ليحثني على الإسراع، أمسك بساعدي وجرني بعنف، لكن رجلي اللعينتين تجمدتا أمام ملصق يعلن عن مسابقة لربح الملايين. زاغتا لكثرة الأرقام، ودارتا في محجريهما كما تدور آلة ربح المال في الكازينوهات الباذخة. وسافرت بي الأحلام بعيدا؛ تذكرت ذلك الرجل الذي صاح في ساحة عامة: ربكم تحت أقدامي، أقبل عليه القوم...؛ لم يعر اهتماما للزمجرة القادمة من أعماق فئة كانت تريد الفتك به، وأخرى بدأت تصوغ بيان تجريمه بالهرطقة، وثالثة كظمت غيظها ولم تبده. ظل واقفا بكل شموخ، وفي لحظة إشراق أدرك ما في النفوس فأفشل كل المحاولات، لما رفع رجله، فاتفتحت الأعين بدهشة الكشف، كان الدرهم
قابعا تحت القدم الضاحكة. هل الفيلم الأمريكي الذي شاهدته وأنا صغير، ويحكي بسخرية عن سطوة المال، وقدرته على تركيع الناس، وقد أدركت سلطات بلدان القهر ذلك، فصرفته بشكل ذكي، لدرجة أنها لينت معارضاتها، وطوتهم تحت أجنحتها، قد اقتبس عن هذه القصة من تراثنا ؟ قد يكون ذلك، فثقافتنا زاخرة بالثورة و الثروة معا، يمشيان جنب بعضهما، كالوجه والقفا. جاءني سؤال: ما معنى أن تكون غنيا؟ تبا للامتحان الذي ينبغي أن أجتازه لكي أصير مدرسا مرميا في جبل مقطوع عن الحضارة،
تحت سقف فصل مهدد في أي لحظة بالسقوط، أتخذه مكان تدريس نهارا، ومكان نوم
ليلا، وأنا تحت سطوة الخوف من غارة قد يقوم بها منحرف أو قاطع طريق.
يجرني صديقي جرا، بل يقتلعني اقتلاعا، ما أفلح رغم قوته الواضحة؛ فقد صرت منغرسا في تربة لوحة الإشهار، لا أبغي عنها حولا: قلت لنفسي ثانية: ما معنى أن تكون غنيا؟ وأجبت: أن يكون لك رصيد ضخم في البنك، أن تكون لك سيارة فارهة، وسائق مطواع، أن تكون لك دارة، بها غرف كثيرة، ومطبخ كبير جدا، تحضر فيه أشهى الأطباق، لا تدخل اللوبياء ولا العدس ضمنها،وغرفة نوم فسيحة، وسطها سرير من ريش النعام، تطل من زجاج نافذتها العريضة على حديقة غناء، مشمولة برضا أشجار مثمرة، تنبعث منها شقشقات منعشة، وسطها أرض معشوشبة، قد هذبت بلطف، ووسطها مسبح بمياه نقية ونظيفة، يقوم رجل يكاد يشبه أبي على إزالة كل الشوائب عنها، يقضي نهاره كله وهو يحمل ما يشبه شبكة لاتقاط الأعشاب المنحرفة، والأوراق الضالة.
ويسحبني صديقي بعنف مخرجا إياي من حلمي، ونسرع الخطو باتجاه المؤسسة، أقرفني سورها المتهالك، وبابها الحديدي ذو الصرير المزعج والمنفر، وصلنا في وقت إقفاله، وتوسلنا للحارس أن يفتحه لنا حتى لا نضيع، ويضيع مستقبلنا، يا لبؤسنا!
ويفسح لنا تضامنا، ونلجه كلمح البرق لنصل الفصل الذي سيحتوينا بأسئلته، وجدته متسخ الجدران، متداعي الطلاء، كما أن أركانه العليا قد نسجت العنكبوت لها فيها بيوتا، جلست إلى طاولتي التي تحمل رقمي، ألقيت نظرة على ما حفر على وجهها البئيس والمتعب، قرأت: رحلة سندبادية ممتعة؟ عجيب، ما المقصود بالرحلة السندبادية؟ هل ستعود علي بمال وفير؟ أم هي تعبير عن رحلة الشقاء التي تنتظرني عند منعرج النجاح؟
وضعت ورقة الأسئلة أمامي، لم تكن تحمل سوى سؤال واحد واضح ومحدد: ما معنى أن تكون غنيا؟
هذا ما بدا لي، فرغم أن الصفحة عامرة، فلم أر سوى السؤال إياه؛ بسرعة انكببت عليها
أجيب، وبحرارة:
معناه أن تكون صاحب مال، وبالتبعية، صاحب نفوذ، فلا تضطر لاجتياز مباراة كئيبة،
للحصول على وظيفة بئيسة ذات أجر بالكاد يفي لأغراضك الأساسية، يجعلك مربوطا بحبل الشهور إلى مورد الحياة، لا يكتفي سوى لبل ريق عشقك لها، تمد لسانك لتشرب قطرات معدودات؛ معناه، أن تكون رجلا يستطيع منع أبيه من السقوط في بركة الذل والمهانة، ومزاولة نشاط حقير، وتقديم خدمات لذوي الجاه، تحت أنظارهم المتعالية، وترفعهم المقيت؛ معناه، أن أترك لكم الورقة، تمتعون بها أعينكم، وتستلذ بها آذانكم الطويلة؛ معناه، أن أتخلص من هذه القاعة الخانقة، ومن هوائها الفاسد، ومن هذا المستقبل المريع...
تركت الورقة ضاحكة فوق طاولة ما استطاعت مفارقة الحزن، ولا التمرد عليه، وانطلقت،
لا ألوي على شيء، إلى مكتب الرهاتات.
قابعا تحت القدم الضاحكة. هل الفيلم الأمريكي الذي شاهدته وأنا صغير، ويحكي بسخرية عن سطوة المال، وقدرته على تركيع الناس، وقد أدركت سلطات بلدان القهر ذلك، فصرفته بشكل ذكي، لدرجة أنها لينت معارضاتها، وطوتهم تحت أجنحتها، قد اقتبس عن هذه القصة من تراثنا ؟ قد يكون ذلك، فثقافتنا زاخرة بالثورة و الثروة معا، يمشيان جنب بعضهما، كالوجه والقفا. جاءني سؤال: ما معنى أن تكون غنيا؟ تبا للامتحان الذي ينبغي أن أجتازه لكي أصير مدرسا مرميا في جبل مقطوع عن الحضارة،
تحت سقف فصل مهدد في أي لحظة بالسقوط، أتخذه مكان تدريس نهارا، ومكان نوم
ليلا، وأنا تحت سطوة الخوف من غارة قد يقوم بها منحرف أو قاطع طريق.
يجرني صديقي جرا، بل يقتلعني اقتلاعا، ما أفلح رغم قوته الواضحة؛ فقد صرت منغرسا في تربة لوحة الإشهار، لا أبغي عنها حولا: قلت لنفسي ثانية: ما معنى أن تكون غنيا؟ وأجبت: أن يكون لك رصيد ضخم في البنك، أن تكون لك سيارة فارهة، وسائق مطواع، أن تكون لك دارة، بها غرف كثيرة، ومطبخ كبير جدا، تحضر فيه أشهى الأطباق، لا تدخل اللوبياء ولا العدس ضمنها،وغرفة نوم فسيحة، وسطها سرير من ريش النعام، تطل من زجاج نافذتها العريضة على حديقة غناء، مشمولة برضا أشجار مثمرة، تنبعث منها شقشقات منعشة، وسطها أرض معشوشبة، قد هذبت بلطف، ووسطها مسبح بمياه نقية ونظيفة، يقوم رجل يكاد يشبه أبي على إزالة كل الشوائب عنها، يقضي نهاره كله وهو يحمل ما يشبه شبكة لاتقاط الأعشاب المنحرفة، والأوراق الضالة.
ويسحبني صديقي بعنف مخرجا إياي من حلمي، ونسرع الخطو باتجاه المؤسسة، أقرفني سورها المتهالك، وبابها الحديدي ذو الصرير المزعج والمنفر، وصلنا في وقت إقفاله، وتوسلنا للحارس أن يفتحه لنا حتى لا نضيع، ويضيع مستقبلنا، يا لبؤسنا!
ويفسح لنا تضامنا، ونلجه كلمح البرق لنصل الفصل الذي سيحتوينا بأسئلته، وجدته متسخ الجدران، متداعي الطلاء، كما أن أركانه العليا قد نسجت العنكبوت لها فيها بيوتا، جلست إلى طاولتي التي تحمل رقمي، ألقيت نظرة على ما حفر على وجهها البئيس والمتعب، قرأت: رحلة سندبادية ممتعة؟ عجيب، ما المقصود بالرحلة السندبادية؟ هل ستعود علي بمال وفير؟ أم هي تعبير عن رحلة الشقاء التي تنتظرني عند منعرج النجاح؟
وضعت ورقة الأسئلة أمامي، لم تكن تحمل سوى سؤال واحد واضح ومحدد: ما معنى أن تكون غنيا؟
هذا ما بدا لي، فرغم أن الصفحة عامرة، فلم أر سوى السؤال إياه؛ بسرعة انكببت عليها
أجيب، وبحرارة:
معناه أن تكون صاحب مال، وبالتبعية، صاحب نفوذ، فلا تضطر لاجتياز مباراة كئيبة،
للحصول على وظيفة بئيسة ذات أجر بالكاد يفي لأغراضك الأساسية، يجعلك مربوطا بحبل الشهور إلى مورد الحياة، لا يكتفي سوى لبل ريق عشقك لها، تمد لسانك لتشرب قطرات معدودات؛ معناه، أن تكون رجلا يستطيع منع أبيه من السقوط في بركة الذل والمهانة، ومزاولة نشاط حقير، وتقديم خدمات لذوي الجاه، تحت أنظارهم المتعالية، وترفعهم المقيت؛ معناه، أن أترك لكم الورقة، تمتعون بها أعينكم، وتستلذ بها آذانكم الطويلة؛ معناه، أن أتخلص من هذه القاعة الخانقة، ومن هوائها الفاسد، ومن هذا المستقبل المريع...
تركت الورقة ضاحكة فوق طاولة ما استطاعت مفارقة الحزن، ولا التمرد عليه، وانطلقت،
لا ألوي على شيء، إلى مكتب الرهاتات.
تعليق