نساء المخيم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • روان علي شريف
    أديب وكاتب
    • 24-02-2011
    • 130

    نساء المخيم

    ما كان يخطر ببال أحد منا أن يحدث ما حدث..
    كان الأمر أشبه بأن تطبق السماء بكل ثقلها على صدرك حتى تكاد تختنق ويفور دمك العربي وقت الضيق معلنا عن ثورة حواس تمكنك من تجاوز الخوف وتشعرك عند وقوفك الطويل والمضني عند الحواجز والمعابر بالانفجار.
    بخطوات جادة مستقيمة كانت سيدة في مقتبل العمر لم تتعد الثلاثين من عمرها ترتدي جلبابا أسود وغطاء رأس طويل يغطي كتفيها وصدرها.تسير في شارع ضيق قبل أن تدخل أحد المنازل الواقع على الشارع الرئيسي من بابه الخلفي.كانت على أثرها امرأة أخرى على الهيئة نفسها ترتدي معطفا أسودا فوق الجلباب القاتم تحسبا من أن تسقط الدمعة المتحجرة في عيون المخيم منذ الصباح الباكر من هذا اليوم الشتوي البارد.
    دخلت هي الأخرى من الباب الخلفي وأغلقته وراءها.خلف الباب ساحة المنزل الواسعة التي كانت تعج بمجموعة من النسوة يلزمن الصمت على مقاعد خشبية التي بدت كأنها استجلبت من مقهى الحي المجاور لتؤدي غرض مفاجئا لم يكن في الحسبان.
    كل نسوة مخيم الأمعري جاؤوا بالكامل للاشتراك في حفلة الصمت التي كانت من الممكن أن تكون صخبا ورقصا وتبادل التهاني والقبل لو لم يكن هذا الذي حصل منذ أثنا عشر يوما منذ أن أصيب الفتى سمير بطلقة في الرأس من رشاش مجنس إسرائيلي جاء من الحبشة لم تتمكن مسعفة الهلال الأحمر أن تنقذ حياته. فعلت ما يمكن أن تفعله لكن الإصابة كانت بليغة ودخل في غيبوبة ظلت تتردد عليه وظلت الأنابيب تربطه بنقطة الأمل إلى أن فارق الحياة بين ذراعيها.ما زال كابوسه يطاردها حيث ما حلت ولا زالت مشاهد البشاعة والغطرسة مرسومة أمام عينيها.حاولت جاهدة أن تمحوا من ذاكرتها كل تلك الصور لكنها لم تستطع.
    كان سبر أغوار الوضع القائم صعب للغاية،لا ابتسامات ولا دموع،ولا مكان للكلمات السعيدة ولا حسرة على ما وقع وحدها أم سمير خصبة أضفت شيئا جديدا على الوضع القائم عندما أخذت تستذكر بصوت مجلجل ماثر الانتفاضة الكبرى وشجاعة ابنها الذي زفته شهيدا من أجل حياة الوطن واسترداد الحرية المسلوبة..
    في غفلة من الجميع كما دخلت تلك السيدة ذات الجلباب الأسود غادرت المأتم بخطوات جادة مستقيمة من غير أن تكون في اثرها تلك المرأة التي رافقتها،عرجت على بيت ذويها بالمخيم أخبرت اخوتها بأنها ستتأخر في العمل في ذلك اليوم.
    ركبت الحافلة بعد أن غيرت من هندامها لم تخرج من البيت الا وهي في كامل زينتها الشيء الذي لم تقم به من قبل كلما أخذتها الضرورة لزيارة مدينة القدس التي تعشقها حيث يقطن في الجزء العربي أبناء عمومتها التي انقطعت عنها أخبارهم.
    لم تضيع وقتها بمجرد ان وصلت انطلقت الى شارع يافا موزعة الابتسامات من حين لاخر لعساكر مدججين بالسلاح وفي الوقت الذي رأته الأنسب انفلتت من المراقبة دخلت متجرا مكتظا بالزوار البعض جاؤوا من أكرانيا واخرين من هولندا حتى منهم من جاء من أمريكا تشعبت لغتهم لكنهم جميعا اتفقوا أن هذه الأرض أرض ميعادهم اتي وعدوا بها زورا .
    من بين الحشود ومن خلف ضباب الذاكرة أطل الفتى سمير برأسه أمامها،ابتسمت ورددت للمرة الأخير(( بعدك... على هذه الأرض لا شيء يستحق الحياة..)). ضغطت مرة واحدة بأصابعها على زر حزامها الناسف.دوى انفجار ضخم،تهشم زجاج العمارات والمكاتب القريبة، تعالت الأصوات هنا وهناك.سمعت صفارات الانذار من بعيد ،هرعت فرق الانقاذ بسرعة وحضر رجال الاطفاء لاخماد ألسنة اللهيب التي طالت الطابق العلوي للمتجر.
    حضر رجال الاعلام بكثافة ولفيف من المحققين أغلقوا الشارع بأكمله ولم يسمح لأي ساكن أن يخرج منه أويدخله.
    بعد ساعة من عملية التمشيط والتأكد من الحادثة وحيثياتها أعلنت القناة العاشرة التابعة للجيش الاسرائيلي أعلنت فيه بأن العملية تعد عمل ارهبي نفذته امرأة لأول مرة بحزام ناسف وتوالت التقارير والتحليلات لهذا التطور الجديد في أسلوب المقاومة واستنتج المحققون أن منفذة العملية كانت تدعى وفاء ادريس تعمل في الاغاثة من مخيم الأمعري برام الله واسفرت الحصيلة المؤقتة عن مقتل صهيوني واحد واصابة مائة وأربعون أخرين.
    هناك بالمأتم في المخيم تعالت زغاريد النسوة عندما بلغهن الخبر قالت امرأة بين النسوة.وفاء ادريس رفعت رؤوسنا جميعا يا نسوة،وشدت على يد أم سمير المرأة العجوز التي كانت تجلس الى جانبها،فأفتر ثغرها أخيرا عن ابتسامة خفيفة وبانت في بؤبؤ عينيها علامة الاستحسان والتأييد وما لبثت أن حركت لسانها لتقول شيئا حتى أوجدت نفسها محاصرة بطلبات ملحة من الجموع لتتحدث فباعدن من جو الصمت والحزن المطبق الذي كان سائدا فقالت لم أفهم لماذا كانت وفاء تصر على زيارتي يوميا و كلما سألتها عن سبب تغيبها عن عملها كمسعفة في قسم الطوارئ تعطيني بظهرها تحبس دموعها تغادر البيت خلسة وتكتفي بابتسامة ذابلة وتردد على مسمعي قبل ان تختفي (( على هذه الأرض لا شيء يستحق الحياة..))..

    التعديل الأخير تم بواسطة روان علي شريف; الساعة 07-11-2015, 19:11.
    ليس كل الرجال خونة ولا الخيانة حتما امرأة

    http://cherifrouan.blogspot.com/
  • أحمدخيرى
    الكوستر
    • 24-05-2012
    • 794

    #2
    اهلا بك أخي " روان "
    لك ملكة " سردية " جميلة .. لم تشعرني بالملل ، وأنا اقرأ في نصك .. ومن الواضح أن الفكرة كانت مختمرة في عقلك فجاءت بهذا الشكل .. او كما نقول " هي كتبت نفسها "
    فـ السلاسة السردية كانت هادئة ومنظمة ، وغيـر واثبة .. فلم تفتك التفاصيل ..
    ولكن التقريرية " كانت في أوجها مع هذا النص " فتحول إلى مقال قصصي " أو هي قصة مقال "
    وإن لم تخلو من معالم القصة بـ استثناء القفلة ..ولو وقفت عند هذه الجملة مثلاً ..
    وتكتفي بابتسامة ذابلة وتردد على مسمعي قبل ان تختفي (( على هذه الأرض لا شيء يستحق الحياة..)).
    لكانت قصة مكتملة " من الواقع تخللتها بعض التقريرية "
    اشكرك استاذنا " على متعة القراءة "
    خالص التحايا .
    التعديل الأخير تم بواسطة أحمدخيرى; الساعة 07-11-2015, 18:25.
    https://www.facebook.com/TheCoster

    تعليق

    • روان علي شريف
      أديب وكاتب
      • 24-02-2011
      • 130

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة أحمدخيرى مشاهدة المشاركة
      اهلا بك أخي " روان "
      لك ملكة " سردية " جميلة .. لم تشعرني بالملل ، وأنا اقرأ في نصك .. ومن الواضح أن الفكرة كانت مختمرة في عقلك فجاءت بهذا الشكل .. او كما نقول " هي كتبت نفسها "
      فـ السلاسة السردية كانت هادئة ومنظمة ، وغيـر واثبة .. فلم تفتك التفاصيل ..
      ولكن التقريرية " كانت في أوجها مع هذا النص " فتحول إلى مقال قصصي " أو هي قصة مقال "
      وإن لم تخلو من معالم القصة بـ استثناء القفلة ..ولو وقفت عند هذه الجملة مثلاً ..

      لكانت قصة مكتملة " من الواقع تخللتها بعض التقريرية "
      اشكرك استاذنا " على متعة القراءة "
      خالص التحايا .
      شكرا لك سيدي كما عدلت في ردك ها انا اعمل بنصيحتك وعدلت في قصتي
      ان جئت للصراحة حتى انا كنت مضطرا لاضافة تلك الجملة لكي لا انقص من قيمة الاستشهاديات الاخريات من جئن بعد وفاء ادريس...
      تحياتي لك.
      ليس كل الرجال خونة ولا الخيانة حتما امرأة

      http://cherifrouan.blogspot.com/

      تعليق

      يعمل...
      X