رنقت شمس الأصيل للمغيب ،واستهلت السماء بديمة ،وهبت الشمال هوجاء عاصفة ،تصيح وتعول خلال الدكاكين ،والحوانيت الخالية ،وتستجيش مياه النهر ،حتى ترغى وتزبد وتنشر في الهواء أعرافها وذوائبها الفضية ،متسابقة متلاحقة كأنها حلبة الطراد في المضمار ،وأربدت السماء واكفهرت تسح وتهطل بواكف رجاس ،لقد كانت الطبيعة في حداد وهذه مرثيتها .. وعند حافة النهر نتأ بيتٌ قديمٌ مهتريء الأعمدة قد صدأت أخشابه وتلونت بفعل الرطوبة والبرد القارس وتصدعت نوافذه وتهشم زجاجها جراء رياح النهر العاتية ..أصوات خافتة وأخرى ناشزة يصاحبها ضوء غير مستقر يقطع سكونهما سعال شديد يصدر من قعر المنزل ..سيدة صغيرة في منتصف الثلاثينات متوسدة أريكة بالية ومتوشحة برداء قديم ..وقد سالت نفسها حزناً وكمداً وعلى صحيفة محياها تترنم بآيات الحزن والرثاء وقد قدح في أحشائها ،وأذاب سويداء قلبها ،ما آلت إليه من فاقة وعثرة ومذلة بعدما كانوا يرفلون في القصور والدور ويرتعون في أفياء النعيم ،تنحت بهم الدنيا وأنزلتهم منازل الذل والوضاعة ،فجعلت تضني وتضوى في خفوت وسكوت ،وظلت روحها الكريمة تذوي وتذبل على كر الأيام والليالي كالزهرة الغضة اصطلحت عليها الأعاصير والعواصف ،فتتساقط كالشمعة يتحيفها اللهيب حتى انطفأ سراج حياتها وانتقلت من عالم الأشباح إلى عالم الأرواح وهي تنازع السكرات تلثم أنامل وحيدها وبصوت شجي يستذيب الصخرة الصماء كانت توصيه وتأخذ عليه مواثيق العهد والولاء أن يعتني بشقيقته بصوت محشرج يطفح بالسعال والدماء على شفتيها اليابستين وهو يحاول فزعاً تجفيف العرق المصبوب على جبهتها ، ثم نادت طفلتها وشرعت ترجل شعرها الأشعث، وتبسط ما التوى من أهدابها حول مقبرتي عينيها وتنضح بشآبيب دمعها الثر ما علق من تراب وذر ،ثم خنقتها العبرات فبكت بكاءاً غزيراً ،ثم تحجرت عيناها وأفاضت الشمس من خلال النافذة أشعتها الساطعة على وجهها وأعطافها ،وهناك فاضت روحها وصعدت إلى بارئها ،حمل ثلاثة رجال النعش ليلاً وصاروا به يتخطون حفر المياه الراكدة والمستنقعات النازقة يجترون خلفهم الصبي وشقيقته المسكينة لتحل في مثواها الأخيرعند مقابر الصدقات .. مر الوقت بطيئا ً وكان السكون سائداً ثم نزع المراكبي علوش قلنسوته المخضبة بزخات المطر الخفيف فلمعت صلعته الفضية تحت بريق القمر، ونكس رأسه وأسبل عينيه وشرع في إلقاء موعظته وهو يطوح رأسه ثم رفع يده للسماء يلتمس الصفح والغفران للفقيده بعدما أهالوا بأشداق معاولهم تراب الثرى الندي والرمل الخضل المبتل على قبر المنكوبة وألحدوها ،لشدة ما أحزن تلك الصبية المسكينة فراق والدتها ،فزادت في صفرة وجهها وشحوبه وأجرت على خدها الأسيل دمعة فريدة ..تصوبت مواكب السحر فغابت ،وامتد مكانها على الأفق الشرقي خط أبيض ،نقطة هنا وهنالك قطع السحاب ،ومن هذا الخط إنبثق الفجر فغمر الآفاق بتباشيره والبلدة نائمة ...عجلات المياه قد انطلقت ،وقد سمع من مصنع بعيد بأقصى البلد صفير البوق يوقظ العمال ..لم ينم حسن تلك الليلة وقد أخذ مقام الرجال فجلس يفكر وذهنه شارد عالق في الفراغ يقدح الفكرة تلو الأخرى ، كانت عينه الشاردة لاتنفك طمَّاحة في الفضاء ، تسبح في أفاق عوالم مجهولة، وبينما هو يكد قريحته يتلمس مخرجاً مما هو فيه من أزمة كربه الحازمة وكان قد اتفق سابقاً مع المراكبي علوش على بيع المنزل مقابل تسديد ديون المأتم والنعش رنا إلى مسامعه نحيب متقطع كانت مريم لاتزال وقتها طريحة الفراش لاتزال تبكي ولا ترقأ لها دمعة ،وأخذت تذوي وتذبل كالغصن حُرِمَ الري والهواء ، لفرط ما صوح من زهرتها ،وذهب من بهائها وخضرتها، وتنكر من بشاشتها .
الوصية
تقليص
X
-
.أبتاع الحانوتي شيلوك اليهودي نصف المنزل بثمن بخس وسدد إليه إيثان المبلغ كاملاً لقاء الكفن البالي والنعش وثمن الطعام والشراب الذي أعده للمدعوين على شرف الميته ، وبعد أيام جعل المنزل حانة رخيصة لبيع الشراب الرديء وممارسة البغي لم يتحمل إيثان وأخته عربدة الرجال ولا تأوهات الساقطات فكثيراً ما كان يلوذ بها تحت خوان أو أريكه فزعاً من أقتحام أحد الساقطين لحجرتيهما وهو يتجرع زجاة خمر وتفوح من أنفاسه الروائح الكريهة ، حاول إيثان زج شيلوك ومعاتبته على إخلاله بالأتفاق المبرم بشأن المنزل لكن شيلوك أحتج بأنه يملك النص الأخر للمنزل ومن حقه أن يتصرف كيفما يشاء فما كان من إيثان إلا ان حاول الأعتداء على شيلوك الذي لطمه على وجهه نزقت الدماء من أنفه وحدج إليه شيلوك : أيها الصغير ..إذا لم يروق لك جوارنا فابتاعني النصف الأخر للمنزل ثم رمق شيلوك بمؤخرة عينه ساره وأخذ يتحسس جدائلها ويشتمها :عما قريب ستدرين مالاً وفيراً .. نزع إيثان يد شيلوك عن اخته وقال مقطباً : أعطني المال ثم غادر إيثان المنزل بصحبة شقيقته ونزل عند السيد أرماندو ريثما يبحث لهما عن منزل صغير أقل تكلفة وأوثر عيشا ..كان إيثان شارداً يفكر في مجاهل غد وما ستعده له الأيام وتخبئه الليالي ..أستطاع "أرماندو إيجاد منزل صغير متهالك مقابل ماتبقى من أموال المنزل القديم وبعض الأقراد والقلاده التي تركتها والدته شمر إيثان عن ساعده وشرع في أصلاح الأعمدة الخشبية المهترئة وإزالة الألواح التالفة من السقف وتغييرها مما تسنى له من ألواح كان قد إنتزعها سابقاً من أرضية إحدى الحجرات ،ثم عمد لإصلاح النوافذ وإزالة الزجاج المهشم وتغييره بزجاج مازال في طي الخدمةالحمد لله كما ينبغي
-
-
في الصباح الباكر أتى أرماندو بسيارته المتهالكة يحمل بعض الألواح لمساعدة رافايلو في ترميم منزله الجديد
وكان رفايلو منهكاً مكدوداً يقوم بتثبيت بعض الألواح في الفتحات العارية وإزالة الالواح المهترئة.. تساعده لوريلا
أرماندو ..وقد جال ببصره في أرجاء المنزل
عمت صباحاً رفايللو
لقد جئتك ببعض الألواح من الخشب الزان أعتقد انها ستفي بالغرض ...
رفع رفايللو قبعته مبتهجاً
مرحى أرماندو ..إنك كالمطر تزهر أينما تقع
ثم وثب إلى أحد العمدان ومنه إلى الأرض .. وصافح أرماندو بعدما نزع قفازه ودسه في جيبه الخلفي .
ثم ألقى التحية إلى لوريلا التى أومأت برأسها
رفع ارماندو قبعته : لقد أحسنت في ترميم السقف وتصفيف لبنات فتحة المدخنة العلوية ..ينقصك بعض الطلاء ..ثم صمت برهة وقد حرك قبعته قليلاً :
تحتاج للعمل ياصديقي .
لقد أتيتك بدراجة قديمة قد تبدو متهالكة ، لكن عظامها قوية ، تحتاج فقط لبعض الإطارات ..وستفي بالغرض
لقد تحدثت إلى نثانيو الأعرج صاحب محالات " نيوز" لتوزيع الصحف ..يحتاج لشخص ما يحل محل الفتى ريكو الذي ألتحق بالجندية ..أربت رفايللو على كتف أرماندو
لن أنسى لك ذلك
لا أخفي عليك ..هناك ثمة أمر يقلقني فلابد أن تتوخى الحذر ..توجست نفس رافايللو نوازع القلق ..ماذا هناك ؟..المنظمات الحكومية المسئولة عن رعاية الحدث ..تأخذ الفتيات الحدث الأيتام عنوة لتقوم بكفالتهن في ملاجيء حكومية ..ثم رمق رافايللو إلى أخته لوريلا
ماذا لو أمكنك أن تطلق العنان لكل شيء عظيم في حياتك..تحول من التركيز على ما لا يعمل إلى التركيز على ما يعملالتعديل الأخير تم بواسطة عبد الحميد عبد البصير أحمد; الساعة 15-12-2016, 15:22.الحمد لله كما ينبغي
تعليق
-
ما الذي يحدث
تقليص
الأعضاء المتواجدون الآن 72134. الأعضاء 4 والزوار 72130.
أكبر تواجد بالمنتدى كان 409,257, 10-12-2024 الساعة 06:12.
تعليق