دوائر عدم الاطمئنان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبدالرحيم التدلاوي
    أديب وكاتب
    • 18-09-2010
    • 8473

    دوائر عدم الاطمئنان


    جو ربيعي رائق، بنسائمه ، أشعرني بالانتعاش، خيوط شمسه الذهبية الدافئة حركت في فضولا ظل قابعا في أعماق نفسي زمنا، ها هو الهاجع في يستيقظ. تمد الرغبة يدها إلى سلمي الأثري، تحفزني على ارتقائه، هو سلم توارثناه أبا عن جد، ورغم أني لا أعرف كيف حافظنا عليه، بعد أن ضيعنا رفيق دربه في الفتح، المنجنيق العجيب؛ لكنني أجده واقفا بشموخ لم يفقده، رغم توالي الزمان وأحداثه الجسام، أمامي، يقوي في رغبة الاكتشاف. وللعلم، يا سادة، فهذا السلم الخشبي المصنوع من أشجار الصنوبر، مازالت تنبعث منه رائخة الأطلس الشامخ، كان لأحد أجدادي، ساعده، صحبة آخرين، على ارتقاء السور العالي، واختراق الحصن المنيع، ومن ثم سقوط القلعة بسهولة، أكسبت جدي، ذاك، مكانة واحتراما.
    ها أنا أقف، أسير باتجاهه بكل عزم، لقد قويت إرادتي، واشتعلت رغبتي، أمسك به، وأرتقي أدراجه، وبي سؤال حارق؛ أن أعرف ما يوجد وراء هذا السور العابث؟ فقد ظل لفترة طويلة يحتويني تحت جناحيه. وجدت بحرا هادئا بنعومة، لما أبصرني، فتح ذراعيه اشتياقا وناداني، لبيت النداء بالارتماء في أحضانه، وسبحت مدة، لأجد نفسي في يا بسة، فوق رمالها المنعشة تتمدد حوريات يأخذن حمام شمس، أحسست بتخمرهن، وبصعود رائحة الشهوة منهن، وحين أبصرنني تحركت لديهن غريزة الحب، ظنني أني فحل آت من أدغال إفريقيا لأرواء عطشهن، ونسين أنني من سلالة طارق. شمخت بأنفي وتابعت مسيري، لم تستوقفني سوى صافرة على إثرها تجمعت الصبايا في طوابير، بعد أن تلفعن بأردية سوداء أخفت معالمهن، وطمست جمالهن الفاحش، ثم سرن في طرق مختلفة. وإذ اختفين. وجدت مطارق التعب توقظ في الرغبة في النوم، فاستجبت طائعا. كم لبثت؟ يوما أو بعض يوم، لا أدري، كل ما أدريه أن الزمن نهر دائم الجريان، يتجدد ماؤه، لا يأسن أبدا. كل ما أدريه أنني أكملت طريقي وقد استبدت بي الحيرة والاندهاش، واتسعت دائرتهما وأنا أبصر حرائق من كل الجهات تأتي بطرفة عين على الحقول كلها، والجنان، فما عدت أرى تلك الأشجار الباسقة، والطيور المغردة، كل شيء جميل صار أثرا بعد عين، وأنا أبصر خيولا جامحة فرت من قسورة، ولم أر عليها فوارس، وبعدها بقليل أبصرت رجلا من الذين أنعم الله عليهم بالخوف، يعدو بكل ما أوتي من رغبة في الحياة، والدماء تسيل من جسده المكلوم، قدرت أنه فارس قد أضاع نصره، لما أبصرني قال: انج سعد، فقد هلك سعيد. وما كنت لا سعدا ولا سعيدا. لحظتها علمت أنني قد جئت مكانا تزامن وسقوط ممالكه، وفقد سؤدده. أكاد أجزم أنه يشبه ساكن أغمات، ذاك الذي أثر في نظمه، كنت حينها سجين مقاعد الدرس، وهو يرى أقدام بناته تخوض في الطين . وعلمت سر نظرات صبايا الشاطئ، أين أضعت نخوتي ؟ لقد عرتني تلك النظرات المستنجدة، أبانت عورتي ضعفي وجبني. بمجرد وعيي بالحدث العظيم، خرج من مكان مظلم رجلان قويان، أمسكا بي بقوة، وحملاني مرغما، فلا قيمة للمقاومة حين السقوط، إلى دير عجيب، كل رهبانه غريبو الأطوار، مررنا بممر حف من الجانبين بزنازن تصدح بالألم، زرعت في نفسي الخوف، وفي نهايتة، أودعت زنزانة فسيحة، أرغمت على الجلوس على كرسي مهترئ، بحاستي أدركت، رغم ضوء المصباح المسلط على عيني، أنني في حضرة رجال يتابعون استنطاقي، وإن لم يتكلم سوى واحد منهم، كان صوته أجش، لم يطرح علي سوي سؤال واحد، غريب وعجيب: هل المسيح صلب أم رفعه الله ؟
    وبسرعة أجبت، لأني ألفت الجواب، واقتنعت به: رفع.
    ولم أحس بنفسي إلا وقد رفعت، كما ترفع الشاة أثناء السلخ، رجلي في الأعلى ورأسي في الأسفل. ولا يعتقدن منكم أحد أن ذلك من أجل جعل منيي يغذي دماغي وينعشه، ويعيد إليه توازه المختل، ومن ثم، يطيل في عمري. فالأمر يسير باتجاه القتل لا الحياة. سمعت أقدام المغادرين تحتك بالأرض المبلطة، وكأنها تسعى إلى الرفع من حدة توتري، ثم سمعت الباب يغلق بعنف.
    بقيت أتأرجح كالبندول لفترة؛ وقد استبدت بي كومة أسئلة، قبل أن أسمع الباب يفتح من جديد، ليدخل رجل بوزرة بيضاء، ووجه باسم، وقد حمل أدوات حادة. هي النهاية الأليمة إذن، عزمت على الصبر حتى لا أقدم للجناة فرصة فرح. قام الرجل بنزع ثيابي، الآن، فقط، عرفت لم تم القبض علي، بإحداث ثقوب عدة في جسدي، والحق أنه لم يؤلمني البتة، لو كنت حرا لقدمت له شكري الحار على إنجازه الباهر، فقد أشعرني ذلك براحة نفسية كنت بحاجة إليها، هي تشبه الحجامة، تخفف الإنسان من دمه الفاسد، فيستعيد انتعاشه...
    بعد عمله الناجح، غادر من دون أن تبدر منه كلمة واحدة، إنه رجل صموت، بقدر عمله، ويحترم ضحاياه، لا يلوث الحضور بالثرثرة. كم أحببته، إنه، فعلا، رجل يفرض عليك احترامه.
    وبمجرد سكون الزنزانة بدأت أولى قطرات دمي في النزول ...
    وفي القطرة الأخيرة ما قبل الشهقة النهائية، كان فمي عامرا بالعناد وبكلمة: رفع، لكني لم أعرف إن قلتها أم قلت: ورغم ذلك تدور. وإذا بي أسقط من أسفل السلم إلى أعلى الجنون.


  • أحمدخيرى
    الكوستر
    • 24-05-2012
    • 794

    #2
    إشتقت لـ هذا القلم المغاربي " الحميم "
    الصديق الرائع " عبد الرحيم التدلاوي "

    يا حفيد "طارق بن زياد ، ويوسف بن تاشفين "
    لماذا تؤلب المواجع هكذا في حلمك ..
    أكان لابد أن تسقط الاندلس ثانية..
    كنت في حلمك وانت تعبـر بين البحر ، وترتمي علي اليابسة "كـ صقر قريش عبدالرحمن الداخل "
    ومع حديثك مع حوريات البـحر " وإعتزازك بـ طارق " كنت نفسك
    ثم اعدتنا إلى " محاكم التفتيش " بـ رهبانها المخيفين " و زراتهم البيضاء والاتهم الحادة .
    لـ تعلنها مع النهايـة ..
    ان محاكم التفتيش " لم تكن حلما " وإنما هى رؤيا لـ أحداث " قد تكون قادمة " وأندلس أخرى قد تضيع .

    الحداثية الرمزية " هى لغة قصصية صعبة القراءة " فـ التليمحات التنويرية " تكون دائما بين السطور " وفي كلمات أو جمل قليلة .
    ولهذا يصعب فهم أو قراءة هذا النوع من القصص .
    ولكنك يا صديقي " تبـرع في إيصالها للمتلقي وتنويرها " بـحرفيتك المتمكنة

    الاديب الرائع " عبد الرحيم التدلاوي "

    سعدت بـ قراءة رائعتك الجميلة
    وأستئذنك في محاولـة كتابتها ثانيـة " بـ طريقتي " فـ الفكرة تروق لي "

    ودمت بكل ود يا صديقي .
    التعديل الأخير تم بواسطة أحمدخيرى; الساعة 02-12-2015, 20:23.
    https://www.facebook.com/TheCoster

    تعليق

    • عبدالرحيم التدلاوي
      أديب وكاتب
      • 18-09-2010
      • 8473

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة أحمدخيرى مشاهدة المشاركة
      إشتقت لـ هذا القلم المغاربي " الحميم "
      الصديق الرائع " عبد الرحيم التدلاوي "

      يا حفيد "طارق بن زياد ، ويوسف بن تاشفين "
      لماذا تؤلب المواجع هكذا في حلمك ..
      أكان لابد أن تسقط الاندلس ثانية..
      كنت في حلمك وانت تعبـر بين البحر ، وترتمي علي اليابسة "كـ صقر قريش عبدالرحمن الداخل "
      ومع حديثك مع حوريات البـحر " وإعتزازك بـ طارق " كنت نفسك
      ثم اعدتنا إلى " محاكم التفتيش " بـ رهبانها المخيفين " و زراتهم البيضاء والاتهم الحادة .
      لـ تعلنها مع النهايـة ..
      ان محاكم التفتيش " لم تكن حلما " وإنما هى رؤيا لـ أحداث " قد تكون قادمة " وأندلس أخرى قد تضيع .

      الحداثية الرمزية " هى لغة قصصية صعبة القراءة " فـ التليمحات التنويرية " تكون دائما بين السطور " وفي كلمات أو جمل قليلة .
      ولهذا يصعب فهم أو قراءة هذا النوع من القصص .
      ولكنك يا صديقي " تبـرع في إيصالها للمتلقي وتنويرها " بـحرفيتك المتمكنة

      الاديب الرائع " عبد الرحيم التدلاوي "

      سعدت بـ قراءة رائعتك الجميلة
      وأستئذنك في محاولـة كتابتها ثانيـة " بـ طريقتي " فـ الفكرة تروق لي "

      ودمت بكل ود يا صديقي .
      أخي الراقي، السي خالد
      سعيد بتقبلك النص، شكرا لك على تحليلك القيم.
      ممتن لك طيب الإشادة.
      لك كامل الحق في كتابة النص ثانية، فهذا تشريف لي، والأكيد أنني سأقرأه بمتعة.
      دمت مورقا.
      مودتي

      تعليق

      يعمل...
      X