في أروقة الجامعة رآها ..
خفق قلبه وكأن بداخله حرباً جاهليةً ضروس للتو دُقت طبولها ,
كان يتأمل حركاتها نظراتها خطواتها بخوفٍ وفرحٍ وصمت ..
عاد الفتى إلى المنزل قبّل رأس والدته بفرحٍ وجنون قال :
منذ اليوم يا أمي إبتدت حياتي
أبلغ من العمر الآن خمسة ساعات ودقيقه
اليوم ولدت يا أمي !
قمتي بإنجابي قبل واحدٍ وعشرين عام
وكأي إنسانٍ آخر ولدت كفيفاً
أنتظر أنثى أخرى تجعلني أبصر
تجعلني أرى جمال الحياة , أبصرت اليوم يا أمي !
إين المرآه إينها أريد أن أراني !
مضت والدته إلى تحضير الغداء وهيَ تخفي إبتسامة أمٍ
وقع إبنها أسير فتاه مرددةً : قد جننت فعلاً يا أوس ..
طوال عامٍ دراسي بدى هذا الفتى مهووساً بأدق تفاصيلها ..
مع من تتحدث , متى تبتسم
بل أكتشف بأنها عندما تقلق تشرب ثلاث علبٍ من الصودا !
لم تعد مسألة إيقاظ أوس تؤرق والدته بعد الآن ..
أصبح يستيقظ مبكراً يدخل مسجله الصغير معه إلى الحمام
ليستمتع بحماماً دافئ ترافقه أنغام إبنة الخطاط !
نعم إبنة الخطاط تلك التي كان يحفظ أغانيها عن ظهر قلب مردداً معها كل صباح
" وروح يانوم من عين حبيبي "
وكأنه يخبرها بأن موعد اللقاء حان
كان يخبر صديقه بأدق تفاصيل هذه العلاقة الصامته وكان تميم يعاتبه دوماً
كيف له أن يصمت طوال عامٍ كامل مخفياً حبه عنها وكيف لها أن لا تلاحظ !
ذات يومٍ أصابت أوس حمّى شديده ,
أمره الطبيب بأن يلازم الفراش لمدة أسبوعٍ كامل
وبأن يحافظ على مواعيد شرب الدواء , بإنتظامٍ كامل !
الفكره بحد ذاتها لم يتقبلها هذا الفتى المهووس بفتاة أحلامه بيسان ,
كان يومئ برأسه وكأن لسان حاله يقول أيه العجوز الخرف أرحل كفاك هراءاً
لكن أمه أصرت بأن يبقى ملازماً للفراش طوال هذه المده خوفاً عليه ,
إغتاظ من أمه كثيراً حتى وصل لمرحلةٍ يشتمها بينه وبين نفسه
مرت يومان ,
كان مغتاظاً إيضاً من صديقه الذي لم يقم بزيارته أو السؤال عنه ..
حتى دق الجرس , كان يعلم جيداً بأن صديقه الأهوج أحسّ بغيابه
كان يجهز سيلاً من الشتائم حتى فُتح الباب ..
صعق حينها إحمر وجهه بدأ يؤلمه بطنه
تاه في إختيار الكلمات المناسبه حتى بادرته هيا أنها بيسان !
قبل أن تجلس على طرف السرير وقبل أن تحادثه وفي بضع ثوانٍ صامته ,
بدأ يتسائل لما هيَ هنا وكيف علمت بمنزلي
وألف لِما وكيف دارت في رأسه !
إبتسمت ثم قالت : الحمدلله على سلامتك يا أوس , أعلم جيداً بأنك متفاجئ
لحضوري هنا خفت عليك كثيراً مرت يومان لم أشعر بأن هناك شخصٌ يراقبني !
بدأت بمراقبتي قبل عام .. وقبل عامين بدأت أنا بمراقبتك !
أعلم بأنك عندما تقلق تبدأ بقضم أضافرك
أعلم أدق تفاصيلك وأنت كذلك ..
ثم بدأت نبرة صوتها بالإختناق وكأنها تكتم عبرةً منذ زمن ,
لم يستطع هو قول أي شيء من هول الصدمه
لم يكن يفكر بها حتى في أجمل أحلامه
حينها ذرفت عيناها بعضاً من الاحرف المختنقه مغلفةً بالدموع قالت :
أتعلم يا أوس لما أخفيت عنك حبي ؟
لم أكن أنتظرك بل كنت أخشى أن تأتي ..
أجهشت بالبكاء أحتضنته ثم مسحت دموعها بسرعة وقبل أن تهّم بالمغادره قالت :
كل الجامعة علمت بأني أحبك , قررت الإعتراف قبل الرحيل !
قال لها إين سترحلين ؟
بيسان أخبريني .. بيسان غادرت بسرعة ..
بدأ يبكي خائفاً من كل شيء حتى لاحت الشمس في الأفق معلنةً صباح يومٍ جديد
لا يعلم مالذي كانت تخشاه نهض من سريره إرتدى ملابسه وأخذ شنطته ضارباً
بتحذيرات أمه عرض الحائط يجب أن يراها اليوم يجب أن يسألها لماذا بكت ؟
عندما حضر للجامعة كانت الأنظار تتجه نحوه لا يعلم السبب , وجد طلاءاً جديداً
لحائط المدرسه .. ربت يد صديقه على كتفه قائلاً : تأخرت كثيراً
قال مالذي يحدث ياتميم أخبرني لم أنم منذ أن أتتني بيسان أرجوك أخبرني ,
قال عندما اصبت أنت بالحمى قررت هيا أن تخبرك بحبها أمام الجميع !
قبل يومان تسللت بيسان إلى الجامعة لتكتب على الحائط بخطٍ عريض
( أنا بيسان أعترف أمام العالم بأني أحب أوس , لكني لا أريده أن يحبني ) ..!
صرخ بوجه تميم قائلاً لماذا أخبرني ..
نظر كل الطلاب إليه قال إينها أخبروني إينها ,
وجد صديقتها هناك تنظر إليه إقترب منها سألها إين بيسان !
قالت بكلماتٍ متقطعه ممزوجةٍ بالخوف قد رحلت إلى مكانٍ أجهله ,
لم تخبرني إين هي راحله لكنها ودعتنا بالأمس جميعاً , لن تعود مرةً أخرى
حينها أدار ظهره للجميع غادر إلى منزلها كان يحلم بأن يستيقظ من أسوء كابوسٍ يمر به
وجد شخصاً عند الباب غمرته السعاده لم تغادر الحمدلله
قال أهلاً ياسيدي هل لي أن أرى بيسان أنا صديقها , إبتسم الرجل وقال :
ياولدي أنا ساكنٌ جديد إشتريت هذا المنزل اليوم , ضحك أوس حينها بقوة !
لحق به تميم إلى المنزل عندما وجده يضحك تفاجئ جداً مالذي يضحكه
عندما إقترب منه جلس أوس على عتبة الباب وهوا يبكي ويضحك معاً
قال تميم مالذي جرى لك يا أوس كل المارة ينظرون إلينا قم ياصديقي هيا ,
نظر إلى صديقه وقال : لن أرحل حتى تعيد لي بصري لن أرحل حتى تعطيني قلبي ؟
لم تأتي لتوديعي بالأمس لم تأتي لزيارتي أتت لتسرقني ,
سرقت عمري وقلبي وبصري حتى ذكرياتي , هيا كل أشيائي , هيا كل أيامي , هيا كل أحلامي !
منذ ذلك اليوم أصيب أوسٍ بالجنون أصبح يسير ليلاً بجوار منزلها القديم يكتب
على حيطان المباني , ( سأنتظرك طوال عمري أرجوكِ أهتمي لأمري ) ..!
مرت عشر سنوات وإلى الآن يحلم بأن تأتي غداً ..
غموضٌ يحيط بأسباب رحيلها , لا أحد يعلم لماذا رحلت وهل ستأتي يومٌ ما ,
كل هذه الأشياء يحلم بها شخصٌ لم يحب الدنيا يوماً إلا عندما رأها
تعليق