ضغط الشاب الأنيق على دواسة الفرامل بحذائه ذي جلد التمساح غالي الثمن، كان قد اشتراه البارحة من محل مشهور بعروضه الباذخة، منح، مجانا، جوربا ذا لون رمادي قاتم، لكونه زبونا مجيدا، وقد ناسب اللون بدلته الرمادية الفاتحة، وربطة عنقه السوداء، فأحدثت العجلات صوتا مزعجا، صريرها رسم خطين مستقيمين أسودين، جعل الشاب الوسيم ينفصل عن شفتي حبيبتي بعد قبلة ساخنة اقتطفها وراء العمود الرخامي الأبيض للباب التاريخي الكبير حيث منحا حجابا كالسكر عن الأعين الفضولية،لثانية ثم عادا إلى عناقهما النوراني، ولفت انتباه رواد المقاهي المنبثة في كل مكان، وقد أحاطت بالساحة العامة، كما تحيط الأساور بالمعصم، كانت قد نصبت هنا قصدا لإشباع الرغبات بمتابعة المؤخرات، وصنع الاستيهامات، وتحريك الرغبات، وشحذ همة الشبق،والغريب في الأمر، أن كثرة ارتياد هذه المقاهي صيرت بعضهم متخصصا في المؤخرات، فصار يعرف شكلها من خلال وجوه النساء، فهذه مكورة، وتلك مسطحة، والأخرى نازلة، والموالية مرتفعة، وكأنها صواعق الكهوف والمغارات... وضع بعضهم فنجان قهوته ومد بصره بفضول لمعرفة ما وقع، وبعضهم سارع بالنهوض برغبة رؤية المشهد عن قرب، لكنه بقي في وضعية النهوض لم يبرحها إلا بعد فترة انبسطت فيها أسارير الحدث، ولم يحدث الأثر الفجائعي المثير للشفقة الآنية، والتعاطف الكريه. الأكيد أنهم سيتناولون الحدث من كل الزوايا؛ بالإضافة والتعديل، ويخلقون أحداثا لم تقع نهائيا، لكنها شهوة الحكي التي فطم عليها الناس، ستدفع بهم إلى تكسير جمود الوقت بإشباع الحكاية، ومد أطرافها، وتسمين شخصياتها، لتصير قابلة للإقناع، وتلبية طلب القصص. الراجلون بدورهم توقفوا لاستجلاء الصوت، ومعرفة الحدث، منهم من توقف قليلا ثم انصرف حاملا بعضا من قول سيؤثث به حضوره مع أصدقائه، وبعضهم استدار بشكل فجائي لكون الصوت هزهم من الأعماق، وزرع فيهم الرعب، بقوا على هذه الحالة إلى أن انقشع المشهد، ثم تابعوا مسيرهم إلا القليل منهم، فقد اقترب ليرى بوضوح. الشرطي الواقف كتمثال لينظم المرور، رفع رأسه وأطلق مدفعية نظراته باتجاه السائق المتهور، كاد يتحرك ليؤنبه، ثم عدل عن ذلك، وفي حين، توقفت المرأة بدينة الوركين وهي تدفع عربة وليدها للحظة مرتعبة، فقد كاد قلبها يفجر صدرها النحيف، ويحطم أضلاعه المتهالكة أصلا بفعل التدخين، فشفتاها ذاتا اللونين الكرزيتين تنبئان أنها مدمنة سجائر. فما كام منها إلا أن أرسلت باتجاه السائق الشاب سيلا من السباب لوث سرواله برذاذه المحموم، فتعرق واضطرب، وأصيب بحيرة شديدة المفعول، لم تمكنه من النزول لرد الصاع للمرأة المتوحشة، كان فكر في ذلك،للحظة سريعة كالبرق، ولكي يأمن الوقوع في المحظور، وربما حتى لا ينكشف وتظهر عورته، فضل البقاء متجمدا في سيارته؛أما المرأة الواقفة على الشرفة والتي كانت تنفض زربيتها، مما علق بها من غبار، فوق رؤوس الناس غير مبالية بما تحدثه من إزعاج، فقد توقفت عن فعلها المضر، كانت منصعقة مما رأته لدرجة أنها أفلتت الزربية اللعينة، فطارت بخفة لتحط على الشرطي المسكين، ويمكن أن يكون إفلاتها للزريبية نتيجة مشاهدتها لعاشقين، قرب العماد الرخامي الأبيض للباب التاريخي ، وقد منحهما خلوة خفيفة كالسكر، فلم ينتبها للضجيج المحدث، إذ كانا مستغرقين في قبلة حارة زلزل كيانها؛ انفصلا لثانية، ثم عادا لعناقهما المبين،أحست بنكران فعلها، أو فعلهما فولولت مولية الأدبار إلى داخل الصالة حيث كان زوجها مضطجعا ينال قسطا من راحة وهو يتابع شريطا كوميديا كان بحاجة إليه ليخفف عنه ضغط العمل وإرهاقه، استفسرها عن صياحها، فأخبرته أنها تركت زربيتها بفعل المشهد المثير تنفلت من يديها لتسقط فوق شرطي المرور، فأسقطته أرضا. ابتسم، ارتدى بدلته ذات النجوم الكثيرة المثقلة للكتفين، وخرج لتصفية الأوضاع، في الأثناء، أحس الشاب أنه في وضع يسمح له بالفرار للخروج من الوضع الغريب الذي حط فيه من دون إرادة، فكر لثانية في تلك التي تسببت في رفع نبضات قلبه فضغط على دواسة الفرامل، لا بأس من نسيانها، فهو على موعد مع فتاة لن تطال جمال هذه التي مرت من أمامه كالطيف فخلبته وسلبت لبه، فضغط على دواسة السرعة، ليخلف وراءه مشهدا من دخان.
ضجيج
تقليص
X
-
ضجيج
ضغط الشاب الأنيق على دواسة الفرامل بحذائه ذي جلد التمساح غالي الثمن، كان قد اشتراه البارحة من محل مشهور بعروضه الباذخة، منح، مجانا، جوربا ذا لون رمادي قاتم، لكونه زبونا مجيدا، وقد ناسب اللون بدلته الرمادية الفاتحة، وربطة عنقه السوداء، فأحدثت العجلات صوتا مزعجا، صريرها رسم خطين مستقيمين أسودين، جعل الشاب الوسيم ينفصل عن شفتي حبيبتي بعد قبلة ساخنة اقتطفها وراء العمود الرخامي الأبيض للباب التاريخي الكبير حيث منحا حجابا كالسكر عن الأعين الفضولية،لثانية ثم عادا إلى عناقهما النوراني، ولفت انتباه رواد المقاهي المنبثة في كل مكان، وقد أحاطت بالساحة العامة، كما تحيط الأساور بالمعصم، كانت قد نصبت هنا قصدا لإشباع الرغبات بمتابعة المؤخرات، وصنع الاستيهامات، وتحريك الرغبات، وشحذ همة الشبق،والغريب في الأمر، أن كثرة ارتياد هذه المقاهي صيرت بعضهم متخصصا في المؤخرات، فصار يعرف شكلها من خلال وجوه النساء، فهذه مكورة، وتلك مسطحة، والأخرى نازلة، والموالية مرتفعة، وكأنها صواعق الكهوف والمغارات... وضع بعضهم فنجان قهوته ومد بصره بفضول لمعرفة ما وقع، وبعضهم سارع بالنهوض برغبة رؤية المشهد عن قرب، لكنه بقي في وضعية النهوض لم يبرحها إلا بعد فترة انبسطت فيها أسارير الحدث، ولم يحدث الأثر الفجائعي المثير للشفقة الآنية، والتعاطف الكريه. الأكيد أنهم سيتناولون الحدث من كل الزوايا؛ بالإضافة والتعديل، ويخلقون أحداثا لم تقع نهائيا، لكنها شهوة الحكي التي فطم عليها الناس، ستدفع بهم إلى تكسير جمود الوقت بإشباع الحكاية، ومد أطرافها، وتسمين شخصياتها، لتصير قابلة للإقناع، وتلبية طلب القصص. الراجلون بدورهم توقفوا لاستجلاء الصوت، ومعرفة الحدث، منهم من توقف قليلا ثم انصرف حاملا بعضا من قول سيؤثث به حضوره مع أصدقائه، وبعضهم استدار بشكل فجائي لكون الصوت هزهم من الأعماق، وزرع فيهم الرعب، بقوا على هذه الحالة إلى أن انقشع المشهد، ثم تابعوا مسيرهم إلا القليل منهم، فقد اقترب ليرى بوضوح. الشرطي الواقف كتمثال لينظم المرور، رفع رأسه وأطلق مدفعية نظراته باتجاه السائق المتهور، كاد يتحرك ليؤنبه، ثم عدل عن ذلك، وفي حين، توقفت المرأة بدينة الوركين وهي تدفع عربة وليدها للحظة مرتعبة، فقد كاد قلبها يفجر صدرها النحيف، ويحطم أضلاعه المتهالكة أصلا بفعل التدخين، فشفتاها ذاتا اللونين الكرزيتين تنبئان أنها مدمنة سجائر. فما كام منها إلا أن أرسلت باتجاه السائق الشاب سيلا من السباب لوث سرواله برذاذه المحموم، فتعرق واضطرب، وأصيب بحيرة شديدة المفعول، لم تمكنه من النزول لرد الصاع للمرأة المتوحشة، كان فكر في ذلك،للحظة سريعة كالبرق، ولكي يأمن الوقوع في المحظور، وربما حتى لا ينكشف وتظهر عورته، فضل البقاء متجمدا في سيارته؛أما المرأة الواقفة على الشرفة والتي كانت تنفض زربيتها، مما علق بها من غبار، فوق رؤوس الناس غير مبالية بما تحدثه من إزعاج، فقد توقفت عن فعلها المضر، كانت منصعقة مما رأته لدرجة أنها أفلتت الزربية اللعينة، فطارت بخفة لتحط على الشرطي المسكين، ويمكن أن يكون إفلاتها للزريبية نتيجة مشاهدتها لعاشقين، قرب العماد الرخامي الأبيض للباب التاريخي ، وقد منحهما خلوة خفيفة كالسكر، فلم ينتبها للضجيج المحدث، إذ كانا مستغرقين في قبلة حارة زلزل كيانها؛ انفصلا لثانية، ثم عادا لعناقهما المبين،أحست بنكران فعلها، أو فعلهما فولولت مولية الأدبار إلى داخل الصالة حيث كان زوجها مضطجعا ينال قسطا من راحة وهو يتابع شريطا كوميديا كان بحاجة إليه ليخفف عنه ضغط العمل وإرهاقه، استفسرها عن صياحها، فأخبرته أنها تركت زربيتها بفعل المشهد المثير تنفلت من يديها لتسقط فوق شرطي المرور، فأسقطته أرضا. ابتسم، ارتدى بدلته ذات النجوم الكثيرة المثقلة للكتفين، وخرج لتصفية الأوضاع، في الأثناء، أحس الشاب أنه في وضع يسمح له بالفرار للخروج من الوضع الغريب الذي حط فيه من دون إرادة، فكر لثانية في تلك التي تسببت في رفع نبضات قلبه فضغط على دواسة الفرامل، لا بأس من نسيانها، فهو على موعد مع فتاة لن تطال جمال هذه التي مرت من أمامه كالطيف فخلبته وسلبت لبه، فضغط على دواسة السرعة، ليخلف وراءه مشهدا من دخان.الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
-
-
سلامي الحار أستاذ عبد الرّحيم،
التقاطة ذكيّة جدّا لكاتب لمّاح و سخيّ الإبداع. و لطالما أعجبتُ بسهولة الكتابة لديك. إنّه المراس و الموهبة.لكن في هذا النصّ و أنا قارىء لنصوصك، ربّما شغلتك فكرة قصّة أخرى فلم توله - على طرافته - العناية التي يستحقّها من حيث ترتيب الأفكار و الترقيم و الاشتغال على الجمل بصورة أفضل.
دمت بخير أخي.
-
-
المشاركة الأصلية بواسطة محمد فطومي مشاهدة المشاركةسلامي الحار أستاذ عبد الرّحيم،
التقاطة ذكيّة جدّا لكاتب لمّاح و سخيّ الإبداع. و لطالما أعجبتُ بسهولة الكتابة لديك. إنّه المراس و الموهبة.لكن في هذا النصّ و أنا قارىء لنصوصك، ربّما شغلتك فكرة قصّة أخرى فلم توله - على طرافته - العناية التي يستحقّها من حيث ترتيب الأفكار و الترقيم و الاشتغال على الجمل بصورة أفضل.
دمت بخير أخي.
أولا، أنا سعيد بحضورك الكريم.
ثانيا، أشكرك على اهتمامك وسديد ملاحظاتك.
للتوضيح، وقد أكون مجانبا للصواب: أني ركزت على فكرة تعدد الرؤى، اتخذت الاصطدام تعلة للوقوف عند اختلاف نظرات الشخصيات للحدث الواحد، وقراءة خبايا نفوسها، مثلا، السيدة، لم أمطرت صاحب السيارة بوابل من سباب حاط بالكرامة؟ ثم، لم لم يتحمل السائق مسؤولياته وفر هاربا؟ ما السبب الذي دفع المرأة إلى إسقاط الزربية، وكأنها تسقط ستارة النهاية؟ هل لرؤيتها الاصطدام أم لمشاهدتها القبل المتخفية؟ ثم جاءت فكرة توقيف السرد لفترة، ليواصل انسيابيته بعد ذلك.
أشكرك على جميل تفاعلك المثمر.
بوركت.
مودتي.
تعليق
-
ما الذي يحدث
تقليص
الأعضاء المتواجدون الآن 67022. الأعضاء 6 والزوار 67016.
أكبر تواجد بالمنتدى كان 409,257, 10-12-2024 الساعة 06:12.
تعليق