رسالة إلى صديق...........
كنتُ الطفلة التي لا تملك الحياة الفارهة ...لا يمكنها أن تلامس أناملها الصغيرة دمى المغازات ذات العيون البلورية البراقة والشعر الذهبي المسترسل بدلال...
أنا تلك الطفلة التي تملك أكثر من ذلك بعالمها البسيط الجميل المريح :
دمية من قطعة قماش ظلت في صندوق ثياب جدّتها فشكّلتها بتفكيرها البسيط ولعنة الفقر فأصبحت بدميتها تلك أغنى الناس..... "كأنها كل ما تملكه في الحياة"
تلك الحياة لم تكن ثرية بالنوادي والمسارح والسينما والاختلاط بين الجنسين ، بل مفاتيح لأبواب كبيرة تلك التي تشبه الزنزانات الباردة،
تفرضها الأسر الجنوبية بتقاليدها ومعتقداتها الصارمة....
ظلّت إلى الآن تصدر أحكامها الأبديّة لأنّ أهل الجبل يتمسّكون بأهداب التقاليد ويحافظون بطريقة مريضة على الشرف والأخلاق لدرجة التضحية بالحرية والهواء...
لذلك أصبح عالم الذكور وطنا غريبا لا يسمح بولوجه وكأنه إثم كبير يلوّث تلك البراءة وذلك النقاء
فابتعدت عنه مسافات ولم تعد تهتم به لأنّهم صوّروه لها كغول مفترس ذات عيون كبيرة وأصابع تطول عفافها....
مرحلة الشباب لا تبتعد كثيرا عن مرحلة تلك الطفولة فهي مكمّلة لها ،،،، نفس اليد الكبيرة التي دائما تأرجح مفاتيح الحبس وتمنع الألوان والحب
لأن الحب في "القبائل ممنوع " والرؤية ضبابية والصمت سيّد الموقف...
يا صديقي،
هناك دائما مراهقة مقتولة مسطّرة لخطواتي وتحرّكاتي ومشاعري،
لأنتهي إلى مرحلة تكوين ذاتي وحياتي الخاصة لألج معترك المجتمع الذي يفرض علي بدوره أسلوبا جديدا
لم أتعوّده وأنا الكائن الذي يحتفظ في داخله بمساحات لم تلمسها الأيادي وأملك في حدائق نفسي مدنا بلورية وبياضا ناصعا
لا يعرف الغيوم أو بالأحرى لا يعرف الحقد ولا ألوان الكذب والنفاق...
دائما يا صديقي اخيّر العودة إلى سجني الكبير الذي ترعرعت فيه روحي المليئة بالنقاء والورد
حتى وإن كانت الأشواك تحاصرني من كل صوب وحدب.
لا أجد أمامي سوى مدى شاسعا مليئا بالاستغلال والأنانية والنفاق والمداهنة وهو ما هو سائد مع الأسف
في أغلب الوقت ونادرا ما نعثر على انسان نقيّ يحبك لذاتك ويقدّس العلاقات الإنسانية بلا أهداف أخرى،
لأنّي أعتبر أن الصداقة صديق يحفظ العهد ويصون الودّ ولا يتغيّر بتغيّر الزمان والمكان...
****
لكن يا صديقي، سأظلّ تلك الطفلة البريئة والمشاكسة التي تحب الألوان رغم القتامة
والشوكلاطة رغم المرارة...
~~
سليمى السرايري
تعليق