كنا نسير جنبا إلى جنب نرسف في الأغلال والأسلحة مصوبة إلى ظهورنا .اقترب مني وهمس لي وهو يئنّ وبتوجع :"هل سيقتلوننا ؟" أجبته دون أن أرفع نظري عن موضع قدميّ :" نعم سيقتلوننا ..انظر .هل رأيت ذلك الجدار القصير ؟هل رأيت بقع الدّم عليه ؟ دقق النّظر ستراها سوداء داكنة وستراها وقد لطّحت الحائط ورسمت عليه نوبات من القهر والظلم والعنف في ذاته ...هناك سيجعلون وجوهنا إلى الجدار وسيقرعون آذاننا بألوان من السّباب والشّتيمة المقذعة وسيقولون لنا إنّهم يقتلوننا ويدوسون على رقابنا ويبولون علينا ...ذلك ما فعلوه معنا في المرة السّابقة وكنت أنا أوّل من أطلق عليه الرصاص وسمعتهم يقهقهون محتفلين بالحدث ." قال لي :" لماذا يسوقوننا إلى الحائط ؟لماذا لا يريحوننا من العذاب ويرموننا بالرصاص من الخلف ونخن تمشي آملين في البقاء لدقائق أخرى ؟ لماذا يكرهوننا والحال أننا ذاهبون لا محالة؟" قلت له :" منطقيّ جدّا أن يكرهونا فهم كلما قتلونا وتبادلوا التهاني وجدونا في الجبهة نرصّ الصفوف ...من المنطقي أن يقتلونا عند الحائط ليبقى شاهدا على الحدث ..." قال لي والاستغراب والرّعب باديان علي ملامحه :" إلى متى سنظلّ ندور في هذه الحلقة المفرغة ؟ يقتلوننا فيشهد الجدار علينا وعليهم ثمّ ننهض من الأرض نشطين ونمتشق أسلحتنا ونطلق عليهم الرصاص ويطلقون علينا الرصاص ونمسك بهم فنقتلهم ويمسكون برقابنا فيذلّوننا ويقتلوننا شرّ القتل .انظر ..لقد اقتربنا ...بدأت أنسى ما حدث لنا معه ...ما رأيك في مغامرة تجعلننا نموت بطريقة أخرى ؟نحاول الهجوم عليهم وهم يسوقوننا ونهددهم فنجبرهم على إطلاق الرصاص علينا أو نتمكّن منهم .ما رأيك؟ نحن رابحون في الحالين ." ثبطت عزمه في الثورة البائسة اليائسة .وجعلت أصف له لذة الموت والدّم ينزف والبدن يفرغ تدريجيا كما تفرغ قربة من مائها .وحدّثته عن فرقعة الرصاص التي تغور في المسامح وتنطفئ فيها كما تطفأ السّجائر في حلمتي أنثى متمرّدة .سيطلّ الموت من كوة الجدار ومن بين الحجارة ومن الشقوق وسيطل بلا هوية ولا انفعالات باردا كالثلج مرّا كالعلقم باهتا ركيكا .سيطل بمنجله لحصد رؤوسنا وانتزاع قلوبنا وتمزيق الشرايين فينا كما يفعل الرصاص بالضبط ..."هل تعتقد أنّ الرصاص هو الذي يقتلنا ؟ لا أبدا ...الرصاص لا يقتل إلاّ إذا تحالف مع الموت ضدّنا ..." ها قد وصلنا ...الآن سيوقفوننا على بعد سنتمترات من الجدار ثم يقذفوننا بالحجارة ويسبوننا ثم يشغلون أسلحتم لمرات متعدّدة للتشديد في عذابنا ..ثم تنطلق زغردة الرصاص فتتهاوى الجثث وتنزف تنزف دماء حارة ثم تبرد وتتجمّد بعد أن هدأت الجثث وتجمدت حركتها .
في ساعة غفلة القتلة نهضنا جميعا وتفرّقنا عائدين إلى الجبهة كما لو أنّ شيئا لم يقع .
في 11-11-2015
في ساعة غفلة القتلة نهضنا جميعا وتفرّقنا عائدين إلى الجبهة كما لو أنّ شيئا لم يقع .
في 11-11-2015
تعليق