في تلك المدينة التي يعلو ضجيجها عند الصباح .. الطلاب يذهبون إلى مدارسهم .. العم علي يبيع فطائر البيض اللذيذة لهؤلاء الطلاب ..
هناك نسوة فقيرات يخرجن في الصباح ليبعن حاجاتهن فترى بائعة البطاطا و ترى بائعة البيض و ترى بائعة الخضروات و هناك بائعة الورد و الريحان ..
شيوخ كبار تعلو جباههم و عيونهم خطوط غليظة تؤكد بأن الزمن قد لعب لعبته بمهارة .. منهم من يمسك مسبحته و ذكر الله لا يفارق لسانه
و منهم من يقرأ القرآن ليبارك يومه بكلام الرحمن .. شيوخٌ و شباب يفتحون محلاتهم سعياً للرزق ..
من كل عمر ترى من يفرش بضاعته المتواضعة أملاً في العودة إلى داره بمبلغٍ يحقق أمنياته البائسة ..
أطفال و شباب في عمر الربيع لم يجدوا فرصة تجعل حياتهم أفضل .. لا تعليم .. لا مأوى يليق بإنسان مع أنه يُفترض أن يكونوا حالياً على مقاعد الدراسة
و لكن الظروف القاسية هي سيدة الموقف .. لا يملكون سوى تلك العربة الخضراء .. يحملون فيها حاجيات الناس طيلة النهار و حتى المساء مقابل ثمنٍ بخس
ليعودوا إلى أسرهم الجوعى بطعامٍ يسكت غضب الجوع ..
و في الوجه الآخر من الحياة تجد هنالك أناس مرفهين لم يعترض شبح الفقر يوماً طريقهم .. في البيوت الفارهة يسكنون و
على الأسرة المريحة ينامون و باللُحف الوثيرة يدفئون و من المن و السلوى يأكلون و بين الأحباب يعيشون و من عسل الحياة يشربون ..
تظل مدينة جميلة .. مبانيها إبداع هندسي .. العقود الملونة تتوجُ رؤوس نوافذها و الزخارف البيضاء تزين جدرانها ..
بطوب الياجور الأحمر بُنيت هذه المباني الساحرة .. أرضية المدينة مبلطة بالحجر الأبيض و الأسود .. و البساتين الخضراء تملأ أرجاء المدينة
فهي ملتقى الأحباب و خلوة المتأمل و مجلس المتحدثين و مرقد التائهين .. و في قلب هذه المدينة القديمة يختبئ ألف سرٍ و سر و ألف قصةٍ و قصة ..
من ذلك البيت العتيق تخرج ابنة العم صالح و هي فتاةٌ حباها الرحمن جمالاً يسرق الأذهان .. بشرة ذهبية و وجنات وردية .. قوام ممشوق ..
خصلات حريرية تلعب خلفها .. فم صغير و شفاه ممتلئة كالتوت .. زهرية اللون ناعمة كالقطن و كأنها حلوى غزل البنات .. عيناها لوزيتان ناعستان
.. بياض عينيها صافٍ كاللبن و لها بريقٌ ساحرٌ كبحيرة بوسط صحراء .. حدقتها خضراء لامعة و كأنها جزيرة أحلام تسرقك من عالم الحقيقة ..
أما عن رموشها فهي ظلال للهارب من حر الشوق الحارق .. بمجرد أن تكشف لثامها حتى تهيم سكرا مع ذلك الوجه الحسن ..
تذهب هذه الفتاة لتبيع الحناء على قارعة الطريق و لابد أن تمر من ذلك المحل الصغير .. محل لشابٍ يتيم يدعى : سام ..
يحب سام أن يتناول فطوره على قارعة الطريق بجوار محله .. تمرات و قهوة قشر تسد جوعه طيلة النهار .. تمر بائعة الحناء الحسناء فيهيمُ عشقاً
و يرمقها بنظراتٍ خجلة و سرعان ما يحني رأسه ليتجاهل تلك المشاعر .. بداخل بائعة الحناء ذات المشاعر .. مشاعرٌ خجلة تختبئ في زنزانة قلبها ..
فهنالك اتصال روحي بين سام و بائعة الحناء .. اتصال حبٍ و شوق ..
عندما ترقد المدينة و يسدل الليل ستاره معلناً انتهاء حفلة اليوم .. يفتح سام نافذته بعد أن رحل النوم من عينيه
يشمُ ذلك النسيم العليل وعبق ملكة الليل يراقص أحاسيسه .. و في الجانب الآخر تفتح بائعة الحناء نافذتها
بعد أن حمل النوم أمتعته و غادر عينيها الناعستين و يظل ذلك الاتصال الروحي بينهما ينتظر اللحظة المناسبة لكي تلتقي الأجساد ..
و يظل ذلك الحب الصامت ينتظر من الجرأة أن تنطق .. و مع الأيام نطقت الجرأة و أمسى زاجل الحب يحمل رسائله في كل ليل ترقد فيه العيون و تظل بعض العيون ساهرة ..
و عندما تنبعث تلك الأشعة الذهبية معلنةً عن الميلاد الجديد تصمت تلك المشاعر و تمر بائعة الحناء أمام أعين يتيم الأب و الحب ..
يذهب كل منهم إلى رزقه منتظرين من القدر الجميلِ أن يهبط على أرضهم ..
و في يومٍ من الأيام فتحَ سام محله و جلس بجواره على قارعةِ الطريق يتناول فطوره .. و مرت صاحبة العيون الخضراء ..
قد بهت لون وجنتيها و شفتيها و ارتسمت خطوط رفيعة على الرمال التي تحيط ببحيرة عينيها .. و قد أصبح ذلك القوام الرشيق ممتلئاً ..
مرت أمامه لأول مرة بعد انقطاع طويل .. مرت و معها صبية جميلة تحمل جمال والدتها القديم ..
حينها اكتشف سام أنه ما زال عالقاً في زمنٍ لم يبقى منه سوى الذكريات .. ظلت روحه طيلة تلك السنين سجينة الماضي تأبى العيش في الحاضر ..
ظلت روحه سجينة زمنٍ لو وصفه إبداعُ رسام لكان لوحة خُطت بألوان الحياة .. ملامحها ملامح أمل .. يتوسطُها نهر حبٍ ينساب في مجراه ..
تتناثر عليه صخور ضخمة و الحشائش الخضراء ترقصُ على كفوف ضفافه .. يمر فوقه جسر حجري .. يقود خطواتك إلى بيتٍ تفوحُ منه رائحة الزمن الجميل ..
فيُـــــفتح ذلك الباب الخشبي العتيق بعد أن عزف الصرير سمفونيته المزعجة لتخرج منه صبيةٌ صغيرة تغني طرباً للحياة فتجلس على أرجوحتها
منتظرةً مجيء ذلك الفتى اليتيم ليُلاعبها و يدفعها بقوة .. و على الجانب الآخر من اللوحة ترى غابة غامضة تحوي في قلبها جميع تناقضات الحياة ..
خواطر قلم / ســـــــــــــــارة مبارك ..
هناك نسوة فقيرات يخرجن في الصباح ليبعن حاجاتهن فترى بائعة البطاطا و ترى بائعة البيض و ترى بائعة الخضروات و هناك بائعة الورد و الريحان ..
شيوخ كبار تعلو جباههم و عيونهم خطوط غليظة تؤكد بأن الزمن قد لعب لعبته بمهارة .. منهم من يمسك مسبحته و ذكر الله لا يفارق لسانه
و منهم من يقرأ القرآن ليبارك يومه بكلام الرحمن .. شيوخٌ و شباب يفتحون محلاتهم سعياً للرزق ..
من كل عمر ترى من يفرش بضاعته المتواضعة أملاً في العودة إلى داره بمبلغٍ يحقق أمنياته البائسة ..
أطفال و شباب في عمر الربيع لم يجدوا فرصة تجعل حياتهم أفضل .. لا تعليم .. لا مأوى يليق بإنسان مع أنه يُفترض أن يكونوا حالياً على مقاعد الدراسة
و لكن الظروف القاسية هي سيدة الموقف .. لا يملكون سوى تلك العربة الخضراء .. يحملون فيها حاجيات الناس طيلة النهار و حتى المساء مقابل ثمنٍ بخس
ليعودوا إلى أسرهم الجوعى بطعامٍ يسكت غضب الجوع ..
و في الوجه الآخر من الحياة تجد هنالك أناس مرفهين لم يعترض شبح الفقر يوماً طريقهم .. في البيوت الفارهة يسكنون و
على الأسرة المريحة ينامون و باللُحف الوثيرة يدفئون و من المن و السلوى يأكلون و بين الأحباب يعيشون و من عسل الحياة يشربون ..
تظل مدينة جميلة .. مبانيها إبداع هندسي .. العقود الملونة تتوجُ رؤوس نوافذها و الزخارف البيضاء تزين جدرانها ..
بطوب الياجور الأحمر بُنيت هذه المباني الساحرة .. أرضية المدينة مبلطة بالحجر الأبيض و الأسود .. و البساتين الخضراء تملأ أرجاء المدينة
فهي ملتقى الأحباب و خلوة المتأمل و مجلس المتحدثين و مرقد التائهين .. و في قلب هذه المدينة القديمة يختبئ ألف سرٍ و سر و ألف قصةٍ و قصة ..
من ذلك البيت العتيق تخرج ابنة العم صالح و هي فتاةٌ حباها الرحمن جمالاً يسرق الأذهان .. بشرة ذهبية و وجنات وردية .. قوام ممشوق ..
خصلات حريرية تلعب خلفها .. فم صغير و شفاه ممتلئة كالتوت .. زهرية اللون ناعمة كالقطن و كأنها حلوى غزل البنات .. عيناها لوزيتان ناعستان
.. بياض عينيها صافٍ كاللبن و لها بريقٌ ساحرٌ كبحيرة بوسط صحراء .. حدقتها خضراء لامعة و كأنها جزيرة أحلام تسرقك من عالم الحقيقة ..
أما عن رموشها فهي ظلال للهارب من حر الشوق الحارق .. بمجرد أن تكشف لثامها حتى تهيم سكرا مع ذلك الوجه الحسن ..
تذهب هذه الفتاة لتبيع الحناء على قارعة الطريق و لابد أن تمر من ذلك المحل الصغير .. محل لشابٍ يتيم يدعى : سام ..
يحب سام أن يتناول فطوره على قارعة الطريق بجوار محله .. تمرات و قهوة قشر تسد جوعه طيلة النهار .. تمر بائعة الحناء الحسناء فيهيمُ عشقاً
و يرمقها بنظراتٍ خجلة و سرعان ما يحني رأسه ليتجاهل تلك المشاعر .. بداخل بائعة الحناء ذات المشاعر .. مشاعرٌ خجلة تختبئ في زنزانة قلبها ..
فهنالك اتصال روحي بين سام و بائعة الحناء .. اتصال حبٍ و شوق ..
عندما ترقد المدينة و يسدل الليل ستاره معلناً انتهاء حفلة اليوم .. يفتح سام نافذته بعد أن رحل النوم من عينيه
يشمُ ذلك النسيم العليل وعبق ملكة الليل يراقص أحاسيسه .. و في الجانب الآخر تفتح بائعة الحناء نافذتها
بعد أن حمل النوم أمتعته و غادر عينيها الناعستين و يظل ذلك الاتصال الروحي بينهما ينتظر اللحظة المناسبة لكي تلتقي الأجساد ..
و يظل ذلك الحب الصامت ينتظر من الجرأة أن تنطق .. و مع الأيام نطقت الجرأة و أمسى زاجل الحب يحمل رسائله في كل ليل ترقد فيه العيون و تظل بعض العيون ساهرة ..
و عندما تنبعث تلك الأشعة الذهبية معلنةً عن الميلاد الجديد تصمت تلك المشاعر و تمر بائعة الحناء أمام أعين يتيم الأب و الحب ..
يذهب كل منهم إلى رزقه منتظرين من القدر الجميلِ أن يهبط على أرضهم ..
و في يومٍ من الأيام فتحَ سام محله و جلس بجواره على قارعةِ الطريق يتناول فطوره .. و مرت صاحبة العيون الخضراء ..
قد بهت لون وجنتيها و شفتيها و ارتسمت خطوط رفيعة على الرمال التي تحيط ببحيرة عينيها .. و قد أصبح ذلك القوام الرشيق ممتلئاً ..
مرت أمامه لأول مرة بعد انقطاع طويل .. مرت و معها صبية جميلة تحمل جمال والدتها القديم ..
حينها اكتشف سام أنه ما زال عالقاً في زمنٍ لم يبقى منه سوى الذكريات .. ظلت روحه طيلة تلك السنين سجينة الماضي تأبى العيش في الحاضر ..
ظلت روحه سجينة زمنٍ لو وصفه إبداعُ رسام لكان لوحة خُطت بألوان الحياة .. ملامحها ملامح أمل .. يتوسطُها نهر حبٍ ينساب في مجراه ..
تتناثر عليه صخور ضخمة و الحشائش الخضراء ترقصُ على كفوف ضفافه .. يمر فوقه جسر حجري .. يقود خطواتك إلى بيتٍ تفوحُ منه رائحة الزمن الجميل ..
فيُـــــفتح ذلك الباب الخشبي العتيق بعد أن عزف الصرير سمفونيته المزعجة لتخرج منه صبيةٌ صغيرة تغني طرباً للحياة فتجلس على أرجوحتها
منتظرةً مجيء ذلك الفتى اليتيم ليُلاعبها و يدفعها بقوة .. و على الجانب الآخر من اللوحة ترى غابة غامضة تحوي في قلبها جميع تناقضات الحياة ..
خواطر قلم / ســـــــــــــــارة مبارك ..
تعليق