رواية الحالمة ..الفصل الثالت 1- العرس
"سأراها اليوم و سأعرف أهي فتنة النظرة الأولى.. تفعل فعلها الغامض..
أم هي جاذبية المعدن النفيس تزداد مع الوقت
سأحمل إليهم خبرا لا يحمل مثله الأبناء
و لكن لا بأس سأراها رؤية لا تحجبها خيوط ظلام رأس الذريع
سأملأ منها نظرات لا تربكها هيبة عبد الحي ولا خوف محمد
و لا مشاركة عيون الشيخ العطشان النهمة "
كاد أن يرى ابنة عمه مُنَى مرة ثانية حين خرج لدعوة عمه لقران الغالية ولكن فضول رضوى أنبأه أن تلك الظعينة التي شهدوها تدخل الحي من الشرق هي أخت الشيخ عبد الحي جاءت لتحضر العرس ."سأراها اليوم و سأعرف أهي فتنة النظرة الأولى.. تفعل فعلها الغامض..
أم هي جاذبية المعدن النفيس تزداد مع الوقت
سأحمل إليهم خبرا لا يحمل مثله الأبناء
و لكن لا بأس سأراها رؤية لا تحجبها خيوط ظلام رأس الذريع
سأملأ منها نظرات لا تربكها هيبة عبد الحي ولا خوف محمد
و لا مشاركة عيون الشيخ العطشان النهمة "
قال وهو يكاد يعض يده من شدة الحزن: " لو لم أساعد محمود في صناعة "قدح الشمال" للناقة - و الذي لن يمنع رضاعة الفصيل لسعتة عيونه - لما تأخرت حتى تدركني هذه النحسة "
و التفت بانفعال وهو يقترب من خيمة محمود كان يخشى أن يكون سمع أحد تلك الكلمة قبل أن يضيف على عجل وبصوت دهش وهو يطأ طنب الخيمة
- أي الشياه أذبح؟ سأل زين.
- هل يطأ أحد في سنك وقدرك طنب الخيمة.رد محم .
- زَيْنْ ما ترى.قل رأيك بالعجلة.
- محمود أكبرُها أسمنُها أرى أن تذبح إحدى المعز من بنات "أم قرين" ثم أضاف وهو ينظر أثناء جيب زين المرزكش و نوع ثيابه الفاخر:
- هل في الغنم كبش يذبح ؟
- لا إلا كبش الحُبس
- نذبحه ثم نعوضه في الخريف إن شاء الله .
في الجانب الآخر من ذلك الحي المفعم بأجواء ذلك الاحتفال كان فريق "مارية – إرضيو" يسابق الرواح لتجهيز الطبل...ولشدة إلحاح هذا الفريق كان على محمود أن يذبح ويدع زَيْنْ يكمل سلخ الشاة ليأتي "بالمِحلاب" العظيم ريثما تجمع مارية بعض بعر الإبل الذي يصرر عليه جلد شاة كان هو مشاركةَ أم مارية الوحيدة في حفل تكاد تصرخ ضيقا به.
تعاقب على تمديد ذلك الجلد على القدح الكبير كل الحاضرين من فريق مارية ومع كل تمديد يجربون صوته حتى أصبح صوته المزلزل الرزام في جلجلة رعد مع بحة متعمدة .
- جاءت في تلك الأجواء الحماسية الطفلة ريحانة - وهي تجري - قائلة :
"ماريه ماريه هل علمت،.. أختُ عبد الحي قالت أنها استدعت المغنية عيشة وأن أهل الطبل سيشاركون في صناعة الطعام "
- أسرعت مارية إلى خيمتها : وبادرت إلى سكب عصيدة قليلة في قدر صغير وأوقدت تحته بعض الحطب المدخن ، فكان الوفد الصغير الذي يكلمها في العودة لا يكاد ينفس من السور الذي يغشاهم من دخان الموقد المفتعل وكانت تكرر كلمة واحدة كلوا لحمكم والله والله لا أعينكم .
- قالت أخت عبد الحي في صلف "أنا حرة فيما أعمل"
كادت ماريه أن تذرف الدموع وهي ملتفة إلى زَيْنْ قائلة "هل هذا حفظ للعهد" ؟
خاطبها بقسوة أولا ، ثم أضاف وهو يلحظ الدمعة المترقرقة في محاجرها " لن تتكلم عيشة أنا وكيل الوالدة ولن أقبل العقد أصلا إذا كانت عيشة ستأتي.
وأخيرا اصطلح المتخاصمون بعد شجار على أن هذه الليلة سيكون أولها لفريق ماريه ثم تأتي عيشة بعد العشاء وأن الليالي الأخرى ستكون خالصة لفريق ماريه.
بقي الآن تحييد عبد الحي الذي ثارت ثائرته بعدما علم أن عيشة ستعزف على مزمار"آردين" وتكلف بتلك المهمة صديقه محمد ولد أباه.
بعد أسبوع مضى كلمحة طرف وجد زَيْنْ أسرته مكتفية بوالده الجديد عبد الحي وابنه الوحيد غيثِ. كان زين على مقربة من خيمة محمود يحاول تفادي لقاء صهره عبد الحي فكان تجنبه عادة وحياء وكانت استدارة عبد الحي مراوغة وإصرارا.
وجها لوجه وجد زين نفسه مع عبد الحي حين ارتفع سرادق الخيمة الشمالي على غير العادة . مع ابتسامة لعبد الحي وهو يقول:
- ادخل
لم يرفع زين بصره في وجه والده الجديد والذي اندفع في حديث مسهب عن رحلته العلمية الممتعة وبقدر اندفاع الشيخ المتعمد، بدأت تنهال استفسارات زين مثل المسافر الغريب يرى غوامض الطريق المخوف .
وكما كان يريد زين ختم عبد الحي سرد تلك الرحلة بوصيته المتجددة
" هلا ترحلت لطلب العلم و الأدب - فقيمة كل الناس ما يحسنونه – أمك الآن مكتفية بأخيك غيثِ ثم أضاف وهو يبتسم وبأحد آخر عليك أن تذهب إلى المحظرة وأن لا تفشل في انتظار الإجازة .
وأخذ الشيخ عبد الحي بيد زين وهما خارجين من الخيمة ثم قال له اسمع مني بقلبك وعقلك و كل كيانك"
أحس زين بنبرة جلال زادت صوت الشيخ نورا وتأثيرا فأغمض عينيه وهو يستمع إلى صوت ينبعث من أعماقه قبل أن يدخل في أذنيه بنبرة يطبعها جلال وجدية وصرامه:
لقد طلب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من أحد تلامذته أن يعضه غير مشفق ، على أن يعلمه العلم والحكمة في كلمة واحدة " عض التلميذ وعض الإمام وتحاملا على الألم وصبرا طويلا ووجوههما تحمر من ألم العض ومعالجته ولم يكد التلميذ يرخي حتى أرخاه الإمام ثم أقبل عليه بكُلِّيته قائلا " لو تأخرت قليلا لصرخت قبلك " خذها عني العلم صبر ساعة "
وأنا أقول لك " إذا تكالبت عليك الهموم و جاولتك الأحداث وأنت في المحظرة وقالت لك نفسك راحة يوم أو يومين ودعاك أهلك وأصحابك فتذكر وصية الإمام و ادعها إلى صبر ساعة فإن لم تستطع تمثله فتذكر نبرة صوتي هذه المجلجلة والتي لم تسمعها مني من قبل.
وفتح زين عينيه بعد لحظة إشراق عاشها خارج الزمن فوجد الشيخ مشرق الوجه يتصبب عرقا ...هاله المشهد ...انعقد لسانه ولم ينبس ببنت شفة.