الفــزّانـــية(1) بالأمس ماتت من لم تكن ساعة كلّمتها ورجوتها أن تناواني عبودا(2) مقابل أن آتيها "بالفزّانية "تعلم أني جادّ في عرضي ...لم أكن قد رأيت الفزّانية في ياتي ولم أكن قد سمعت عنها أكثر من أنها قابلة شعبية تمدّ يد العون للنساء المتوعّصات ولعلني لم أسمع أحدا يذكرها غير أمي وهي تحدّث بتجربتها التي لم تكن فيها "الفزانية" أكثر من حلم امرأة حبلى توشك أن تضع حملها وتستعذب كلّ مل يتصل بتجربة الولادة ...لكنني أعلم جيّدا أنّ الحديث لم يتجاوز الإجهاض . اقتربت من خالتي زوجة عمي وهي منهمكة في إحضار العشاء في ساحة "الزريبة "وان الجوع قد استبدّ بي وآلمتني وطأته وقسا على أمعائي ...اقتربت منها وقد قرفصت تحت "طابية الضّلف"(3)وجعلت تخلط الكسكسي (4)بملعقة من خشب وهي تتبادل الحديث مع جدّتي ...اقتربت منها وأشرت بيدي إلى الكسكسي النيء في "الكسكاس"(4) فنهرتني وتعللت بأنه لم يجهز بعد وكررت ذلك مرّات لكنها كانت في كلّ مرّة تصدّني وتشتدّ قسوة الصدّ حينما أحسّ أنها تحالفت مع الجوع ضدّي وكان لا بدّ لي أن أحتال لنفسي لأسدّ الرمق "بعبود" على الأقلّ ولست أعلم كيف قفزت إلى ذهني فكرة العزف على وتر غريزة الأنوثة وشرعت في المساومة التي كنت أراها أعظم من أن تصمد الخالة في وجهها .اقتربت منها وخاطبتها في توسّل : -أعطني "عبودا"وأنا أجيئك بالفزانية على الناقة توا و أوشك السحر أن ينقلب على السّاحر وبدلا من أن تتعلق خالتي بالعرض جعلت تضحك ساخرة من مساومتي وكانت تنادي جدّتي مقهقهة "يا صغيّرة اسمعي ما قاله ابنك ...مش يجيب لي الفزّانية على الناقة ...هههه...يا وليدي مازال ما طابش ...يوجعك في بطنك " وتعالت أصوات خالتي وأمي وجدّتي وامتزجت قهقهاتهم في ذلك المساء الغريب و قلّما كانت تلك الأصوات تلتقي على صعيد واحد فأمي كانت في حرب متواصلة مع جدّتي ولو لا خالتي ما كانت الأصوات لتتآلف ساخرة مني مستغلة تلك الهدنة . "أعطني عبودا وأنا آتيك بالفزّانية على الناقة "ولكن لماذا الناقة بالذات ؟ لماذا الناقة والحال أنّ أبي كانت له دراجتان هوائيّتان ؟لم الناقة وأنا رحلت مع العائلة من "فريقة" إلى الساحل وركبت الحافلة وعاينت سيارات النقل مختلفة الأحجام والألوان في محطة نابل وسوسة وعلى الطريق الوجيدة قريتي ؟لماذا الناقة و"الفزانية" تركناها وراءنا في "الدّخلة"(5) ونزلنا للسكنى بالساحل أرض الأجداد والشقة بين "فريقا"(5) والساحل كبيرة وما رأيته من وسائل النقل لم تكن في اعتقادي إلاّ كائنات خرافية لا يُعوّل عليها لسدّ خلة الناس في تنقلهم بل لا تتجاوز كونها أشياء أسطورية نتسلى بها في حكايات نزعم أننا عشناها فعلا .حضرت الناقة في ذهني فحجبت كلّ تلك الكائنات الخرافية المنطلقة في سرعة البرق .حضرت لأنّ عيني كانت مثبتة على نقطتين اثنتين إحداهما "الكسكاس" الفخاري الأسود تصهده النار و"القتبّ (6)الذي كان موضوعا على فرع من "طابية الضّلف" وقد انتهت الحاجة إليه وهجر سنام الناقة حينما بدأت سيارات 404 الجديدة التي جلبها العائدون من فرنسا ليباهوا بها البدو تظهر في تلك البيئة وجعلوا ينقلون فيها العرائس على ندرتهنّ في ذلك الوقت فالقرية لا تعرف أكثر من حفلين أو ثلاثة في العام وكان السكّان يؤرّخون بتلك المناسبات النادرة (عام اللي عرّس المولدي ...في عرس أمّ الزين ...ليلة مرواح فلان ..من وقتها ما مطرناش مطرة كيف هذه ...)شدّني القتب كما أغراني الكسكسي .... وضحكت خالتي وجدتي وأمي وجعلن يتبادلن الغمزات واللمزات وأنا لا أنشغل إلاّ "بالعبود " لم تكن الخالة تعلم أنّ ابنها الذي كان وقتها يدرس في المدرسة الابتدائية سيغني يوما عن الفزّانية وأمثالها من المتطبّبين رغم أنه لم يغنها من فقر وعوز ولن يقلب تعاستها وبؤسها سعادة ونعيما . اليوم تدفن الخالة ورأيت بعينيّ بياض الكفن يلف جسدها الممتلئ وسمعت صوتها يتردّد في المقبرة المقفرة إلاّ من بعض المشيّعين القلائل :"اسمعي يا صغيرة ...وليدك قال لي نجيب لك الفزانية على الناقة " ولنّ الضحكات كانت مكتومة ولم أتبين إلاّ همهمات جدّتي وثورة أميّ ونشيجي من شدّة الجوع .وكان ظلّ الفزانية يقف بعيدا عن القبر كأنه قد جُبل بلا مشاعر ولا أحاسيس في 5مارس 2015
الفزانية
تقليص
X
-
المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركةأدري بأن مداخلتي ستكون باردة
لكني لم أعرف معنى بعض الكلمات لهذا
أتمنى عليك أن تكتب لنا المعنى
مع تحياتي ومحبتي
تعليق
-
-
كنت أشرت إلى ضرورة العودة لشرح بعض الكلمات التي هي مغرقة في المحلية وها أنا أنجز ذلك :
(1)الفزانية : اسم علم وهو تسبة إلى فزّان بليبيا ويشير في النصّ إلى قابلة
(2)العبود :اللقمة المضغوطة بالأصابع
(3)طابية الضلف: سطر من الصبّار الذي ينتج التين الشوكي .
(4)الكسكسي : الغذاء الشعبي عند التونسيين ويصنع من دقيق القمح ويطبخ على البخار الصادر من القدر وقد وضع في إناء لطبخه يسمى "الكسكاس "(passoire)
(5)فريقا ،الدّخلة : منطقة واحدة في الشمال الشرقي التونسي
(6)القتب : شيء شبيه بالكرسي يوضع على سنام النّاقة
ما طابش :لم يستو بعدالتعديل الأخير تم بواسطة توفيق بن حنيش; الساعة 28-08-2015, 11:22.
تعليق
-
-
المشاركة الأصلية بواسطة رشيد شرشاف مشاهدة المشاركةأستاذ توفيق بن حنيش
أعجبني كثيرا أسلوبك الأدبي المميز و رشاقة قلمك في العرض
تحياتي وتقديري
شكرا سيّدي رشيد شرشاف على نبل مشاعرك وتقديرك
تعليق
-
-
المشاركة الأصلية بواسطة توفيق بن حنيش مشاهدة المشاركةكنت أشرت إلى ضرورة العودة لشرح بعض الكلمات التي هي مغرقة في المحلية وها أنا أنجز ذلك :
الفزانية : اسم علم وهو تسبة إلى فزّان بليبيا ويشير في النصّ إلى قابلة
طابية الضلف: سطر من الصبّار الذي ينتج التين الشوكي .
الكسكسي : الغذاء الشعبي عند التونسيين ويصنع من دقيق القمح ويطبخ على البخار الصادر من القدر وقد وضع في إناء لطبخه يسمى "الكسكاس "(passoire)
العبود :اللقمة المضغوطة بالأصابع
ما طابش :لم يستو بعد
فريقا ،الدّخلة : منطقة واحدة في الشمال الشرقي التونسي
القتب : شيء شبيه بالكرسي يوضع على سنام النّاقة
أدري بك وكم تحب أن تكون كما أنت
لكن
أحيانا نتعب حين نجري وراء النص لكلمة لم نعرف معناها ولهذا أرتأي أن تكتب مع النص
الكلمه / معناها
وترقمها أيضا داخل النص وبهذا تكون قد وفرت علينا وعلى نفسك عناء البحث
شكرا لأنك استجبت لطلبي
محبتي لك ولنصوصك وأنت تدريالشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق
تعليق
-
-
المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركةتوفيق أيها الدسم الأفكار
أدري بك وكم تحب أن تكون كما أنت
لكن
أحيانا نتعب حين نجري وراء النص لكلمة لم نعرف معناها ولهذا أرتأي أن تكتب مع النص
الكلمه / معناها
وترقمها أيضا داخل النص وبهذا تكون قد وفرت علينا وعلى نفسك عناء البحث
شكرا لأنك استجبت لطلبي
محبتي لك ولنصوصك وأنت تدري
تعليق
-
ما الذي يحدث
تقليص
الأعضاء المتواجدون الآن 73514. الأعضاء 5 والزوار 73509.
أكبر تواجد بالمنتدى كان 409,257, 10-12-2024 الساعة 06:12.
Powered by vBulletin® Version 6.0.7
Copyright © 2025 MH Sub I, LLC dba vBulletin. All rights reserved.
Copyright © 2025 MH Sub I, LLC dba vBulletin. All rights reserved.
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش-1. هذه الصفحة أنشئت 11:38.
يعمل...
X
😀
😂
🥰
😘
🤢
😎
😞
😡
👍
👎
☕
تعليق