شظايا حُبّ .. إلى أميمة محمد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الرحمن محمد الخضر
    أديب وكاتب
    • 25-10-2011
    • 260

    شظايا حُبّ .. إلى أميمة محمد

    شظايا حبّ
    · هل ستظللن محجبات داخل الحجرة أيضا ؟ يكفيكن الحجاب حين الخروج على الغرباء , ماعاد النازح بغريب .
    كانت هناك ابتسامة خفيفة على شفتي مريم حين كانت ستضع الخمار على وجهها وهي تستمع إلى جديث أبيها .
    - كم أنت جميلة ياجارة , يتمتم وضاح .
    لم تكن من حجرة أخرى ليخلين الطريق للرجال إليها , كل المكان حجرة وممر , حجرة للنساء وممر للرجال , هذا كل مايتوفر عليه المستضيفون في القرية من سكن ليستقبلوا فيه أسرة وضاح وأسرة مريم النازحتين من المدينة .
    يمرالتحالف العربي بطائراته تشق السماء بصوتها النفاث , الجميع يبحلقون في الجميع , كل شيئ أي شيئ محتمل , أن تقذف صاروخا هنا أو هناك من كل اليمن .
    تبحلق في وضاح تكاد تقفز إلى صدره حين هرولت أختاها نحو أبيها وجثتا عليه .
    تعود الطائرة أقرب وأقوى , لم تذهب , كانت تحوم حول القرية وكأنها تبحث عن هدف أوعن مكان مناسب لها لاصطياد الهدف
    · أطفئوا السراج . هكذا يفعلون عندما تغير الطائرة .
    كان خليطا من صفير وأزيز .
    · إنبطحوا على صدوركم جميعا وفورا .
    يدوّي الانفجار هائلا , ويهتز السقف , وتصفق النوافذ .
    كل شيئ يتم في الظلام ويده تمسك بيدها .
    شعر وضاح بنبض أوردة مريم في كفه , كان يقبض على كفها بحياته كلها , أن يموت وتبقى .
    ينفجر صاروخ وثان وثالث .. وصواريخ أخر
    بين الصاروخ والصاروخ فرصة كالسماء مفتوحة على الموت , كسم الخياط تضيق على الحياة .
    شَعرَتْ كشيئ ما بين كفها وكفه , كحرفشة , كقلم ذكوريّ أنيق يكتب على صفحة قلبها .
    وتغيب الطائرات ويتداول الناس خبرا فاحشا : عشرات القتلى في استهداف طائرات التحالف مصنع الشام للمياه المعدنية في شمالي القرية .
    كان الاطفال يبكون ويمسكون بعنقه ويضربون على صدره : أنزح بنا من هنا يابابا .
    - الطائرة .. الطائرة , ترددانها طفلتاه وهما تبحلقان في كل السماء وتصرخان .
    قال أبوهما : سننزح فورا إلى مكان آخر , حين سرب من الطائرات كان يعبر السماء وسيضرب هنا أو هناك , كل سماءاليمن مفتوحة على الموت , وسيهربون إلى مكان آخر تحت كل هذا الموت , لم يعودوا ليملكوا غير أقدامهم ليختلسوا حياتهم بين غارة وأخرى .
    بحلق فيها وراح يتأملها كسحابة تنفرط نتفاٌ , كل نتفة تبقى وحيدة وتغيب ولاتعود .
    وكمن انتزعوا كلّه منه وأبقياه فضاءا فارغا .
    في المدينة لم يكن وضاح ليشاهد مريم رغم أنهما جاران , غير أن حجرة واحدة للنساء تفتح على ممر وحيد للرجال إلى الخارج خلال ثمانية أيام هنا قضتهما أسرتاهما بكل أفرادها كنازحين بعد استهداف مدينتهما محط سكنهما بصواريخ طائرات التحالف أتاح له وللمرة الأولى أن يشاهد مريم بدون نقاب .
    لم يعد يشاهد نفسه بعينه المجردة , شعر الآن بعد ذهابها بأنه كسر بقيمة واحد مقامه الخلق أجمعين , كان قد حمّل رقمه الخلوي على مزقة من ورق سيرمي بها أمام عينيها لتأخذها وتسجله لديها .
    حين صرخ أبوها : إنبطحوا الآن , كان الصاروخ يدوّي وسقطت القصاصة .
    لاحقا فتح جهازه الخلوي وقرأ الخبر التالي : كاتيوشا الحوثي وعفاش تحرق تعز وتقتل المدنيين , وفي رسالة أخرى وتحت رقم مجهول قرأ : أنا مريم , وكآنها حواء انبجلت من ضلع آدم الآن .
    لم تفكر بشيئ آخر حين وقعت عيناها عليها , لم تكن هناك تفسيرات غيره تفسير واحد يضرب في وريدها : هذه القصاصة ليست لأحد من كل الدنيا غيري , وطوتها خلف صديريتها .
    بعد خمسة أشهر عادت مريم مع أسرتها إلى المدينة .
    وفي اليوم التالي كانوا يستضيفون أولئك الذين استضافوهم في نزوحهم الثاني .
    في الظهيرة مدوا سفرة الغداء للضيوف .
    وفي المساء كان الضيوف يطلقون الألعاب النارية .
    كان ذلك إعلانا عن خطبتهم لمريم .
    في الصباح كان الجميع يعلمون بأنه وبعد إعلان الخطبة ليلة البارحة فقد تم عقد قران المستضيف عثمان على ضيفته النازحة مريم وأن مراسيم الزفاف قد تمت بجنح من الليل في الطريق إلى بلاد زوجها .
    لم يعد وضاح وأسرته إلى المدينة , كانت هناك شائعة لم يتم التأكد منها تقول بأنه وفي بيت جارهم ميمون والذي كان قد التحق بأنصار الله وعلى مسافة لاتزيد عن مائة متر من منزلهم في نفس الحارة يخبّئ الحوثيون على الدوام صناديق ذخائر وينقلونها ليلا إلى جبهات القتال في الداخل أوإلى الحدود مع السعوية وبأن المكان مستهدف من قبل التحالف وسيتم قصفه إن عاجلا أم آجلا .
    كانت الحارة وسط المدينة التي عاد إليها النازحون خالية من ساكنيها غير ليلة العقد على مريم , ولم تقم في مسجدها صلاة , وتم نقل الطلاب من غير الحارة الملتحقين بمدرستها الأساسية إلى مدرسة قريبة منهم في الجهة الأخرى , وظل وإلى الآن بيت ميمون مغلق في أي مرة سيمر من هنا أحد كما هي كل البيوت في الحارة .
    وتمر طائرة تتبعها أخرى وأخرى
    ستضرب هنا أو هناك من المدينة .
    أو أنها ستستمر في طيرانها لتضرب أهدافها في منطقة آخرى من اليمن .
    ولعلها لن تذهب بعيدا لتعود وتقصف المدينة .
    العيون إلى السماء و الجميع يشاهدون الطائرة , كانت قريبة وستفتح حاجز الصوت .
    كان صفيرا عظيما ويدوي إنفجار .
    في خبر عاجل تحت القصف كان الناس يتداولون على صفحات التواصل الاجتماعي منشورا صادرا عن الحوثيين وعفاش باسم الجيش واللجان الشعبية يزفون فيه إلى الجنة الشهيد ميمون والذي استشهد خلال التصدي لزحف المرتزقة والعملاء في منطقة نهم الواقعة بين مارب وصنعاء , وفي الجهة الأخرى كانوا يتداولون منشورا صادرا عن التحالف والرئيس هادي باسم الجيش الوطني والمقاومة الوطنية يزفون فيه إلى الجنة الشهيد وضاح والذي استشهد أثناء الزحف على مواقع ميليشيات الانقلابيين نحو مدينة ميدي شمال غرب اليمن
    ولازالت الانفجارات تتوالى ... والشظايا تمطر المدينة .
    التعديل الأخير تم بواسطة عبد الرحمن محمد الخضر; الساعة 09-02-2016, 07:55. سبب آخر: أسرتيهما بدلا عن أسرتهما
  • أميمة محمد
    مشرف
    • 27-05-2015
    • 4960

    #2
    بسم الله والصلاة على رسول الله، السلام عليكم، الكريم عبد الرحمن الخضر.
    شكراً لعنونة القصة باسمي.. الأمر لم أتوقعه وأشكرك جداً أياً كان الأمر إهداء أو نتاج قراءة أو إيحاء.. تساءلت في نفسي هل ألتقينا في المواضيع من قبل؟، وقلبت في مواضيعك، كنت قرأت "الحب في سم الخياط"، توقفت عندها وما فيها تعرية للنفوس المجتمعية ولديك تمكن سردي،ربما جرأتها في التناول لم تدفعني للرد
    هذه القصة بنظرة أولى تختلف عنها، وإن كنت أرى تشابها من حيث تسليط الضوء على شخوص مجتمعية وإن طغت الجوانب السياسية وأحيانا الرؤى الدينية
    "هل ستظللن محجبات داخل الحجرة أيضا ؟ يكفيكن الحجاب حين الخروج على الغرباء" هذه الجملة التي بدأت بها القصة على لسان الأب ذكرتني بمثلها قالها لي والدي رحمة الله عليه عندما تحجبت وكان متحررا
    وصادف تحجبي في سن صغيرة وفي فترة ندر فيها الحجاب إعتراضا.. واليوم هناك الكثيرات يرتدين النقاب
    النزوح.. الحب.. النقاب.. الطائرات العمياء التي لا تفرق بين مدني وعسكري وطفل صغير.. السنة والشيعة
    الشابان وضاح وميمون، كلها قضايا تناولتها القصة التي أحتوت قصصا مركبة بداخلها، ربما هذا الشيء الوحيد الذي يصعبها على القارئ.. حتى إن قصة كهذه فيها أكثر من بطل وأكثر من عقدة يدور حولها النص
    لكنها سلسة بطبيعتها وتمكن السرد فيها كما ذكرت
    مرة أخرى لك شكر كبير والقصة عبرت عن حال الكثير منا أو ما يعايشه بعضنا..ونقلت لنا صورة واضحة عن الموت والمار لأرواح بريئة. عندما قرأت لك في المحاولات السردية للملتقى تساءلت من أنت ومن أين، رأيت أسلوبك مميز وها أنا أظنك من اليمن، أتمنى لك/م مستقبلا أفضل.. وإنعتاقا من هذه الحرب التي تطحن.. شظايا حب وحرب!
    امتناني أ. عبدالرحمن محمد الخضر.

    تعليق

    يعمل...
    X