العصا البيضاء
قصة قصيرة جدا .
ابراهيم درغوثي / تونس
تمر بك السيارات مسرعة وكأنها تهرب من عصاك التي كنت تلوحين بها .
كنت تستمعين لطشيش الماء تحت العجلات فتقولين لنفسك : ما أوسع رحمتك يا الله .
وتعود السيارات إلى عدوها المجنون لا تحفل بطول وقفتك على الطوار .
ويمر الزمن . يلاطفك تارة ، فيمسح عن وجهك الأسى ، وطورا يهطل على رأسك مدرارا .
هاهي سيارة تقف بالقرب منك . يأتيك صوت لطيف : ها ، أنت يا امرأة، إلى أين تريدين الذهاب ، فالليل على الأبواب ؟
تقولين للصوت انك ذاهبة لمبيت الطالبات ، وانك هنا واقفة وقد تعاقبت عليك فصول السنة. وان أمطار الخريف بللت ثيابك ، وأن هجير الصيف مر من أمام وجهك وان السيارات التي مرت من هنا كانت كلها عمياء .
وتضعين في يده العنوان .
فيرد عليك : محضوضة أنت ، فطريقنا من هناك .
وتنزوين في المقعد الخلفي ، والسيارة تهدر ، وصوت مطربة الشباب يصدح بأغاني عبد الحليم حافظ ، وأنت تحبين كثيرا هذه الأغاني ( جانا الهوى جانا ، ورمانا الهوى رمانا ) . وتقولين لنفسك : لماذا يصمت هذا السائق ، وأمثاله في العادة كثيرو الكلام ؟ ويتغير صوت الطريق تحت العجلات . يصير الضجيج أكبر ، والسيارة تخرج من حفرة لتدخل في أخرى .
وتقولين حين تمتد يد تريد قطف التفاح النافر فوق صدرك :
- اللي شبكها ايخلصها .
وتزجرين اليد السارقة :
- يا آدم ، هذا التفاح أخرجك من الجنة ، فلا يغوينك الشيطان .
ويسكت المحرك ، فيضج قلبك في الصدر . وتبحثين عن النجدة . لكن صوتك تكتمه يد غليظة . وتحسين كأن شيئا يلامس جنبك . شيء كنصل السكين . وتحاولين العودة إلى الصراخ فيضيع صوتك في الحلق الذي أصبح يابسا كسبخة ملح .
وما اكتفى الغزاة بالتفاح . استباحوا القلعة بعدما دكوا أسوارها المنيعة ... وكانت يداك تتحسسان الوجوه .تبحثان عن قرون الشيطان . وكنت تتقين عزلاء الرماح الهائجة .
حين همدوا سمعتهم يتهامسون :
لا تخافوا ، فلن تعرف هذه المرأة الطريق إلى مفاتيح وجوهنا .
وتفر الطريق تحت عجلات السيارة الهادرة ، فتعودين من جديد إلى الوقوف على الطوار تلوحين بعصاك البيضاء في وجه الظلام ...
dargouthibahi@yahoo.fr
تعليق