خالتي " شويخة " : " لاصاص " و" الرنجاس "
يا للجفاء !
كان يزورها عندما كان طفلاً رفقة الخال " مجيد " الذي يتقرّب اليها كثيرًا ، أكثر من أي أحدٍ من أخوته ، يجد في جلوسه والحوار معها عذوبة الاطمئنان وراحة البال ، فتهون مشاكل الدنيا أمامه ، وكم كانت بليغة تؤثّر في طبعه الحسّاس ، خالة المرحومة عَروب ، مضيافة ، تفتح لكل من يزورها من الأهل ، ولا تشترط شيئًا مقابل كرمها ولا تطلب مساعدة من أحد ، تستقبلهم ببشاشة عريضة ودائمة تنسي المآسي و ترسم الأمل ، تجود بما يسعد الخاطر وتكرم ضيفها من خلال ما تستطيع " صينيتها " المتواضعة التي تشبه الفسيفساء ، تحفظ ماء الوجه ، تحمّلها أكثر من اللزوم رغم كفاف العيش وضيق ذات اليد ، وتزيّنها بفناجين الرّخام " الفرفوري " المزركشة تحفّ بها إبريق الحليب أو القهوة ، حسبما تقتضي الظروف ، تتخلّلها ، وكالعادة ، أطباق تفتح الشهية كـ" الزريرة " أو " الطمّينة " المحلاّة بالعسل ، شعارها في ذلك : " الجيّد من الموجود" و " خذ راحتك " و " البيت بيتك " حتى تشعر بالسعادة ؛ والنفس تنفر بطبعها من التشدّق و التكلّف .
ما فتئت تنخر المعاناة مما تبقى من الجسد الضعيف لتزيده نحافة حتى حنت الأيام ظهرها فشاخت قبل الأوان ، وقد يكون ذاك سبب تسميتها ، ولكثرة ما أنهكها حب الآخرين والتفاني في تقديم الواجب ، تستحق هي الأخرى لقب الشهيدة بعد أن حرمت من السعادة في بيتها الأول وطال صبرها ، بيد أنّها لم تتخلّى عن نضالها يومًا ولم تلتفت إلى أحدٍ .
" رحمة الله عليك أيتها الخالة العفيفة الطاهرة وعلى الصابرات أمثالك ! "
فحملت منه الزوجة المخلصة والأم الوفية مبادئ الوفاء والتضحية ، وغدت تقاوم ظروف الحياة الصعبة رغم زواجها الثاني ، ومن ابن عمّها الذي لا يقل عنها طيبة وتواضعًا ، لتصون نفسها وتعيش عفيفة معزّزة ، وتحت سقف كوخ هش بحي قديم ومهمّش اسمه : " لاصاص "
لم تبخل الخالة على ابن عمّها بأولاد طيّبين مثلها صارعوا الحياة بدورهم حتى كبروا ، وصاروا رجالاً بعدها يُحسب لهم ألف حساب .
تعليق