ليلة لاذعة البرد قررت فيها أن أتلطّى في غرفتي قرب صوبة الحطب وبقربي ركوة القهوة التي أوصى عليها لقمان الحكيم. بيدي قصة غرامية عن الحب وظلم الحب لكناّ صحابو.ومع أنّ ريح الصرصور كانت عاتية الاّ أنّ جرس البيت كان يصلصل صليلاً متواصلاً. لا أدري ما الذي يدفع بعض الناس للخروج من منازلهم في هذا الليل والبرد وعزرائيل يحومان في المنطقة.فتحت الباب لأرى وجهاً مشرقاً أحبًه كثيراً...أنَه وجه عمي بو همدر لا آجره الله على هذه الزيارة.-تفضّل بالدخول عميّ بو همدر...دخل الرجل دون أن يخلع حذاءه الملطَخ بالوحل.قدّمت له فنجان القهوة لكي يطفحه وأنتظرت لكي يبدأ بالكلام...لكنّ الرجل بقي صامتاً كأنّه جلمود صخر حطّه السيل من علٍ.أخرج من جيبه علبة التتن ولفّ سيجارة عربية غليظة أشعلها وراح ينفث دخانها في وجهي..رائحة سيجارته أقرب الى رائحة السعدان المقلي منها الى رائحة السيجارة...رحت أحوقل في سري وأحسست بأنّ رجليّ بدأتا تنمّلان...الأدهى أنّ الرجل كان ينفض سيجارته على السجادة مع أنّ المنفضة أمامه!!!نظر الى الكتاب بجانبي...تنحنح وقال:
-حلو ...أنت مسكف..ما الذي تقرأه؟
-أنا أقرأ قصة رائعة عن الحب..قصة تجعلك تعيش قرب بحيرة البجع...قصة عن أحلام العاشقين اللازوردية..
سحب نفساً عميقاً من سيجارته ونفخ دخانها الغليظ في وجهي وقال:
-حلو حلو.... الكلام عن الحب حلو...الله يرحمك يا أمّ همدر كلّ يوم كانت تحكيلي عن الحب..كانت تقول بو همدر بدّنا شوال حبَ عدس ومدّين حبَ قمح وكيس فاصوليا حب عريض..
-لا يا عميّ أقصد الحب وليس الحبَ...وشو جاب الحب لمرحبا...
-آه فهمت عليك أنت تقصد الكلام عن الحب شغلة يللي ما عندو شغلة..الله يرحمك يا أم همدر كانت تحبني كتير مع كلّ محبة كانت تخلّف ولد...كانت حبّابة كتير.
أدركت أنّ الرجل دقر عقله عند أمّ همدر ولن يستطيع أن يجاريني في الكلام عن الحب لأنَه فلاح وعقلو على قدوّ
خاطبته محاولاً تغيير الموضوع:
-هات كلمني كيف قتلت ضبع مغارة طبلون...وكيف نزعت أسنان حيّة أمَ قرون؟
نظر اليّ نظرة شريرة وقال:
-هوَنها بتهون..ثم عاد ليلبس ثوب أبي الهول.
لم تتخل عني العناية الالهية.. فقد نطّ الى ذهني سؤال لولبي..
-عمي بو همدر شو رأيك بناجي العلي؟ ومتى برأيك سيستدير حنظلة؟
دمعت عيني الرجل وقال:-هلق صرت عم تحكي كلام مدوزن حب هذا الرجل لعشيقته فلسطين هو الحب الحقيقي.
رمى عقب سيجارته بوجهي وخرج دون استئذان كما دخل.وطبعاً دون أن يطفح شفّة واحدة من فنجان القهوة.
تعليق