرتها البرونزية .
    تعلم جيداً أن الضبع الشرس أطبق أنيابه على جسدها الضئيل ,فالرائحة التي تفوح منه لا تمحوها عطور باريس كلها, كيف سيكتمل عجزه دون فعل كل هذا !
    في المختبر الذي ربى لديها أقوى أنواع الصبر,تتنقل بخفة كأن شيئاً لم يكن..الحلم بالرجوع إلى وطنها يتعثر على رمال غربتها..
    _الظاهر أن عقلكِ اليوم مشغول صديقتي,وغافلتها بقبلة على الوجنة الباردة..
    _آه يا هالة ,اليوم شديد البرد,ويبدوا أن أعصابي تجمدت,ردت زينة بلطف رغم الجروح النازفة داخلها,تحركت ببطء إلى النافذة تترقب ذاك الظل,استغربت من عدم وجوده..
    وبينما هي منهمكة بعملها أفزعها صوت هالة :ها هو ينتظر أن تلقي عليه التحية من عينيكِ الجميلتين ..
    تبسمت بخبث, لكنها لا شعورياً أسرعت وأطلت من النافذة :ملامحه غير واضحة ,وجسده الطويل متخف خلف ردائه الأسود,قالت واتخذت قراراً بالغ الخطورة ,قررت أن لا تكتفي بالانتظار,بل أن تواجهه,علها تعرف سبب مراقبته لها بلا انقطاع,وكأنه يترقب هبوط شيء من السماء..
    تركت ما بيدها ونزلت مسرعة وكأن الأرض تميد بها,وقافلة قشعريرة تهاجر في جسدها:الآن ماذا تريد مني ؟
    أشاح بوجهه عنها , يدس يديه في جيوب ردائه الطويل ,مرارة ممزوجة بوحل الحزن غص بها حلقه:أشتقت إليكِ.. لهذا أنا هنا ..
    تماوجت الدموع بعينيها ,وهزها صوته الرجولي الخشن,الصوت الذي مانسيته يوماً ..
    _أنت !..ماذا تفعل هنا ؟
    كشف عن رأسه وأظهر وجهه :نعم أنه أنا الرجل الذي لم يعشق سواكِ امرأة... يبكي بصمت يلفه الذنب, تتردد يداه في ملامسة وجهها الذي رسمه خارطة يستدل بها إلى حياة لاتخلو من اليأس..
    شيء من الحياء يمنعها من الارتماء بأحضانه
    _لازلت أتذكر أول لقاء ..وآخر لقاء قتلني..يحدثها وكأن العالم من حوليهما قد توقف تجمد.
    _لأنني أحبك قبلت برجل لا أعرفه ,أخذني من عالمي البسيط إلى عالمه المعقد ,لم أنس الليلة المشؤومة التي قضيتها معه وهو يلتحف جسدي ويعذبه,أما تساءلت يوما كيف عشت هذه السنوات ؟؟دموعها كبركان ثائر اختلط ببحر لجيّ,شفتاها ترتعشان خوفاً وفرحاً,قلبها أربكته النبضات المتسارعة
    كانت هالة هي من اتصلت به وأخبرته بكل تفاصيل حياتها,فمن حق الصداقة الصدق والعون عند الحاجة.
    _لن يكون هذا لقاءنا الأخير يا زينة,أنا هنا لتكوني معي ,أنا الآن جراح مشهور وماهر ,وقد حصلت على عقد في المستشفى القريب ..
    شعرت بالرضا ,وتصالحت مع الحياة من جديد..حل اللون البمبي فيها وعادت تمارس عملها بهمة ونشاط, كثرت اللقاءات وأورق الحب في شوارع المدينة الباردة ..
    استيقظت من نومها الخفيف على أصوات في الصالة ,تسللت بهدوء ونظرت من أعلى دون أن يلاحظها أحد ,كادت أن تسقط من هول المفاجأة..كان جالساً مع زوجها اللئيم المغرور,كأنهما مواجهة ند لند ولكنها ليست رجل لرجل ...
    _تعلم أنني فقدت منحتي الجامعية بسببك ,وألقيت بنفسي عندما وبخني والدي وحرمني من كل الامتيازات ,فأنت من تسبب لي بهذه الإعاقة,عندما عدت لنفسي قررت الانتقام,هددت والدك بقتلك إن لم يجبرك على الزواج بأخرى,فتركتها أنت بكل سهولة خاضعاً لسيطرة ورأي والدك..ولم يكن صعباً الحصول على فتاتك الضعيفة بعدما تأكدتْ أنك تركتها..
    أنت مريض سادي قال وهم بضربه,لكنها ركضت إليه مسرعة والصدمة تنحرها من الوريد إلى الوريد..
    علم نشوان بخطة إياد بعد اعتراف والده,لكن بعد فوات الآوان ,وكان قد فقد الأمل بعد انقطاع أخبارها,لكن هالة التي كانت تعلم كل دقائق حياتها وجدته وأجرت معه مكالمة أخبرته فيها أنها مازالت تعيش على الذكريات..
    صرخت بغضب في وجه إياد, بت أمقتك أكثر ,فأنت المسؤول الأول والأخيرعن كل هذا ,لم تكن سوى مخادع مهووس.. ركضت إلى خزانة قريبة واستخرجت منها مسدساً وصوبته لرأسها:هكذا سأعيد كرامتي لنفسي ..
    وبلحظة كان نشوان قد سحب المسدس منها وصوبه إلى رأسه :بل أنا الذي يستحق الموت ولا يستحقك,فقد كنت عاشقاً مغلوباً على أمري,وهو يستحق السجن المؤبد لقتلي...
    ورد في تقرير الشرطة حدوث انتحار جماعي...
    بحثت عنك في عيون الناس
    في أوجه القمر
    في موج البحر
    فوجدتك بين خافقي أقرب من كل الذين أبحث فيهم
    ياموطني الحبيب...


    هدير الجميلي(هدير نزف النواعير)
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    أجدك مختلفة كليا هنا
    لديك خطة عمل
    لديك التنقل برشاقة بين الأحداث
    أحببت الكثير من الجمل الرائعة المستحدثة بسردك
    ربما النهاية هي التي استوقفتني قليلا خاصة أنها انتحار جماعي
    لكني أحببت النص وهذا الحب كل الحب فيه

    محبتي هدير
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • زحل بن شمسين
      محظور
      • 07-05-2009
      • 2139

      #3
      جدت الحضور رغم منصبك العالي, وسيماً لامعاً كنجوم السينما, وبقيت متمسكاً بامرأة أقعدها المرض,فرضها عليك والدك ,زوجة كما يفهمها هو؛ لم تكمل دراستها ,تكون كروبوت ينفذ أوامر دون نقاش ,دفنت دموعي وعشت الجحيم خاصة عندما علمت إن الذي بيني وبينك لم يكن سوى نزوة عابرة,حكم الأب كحكم الرب تعالى,نفذت ما أمرك به والدك وتركتني أتخبط وحيدة في دوامة داخل بئر مظلم في صحراء منسية...
      سلام يا هدير .... يا لسؤ حظنا من هذا المصير ؟؟؟
      علة العلل التي نعيشها كبشر بهذا الوطن اللي بعده ما تكون وطن ؟؟؟
      شبيه الى حد ما ...الاختيار برفيق الحياة المفروض من قبل الاهل ؟؟؟
      بالضبط حكم قراقوش ومرجعية على السيستاني المغشوش؟؟؟
      الرضوخ للاهل او للمرجع الديني هو التقليد الاعمى للعادات الدينية والاجتماعية...
      وهذه هي مصيبة العراق كوطن وكأفراد لا يملكون القرار بتقرير مصيرهم؟!
      الان آيات الشياطين بتهران يقررون مصيرنا ...
      كما قرر والد الحبيب ، مصير ابنه بالزواج من انسانة مقعدة ...
      ولكن قد تكون من القبيلة او العشيرة او الديرة الخ الخ
      عندنا الدين تقليد والعادات تقليد حتى اصبحنا مثل القرود ...
      يصطادنا تجار الحياة بسهولة؟؟؟؟ كيف ؟؟

      ماذا يفعل تجار القرود حتى يصطادوها؟؟؟
      يأخذ الصياد وعائين::

      الاول فيه ماء يضعه امامه
      والثاني فيه دبق يضعه بمكان قريب من تجمع القرود؟؟

      ويبدأ مولانا ومولى كل ابله ومجنون بالوضوء ...فيرفع الماء من الوعاء يضعه على وجهه ؟؟!
      ماذا يفعل كبير القرود .. يتقدم من الوعاء المليء بالدبق ويغرف بملأ يديه دبق ويمرغ وجهه فيقع بمصيدة الصياد..
      ونحن بني البشر نقع بمصيدة تجار الحياة وسماسرة الاديان والرحمن ؟؟
      انها علة مجتمع بل علل تـاكل مجتمعنا ودمرته... وشعبنا ما زال نائما ً ... لا اعرف اذا هذه الهبة والانتفاضة غيّرت بالنفوس ؟!
      البابلي

      تعليق

      • هدير الجميلي
        صرخة العراق
        • 22-05-2009
        • 1276

        #4
        الأستاذة القديرة عائدة مساء الورد
        أسعدني وجودك ياصديقتي
        أنا أصقل موهبة نمت داخلي وعلي أنجح
        شكراً لتواجدك الرائع الجميل
        بحثت عنك في عيون الناس
        في أوجه القمر
        في موج البحر
        فوجدتك بين خافقي أقرب من كل الذين أبحث فيهم
        ياموطني الحبيب...


        هدير الجميلي(هدير نزف النواعير)

        تعليق

        • هدير الجميلي
          صرخة العراق
          • 22-05-2009
          • 1276

          #5
          الأستاذ الكبير زحل
          مساء ورد راقتني كلماتك وتحليلك
          لكننا أبحنا غارقين في لجة هذا الوطن وصيادوه وهذا المجتمع الذي لا يرحم
          اهلاً بك دائما
          بحثت عنك في عيون الناس
          في أوجه القمر
          في موج البحر
          فوجدتك بين خافقي أقرب من كل الذين أبحث فيهم
          ياموطني الحبيب...


          هدير الجميلي(هدير نزف النواعير)

          تعليق

          • حسن لشهب
            أديب وكاتب
            • 10-08-2014
            • 654

            #6
            رائعة أنت يا هدير حين تمسكين القلم لنسج الأحداث والتفاصيل بكل هذه الدقة والجمالية.
            استمتعت فعلا بقراءة هذا الإبداع الجميل.
            كوني بخير أختي الكريمة

            تعليق

            • هدير الجميلي
              صرخة العراق
              • 22-05-2009
              • 1276

              #7
              استاذي الرائع حسن
              صباح الوخير والطمئنينة
              شكراً لتركك بصمة جميلة هنا
              لاحرمنا الله تواصلك
              بحثت عنك في عيون الناس
              في أوجه القمر
              في موج البحر
              فوجدتك بين خافقي أقرب من كل الذين أبحث فيهم
              ياموطني الحبيب...


              هدير الجميلي(هدير نزف النواعير)

              تعليق

              يعمل...
              X