"حبيبتي اذهبي للنوم" كانت الكلمات الأخيرة التي تسمعها منه قبل أن يأخذها من يدها ليدخلها حجرتها الصغيرة واستفهمته: لكن الوقت ما زال باكراً يا بابا
نظر وأومأت عيناه بعبوس تقولان التزمي الصمت وكفى. أطبق باب الغرفة خلفه بعد أن أمرها ثانية وهو يربت على كتفها أن تنام، واضعا دميتها بجوارها وغطاها باللحاف السميك...كان على غير عادته هذا المساء، أمها في الأسفل بالكاد تراها هذه الأيام، تعمل كثيرا لا تعود إلا متأخرة، أحيانا بعد أن تنام كان غاضبا جدا فأمها لا تهتم بشيء. سرعان ما استغرقت في النوم رغم ضجيج تناهى لسمعها كاد أن يوقظها لكنها عادت ونامت من جديد. لم يوقظها إلا الصباح، بحثت عن والدها في الطابق العلوي والسفلي، لم تجده وقفت عند باب المطبخ الخلفي المطل على الحديقة، وجدته واقفا هناك يدخن وينظر للصباح والسماء البعيدة
حاول أن يبتسم ابتسامة خفيفة حين رآها، فتح لها ذراعيه ليأخذها في عناق صغير، بابا هل ذهبت ماما؟ ـ نعم غادرت. جلست وتناولت إفطارها
أنها تهملها لم تقبلها هذا الصباح، بل تهملهما معا تغيب كثيرا ،لكنها تشعرها بحنان كبير، عناقها أو قبلة على جبينها كان أغلى من كل اللعب التي لديها لكنها لم تفهم لماذا أختلفت مع أبيها مؤخرا... مر النهار، أدت واجبات المدرسة أسرع من المعتاد .. حان وقت عودة أمها، لم تأت، تأخرت. ـ أين أمي يا أبي؟ ـ ستأتي.
كان أقل كلاماً هذا النهار وانتظرتها ثم عاودت السؤال.. أين أمي يا أبي؟ قال إنها أتصلت تخبره أنها ستنام الليلة عند قريبة لها.. لكنها لم تسمع صوت الهاتف..
فراقها.. لم تتعوده، وجودها كان قليلا لكنه يكفيها لتشعر بالاطمئنان، وجودها كان ينشر الفرح، أبيها أيضا رجل خلوق جدا وبدا أكثر اهتماما بها في غياب أمها وأكثر رحمة، الجيران سألوا عنها ، قال لهم رحلت. "رحلت مع عاشق لها!" سمعت نميمتهم. لم تعرف معنى عشيق في ذلك العمر لكن حدس قلبها أخبرها أن شيئا سيئا حصل أو سيحصل لأمها، على الأقل لن تراها لفترة ليست قصيرة. والدها يسقي الحديقة كل صباح منذ الخريف الذي رحلت فيه أمها، وها قد جاء الربيع وتفتحت الأزهار، أزهار غريبة نادرة الألوان لأول مرة تراها، وفي كل مرة كانت تريد أن تدخل لتقطف زهرة كان يقول لها لا تدوسي على الطين ثيابك ستتسخ.
"عاد الخريف الجديد دون أن يأتي بأمي" هكذا رددت وخالها الوحيد آت لزيارتها ـ أخيرا سأل أحد عن أمي..
ـ تعرفين أن أمك ليس لديها أقرباء إلا أخا يعيش متنقلا من مكان لآخر وأحيانا مسافرا هنا أو هناك
كان الخال يطرق الصالة مشية وذهابا، شابكا يديه خلف ظهره، نظر في عيني الأب القادم، وحمل كلا منهما كلاما في باطنه
أمراها أن تذهب، وهذه المرة تسترق السمع ـ أين هي؟ لقد سألت عنها لكني لم أجدها. أين ذهبت أو أين أخفيتها؟
ـ أنا لا أعرف لا أعرف شيئا قالت لي أنها ستذهب لتعيش حياتها التي لم تجدها معي بعيدا عني، أخبرتها أني سأعطيها ورقة طلاقها لكنها لم تعد.
في المرة الثانية التي عاد فيها جاء قبل أن يغادر البلاد، كرر الأب أنه لا يعرف عنها شيئا، ناوله مجوهرات تركتها ومال قال إنها أرسلته لابنتها مع رجل غريب قائلا إنه لايريده. كان الرجل في عجل من أمره و المال مغريا ليغلق الرجل فمه ويرحل دون رجعة. ولم يسأل عن الفتاة الصغيرة ليراها هذه المرة.
الجميع يحب الفتاة التي بدأت تنضج، أباها الذي كان إنطوائيا صار رجلا محبوبا محترما، يربي ابنة صغيرة بعد غياب أمها، لم يتزوج، ليكون الأب والأم . لكنها ظلت تسأل عن أمها... دون أن يجيب
الحياة جميلة جدا الأزهار في الحديقة جميلة هناك رأت أمها آخر مرة، وهناك تحلم أنها تراها جالسة في الحديقة بين الأزهار
عرسها غير مكتمل بدون والدتها ووجهها الحسن البرئ يتراءى لها بين وجوه الحاضرين
ـ أعلم أنها كانت ستأتي لو كانت حية يا أبي، لقد كانت تحبني.لم يضف كلمة، شعرت بألم نغصه...
كان جداً رائعا وسعيدا برؤية أحفاده حوله...
مرض، حدثها عن وصية في الصندوف الخاص به، وألم بدا يجثم فوق صدره.
لحظة يحتضر،عاودت السؤال من جديد، أبي، أين أمي؟ نظر بحزن للحديقة، لجزء من الأرض مغطى بالأسمنت من حوله الأزهار بعينين ملأهما الدموع. كيف لم تفتح عيناها على السر من قبل؟ كان الأب يغمض عينيه بهدوء، وتذكرت تلك الليلة، وكلمات ظنتها حلما "أنت فاجرة كنت مع رجل آخر"
كان يرصف ذلك الجزء الأخير من الحديقة بالأسمنت صباح اليوم التالي.
نظرت للمكان الذي علاه الصمت وإلى جانبها جسده البارد.. مشت خطوات أخذت الصندوف من خزانته فتحت وصيته
"في لحظة غضب... سامحيني، هناك في الحديقة ترقد أمك".
"كانت أمي قريبة مني أكثر مما أظن، رحمتك أيتها السماء".
نظر وأومأت عيناه بعبوس تقولان التزمي الصمت وكفى. أطبق باب الغرفة خلفه بعد أن أمرها ثانية وهو يربت على كتفها أن تنام، واضعا دميتها بجوارها وغطاها باللحاف السميك...كان على غير عادته هذا المساء، أمها في الأسفل بالكاد تراها هذه الأيام، تعمل كثيرا لا تعود إلا متأخرة، أحيانا بعد أن تنام كان غاضبا جدا فأمها لا تهتم بشيء. سرعان ما استغرقت في النوم رغم ضجيج تناهى لسمعها كاد أن يوقظها لكنها عادت ونامت من جديد. لم يوقظها إلا الصباح، بحثت عن والدها في الطابق العلوي والسفلي، لم تجده وقفت عند باب المطبخ الخلفي المطل على الحديقة، وجدته واقفا هناك يدخن وينظر للصباح والسماء البعيدة
حاول أن يبتسم ابتسامة خفيفة حين رآها، فتح لها ذراعيه ليأخذها في عناق صغير، بابا هل ذهبت ماما؟ ـ نعم غادرت. جلست وتناولت إفطارها
أنها تهملها لم تقبلها هذا الصباح، بل تهملهما معا تغيب كثيرا ،لكنها تشعرها بحنان كبير، عناقها أو قبلة على جبينها كان أغلى من كل اللعب التي لديها لكنها لم تفهم لماذا أختلفت مع أبيها مؤخرا... مر النهار، أدت واجبات المدرسة أسرع من المعتاد .. حان وقت عودة أمها، لم تأت، تأخرت. ـ أين أمي يا أبي؟ ـ ستأتي.
كان أقل كلاماً هذا النهار وانتظرتها ثم عاودت السؤال.. أين أمي يا أبي؟ قال إنها أتصلت تخبره أنها ستنام الليلة عند قريبة لها.. لكنها لم تسمع صوت الهاتف..
فراقها.. لم تتعوده، وجودها كان قليلا لكنه يكفيها لتشعر بالاطمئنان، وجودها كان ينشر الفرح، أبيها أيضا رجل خلوق جدا وبدا أكثر اهتماما بها في غياب أمها وأكثر رحمة، الجيران سألوا عنها ، قال لهم رحلت. "رحلت مع عاشق لها!" سمعت نميمتهم. لم تعرف معنى عشيق في ذلك العمر لكن حدس قلبها أخبرها أن شيئا سيئا حصل أو سيحصل لأمها، على الأقل لن تراها لفترة ليست قصيرة. والدها يسقي الحديقة كل صباح منذ الخريف الذي رحلت فيه أمها، وها قد جاء الربيع وتفتحت الأزهار، أزهار غريبة نادرة الألوان لأول مرة تراها، وفي كل مرة كانت تريد أن تدخل لتقطف زهرة كان يقول لها لا تدوسي على الطين ثيابك ستتسخ.
"عاد الخريف الجديد دون أن يأتي بأمي" هكذا رددت وخالها الوحيد آت لزيارتها ـ أخيرا سأل أحد عن أمي..
ـ تعرفين أن أمك ليس لديها أقرباء إلا أخا يعيش متنقلا من مكان لآخر وأحيانا مسافرا هنا أو هناك
كان الخال يطرق الصالة مشية وذهابا، شابكا يديه خلف ظهره، نظر في عيني الأب القادم، وحمل كلا منهما كلاما في باطنه
أمراها أن تذهب، وهذه المرة تسترق السمع ـ أين هي؟ لقد سألت عنها لكني لم أجدها. أين ذهبت أو أين أخفيتها؟
ـ أنا لا أعرف لا أعرف شيئا قالت لي أنها ستذهب لتعيش حياتها التي لم تجدها معي بعيدا عني، أخبرتها أني سأعطيها ورقة طلاقها لكنها لم تعد.
في المرة الثانية التي عاد فيها جاء قبل أن يغادر البلاد، كرر الأب أنه لا يعرف عنها شيئا، ناوله مجوهرات تركتها ومال قال إنها أرسلته لابنتها مع رجل غريب قائلا إنه لايريده. كان الرجل في عجل من أمره و المال مغريا ليغلق الرجل فمه ويرحل دون رجعة. ولم يسأل عن الفتاة الصغيرة ليراها هذه المرة.
الجميع يحب الفتاة التي بدأت تنضج، أباها الذي كان إنطوائيا صار رجلا محبوبا محترما، يربي ابنة صغيرة بعد غياب أمها، لم يتزوج، ليكون الأب والأم . لكنها ظلت تسأل عن أمها... دون أن يجيب
الحياة جميلة جدا الأزهار في الحديقة جميلة هناك رأت أمها آخر مرة، وهناك تحلم أنها تراها جالسة في الحديقة بين الأزهار
عرسها غير مكتمل بدون والدتها ووجهها الحسن البرئ يتراءى لها بين وجوه الحاضرين
ـ أعلم أنها كانت ستأتي لو كانت حية يا أبي، لقد كانت تحبني.لم يضف كلمة، شعرت بألم نغصه...
كان جداً رائعا وسعيدا برؤية أحفاده حوله...
مرض، حدثها عن وصية في الصندوف الخاص به، وألم بدا يجثم فوق صدره.
لحظة يحتضر،عاودت السؤال من جديد، أبي، أين أمي؟ نظر بحزن للحديقة، لجزء من الأرض مغطى بالأسمنت من حوله الأزهار بعينين ملأهما الدموع. كيف لم تفتح عيناها على السر من قبل؟ كان الأب يغمض عينيه بهدوء، وتذكرت تلك الليلة، وكلمات ظنتها حلما "أنت فاجرة كنت مع رجل آخر"
كان يرصف ذلك الجزء الأخير من الحديقة بالأسمنت صباح اليوم التالي.
نظرت للمكان الذي علاه الصمت وإلى جانبها جسده البارد.. مشت خطوات أخذت الصندوف من خزانته فتحت وصيته
"في لحظة غضب... سامحيني، هناك في الحديقة ترقد أمك".
"كانت أمي قريبة مني أكثر مما أظن، رحمتك أيتها السماء".
تعليق