نغمة عيد .. قصة بقلمي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • رشا الشمري
    أديب وكاتب
    • 15-09-2014
    • 268

    نغمة عيد .. قصة بقلمي






    ((
    نغمة عيد ))
    في زحمة الموت تنطق طفولة تائهة عن حجر حنانها .. تتمزق أوتار الصمت باحثة عن مأوى
    يذبل من خطرفة الوحدة فصلُ الربيع , تكتسي الحداد حِلّة ,,
    سرمدية النظر , لاهية اللب , متمزقة الغواش , جنبذة مابين إقفرارٍ وزهو .. تناقضات عاثت بالحياة فسادا .. في ليلة عيد الفطر المبارك قررت أن استيقظ مبكرا لزيارة وادي السلام في (مقبرة النجف ) لِاعطي للعيد منطق أخر غير منطق الأحياء , انه منطق صلة الرحم بعد الموت , هكذا اعتدت أن ابدأ عيدي بزيارة قبر والدي ّ, فالموت الحقيقي هو موت الضمير لا موت الجسد,,
    كان الليل يجاذبني الهدوء , التأمل , التَفَكُر , حتى اخذ النعاس بتلابيبي ,, وأفَقتُ على سنا فجر يخترق نافذتي فِيُقبل بالسطوع أفكاري ويُنَبه من الغفوة مقلٌ أُغمضت على شيء من الهم !!
    نهضت ونهض كل شيء معي , أقلامي ,أوراقي,سَكنة الشعر في أوردتي فما زلت شاعراً اهزأ من الهموم بأبياتٍ من قصيد, الملم شعثْ اللحظات بقافية جامحة حد الاشتهاء ,
    انه العيد يا هيثم أزح عنك الهموم بكوب قهوة ما عرفت للضجر محطة على إطراف فنجانها ..
    تمتمت مع نفسي حتى صنعت الارتياح والتفائل بيوم جديد !!
    بعد تهنئة عائلتي الصغيرة وصلاة العيد ,وجبة الإفطار الأولى بعد مرور شهر كامل من الصيام , اتجهت لسيارتي ...
    _ هل وضعتن الماء والبخور والأس في السيارة ؟؟
    _
    نعم ابي كل شيء في الحقيبة ( قالت زهراء ابنتي الكبرى )
    _
    بابا بابا .. انتظر . نادت مسرعة تبارك ( الابنة الصغرى
    _
    نعم حبيبتي .
    _
    ابعث لجدتي بهذه الزهرة قمت باقتطافها باكرا فقد اشتقت لها ( قالت ببهجة عيد وأخذتها بدمعة حنين )
    _حسنا بُنيّتي سأذهب ألان .
    _
    إلى اللقاء والدي .
    _
    إلى اللقاء.
    قُدتُ السيارة وكانت الشوارع مكتظة بالمركبات والناس انه مصباح عيد فلا ريب في الأمر ..
    بين توقف , انتظار , إشارات مرور , سيطرات , لحظات لعلها تجعلك تستاء في يوم كهذا رغما عنك , وبين صخب اللحظات
    واذا بطرقاتِ متوالية على زجاج نافذة السيارة
    انتبهت فقمت بفتح النافذة رأيت طفلا جذاب الوجه البسه الفقر حلة مؤلمة مهترء الملامح مقفر الهيئة .. آه قد صدق مولاي ( علي عليه السلام ) حين قال : لو كان الفقر رجلاً لقتلته .. انه يستحق شر قتلة !
    _
    عماه أُمي مريضة .. قال وقد لونت أشعة الشمس الحارقة بشرته البيضاء بحمرة مؤلمة ..
    اعتدتُ على سماع نفس الكلام من الجميع وكأنهم متفقون ولكن ماذا يفعل اؤلئك المشردون بلا مأوى ؟؟ هم النازحون بعد عزِ العيش ورغد الحياة . أعطيته ما تيسر ليتوجه إلى نافذة أُخرى لعلهم يكرمونه أو يَهيّنونه..
    هنيهة من الوقت ..
    ركَنتُ سيارتي بمرآب قريب على المقبرة , وترجلت بحقيبتي التي تحمل طعام الموتى .. طعام يتسرب خفية إلى النفوس بعبق أخروي الهيئة بعد أن كان في الحديقة دنيوي الشذى !
    بين أفاق الموت يعلو الشحوب .. دويٌّ ألِفته القبور .. وما كادت تألفهُ مسامعي !
    تقدمت والدنيا تولي خلفي مدبرة بين احتشاد الموتى وغبار المقبرة وقتامة الدهر .. ها أنا بين حضنين دافئين هل ياتُرى هما من يضمانني أم أنا ؟؟!
    أزحت بيدي الغبار عن خانة اسم والدتي
    اسمها يدق في قلبي وتحته تاريخ وفاتها
    31 / 12 / 2000
    قبلت الاسم بين دموع ما لَبُثت أن تَحرِق وجنتيّ الحنين
    لتتبخر مخلفة أثرا من ترهلات الزمن .. وعلى يمينها والدي كذا فعلت برقعة الاسم كما والدتي تاريخٌ أخذني للحظة الرحيل
    2001/ 5/3...
    -هيثم .. قالت بصوت هزيل
    _
    نعم أماه ,,
    كُنت لا أزال في مرحلة السادس الإعدادي هَمَمتُ بالخروجِ فاستوقفني صوتها اللَهِف ,,
    *_بني لا تذهب أبقى إلى جانبي فهي اللحظات الأخيرة ,, ودمعتها انصبت على وجنتها لامست قلبي فأتقد بنارٍ وحزنٍ لم أود الإفصاح عنه ,, بصمت عدت أدراجي لِأرقد إلى جانبها واضع يدها على وجنتي حتى أخذتُ تقبيل يدها المشرفة على الشتاء ..
    _بني أوصيك بوالدك فلن يطول مكوثه بعدي ..
    ما أن رَفعت نظري لها حتى فارقت روحها الحياة .. مرفرفة إلى مثواها الأخير ..
    _آمآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه ,,
    بين أفاق البخور وعطور اليآس وضعت _زهرة تبارك_ على قبر جدتها وتركت لأعواد البخور المصلوبة العبث بأفكاري المندثرة في الجانب الأخر للحياة,حرية الحديث!!

    حدقت بما يحيط بي من يقظة ’ من قال انه عالمٌ للأموات ؟! بل انه الجانب الحقيقي للحياة !!
    ابتعد مرهق القدم ,تَعلقُ ذرات الأتربة بخطواتي هل تريد المضي إلى عالم يظنه الأحياء حياة! أم انه كرم المقابر ؟!
    وبين احتشاد الأفكار وغياب الوعي المتصل بالواقع وأذا بصوت يخترق مَسْمَعيّ الغفلة يشق هدوء الصمت..
    _
    أمي , أمي , أمي , صوت قادم نحوي وفزع في وجهٍ تعقد معه البراءة صفقة أبدية ..
    _ماذا بك بنيتي .. بدهشة واهتمام
    _
    عماه أضعت أمي . وهي تبكي وتشهق يلتفها الخوف
    _
    اهدئي عزيزتي سنجدها لا تخافي . بحيرة ..
    _
    هل لي أن اعرف ما يدلنا ؟ أين أخر عهداً لكِ بوالدتك؟
    _
    عند قبر والدي .. واختنقت الدمعة لتخفيها بكفها الصغير
    كانت في الثامنة من العمر سمراء البشرة جذابة الملامح اضطجع اليُتم على محياها.تهيم بالنظر إلى غير استقرار .
    _حسنا هل تستطيعي أن تَدُليني على قبر والدك .
    _
    اجل عماه .
    قادتني و أنا أرى بزوغ بصيص أمل ,أمسكت يداها وآليت على نفسي أن لا اتركها حتى أجد والدتها .
    نسير وتنطوي الحياة من تحت أقدام الغربة . يفيق في ذاكرتي ماضٍ لعيدٍ لن يعود , فأين اليوم من الأمس ؟؟
    _انه هنا عماه
    رفعت نظري وإذا بي أقف أمام قبر لشهيد علقت صورته مأسوفة الشباب واتخذ من العلم دليلاً لشجاعته;
    _اذهب ياعم أنا سأبقى مع والدي .
    تهجد الدمع في محراب التيه لعظيم ما سمعت ’أنها تكتفي بقبرٍ لوالدها كي تحتمي به !
    سالت بين يديّ دماء طازجة للحرية وانين مر ..
    بقيت انظر لطفلة المرماة على قبر والدها تبكيه ام تبكي يتمها ؟!
    حتى اقتربت منها امرأة في ريعان الشباب لاهثة الخطوة مقفرة الملامح شاحبة الطلة,
    _بنيتي
    وعزف العيد دمعة ...
    ___________________
    رشا الشمري


    في النهاية سأدرك , باني ماخلقت الا لاكون معك .



  • عبدالإله فؤاد
    أديب وكاتب
    • 23-07-2015
    • 56

    #2
    عندما تقرأ نصا كهذا، تتساءل: كيف للجمال أن يتدثر بكل هذا الحزن والألم.. انسيابية الدوال تمتعك وتطربك، و صور المدلولات تجرحك وتدميك، لكنك تستمتع بهذا السفر، رغم ضياع فرحة العيد.. بوركت أستاذة رشا، وبورك قلمك.. دمت مبدعة متألقة أختي العزيزة. .

    تعليق

    • هدير الجميلي
      صرخة العراق
      • 22-05-2009
      • 1276

      #3
      أبدعتي بوصف الحزن هنا

      أتمنى لك التوفيق غالية
      بحثت عنك في عيون الناس
      في أوجه القمر
      في موج البحر
      فوجدتك بين خافقي أقرب من كل الذين أبحث فيهم
      ياموطني الحبيب...


      هدير الجميلي(هدير نزف النواعير)

      تعليق

      • رشا الشمري
        أديب وكاتب
        • 15-09-2014
        • 268

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة عبدالإله فؤاد مشاهدة المشاركة
        عندما تقرأ نصا كهذا، تتساءل: كيف للجمال أن يتدثر بكل هذا الحزن والألم.. انسيابية الدوال تمتعك وتطربك، و صور المدلولات تجرحك وتدميك، لكنك تستمتع بهذا السفر، رغم ضياع فرحة العيد.. بوركت أستاذة رشا، وبورك قلمك.. دمت مبدعة متألقة أختي العزيزة. .
        الاستاذ القدير
        عبد الاله فؤاد ..
        شرنفني تواجدك الباذخ بالتحليل وامتعتني دقة تمعنك بالحرف ..
        الحرف دون ادلة وجودية يكون كالمحلق بلا قرار ,,
        باقات الياسمين لتواجدك سيدي
        دمت بخير
        رشا الشمري

        في النهاية سأدرك , باني ماخلقت الا لاكون معك .



        تعليق

        • رشا الشمري
          أديب وكاتب
          • 15-09-2014
          • 268

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة هدير الجميلي مشاهدة المشاركة
          أبدعتي بوصف الحزن هنا

          أتمنى لك التوفيق غالية
          الكاتبة القديرة هدير الجميلي
          اشكر تواجدك الشَذيّ في متصفحي
          لمرورك تغريدة حرف
          تحياتي وامتناني

          رشا الشمري

          في النهاية سأدرك , باني ماخلقت الا لاكون معك .



          تعليق

          • عائده محمد نادر
            عضو الملتقى
            • 18-10-2008
            • 12843

            #6
            كتبت بمهنية أديب محترف
            أحسنت رشا
            نص جميل بالرغم من الحزن الساكن فوق القبور وبين الصدور
            هذا قدرنا أن نودع الأحباب الواحد تلو الآخر
            أتمنى أن أقرأ جديدك فأنت تكتبين بسلاسة محببة ودون تكلف
            محبتي
            الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

            تعليق

            • رشا الشمري
              أديب وكاتب
              • 15-09-2014
              • 268

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
              كتبت بمهنية أديب محترف
              أحسنت رشا
              نص جميل بالرغم من الحزن الساكن فوق القبور وبين الصدور
              هذا قدرنا أن نودع الأحباب الواحد تلو الآخر
              أتمنى أن أقرأ جديدك فأنت تكتبين بسلاسة محببة ودون تكلف
              محبتي
              كم انا محظوظه لاجد قصتي المتواضعة قد جذبت الاستاذة الاديبة الرائعة
              عائدة محمد
              ساشكر الحرف كثيرا لانه سبب بأطلالتك الخلابة على اروقة متصفحي المتجمد العرق !
              شكرا من القلب لاطلالتك سيدتي الفاضلة
              لك باقات البنفسج واغلى التحايا

              في النهاية سأدرك , باني ماخلقت الا لاكون معك .



              تعليق

              يعمل...
              X