مرآة الانتقام
قصة خيالية
رائد قاسم
يرى نفسه وقد أصبح مسخا يرتدي ملابس سوداء قاتمة.. يقترب منها بلا إرادة، يصفعها بشدة، تبكي .. تتوسل إليه بأن لا يؤديها، إلا انه يمسكها ويقذفها على الأرض ليبدأ باغتصابها ... يستيقظ من نومه فزعا.. العرق يتصبب منه بغزارة .. أنفاسه لاهتة... يفتح النافذة ليتنفس هواء ساعات الفجر الأولى ثم يستلقي على كرسيه، يشرب قدحا من الماء ثم يحاول النوم مجددا ولكنه لا يزال يشعر بالخوف، يضطر لفتح مصابيح الغرفة لينام بعد تقلب طويل...
ينهض من نومه بصعوبة ، يغسل وجهه ويؤدي طقوس الصباح ويذهب إلى عمله وهو متعب...
في طريقه لمكتبه يمر على مكتب زميلته سعاد فيجده مغلقا ... يشعر بالقلق.. يدخل مكتبه ويجلس على كرسيه ببرود.... ساعات العمل تمر ثقيلة .. يعاود المرور على مكتب زميلته فيجده لا يزال مغلقا.. يشعر بقلق شديد ولكنه لا يجرأ على السؤال عن سبب غيابها.. يعود إلى مكتبه إلا انه يرى مجموعة من رجال الشرطة تحيط به ....
الخوف والفضول يدفعان به لمواصلة سنحوه.وه ..
- انت السيد حسن؟
- نعم أنا.
- انت مطلوب للتحقيق في مقر الشرطة المركزي.
يضطرب قليلا . يرتسم القلق على ملامحه إلا انه يحاول تمالك نفسه...
يأخذونه بلطف إلى مقر الشرطة.. بعد عدة ساعات مريرة من الانتظار يدخل على المحقق..
- سيد حسن أين كنت في الليلة الماضية وتحديدا في الساعة الثانية بعد منتصف الليل؟
يصعق من سؤاله.. لا يعرف ماذا يقول.. دوامة محيرة من الأسئلة يواجه بها نفسه قبل مواجهة سيل أسئلة المحقق..
- في تلك الساعة حلمت بأني اغتصب الآنسة سعاد، وها أنا أتهم باغتصابها.. يا الهي ما الذي يحدث؟.
- لما لا تجيب يا سيد حسن؟
- عفوا أنا كنت نائما.
- وما دليلك ؟
- وكيف أقدم دليل على ذلك؟
يقف المحقق فيقف له إلا انه يأمره بالجلوس.... يخرج سيجارا سرعان ما يملا دخانه غرفة التحقيق....
- سيد حسن أتعرف لما أنت هنا؟
- ( باضطراب) بالطبع لا.
- أتعرف الآنسة سعاد؟
- اعرفها بالتأكيد فهي زميلتي في العمل.
- لقد هجم عليها شخص ليلة البارحة وحاول اغتصابها.
... تتغير ملامح وجهه..
- يا للهول!! أحقا ما تقول؟.
- نعم.
_ ( باضطراب وقلق شديد) وما علاقتي بالأمر؟
- لأنها قالت بأن شخص يشبهك هو من اعتدى عليها.
.. يقف من هول الاتهام.. يفتح قميصه ليتنفس بحرية أكثر. يتدفق العرق من كافة أنحاء جسده ... يشعر بضعف شديد فيعود للجلوس واضعا يديه على جبهته...
... يدخل عليه خبراء الأدلة الجنائية ويقومون بتصوير بصمات أصابعه وعينيه، ويأخذون منه عينات مختلفة من شعره وأظافره وشعيرات يديه ورجليه وقطرات من دمه ، ثم يأمر المحقق بإرساله إلى الحجز حتى ظهور نتيجة تحاليل المعمل الجنائي.
خمسة أيام تمر عليه ثقالا.. الخوف من الأحداث القادمة يهيمن على كافة تفاصيل حياته..
- ما علاقة هذا الحلم بجريمة اغتصاب الآنسة سعاد؟ كيف اتفق معها بالتوقيت والحدث؟ أمر محير ولكني قطعا لست الجاني.
في اليوم السادس يدخل على المحقق... يخبره بأن نتيجة المعمل الجنائي كانت في صالحه وأن الخبراء لم يجدوا أي دليل على علاقته بالجريمة... يطلق سراحه بضمان مقر إقامته.. يعود إلى شقته لينام نوما طويلا.. يتصل بمديره ليستأذنه بقضاء بقية أيام الأسبوع في قريته التي يعود إليها على عجل ليريح نفسه من عناء ما جرى له ثم يعود للمدينة مع بداية الأسبوع الجديد... يتوافد عليه زملائه لتهنئته بالبراءة والسلامة، يجلس في مكتبه بارتياح وكأنه لم يمر بمشكلة كبيرة كادت تقضي على مستقبله إلى الأبد، يعلم بعد ذلك بأن الآنسة سعاد نقلت إلى فرع آخر وأنها غيرت مقر إقامتها..
يمارس عمله بانسيابية إلا أن احد زملاؤه يقترب منه وينظر له بوحشية....
الشرر يتطاير من عينيه وسط تعجب زملائه ..
يهجم عليه ويضربه بكلتا يديه ، يتدخل بعض الموظفين محاولين إبعاده عنه..
- سأقتلك يا حسن بيدي هاتين.
... يأمر المدير العام بنقلهما إلى امن الشركة...
- لقد هاجمني هذا المعتوه وصفعني عدة صفعات، انظروا لوجهي انه شاهد على اعتداءه الآثم.
- مستحيل، أنا لم أغادر مكتبي منذ الصباح.
- آثار صفعك على وجهي دليل على صحة ما أقول، أنت من فعل ذلك، لقد دخلت علي بوجه مرعب مخيف وصفعتني أيها المتوحش.
... يحقق قسم الأمن في الواقعة ويتيقن بأن حسن كان في مكتبه في التوقيت الذي ذكره الموظف المعتدى عليه.... يخرج حسن من مقر عمله بعد انتهاء دوامه بينما زميله لا يزال يتوعده ويهدده.
يطلب إجازة عاجلة لمدة يومين، يقضيها في شقته للراحة من عناء المواقف التي مر بها في الآونة الأخيرة..
- ما الذي يحدث لي؟ لما يتهمونني بتهم لم ارتكبها؟ بت لا أدرك شيئا؟ هل هذه مجرد صدف أم ماذا؟
... يحلق ذقنه ويذهب للتنزه بوسط المدينة ليزيل ما علق به من أحداث أيامه السابقة، يتوجه إلى السوق الرئيسي... يشاهد بدلة أنيقة معروضة للبيع بسعر مخفض...
- ما أجملها سأسحب النقود من الصراف واشتريها، أتمنى أن تكون طالع أيام جميلة قادمة.
.. يقف حتى يصله الدور للسحب من الصراف، ما أن يصل للمتجر حتى يشاهد الشرطة تحاصره.. يضطرب قليلا، ولكنه يقرر دخوله ..
- يا الهي ما الذي يجري ؟ أيكون قد حدث أمر جلل ؟ ولكن لما أنا خائف ؟ أنا ليس لي علاقة بالأمر سأشتري البدلة وأخرج بسرعة فهذه فرصة لن تتكرر..
.. يقترب منه احد عمال المتجر ناظرا له بذهول...
- يا الهي انه نفس الشخص الذي حاول سرقة البدلة.. انه هو بكل تأكيد.
يلقى القبض عليه، يكاد يفقد وعيه من هول الموقف، بعد طول تحقيق واحتجاز لأكثر من يوم تتأكد الشرطة من براءته... يعود إلى شقته محطما ... لا يرى بدا من الحصول على إجازة لمدة أسبوع.. يحمل حقيبته ويسافر برفقة اعز أصدقائه سمير إلى منتجع على شاطئ البحر...
سمير- أنت تتوهم دون شك، لا شك في كونها مجرد صدف.
- أتمنى أن يكون كلامك صحيحا.
- أنت مرهق وأعصابك منهارة، تحتاج إلى المكوث هنا عدة أيام وستعود قويا نشيطا، وان لم يحدث ذلك لا بد لك من مراجعة طبيب نفسي.
.. يستلقيان على شاطئ البحر... تمر عليهما فتاة جميلة...
- حسن انظر لهذه الفتاة ما أجملها!!
- لا لن انظر لها أخشى من حدوث مكروه لها!!
- هاهاها، دعك من هذا الهراء واستمتع بوقتك يا صديقي.
يقضيان وقتا ممتعا، تتحسن صحة حسن سريعا ويشعر بالارتياح.. ينتهي الأسبوع بسرعة ...
- حسن لا بد لك أن تتزوج، إذا تزوجت ستنتهي الكثير من مشاكلك.
- فعل كلامك صحيح، اشعر بتصحر في حياتي لن أتخلص منه إلا بشريكة عمر جميلة كالتي رأيناها على الشاطئ.
.. يقود حسن السيارة في رحلة العودة وهو في قمة النشاط .. يمر على نقطة تفتيش، ما أن يراه الشرطي حتى يأمره بالوقوف فورا ويطلب منه إبراز وثائقه... يسلمها له بكل أريحية، إلا أن الشرطي يحدق مليا في وجه حسن الذي يضطرب وينتابه القلق...
يأمره الشرطي بإيقاف السيارة جانبا والمكوث فيها .. دقائق عشر صعبة تنتهي بوصول سيارة شرطة كبيرة تقتاده مع سمير إلى مركز الشرطة...
... يقفان بين يدي كبير الضباط...
- أنت حسن؟.
- نعم أنا.
- أين كنت قبل ليلتين؟
سمير- كان برفقتي طوال الوقت.
- أنا لم أسالك بل سألته هو، اجب يا حسن.
- كنت برفقة سمير.
- حسن أنت متهم بمحاولة قتل فتاة.
- مستحيل !!
.. يريهما صورتها..
سمير- يا للعجب إنها نفس الفتاة التي رأيناها على الشاطئ.
حسن- أنا بري .
يأمر ضابط المركز باحتجازهما...
- حسن أنت برفقتي معظم الوقت ولكن أخشى من....
- اعرف ستقول بأني أنا الجاني.
- كلا أنا متأكد بأنك بري تماما.
- إذن.
- حسن اعتقد بأنك بحاجة إلى مراجعة طبيب نفسي على عجل.
... بعد أكثر من أسبوع ينقلان إلى النيابة العامة وهناك يقفان بانتظار عرض حسن على الضحية..
تدخل نفس الفتاة التي شاهداها على الشاطئ. . تمشي وهي مستندة على رجل يبدوا بأنه والدها.. آثار الضرب على وجهها واضحة، وبطنها منتفخ قليلا من آثار عملية جراحية ولفائف طبية.. تجلس على الكرسي وهي في غاية الشحوب والضعف..
- آنسه سلوى هل هذا الذي حاول ايدائك..
تقف . تقترب منه .. تتغرغر عيناها بالدموع وسرعان ما تعود للجلوس على الكرسي ..
- انه هو وليس هو؟
- (بتعجب) كيف يكون ذلك ؟
- إن الذي هاجمني شخصا يشبهه ولكن كانت جثثه ضخمة.
- هل يمكنك وصفه أكثر؟
- كل الذي استطيع قوله بأنه رجل مخيف بكل معنى الكلمة.
... بعد عدة أيام تقرر النيابة الإفراج عنهما، يتوجه حسن بصحبة سمير إلى شقته لأخذ أقساط من الراحة بعد أكثر من أسبوعين من الاحتجاز...
- أمرك محير يا حسن.
- لا بد أن هناك شخص ما يراقبني طوال الوقت ويتنكر بصورة قريبة مني.
- أظن ذلك، لا بد من العثور عليه يا حسن قبل أن يرتكب جريمة تدمر حياتك الى الأبد.
- هذا ما يجب أن أقوم به على عجل.
ما أن يكمل حسن كلامه حتى يسمعان نبرة صوت مخيفة...
- افتح الباب يا حسن قبل أن اكسره.
.. ما أن يفتح باب شقته حتى يدخل احد جيرانه وبيده قطعة حديد طويلة..
- سأضربك حتى تعيد لي اللوحة الزيتية التي سرقتها أيها السارق المحترف!!
- ( بصدمة وذهول) أنا فعلت ذلك؟
- ومن غيرك يا من تدعي الشرف والمروءة، الم تزرني قبل يومين طالبا شرائها وعندما رفضت هددتني بأنك سوف تأخذها رغما عني؟.
- مستحيل!
- كل مرة تدخل شقتي أراك تنظر لها مليا، أعدها إلي قبل أن أضربك ضربة لا تقوم بعدها أبدا.
... يتدخل سمير ويحاول إفهامه بأن حسن كان غائبا عن شقته أكثر من أسبوعين، إلا انه لا يهتم به ويبدأ بمحاولة تسديد ضربة لحسن...
.. يغافله حسن ويفر هاربا .. يلاحقه الرجل بكل قوته...
تنظر طفلة لحسن:
- أبي هذا الذي سرق قطع الذهب المعلقة في أذني!
البقال:
- هذا حسن الذي سرق مني المال، لقد ظهر أخيرا...
بائع المجوهرات:
- هذا هو الذي سرق علبة المجوهرات قبل عدة أيام، كل يوم يمر علي ويلح علي بتخفيض ثمنها وفي النهاية قام بسرقتها.
- سارق!
- محتال!
- متحرش!
- عديم الضمير والأخلاق!
حسن- أنا لست كذلك.
- قف يا جبان!
يهرول بعيدا عنهم ... يوقف سيارة أجرة .. تأخذه بعيدا إلى أطرف المدينة... يمشي على غير هدى.. يبكي بكاء مرا.. يضرب رأسه بيديه من هول المأساة...
يجن عليه الليل.. يبقى وحيدا في الطريق الصحراوي الموحش.. الهواء البارد لم يدفعه للمغادرة.. يلمح صخرة ضخمة ...يستلقي بجانبها.. يتخذ من حدائه وسادة ويحتضن جسده بأطرافه ، وبالرغم من البرد الذي بدا يشتد إلا أن النوم يغلبه...
يفتح عينيه فيرى نفسه سابحا في الهواء...
- يا الهي ما الذي يحدث لي؟.
.. ينظر للأسفل فيرى الشارع والصخرة، يلتفت يمينا وشمالا فيرى نفسه نائما بالقرب منها.
- يا الهي أرى نفسي نائما ولكني معلقا في الهواء؟ هل هذا هو الموت؟
.. يحاول النزول إلى الأرض فلا يستطيع... ينجذب إلى الأعلى بشدة...
- لا شك بأني قد مت.
إلا انه يصعد للأعلى منجذبا نحو مرآة كبيرة..
- يا الهي ما هذه المرآة الغريبة؟
ينجب لها بسرعة كبيرة..يصرخ من الخوف .. إلا أنه يخترقها ويدخل فيها..
ظلام دامس. سواد ليس له حدود.. يلتفت وراءه فيرى المرآة في وسط الظلام، يقترب منها فيرى الشارع والصخرة والاهم منها جسده النائم بقربها، ويشاهد السيارات وهي تجوب الطريق ... يرى كل شي بوضوح تام..
- ما الذي يحدث لي ؟ أين أنا؟
فجأة يسمع ضحكات مخيفة...
- هاهاها، أهلا بك يا حسن.
يلتفت إليه، يرى شخصا يشبهه ولكنه بملاحم مختلفة ومخيفة...
شعر اسود كثيف ورأس يخترقه قرنان صغيران... عيون حمراء... حواجب غليظة.. انف طويل.. أذنان كبيران... أسنان بارزة...أظافر طويلة.. جثة ضخمة...
... ينظر له حسن بخوف مهول ..
- ما بالك يا حسن؟
- يا ألطاف الله !! أي شي أنت؟
... يقترب منه بضع خطوات
- ألا تعرفني يا حسن؟
- كلا لا أعرفك ولم أرك قط من قبل.
... يقترب منه أكثر..
- حسن، أنا هو أنت وأنت هو أنا!!
- ماذا تقصد؟
- أنا نفسك الثانية، الجانب الآخر منك.
- أراك تشبهني ولكن بصورة مغايرة.
- أنا ذاتك الأخرى ، ولدت معك لأبقى بجانبك ما دمت حيا.
- ماذا تريد مني أيها المخلوع الغريب؟ أنا لا أعرفك ولا أريد أن أعرفك ، أرجوك أخرجني من هذا المكان المظلم.
- هاهاها بهذه السهولة؟
- ماذا تقصد؟
- انظر لجسدك انه هناك وأنت هنا، لقد انفصلت عن جسدك وأصبحت أسير المرآة .. وفيها صنصفي حسابنا يا حسن!.
- أي حساب؟
- حسن! ( بغضب مستطير) لقد فتح لك الغظاء وانكشفت لك الأسرار، يجب أن تموت.
- ( يغضب حسن أيضا ) الويل لك ولماذا أموت؟ ما الذي جنيته ؟ لا شك انك سر محنتي وعذابي.
- هاهاها لقد حققت لك أمنياتك.
- أي أمنيات أيها الشيطان اللعين؟
- أتنكر بأنك كنت تشتهي سعاد ؟
.. يصدم من كلامه .
- ما بالك صمت؟ أتنكر بأنك كنت تتمنى أن تشاركك فراشك؟ ، أتنفي بأنك كنت دائما تتمنى أن تضرب زميلك ؟ هل تنكر بأنك اشتهيت فتاة الشاطئ؟ أتنكر بأن تحفة جارك أعجبتك وأردت امتلاكها ؟
- أنا...
-لا تنكر يا حسن؟ كل رغباتك الدفينة حققتها لك.
- إذن أنت السبب في كل ما حدث لي؟
- لست أنا بل أنت ! لأني أنا وأنت ننتمي إلى شخص واحد هو أنت.
- أنت شيطان.
- بل أنا أنت!
- سأنتقم منك.
- وأنا لن ادعك، لقد اخترقت الحجب وأصبحت تعرف بعض أسرار عالمنا، فإن عدت لعالمك ستعرف كيف تقضي علي بسهولة.
- أنت مخلوق شرير.
- هاهاها، انظر للمرآة، جسدك نائم بهدوء ، في صباح الغد ستجدك الشرطة وقد فارقت الحياة بسكتة قلبية.
- لا يمكن.
- كل يوم هناك أناس يموتون بدون أسباب واضحة، لا احد يعرف ما الذي حدث لهم قبل موتهم.
- لن ادعك تنال مني بسهولة.
يلمح حسن سيفا سابحا في الهواء فيمسك به...
- حسنا هذه فرصتك اقتلني إن استطعت.
يحاول ضربه بالسيف إلا انه يتجنبه بسرعة وخفة.......
- مسكين يا حسن ، سيراك الناس غدا وأنت ميتا بالقرب من صخرة صماء وسوف أسلط على جثثك الأعاجم لتنهشها وتتحول إلى رمة ترعب كل من يراها ،وتثبت عليك تهم الاغتصاب والسرقة وتصبح شخصا ملعونا من بني جلدتك ولا تجد من يترحم عليك أو يذكرك بخير.
- لن اسمح لك أيها الشيطان الرجيم.
- هاهاها أنا شيطانك يا حسن ، أنت صنعتني وجعلتني قويا.
- اخرس لست سوى مخلوق بشع لست مني ولست منك، فلتذهب إلى الجحيم الذي خلقت منه.
... يحاول ضربه دون جدوا.
- هاهاها قريبا تعود إلى كومة التراب التي خلقت منها.
- بل خلقت من فاضل طينة هذه الأرض التي أعيش فيها ، أما أنت فلست روح بشعة منبوذة من كل المخلوقات.
- الويل لك لست سوى كومة من لحم وعظم.
- بل أنا من تراب وماء ونار وهواء، أما أنت فلست سوى نطفة من السعير.
يغضب المارد من حسن غضبا رهيبا فيتمكن من الإمساك بيده ويرمي بسيفه جانبا ثم يقبض عليه ويرميه بعيدا..
- هاهاها أعدك بأن أحيط قبرك بالشياطين لكي لا يقترب منه إنسان أو ملاك ، سيغدو قبرا خربا تفر منه حتى ديدان الأرض.
.. يركض حسن بسرعة ويمسك بالسيف إلا انه الشيطان يمسك به ويرميه بالقرب من المرآة.
- حسن أنت أسير هذه المرآة ولن تتخلص منها إلا بالموت.
- لن استسلم لك سأموت بشرف.
- الان سأطعنك طعنة الموت التي سوف تأخذك بعيدا، إلى نوع أرقى من الاهتزازات ، إلى بعد آخر، انه الذي العالم الذي يعيش فيه الموتى من بني جنسك، ولكني سأرمي بك إلى المكان الذي يعيش فيه البشر الأكثر بؤسا وشقاء.
- لن اسمح لك.
ينظر حسن إلى المرآة بحقد ، يمسك بالسيف بكلتا يديه ويضربها به..
يهتز المكان اهتزازا مدويا....
يصرخ الشيطان صراخا رهيبا...
- حسن ماذا فعلت؟!
يتألم، يتعذب... تشتعل النار في جسده شيئا فشيئا...
- احترق وعد إلى الجحيم الذي جئت منه.
يتبخر الشيطان ولا يعد له اثر، فجأة يرى حسن نفسه وقد اخترق المرآة المهشمة..
... يبتعد عنها شيئا فشيئا ثم تتلاشى إلى الأبد، بينما يهبط حسن إلى الأرض ليستقر بالقرب من جسده النائم، يشعر باطمئنان تام... يستلقي إلى جانب جسده... ينظر للسماء المضيئة بالنجوم، يتنفس الهواء العليل، ثم ينام ليجد نفسه وقد عاد لجسده وأشعة الشمس توقظه بأشعتها.... ينهض ليمشي بهدوء ويوقف سيارة أجرة تعود به إلى شقته ليبدأ حياة جديدة.
قصة خيالية
رائد قاسم
يرى نفسه وقد أصبح مسخا يرتدي ملابس سوداء قاتمة.. يقترب منها بلا إرادة، يصفعها بشدة، تبكي .. تتوسل إليه بأن لا يؤديها، إلا انه يمسكها ويقذفها على الأرض ليبدأ باغتصابها ... يستيقظ من نومه فزعا.. العرق يتصبب منه بغزارة .. أنفاسه لاهتة... يفتح النافذة ليتنفس هواء ساعات الفجر الأولى ثم يستلقي على كرسيه، يشرب قدحا من الماء ثم يحاول النوم مجددا ولكنه لا يزال يشعر بالخوف، يضطر لفتح مصابيح الغرفة لينام بعد تقلب طويل...
ينهض من نومه بصعوبة ، يغسل وجهه ويؤدي طقوس الصباح ويذهب إلى عمله وهو متعب...
في طريقه لمكتبه يمر على مكتب زميلته سعاد فيجده مغلقا ... يشعر بالقلق.. يدخل مكتبه ويجلس على كرسيه ببرود.... ساعات العمل تمر ثقيلة .. يعاود المرور على مكتب زميلته فيجده لا يزال مغلقا.. يشعر بقلق شديد ولكنه لا يجرأ على السؤال عن سبب غيابها.. يعود إلى مكتبه إلا انه يرى مجموعة من رجال الشرطة تحيط به ....
الخوف والفضول يدفعان به لمواصلة سنحوه.وه ..
- انت السيد حسن؟
- نعم أنا.
- انت مطلوب للتحقيق في مقر الشرطة المركزي.
يضطرب قليلا . يرتسم القلق على ملامحه إلا انه يحاول تمالك نفسه...
يأخذونه بلطف إلى مقر الشرطة.. بعد عدة ساعات مريرة من الانتظار يدخل على المحقق..
- سيد حسن أين كنت في الليلة الماضية وتحديدا في الساعة الثانية بعد منتصف الليل؟
يصعق من سؤاله.. لا يعرف ماذا يقول.. دوامة محيرة من الأسئلة يواجه بها نفسه قبل مواجهة سيل أسئلة المحقق..
- في تلك الساعة حلمت بأني اغتصب الآنسة سعاد، وها أنا أتهم باغتصابها.. يا الهي ما الذي يحدث؟.
- لما لا تجيب يا سيد حسن؟
- عفوا أنا كنت نائما.
- وما دليلك ؟
- وكيف أقدم دليل على ذلك؟
يقف المحقق فيقف له إلا انه يأمره بالجلوس.... يخرج سيجارا سرعان ما يملا دخانه غرفة التحقيق....
- سيد حسن أتعرف لما أنت هنا؟
- ( باضطراب) بالطبع لا.
- أتعرف الآنسة سعاد؟
- اعرفها بالتأكيد فهي زميلتي في العمل.
- لقد هجم عليها شخص ليلة البارحة وحاول اغتصابها.
... تتغير ملامح وجهه..
- يا للهول!! أحقا ما تقول؟.
- نعم.
_ ( باضطراب وقلق شديد) وما علاقتي بالأمر؟
- لأنها قالت بأن شخص يشبهك هو من اعتدى عليها.
.. يقف من هول الاتهام.. يفتح قميصه ليتنفس بحرية أكثر. يتدفق العرق من كافة أنحاء جسده ... يشعر بضعف شديد فيعود للجلوس واضعا يديه على جبهته...
... يدخل عليه خبراء الأدلة الجنائية ويقومون بتصوير بصمات أصابعه وعينيه، ويأخذون منه عينات مختلفة من شعره وأظافره وشعيرات يديه ورجليه وقطرات من دمه ، ثم يأمر المحقق بإرساله إلى الحجز حتى ظهور نتيجة تحاليل المعمل الجنائي.
خمسة أيام تمر عليه ثقالا.. الخوف من الأحداث القادمة يهيمن على كافة تفاصيل حياته..
- ما علاقة هذا الحلم بجريمة اغتصاب الآنسة سعاد؟ كيف اتفق معها بالتوقيت والحدث؟ أمر محير ولكني قطعا لست الجاني.
في اليوم السادس يدخل على المحقق... يخبره بأن نتيجة المعمل الجنائي كانت في صالحه وأن الخبراء لم يجدوا أي دليل على علاقته بالجريمة... يطلق سراحه بضمان مقر إقامته.. يعود إلى شقته لينام نوما طويلا.. يتصل بمديره ليستأذنه بقضاء بقية أيام الأسبوع في قريته التي يعود إليها على عجل ليريح نفسه من عناء ما جرى له ثم يعود للمدينة مع بداية الأسبوع الجديد... يتوافد عليه زملائه لتهنئته بالبراءة والسلامة، يجلس في مكتبه بارتياح وكأنه لم يمر بمشكلة كبيرة كادت تقضي على مستقبله إلى الأبد، يعلم بعد ذلك بأن الآنسة سعاد نقلت إلى فرع آخر وأنها غيرت مقر إقامتها..
يمارس عمله بانسيابية إلا أن احد زملاؤه يقترب منه وينظر له بوحشية....
الشرر يتطاير من عينيه وسط تعجب زملائه ..
يهجم عليه ويضربه بكلتا يديه ، يتدخل بعض الموظفين محاولين إبعاده عنه..
- سأقتلك يا حسن بيدي هاتين.
... يأمر المدير العام بنقلهما إلى امن الشركة...
- لقد هاجمني هذا المعتوه وصفعني عدة صفعات، انظروا لوجهي انه شاهد على اعتداءه الآثم.
- مستحيل، أنا لم أغادر مكتبي منذ الصباح.
- آثار صفعك على وجهي دليل على صحة ما أقول، أنت من فعل ذلك، لقد دخلت علي بوجه مرعب مخيف وصفعتني أيها المتوحش.
... يحقق قسم الأمن في الواقعة ويتيقن بأن حسن كان في مكتبه في التوقيت الذي ذكره الموظف المعتدى عليه.... يخرج حسن من مقر عمله بعد انتهاء دوامه بينما زميله لا يزال يتوعده ويهدده.
يطلب إجازة عاجلة لمدة يومين، يقضيها في شقته للراحة من عناء المواقف التي مر بها في الآونة الأخيرة..
- ما الذي يحدث لي؟ لما يتهمونني بتهم لم ارتكبها؟ بت لا أدرك شيئا؟ هل هذه مجرد صدف أم ماذا؟
... يحلق ذقنه ويذهب للتنزه بوسط المدينة ليزيل ما علق به من أحداث أيامه السابقة، يتوجه إلى السوق الرئيسي... يشاهد بدلة أنيقة معروضة للبيع بسعر مخفض...
- ما أجملها سأسحب النقود من الصراف واشتريها، أتمنى أن تكون طالع أيام جميلة قادمة.
.. يقف حتى يصله الدور للسحب من الصراف، ما أن يصل للمتجر حتى يشاهد الشرطة تحاصره.. يضطرب قليلا، ولكنه يقرر دخوله ..
- يا الهي ما الذي يجري ؟ أيكون قد حدث أمر جلل ؟ ولكن لما أنا خائف ؟ أنا ليس لي علاقة بالأمر سأشتري البدلة وأخرج بسرعة فهذه فرصة لن تتكرر..
.. يقترب منه احد عمال المتجر ناظرا له بذهول...
- يا الهي انه نفس الشخص الذي حاول سرقة البدلة.. انه هو بكل تأكيد.
يلقى القبض عليه، يكاد يفقد وعيه من هول الموقف، بعد طول تحقيق واحتجاز لأكثر من يوم تتأكد الشرطة من براءته... يعود إلى شقته محطما ... لا يرى بدا من الحصول على إجازة لمدة أسبوع.. يحمل حقيبته ويسافر برفقة اعز أصدقائه سمير إلى منتجع على شاطئ البحر...
سمير- أنت تتوهم دون شك، لا شك في كونها مجرد صدف.
- أتمنى أن يكون كلامك صحيحا.
- أنت مرهق وأعصابك منهارة، تحتاج إلى المكوث هنا عدة أيام وستعود قويا نشيطا، وان لم يحدث ذلك لا بد لك من مراجعة طبيب نفسي.
.. يستلقيان على شاطئ البحر... تمر عليهما فتاة جميلة...
- حسن انظر لهذه الفتاة ما أجملها!!
- لا لن انظر لها أخشى من حدوث مكروه لها!!
- هاهاها، دعك من هذا الهراء واستمتع بوقتك يا صديقي.
يقضيان وقتا ممتعا، تتحسن صحة حسن سريعا ويشعر بالارتياح.. ينتهي الأسبوع بسرعة ...
- حسن لا بد لك أن تتزوج، إذا تزوجت ستنتهي الكثير من مشاكلك.
- فعل كلامك صحيح، اشعر بتصحر في حياتي لن أتخلص منه إلا بشريكة عمر جميلة كالتي رأيناها على الشاطئ.
.. يقود حسن السيارة في رحلة العودة وهو في قمة النشاط .. يمر على نقطة تفتيش، ما أن يراه الشرطي حتى يأمره بالوقوف فورا ويطلب منه إبراز وثائقه... يسلمها له بكل أريحية، إلا أن الشرطي يحدق مليا في وجه حسن الذي يضطرب وينتابه القلق...
يأمره الشرطي بإيقاف السيارة جانبا والمكوث فيها .. دقائق عشر صعبة تنتهي بوصول سيارة شرطة كبيرة تقتاده مع سمير إلى مركز الشرطة...
... يقفان بين يدي كبير الضباط...
- أنت حسن؟.
- نعم أنا.
- أين كنت قبل ليلتين؟
سمير- كان برفقتي طوال الوقت.
- أنا لم أسالك بل سألته هو، اجب يا حسن.
- كنت برفقة سمير.
- حسن أنت متهم بمحاولة قتل فتاة.
- مستحيل !!
.. يريهما صورتها..
سمير- يا للعجب إنها نفس الفتاة التي رأيناها على الشاطئ.
حسن- أنا بري .
يأمر ضابط المركز باحتجازهما...
- حسن أنت برفقتي معظم الوقت ولكن أخشى من....
- اعرف ستقول بأني أنا الجاني.
- كلا أنا متأكد بأنك بري تماما.
- إذن.
- حسن اعتقد بأنك بحاجة إلى مراجعة طبيب نفسي على عجل.
... بعد أكثر من أسبوع ينقلان إلى النيابة العامة وهناك يقفان بانتظار عرض حسن على الضحية..
تدخل نفس الفتاة التي شاهداها على الشاطئ. . تمشي وهي مستندة على رجل يبدوا بأنه والدها.. آثار الضرب على وجهها واضحة، وبطنها منتفخ قليلا من آثار عملية جراحية ولفائف طبية.. تجلس على الكرسي وهي في غاية الشحوب والضعف..
- آنسه سلوى هل هذا الذي حاول ايدائك..
تقف . تقترب منه .. تتغرغر عيناها بالدموع وسرعان ما تعود للجلوس على الكرسي ..
- انه هو وليس هو؟
- (بتعجب) كيف يكون ذلك ؟
- إن الذي هاجمني شخصا يشبهه ولكن كانت جثثه ضخمة.
- هل يمكنك وصفه أكثر؟
- كل الذي استطيع قوله بأنه رجل مخيف بكل معنى الكلمة.
... بعد عدة أيام تقرر النيابة الإفراج عنهما، يتوجه حسن بصحبة سمير إلى شقته لأخذ أقساط من الراحة بعد أكثر من أسبوعين من الاحتجاز...
- أمرك محير يا حسن.
- لا بد أن هناك شخص ما يراقبني طوال الوقت ويتنكر بصورة قريبة مني.
- أظن ذلك، لا بد من العثور عليه يا حسن قبل أن يرتكب جريمة تدمر حياتك الى الأبد.
- هذا ما يجب أن أقوم به على عجل.
ما أن يكمل حسن كلامه حتى يسمعان نبرة صوت مخيفة...
- افتح الباب يا حسن قبل أن اكسره.
.. ما أن يفتح باب شقته حتى يدخل احد جيرانه وبيده قطعة حديد طويلة..
- سأضربك حتى تعيد لي اللوحة الزيتية التي سرقتها أيها السارق المحترف!!
- ( بصدمة وذهول) أنا فعلت ذلك؟
- ومن غيرك يا من تدعي الشرف والمروءة، الم تزرني قبل يومين طالبا شرائها وعندما رفضت هددتني بأنك سوف تأخذها رغما عني؟.
- مستحيل!
- كل مرة تدخل شقتي أراك تنظر لها مليا، أعدها إلي قبل أن أضربك ضربة لا تقوم بعدها أبدا.
... يتدخل سمير ويحاول إفهامه بأن حسن كان غائبا عن شقته أكثر من أسبوعين، إلا انه لا يهتم به ويبدأ بمحاولة تسديد ضربة لحسن...
.. يغافله حسن ويفر هاربا .. يلاحقه الرجل بكل قوته...
تنظر طفلة لحسن:
- أبي هذا الذي سرق قطع الذهب المعلقة في أذني!
البقال:
- هذا حسن الذي سرق مني المال، لقد ظهر أخيرا...
بائع المجوهرات:
- هذا هو الذي سرق علبة المجوهرات قبل عدة أيام، كل يوم يمر علي ويلح علي بتخفيض ثمنها وفي النهاية قام بسرقتها.
- سارق!
- محتال!
- متحرش!
- عديم الضمير والأخلاق!
حسن- أنا لست كذلك.
- قف يا جبان!
يهرول بعيدا عنهم ... يوقف سيارة أجرة .. تأخذه بعيدا إلى أطرف المدينة... يمشي على غير هدى.. يبكي بكاء مرا.. يضرب رأسه بيديه من هول المأساة...
يجن عليه الليل.. يبقى وحيدا في الطريق الصحراوي الموحش.. الهواء البارد لم يدفعه للمغادرة.. يلمح صخرة ضخمة ...يستلقي بجانبها.. يتخذ من حدائه وسادة ويحتضن جسده بأطرافه ، وبالرغم من البرد الذي بدا يشتد إلا أن النوم يغلبه...
يفتح عينيه فيرى نفسه سابحا في الهواء...
- يا الهي ما الذي يحدث لي؟.
.. ينظر للأسفل فيرى الشارع والصخرة، يلتفت يمينا وشمالا فيرى نفسه نائما بالقرب منها.
- يا الهي أرى نفسي نائما ولكني معلقا في الهواء؟ هل هذا هو الموت؟
.. يحاول النزول إلى الأرض فلا يستطيع... ينجذب إلى الأعلى بشدة...
- لا شك بأني قد مت.
إلا انه يصعد للأعلى منجذبا نحو مرآة كبيرة..
- يا الهي ما هذه المرآة الغريبة؟
ينجب لها بسرعة كبيرة..يصرخ من الخوف .. إلا أنه يخترقها ويدخل فيها..
ظلام دامس. سواد ليس له حدود.. يلتفت وراءه فيرى المرآة في وسط الظلام، يقترب منها فيرى الشارع والصخرة والاهم منها جسده النائم بقربها، ويشاهد السيارات وهي تجوب الطريق ... يرى كل شي بوضوح تام..
- ما الذي يحدث لي ؟ أين أنا؟
فجأة يسمع ضحكات مخيفة...
- هاهاها، أهلا بك يا حسن.
يلتفت إليه، يرى شخصا يشبهه ولكنه بملاحم مختلفة ومخيفة...
شعر اسود كثيف ورأس يخترقه قرنان صغيران... عيون حمراء... حواجب غليظة.. انف طويل.. أذنان كبيران... أسنان بارزة...أظافر طويلة.. جثة ضخمة...
... ينظر له حسن بخوف مهول ..
- ما بالك يا حسن؟
- يا ألطاف الله !! أي شي أنت؟
... يقترب منه بضع خطوات
- ألا تعرفني يا حسن؟
- كلا لا أعرفك ولم أرك قط من قبل.
... يقترب منه أكثر..
- حسن، أنا هو أنت وأنت هو أنا!!
- ماذا تقصد؟
- أنا نفسك الثانية، الجانب الآخر منك.
- أراك تشبهني ولكن بصورة مغايرة.
- أنا ذاتك الأخرى ، ولدت معك لأبقى بجانبك ما دمت حيا.
- ماذا تريد مني أيها المخلوع الغريب؟ أنا لا أعرفك ولا أريد أن أعرفك ، أرجوك أخرجني من هذا المكان المظلم.
- هاهاها بهذه السهولة؟
- ماذا تقصد؟
- انظر لجسدك انه هناك وأنت هنا، لقد انفصلت عن جسدك وأصبحت أسير المرآة .. وفيها صنصفي حسابنا يا حسن!.
- أي حساب؟
- حسن! ( بغضب مستطير) لقد فتح لك الغظاء وانكشفت لك الأسرار، يجب أن تموت.
- ( يغضب حسن أيضا ) الويل لك ولماذا أموت؟ ما الذي جنيته ؟ لا شك انك سر محنتي وعذابي.
- هاهاها لقد حققت لك أمنياتك.
- أي أمنيات أيها الشيطان اللعين؟
- أتنكر بأنك كنت تشتهي سعاد ؟
.. يصدم من كلامه .
- ما بالك صمت؟ أتنكر بأنك كنت تتمنى أن تشاركك فراشك؟ ، أتنفي بأنك كنت دائما تتمنى أن تضرب زميلك ؟ هل تنكر بأنك اشتهيت فتاة الشاطئ؟ أتنكر بأن تحفة جارك أعجبتك وأردت امتلاكها ؟
- أنا...
-لا تنكر يا حسن؟ كل رغباتك الدفينة حققتها لك.
- إذن أنت السبب في كل ما حدث لي؟
- لست أنا بل أنت ! لأني أنا وأنت ننتمي إلى شخص واحد هو أنت.
- أنت شيطان.
- بل أنا أنت!
- سأنتقم منك.
- وأنا لن ادعك، لقد اخترقت الحجب وأصبحت تعرف بعض أسرار عالمنا، فإن عدت لعالمك ستعرف كيف تقضي علي بسهولة.
- أنت مخلوق شرير.
- هاهاها، انظر للمرآة، جسدك نائم بهدوء ، في صباح الغد ستجدك الشرطة وقد فارقت الحياة بسكتة قلبية.
- لا يمكن.
- كل يوم هناك أناس يموتون بدون أسباب واضحة، لا احد يعرف ما الذي حدث لهم قبل موتهم.
- لن ادعك تنال مني بسهولة.
يلمح حسن سيفا سابحا في الهواء فيمسك به...
- حسنا هذه فرصتك اقتلني إن استطعت.
يحاول ضربه بالسيف إلا انه يتجنبه بسرعة وخفة.......
- مسكين يا حسن ، سيراك الناس غدا وأنت ميتا بالقرب من صخرة صماء وسوف أسلط على جثثك الأعاجم لتنهشها وتتحول إلى رمة ترعب كل من يراها ،وتثبت عليك تهم الاغتصاب والسرقة وتصبح شخصا ملعونا من بني جلدتك ولا تجد من يترحم عليك أو يذكرك بخير.
- لن اسمح لك أيها الشيطان الرجيم.
- هاهاها أنا شيطانك يا حسن ، أنت صنعتني وجعلتني قويا.
- اخرس لست سوى مخلوق بشع لست مني ولست منك، فلتذهب إلى الجحيم الذي خلقت منه.
... يحاول ضربه دون جدوا.
- هاهاها قريبا تعود إلى كومة التراب التي خلقت منها.
- بل خلقت من فاضل طينة هذه الأرض التي أعيش فيها ، أما أنت فلست روح بشعة منبوذة من كل المخلوقات.
- الويل لك لست سوى كومة من لحم وعظم.
- بل أنا من تراب وماء ونار وهواء، أما أنت فلست سوى نطفة من السعير.
يغضب المارد من حسن غضبا رهيبا فيتمكن من الإمساك بيده ويرمي بسيفه جانبا ثم يقبض عليه ويرميه بعيدا..
- هاهاها أعدك بأن أحيط قبرك بالشياطين لكي لا يقترب منه إنسان أو ملاك ، سيغدو قبرا خربا تفر منه حتى ديدان الأرض.
.. يركض حسن بسرعة ويمسك بالسيف إلا انه الشيطان يمسك به ويرميه بالقرب من المرآة.
- حسن أنت أسير هذه المرآة ولن تتخلص منها إلا بالموت.
- لن استسلم لك سأموت بشرف.
- الان سأطعنك طعنة الموت التي سوف تأخذك بعيدا، إلى نوع أرقى من الاهتزازات ، إلى بعد آخر، انه الذي العالم الذي يعيش فيه الموتى من بني جنسك، ولكني سأرمي بك إلى المكان الذي يعيش فيه البشر الأكثر بؤسا وشقاء.
- لن اسمح لك.
ينظر حسن إلى المرآة بحقد ، يمسك بالسيف بكلتا يديه ويضربها به..
يهتز المكان اهتزازا مدويا....
يصرخ الشيطان صراخا رهيبا...
- حسن ماذا فعلت؟!
يتألم، يتعذب... تشتعل النار في جسده شيئا فشيئا...
- احترق وعد إلى الجحيم الذي جئت منه.
يتبخر الشيطان ولا يعد له اثر، فجأة يرى حسن نفسه وقد اخترق المرآة المهشمة..
... يبتعد عنها شيئا فشيئا ثم تتلاشى إلى الأبد، بينما يهبط حسن إلى الأرض ليستقر بالقرب من جسده النائم، يشعر باطمئنان تام... يستلقي إلى جانب جسده... ينظر للسماء المضيئة بالنجوم، يتنفس الهواء العليل، ثم ينام ليجد نفسه وقد عاد لجسده وأشعة الشمس توقظه بأشعتها.... ينهض ليمشي بهدوء ويوقف سيارة أجرة تعود به إلى شقته ليبدأ حياة جديدة.
تعليق