مصر القنفذة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمود خليفة
    عضو الملتقى
    • 21-05-2015
    • 298

    مصر القنفذة





    مصر القنفذة
    بقلم: محمود خليفة
    القنفذ حيوان صغير من الثدييات ينام شتاءً ويستيقظ في الربيع وينشط صيفا. الشوك الذي يعتري جلد القنفذ يسمى بالحسك.
    وعند شعور القنفذ بأي خطر، فإنه يكور جسمه على شكل كرة شوكية تقيه شر أعدائه.
    ومن هنا اشتققت اسم مصر القنفذة؛ فمصر تقنفذت وتكورت وانكفأت على نفسها من زمان، وتقوقعت ودلفت في مغارة من التخلف والتبعية السياسية وفقدان الريادة والتميز حتى وصلنا إلى غرق مدينة بحجم مدينة الإسكندرية بسبب شوية ماء من المطر!...
    والقصية ليست قضية غرق مدينة، إنما غرق وطن كبير بحجم مصر بسبب تولي أهل الثقة مقادير الأمور وليس أهل الخبرة منذ زمن بعيد...
    التقنفذ السياسي:
    لقد تقنفذت مصرنا الحبيبة حينما تركت السيادة في قرارها، وأمست وهي تجبي قرارها من موسكو مرات ومن واشنطن مرات أخرى، وفي الحقيقة نحن نأخذ قرارنا من إسرائيل؛ والسيسي على سبيل المثال، أخذ الضوء الأخضر من إسرائيل قبل الولايات المتحدة الأمريكية للانقلاب على الرئيس المنتخب الوحيد في عصرنا الحديث!
    إن مصر قد تقنفذت حينما تركت إفريقيا وراء ظهرها وجعلت إسرائيل وإيران تلعبان دورا بارزا في أغلب دولها...
    إن مصر تقنفذت حينما قال السادات إن 99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا، وتقنفذت أكثر بعد معاهدة كامب ديفيد في عام 1978 التي كبلتنا ونحن نرى إسرائيل تدك بيروت على الفلسطينيين وقامت بمذبحة بشعة في صابرا وشاتيلا عام 1982، وتقنفذنا ونحن نرى حروب إسرائيل في بيروت في 2006، وفي غزة تقتل الآلاف من الفلسطينيين في آخر عام 2009 وبداية عام 2010، وفي 2012، والآن نظام الدولة المصرية متنقفذ ومتكور على نفسه وهو يرى انتهاك المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى وما تبعها من انتفاضة السكاكين واعتقال وقتل المئات من الفلسطينيين، وكأن شعار النظام الانقلابي الحاكم أن هذا الأمر لا يعنيه...
    أين دور مصر القوي في وقف هذه الانتهاكات للفلسطينيين وللمسجد الأقصى المبارك؟
    لا شيء!...
    هل هذه مصر أم الدنيا؟!
    وتقنفذت مصر وجيشها يلعب لعبة قذرة في الاقتصاد وبدون شفافية ويتفرغ للربح السريع ويملأ القادة كروشهم من مال المصريين ولا يدفعون أي ضريبة للبلد على هذا الربح الفاحش، وفي ذات الوقت، يترك الحدود ليعيث الكيان الصهيوني فسادا ويخترق مجالنا الجوي عدة مرات ويقتل بعض جنودنا، ولا يستطيع أن يفعل شيء مع الجماعات الإرهابية سوى قتل أهلنا في سيناء وتهجير سكان رفح لصالح أعدائنا الصهاينة...
    إن مصر تقنفذت حينما تركت عصابة اسمها (الحوثيون) تدك عدن وتتحكم في مضيق باب المندب ومن ورائها إيران التي تحمل كل ضغينة لدين الإسلام ذاته وللدول العربية وحتى للغة العربية لغة القرآن الكريم ولكل ما عربي، ولم يهب جيشنا الهمام للدفاع عن بعدنا الاستراتيجي في بداية البحر الأحمر إلا بعد قيام السعودية ودول التحالف العربي لضرب العصابة في معقلها!
    إن مصرنا قد تقنفذت حينما وقفت تتفرج ودول حوض النيل تقوم بالتوقيع على اتفاقية عنتيبي في أوغندا عام 2010 بدوننا وبدون السودان، وبناء على هذه الاتفاقية فإن دول الحوض توزع مياه النيل بطريقة جديدة، ومن حق هذه الدول أن تنبني سدودا في بلادها، وما سد إثيوبيا -الذي سيفقرنا أكثر- عنا ببعيد!
    وتقنفذت مصر (السيسي) حينما عجزت عن إيواء الأخوة السوريين وطردتهم شر طردة لكي يموت بعضهم في عرض البحر الأبيض المتوسط في طريقهم للهجرة إلى أوروبا!
    وتقنفذت مصر حينما نجد الجزار بشار سوريا يقتل شعبنا السوري بأسلحة من مصنع صقر المصري!
    ما هذا؟!
    هل هذه مصر التي تقف مع الأحرار أينما كانوا؟!
    إن وجه مصر الآن ملطخ بدماء المصريين والليبيين والسوريين...!
    إن مصر الآن بعد انقلاب 3/7/2013 المشئوم، تقف مع كل الثورات المضادة في دول الربيع العربي!...
    مصر الآن يقول رئيسها:
    "لو أعطت أمريكا ظهرها لنا فلن نعطيها ظهرنا"!...
    وما فعله رئيس وزراء إنجلترا من إهانة مع السيسي في زيارة الأخير للندن يدل على تقزم كبير لمصر...
    التقنفذ الاقتصادي:
    لقد جربنا الرأسمالية قبل انقلاب يوليو 1952 فلم ننجح جيدا، وجربنا الاشتراكية بعد يوليو 52 ففشلنا أكثر!
    لقد كنا متقدمين على اليابان في النهضة وسبقتنا اليابان بمراحل، وبدأنا نهضتنا مع الصين فتقهقرنا إلى الحلف كثيرا، أما الصين، فما هو مكاننا منها؟
    وبطريقة أخرى:
    أين نحن من الصين؟
    الصين ثالث اقتصاد على مستوى العالم، أما نحن فلا شيء!
    وأين نحن من دول النمور الأسيوية؟
    لا شيء!
    وكيف ننهض وعدم الشفافية والفساد قد باضا حتى فرخا وتمددا وملئا كل حياتنا منذ انقلاب العسكر في يوليو 52 وحتى الآن؟
    كيف ننهض ومنذ الخمسينات والستينات، ولواءات الجيش والمفسدون يتحكمون في مفاصل الدولة وفي أجهزة الحكم المحلي وكل شيء حتى في الأندية الرياضية؟
    وكيف ننهض ولا توجد أي خطط للنهضة؟
    كيف نهض وقد أوكلنا أمورنا إلى أهل الثقة وليس إلى أهل الخبرة؟
    وكيف ننهض وخيرة عقولنا تهاجر إلى الخارج بلا رجعة؟
    وكيف ننهض الآن وكل أمل الشباب أن يخرج من هذا البلد بلا عودة؟ وهذا الأمل قد استفحل بطريقة رهيبة خاصة بعد انقلاب السيسي المشئوم وما صاحبه من اعتقالات وقتل بدم بارد لكل معارض وبناء الكثير والكثير من السجون حتى تحولت مصر ذاتها إلى سجن كبير!...
    وكيف ننهض والعملة المصرية تنتقل من حضيض إلى حضيض أكثر؟!...
    وبسببب هبوط الجنيه وجدنا الاستثمار العربي قبل الأجنبي يهرب من مصر كما تقول جريدة الشعب في 30 أكتوبر 2015 عن هروب الاستثمار الكويتي من مصر بعد قيام مجموعة الخرافي الكويتية ببيع 3 فنادق كانت تملكها في جنوب شرق القاهرة، وحتى كثير من الشركات السياحية المصرية أغلقت عملها في مصر بعد هبوط السياحة وخاصة بعدما أعلنت مصر السيسي أنها تحارب الإرهاب بالليل وبالنهار وفي كل الأوقات، وانهارت السياحة بعد تدمير طائرة السياح الروسية في سيناء منذ عدة أسابيع وما أتبعها من تجريف السياحة في مصر، حتى بعض شركات السياحية المصرية تعمل الآن في المغرب...
    التقنفذ التعليمي:
    إن نامبيا متقدمة في سلم التعليم عنا. إن أم الدنيا موجودة الآن في ذيل قائمة المستوى التعليمي!
    تقول جريدة الشروق في يوم الأربعاء 20 مايو 2015، إعداد الأستاذ محمود نجم:
    "حلت مصر في المركز قبل الأخير بين 124 دولة في العالم فيما يخص جودة المدارس الابتدائية، كما قبعت في نفس المركز في جودة نظم التعليم والتدريب، وفقا لما أوضحه تقرير مؤشر رأس المال البشرى الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي الأسبوع الماضي، وفنلندا الأولى عالميـًا وإسرائيل الأولى «شرق أوسطيـًا» في مؤشر رأس المال البشرى"...

    أما على مستوى الجامعات فتقول لنا جريدة العربي الجديد في 17 أغسطس 2015 بقلم الأستاذ سعيد عبد الرحيم:
    إن جامعة القاهرة حلت في قائمة أفضل 500 جامعة على مستوى العالم لعام 2015 وفق تصنيف مع التعليم العالي التابع لجامعة جياو تونغ شانغهاي الصينية.
    الحمد لله أننا دخلنا ضمن أفضل 500 جامعة، ولكن أين ترتيبنا في هذه الخمسمائة جامعة؟
    لقد خلت المراكز 150 الأولى من أي جامعة عربية، فيما حلت جامعة الملك عبد العزيز السعودية وجامعة الملك سعود السعودية أيضا في المرتبتين 151 و 200 على التوالي.
    وفي القائمة الثالثة عربيًا جاءت، جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا السعودية في التصنيف الذي يدرج الجامعات بين 301 و400، وفي المرتبة الرابعة عربيًا، حلّت جامعة القاهرة في تصنيف 401-500.
    إذن:
    نحن في ذيل القائمة!...
    إن شهادتا لجامعتا المصرية فقدت الاعتراف بها بعد انقلاب يوليو 1952 بسنوات حينما ولينا صولا وهو "كامل الدين حسين" وزيرا للتعليم العالي!
    حتى دول الخليج العربي لا تعترف بشهاداتنا الجامعية إلا بعد معادلة!

    التقنفذ الفني والاجتماعي:
    كان الممثل والفنان المغمور يأتي مصر الكبيرة لكي يكبر ويشتهر فيها مثل فريد الأطرش وأخته أسمهان وصباح وإلياس مؤدب ونجاح سلام وفايزة أحمد ووردة الجزائرية وعليا التونسية ولطيفة وغيرهم الكثير...
    وباتت مصرنا الحبيبة وهي قزمة متقنفذة في كل المجالات وخاصة المجال الاجتماعي لدرجة أن "شعبولا" في المجال الفني هو النموذج الشهير الذي يمثل مصر الكبيرة منذ التسعينات وحتى الآن!
    أرئيتم إلى مصر سيد درويش ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم ومنيرة المهدية وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وعادل مأمون وأحلام وسعاد محمد وفايزة أحمد في بداية ووسط القرن العشرين، كيف تقزمت وأمست وهي مصر شعبولا، وتكاد لا ترى من ضآلة حجمها الفني والسياسي والاجتماعي وكل شيء...
    حتى المسلسلات السورية والتركية وصلت إلى مراحل متقدمة عنا حتى غزونا بعدما انحسر المجال الفني والإبداعي لدرجة كبيرة.
    أين القوة الناعمة لمصر الكبيرة وقناة الجزيرة الفضائية على سبيل المثال لا تكاد ترى فيها إعلاميا مصريا واحدا؟
    حتى كرة القدم لم نصل نهائيات العالم إلا في منتصف الثلاثينات من القرن العشرين وبعدها دخلنا في بيات شتوي كبير امتد حتى عام 1992، وبعدها دلفنا في بيات شتوي جديد حتى الآن!
    وأدخلونا في متاهة الأهلي والزمالك اللذين يسرقان أحسن اللاعبين في بر المحروسة كله ويدمران الكرة المصرية...
    لقد كانت مصر أم الدنيا الغنية سلة الغذاء لكل الإمبراطوريات التي احتلتها، والآن 94% من شعبها تحت خط الفقر!
    إن مصرنا الحبيبة قد تقنفذت حينما أضحت (مصر التوكتوك)، وهو عبارة عن قبح عام ليس فقط في هذه الوسيلة القبيحة، إنما هو بارز في قذارة شوارعها وعشوائيات المباني والطرق والكباري وحتى في لغة الحوار في الأفلام والمسلسلات وانعكست على لغة المصريين في حوارهم...

    إن القنفذ يتكور حينما يأتيه عدوان خارجي، وبعدها ينفرد مرة ثانية، ونحن قد تنفذنا بدون عدوان وخاصة حينما أمسك أهل الثقة بمقاليد الأمور، واستسلمنا لهذا التقنفذ والتكور والتقزم حتى وصلنا إلى درجة كبيرة من التكلس والضعف وعدم القدرة على الوقوف باعتدال مرة ثانية!
    إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم...
    إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد وأن يستجيب القدر
    ولابد لليل أن ينجــــــــــلي ولابد للقيد أن ينكســــــر...
    التعديل الأخير تم بواسطة محمود خليفة; الساعة 13-05-2016, 04:04.
يعمل...
X