عاد إلى كوخه قلقا ومتعبا، فالعمل طيلة يوم في تشييد المنازل و العمارات مرهق ما في ذلك شك، و إلا، جرب أن تحمل كيس إسمنت إلى الطابق الرابع، مازال العمل جسديا لم تستطع الآلة زحزحته. نفض عنه غبار التعب قبل أن يلج مأواه.
دفع الباب و دخل، عذرا، فكوخه لا باب له، إنه مشرع على فساحة السماء، غير أن السماء لم تبادله انفتاحا، ظلت مغلقة في وجهه رغم توسلاته التي أذابت الصخر و قلبه، ذلك أن مفتاحها لا يمتلكه، و السر لدى تلك القلة التي عرفت الكلمة فاستحوذت عليها. ثم إنه أمي، لم تسعفه الظروغ للتعلم، أبوه سار خلف حماره يبيع سقط المتاع و لم يفكر أبدا أن يسجل ابنه في مدرسة ما، كان ذلك من الكماليات، و هو يناضل بصبر للحصول على كسرة تسكن الجوع إلى حين.
استقبلته ابتسامة الأبناء و الزوجه، يعتز بالفعل لأنه يراه بمثابة دلو ماء دافئ يزيح عن كاهله ما تراكم من عياء. مد الزوجة بالكيس، سارعت إلى حمله إلى المطبخ، أقصد، إلى ركن في الكوخ اتخذ لتهييئ الطعام. وضعت الزيتون في صحن، و صبت العدس في آخر، و هيأت الشاي، ثم حملت كل ذلك إلى الطاولة و قد تحلق حولها القوم.
و بعد شبع تمدد الجميع فوق الحصير للنوم. و العجيب أنه سريعا ما داعب أجفانهم.
الأب في جهة و الأم في أخرى، و تجمع بينهما الرغبة المتأججة، يرسل شهوته عبر الأثير لا يشعر بها الأبناء، فتلتقي بها، وسط الطريق، استجابة الزوجه، فيتحقق الحب المغسول من أدران الزمن، فيكون الحمل العجيب. تلك كانت طريقتهم في التكاثر لما ازداد البكر.
لم يكن قلقله على ابنه الأكبر الذي نما بسرعة و استطال حتى إنه بدأ يسد بقامته الفرعاء الباب، و يقف حاجزا أمام نزواته بنزواته. يسمع كل ليلة تنهداته الساخنة فيضطرب فؤاده من طاقة قد تصرف في غير محلها. لقد رآه ما مرة يتلصص على ابنة الجيران. ورآه يصرف بيده فائض الرغبة بعينين جاحظتين..
لم يكن قلقه عليه لأنه لم يتابع دراسته لسببين: أولهما أنه لا يمتلك مالا ليصرفه عليه و على إخوته. ثانيهما أن المدرسة اليوم لم تعد للترقي الاجتماعي، فطوابير المعطلين خير شاهد، فلاداعي للشواهد.
إنهم تمكنوا من كسب رزقهم كباعة متجولين، يعودون كل مساء بحصيلتهم التي تمكنهم من مواجهة أعباء الحياة. لقد صاروا رجالا، و توفير ما فاض لبناء دور تأويهم في هذا المجرى اليابس، بإسكات عيون السلطة بقليل مما تيسر، حتى تسمح لهم بتشييد براكاتهم الحقيرة.
فما الذي جعله قلقا؟
ما يقلقه حقا هو تلك الغيمة الشريدة وقد ظهرة على حين غرة فحركت بداخله ألما ظن أن الأعوام قد مسحته من ذاكرته، لكنه اليوم يطفو من جديد كقشة تصارع النسيان.
رآها غيمة لعوب سرعان ما ستقبل عليها أخريات يرغبن في اللعب. يشكلن طاقة جبارة تنهمر لعابا يسيل كالسيل من فم السماء فينطلق في لعبة مسح ما يعيق سعادة مجراه.
يتذكر أن كوخهم كان عنيدا، غير أن قوته كانت من الضعف بحيث انجرف بقوة، وأن كل أفراد اسرته قد انمسح حضورها إلا هو الذي نجا بأعجوبة.
الآن، وهي تتشكل أمامه كثعبان يسعى إلى نفث سمه في ألارض فيهزها ألما، هل تكفي الصرخة للإيقاظ؟
دفع الباب و دخل، عذرا، فكوخه لا باب له، إنه مشرع على فساحة السماء، غير أن السماء لم تبادله انفتاحا، ظلت مغلقة في وجهه رغم توسلاته التي أذابت الصخر و قلبه، ذلك أن مفتاحها لا يمتلكه، و السر لدى تلك القلة التي عرفت الكلمة فاستحوذت عليها. ثم إنه أمي، لم تسعفه الظروغ للتعلم، أبوه سار خلف حماره يبيع سقط المتاع و لم يفكر أبدا أن يسجل ابنه في مدرسة ما، كان ذلك من الكماليات، و هو يناضل بصبر للحصول على كسرة تسكن الجوع إلى حين.
استقبلته ابتسامة الأبناء و الزوجه، يعتز بالفعل لأنه يراه بمثابة دلو ماء دافئ يزيح عن كاهله ما تراكم من عياء. مد الزوجة بالكيس، سارعت إلى حمله إلى المطبخ، أقصد، إلى ركن في الكوخ اتخذ لتهييئ الطعام. وضعت الزيتون في صحن، و صبت العدس في آخر، و هيأت الشاي، ثم حملت كل ذلك إلى الطاولة و قد تحلق حولها القوم.
و بعد شبع تمدد الجميع فوق الحصير للنوم. و العجيب أنه سريعا ما داعب أجفانهم.
الأب في جهة و الأم في أخرى، و تجمع بينهما الرغبة المتأججة، يرسل شهوته عبر الأثير لا يشعر بها الأبناء، فتلتقي بها، وسط الطريق، استجابة الزوجه، فيتحقق الحب المغسول من أدران الزمن، فيكون الحمل العجيب. تلك كانت طريقتهم في التكاثر لما ازداد البكر.
لم يكن قلقله على ابنه الأكبر الذي نما بسرعة و استطال حتى إنه بدأ يسد بقامته الفرعاء الباب، و يقف حاجزا أمام نزواته بنزواته. يسمع كل ليلة تنهداته الساخنة فيضطرب فؤاده من طاقة قد تصرف في غير محلها. لقد رآه ما مرة يتلصص على ابنة الجيران. ورآه يصرف بيده فائض الرغبة بعينين جاحظتين..
لم يكن قلقه عليه لأنه لم يتابع دراسته لسببين: أولهما أنه لا يمتلك مالا ليصرفه عليه و على إخوته. ثانيهما أن المدرسة اليوم لم تعد للترقي الاجتماعي، فطوابير المعطلين خير شاهد، فلاداعي للشواهد.
إنهم تمكنوا من كسب رزقهم كباعة متجولين، يعودون كل مساء بحصيلتهم التي تمكنهم من مواجهة أعباء الحياة. لقد صاروا رجالا، و توفير ما فاض لبناء دور تأويهم في هذا المجرى اليابس، بإسكات عيون السلطة بقليل مما تيسر، حتى تسمح لهم بتشييد براكاتهم الحقيرة.
فما الذي جعله قلقا؟
ما يقلقه حقا هو تلك الغيمة الشريدة وقد ظهرة على حين غرة فحركت بداخله ألما ظن أن الأعوام قد مسحته من ذاكرته، لكنه اليوم يطفو من جديد كقشة تصارع النسيان.
رآها غيمة لعوب سرعان ما ستقبل عليها أخريات يرغبن في اللعب. يشكلن طاقة جبارة تنهمر لعابا يسيل كالسيل من فم السماء فينطلق في لعبة مسح ما يعيق سعادة مجراه.
يتذكر أن كوخهم كان عنيدا، غير أن قوته كانت من الضعف بحيث انجرف بقوة، وأن كل أفراد اسرته قد انمسح حضورها إلا هو الذي نجا بأعجوبة.
الآن، وهي تتشكل أمامه كثعبان يسعى إلى نفث سمه في ألارض فيهزها ألما، هل تكفي الصرخة للإيقاظ؟
تعليق