" العذراء والرعوي .. ساري وميسون " من مجموعتي الثانية المعدة للطبع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الرحمن محمد الخضر
    أديب وكاتب
    • 25-10-2011
    • 260

    " العذراء والرعوي .. ساري وميسون " من مجموعتي الثانية المعدة للطبع

    " .العذراء والرعوي .... ساري وميسون "
    ..........
    على العشب الأخضر يكسو الأرض فوق متسّع السهل حتى الأفق ويتفلَّق مزدهرا بلطخات من الطيف هنا وهناك تتقاطر أسراب البنات من القرى حول البئر على جانبي الطريق جيئةً وذهاباً كزكرشة خيطٍ متقطع الالوان , ناصباتٍ جرارهن على لفة من قماش فوق رؤوسهن , مائجاتٍ على المنعطفات في الطريق , يتراقصن على إيقاعاتها لإحداث التوازن عند رجرجة الماء في الجرار .
    يَمْسكْنَ بالحبل متضامنات , ويجرِيْنَ كدرّات في عقد إنفطرن حافياتٍ لتصعيد الدلو من قعر البئر بعد أن امتلأ بالماء , ينتثرن حول إحداهنّ تملأ جرتها ويتبادلن الأحاديث والحكايات , تقترب إحداهن من أخرى لتهمس في أذنها بنبأٍ لايليق بها إباحته على الأخريات .
    خلال رحلته المكوكية بين منزله والمرعي يرد بغنمه الماء في الحوض الطيني عند البئر التي تتحلق حولها الفتيات , يقف تحت ظل شجرة على الطريق حتى ترتوي فيهش عليها بعصاه ويذهب .
    في هذه المرة رآها , نشبت عيناه فيها ولم تغادرها .
    جفّت الماء في الجبل , وانْغَزَلَ المطر خيوطا من ضباب في السماء , فهطلت مَيْسُوْنُ على السهل بجانب البئر لتجلب الماء .
    الطريق من قمة الجبل إلى البئر كسحبة ثعبان ولا مساحة لحركة على الطريق غير نقل القدم إلى أمام .
    منذ اليوم يرد غنمه الماء في الحوض لا يهشُّ عليها , يتريّثُ حتى تملأ جرَّتها , تحملها فوق رأسها وتذهب , تصعد المنحدر وكأن طبولا ترافقها تقرع حولها لتشكيل خطاها فوق حدبات الصخور وعلى الفراغات بينها , عندها يسوق غنمه ويواصل سيره نحو المرعي .
    .كُنَّ يُقدّمنها , ويملأن جرتها قبل جرارهن , يتحالفن على سحب الحبل ورفع الدلو من قاع البئر ويتركنها تستريح , يمْلَأْنَ جرّتها , ويرفعنها فوق رأسها لتذهب وتصعد الجبل , ثم يقمن بملء جرارهن الواحدة تلو الأخرى على قاعدة الواردة أولاً تملأ أولا , سوى ميسون بنت حبيب شيخ الجبل فسيملأن جرّتها أولا في كل الأحوال .
    تمنّى أن يُعَطِّلَ هذا النظام وأن تتأخرهن جميعا ليتقدم ويسحب الحبل , حبل جرّتها فحسب , يملؤها , ثم يرفعها ويستطيل ويستطيل , وحين عيناه في عينيها يضع جرتها فوق رأسها وعلى مهل .
    فيما جرَّتها ممتلئة ستقتنص زمنا لايلحظْنَهُ للبقاء هنا , تلاعبهنّ , تمازحهنّ , وتراجمهنّ بحبات الطين بجانب الحوض والحصوات , حين الغنم ترد الحوض ,وترتوي , بينما ساري تحت الشجرة القريبة ينتظر غنمه حتى تقفل نحوه مرتوية .
    في الأيام التاليات بدأ الغنم يتأخر عند الحوض ويرتوي على مهل , يتلمّس في ميسون التي تمسح على ضهورها برفق , فيما عيناها تذهبان إلى تحت الشجرة , وفيما هو يدع غنمه حيث عيناه تستريح تحت لمسات أناملها .
    كانت تسمتع إلى حكايات صديقاتها عن الرعوي والذي تمكن من دون غيره من الناس من فتح الطريق ليلاً أمام أهالي القرى عند المثلث الذي يربط بين السهل والجبل والذي يكمن فيه حيوان القشوي (1) ليباغت فريسته من المارة ليلا ويمارس عليها طقوسه كما يفعل القط مع الجرادة بين يديه , وأن الرعوي وحده من قرر أن يجتاز المثلث أثناء الليل ليلتقي القشوي وجها لوجه ويتغلب عليه ويصرعه في المنازلة الشهيرة بينهما والتي يتحدث عنها الجميع , وليفتح الطريق أمام الناس إلى كل القرى والمحلاّت .
    سُمِّيَ ساري لأنه يسري الليل في الخلوات غير آبهٍ بالوحوش والهوام , وقيل أنه ركب على النسر وذهب إلى بلاد بعيدة لايعلم بها أحدٌ سواه . .
    وأن النبَّاش (2) قد نادى عليه في إحدى الليالي , وتذكرت حكايات جدتها في ليالي طفولتها بان النباش ينادي في وقت متأخر من الليل على هذا الذي اختاره من بين الساكنين أجمعين بقولته الشهيرة : يافلان حلّيتني بك (3) وأن أحدا غيرمن تحلّى به النباش لايسمع النداء, وحين يموت ويتم دفنه يأتي النباش في الليل ويحفر القبر ويحمل جثة الميّت ويذهب به إلى بيته الذي لم يستطع أحد الوصول إليه على مرّ العصور فيضعه بين مخالب وأنياب صغاره فيأكلوه , وأن النادر من الناس هم من شاهدوا النباش وهو يحمل جثّةً على كتفيه متحلِّقاً على كفنها وأن رائحة الحنوط تظل تعبق في الطريق من القبر إلى بيت النباش طوال الليل , ويصفونه بكائن ضخم من القرد والانسان , يمشي على قدمين ويكسوه شعر غزير , وله كفّان كصحني المحراث , وأظافر طويلة حادة كالمزاميل .
    .
    .........................
    في ليلة من ليالي القمر , وعند الساعات الأولى من الفجر كان قانص إبن عمة ميسون متقرفصا في الطرف من حافة الجبل المطلة على السهل فرأى وكأن شجرة خضراء تمشي وتصعد بجانب الطريق الطالعة من السهل نحو قمة الجبل فصعق , بسط كفّيه على صدره , وأحسّ بدوار , وكاد أن يغمى عليه , فاستعاذ من الشيطان وقرأ المعوذتين وعاد ودخل البيت مسرعا كي لايشاهده الشيطان فيخترقه ويسكن فيه .
    لم يخبر أحداً , سيتبيّن لهم بأنه قد فقد عقله فلم يكن قد تأكّد له بأن شجرة خضراء تدبّ على الأرض كما يدبّ الانسان .
    مرةً أخرى شاهد شجرة خضراء تتحرك على المنحدر هابطة , تمشي ثم تقف , ثم تمشي ثم تقف ثم تغيب , حمد الله أنها تذهب بعيدا عنه نحو السهل , لكنها تغيب قبل أن تصل إلى السهل وهكذا تفعل الشياطين .
    كاد أن يصاب بالجنون حقاً في هذه المرة حين شاهد شجرة ذات جذعين لا تتحرك على المنحدر فحسب , بل وتصعد نحو نافذة حجرة ميسون على الطرف من المنحدر .
    لم يتحقّق له ولوج الشيطان إلى حجرتها , كانت حجرة ميسون تنحدر نحو الجهة المقابلة , لكن الشيطان اختفى هناك , عند انحدار النافذة .
    عينا ساري تذهب في السماء , تسبح في غابة الأنجم التي اختطها حبريل طريقا في السماء حين كان يسحب الذبح العظيم من الله إلى إبراهيم ليفتدي به إبن هاجر إسماعيل (4) .
    سَحْبةُ الأضحية تخلف رغوة عظيمة من أنجم تغطي برذاذها السماء .
    وكل شيئ في بيته ينام الآن , الأنفاس تغوص , والديكة تصيح , تناول خنجره , شده إلى جنبه , رفع عصاه على كتفه , دفع الباب وخرج .
    الشفق يتوهج فوق الجبال , يشفُّ في الأسفل على السطح , ويتألق على أكتاف الأودية , يسافر في أجوافها منحدرا إلى الغرب في قماشة من الضباب شفافة , تبيح فتنة الماء الفاتحة على أحضان الفجر . ..
    الْعُشْبُ يرفل في الندى مغتبطا على السطح , ويعود رُوَيْداً رُوَيْداً , صاعداً على الجانبين من ضفاف الوديان نحو الجبال , تتخلله بعض شجيرات ككائنات بشرية نصف قائمة .
    وخرير الماء الهائم أبدا كفلقات صدرها يمر به دون توقف , وعلى كف الجبل العالي يتألق منزلها بين المنازل المعلّقة فوق أكف الجبال المجاورة ككائنات مستطرقة يتم عرضها في الشرق .
    وعيناها نحو القعر من المنحدر تتصيد ساري .
    انفلق جسدها في الأسفل حين أسندت مرفقها على فخذها المقوس فوق النافذة مستندة على قدمها في القاع من الحجرة .
    القمر يعبر السماء بين أرتال من السحب البهيجة , وهسيس الليل يزفر ويشهق في الفضاءات , وشعلة المصباح التي تنبلج الآن تتوهج من نافذة حجرتها حينا وتختفي حينا خلف ستارة شفيفة من الضباب تذهب وتعود .
    يعتمر فوق رأسه عشبة خضراء , خطوتان ثم يقف , هكذا لن يلحظه أحد ضمن خرير العشب المنسكب بالخضرة على كرمشة الجبل الصاعدة حتى حجرتها .
    لايمكنه الصعود إلى مستوى النافذة , كان منحدرا حادا .
    تشير إليه ميسون بالدوران حول جدران حجرتها حتى يناظر بابها ويتقرفص تحت عشبته الخضراء .
    تقف ميسون على أطراف أصابعها وتذهب نحو باب حجرتها لتفتحه رويدا رويدا تلافيا لأي صرير , ترسل عينيها في الأجواء حولها تترصّد أي قادم أو ذاهب في الزقاق , ثم تشير إليه قابعا كعشبة بالدخول , وتسحب الباب إليهما وتغلقه .
    الحبّ هنا ليس إلا .
    الحب ليس للفضاءات .
    الحب محاصر في الحجرات المغلقة .
    وفوق قمة الجبل المعتمرة بعمامة من الضباب يتحلّق بشر ..
    تصل جلجلة حديثهم من بين الظلام من بعيد كريح في صحراء .
    ولن تستطيع تمييز المتكلم منهم على الدوام
    جلبة الحديث المختلط لا تدلُّ على أمر بعينه , ولا تعلن عن أصحابها .
    للتو ينبلج الضوء فجأة من مصباح الغاز خلال رقرقة الضباب فيمن حوله ليفتح على الأوجه المتحلقة حول وجهه الوقور بلحيته الكثة الحمراء معتمرا فوق راسه شاله المنقوش .
    كان أحدهم في طريقه إلى هنا , لم يَلْوِ على أحد غير الشيخ حبيب ليقترب منه , يدنو ويسر في أذنه بقولٍ ما .
    · إنه أبي . تضع كفها الحنين بكلّ الذعر على صدرها وتبحلق في عينيّ ساري .
    تطوف عيناه في المكان , ليس غير الباب والنافذة , غير أبيها بعد الباب , غير السحيق بعد النافذة , ينظر في عينيها , في وجدها المعتقل في الاعماق , يضع يده على المصباح ماذا يريد بالمصباح ؟ يتركه ويذهب نحو النافذة , ستسمك به , تقبّله تضمّه ,تذوب فيه , تصير فيه , تَهْوِيْ فيه , في وجه آخر ستطويه في قلبها , ستحفظه حيث لاأحد يراه , في جوفها , لها من دون كل الناس , تحجبه هناك , بعيدا عن أبيها عن كل البشر , عن القدر , لن تدعه يهوي إلى القعر , لكن ساري يحلق حول النافذة ويرمي بالعشبة إلى السحيق , سيقتلهما معاً إن دخل عليهما , طرقات على الباب ساخطة , تفتح ميسون الباب , يقفز ساري من النافذة , كأنها ابتلعت الجبل والشجر وأباها ,
    كان يمسك به في يده وهو ينظر إليها :
    · ستتزوجين إبن عمتك قانص ياميسون , غدا سنعقد القران .
    .يتداول الناس بأن ساري وحين كان يركب فوق ظهر نسر عظيم صاعدا في طريقه من السهل إلى الجبل فقد نادى عليه النباش نداءه الشهير قائلا : " ياساري حلِّيْتَنِيْ بك " , وأن ساري قد سمع النداء وهو في السماء .
    في ليلة من الليالي مقمرة كان ساري يركب فوق ظهر النسر العظيم هابطا من نجد في الجبل إلى السهل في تهامة , وفي حين أرخى النسر مخلبيه استعدادا للهبوط فقد حان في تلك اللحظة أجل سامي في السماء , فلم يتأخر لحظة مثلما لم يتقدم لحظة فهوى من فوق ظهر النسر وتحطم فوق الصخور فجاء النباش وحمل جثته متحلِّقا عليها فوق ظهره دون كفن ودون حنوط إلى مكان غير معلوم .
    .
    ............
    1- القشوي :حيوان من فصيلة النمور
    2- النباش : في الحكاية الشعبية حيوان من قرد وإنسان صخم يكسوه شعر غزير وله كفان كصحني محراث وأظافر كالأزاميل ويمشي على قدمين ويتحدث كالانسان ويتغذى على الموتي الذين كان قد اختارهم ونادى عليهم بأسمائهم أحياء بنبش قبورهم وحمل جثثهم إلى بيته ليأكلهم مع أبنائه .
    3- حلّيتني بك : جعلتك لي خاصتي لايشاركني فيك أحد .
    4- هي " مجرّة أندروميدا وهي أقرب المجرات إلى درب التبانة , والتي ضمنها مجموعتنا الشمسية "
    التعديل الأخير تم بواسطة عبد الرحمن محمد الخضر; الساعة 01-03-2016, 19:21. سبب آخر: النباش بدل القشوي
  • أسعد جماجم
    أعمال حرة
    • 24-04-2011
    • 387

    #2
    هذه المرة سأضطر إلى حمل القلم الأحمر ,
    و أشير إلى بعض الأخطاء
    حتى لا تقرأ مداخلتي قراءة خاطئة , ولا تأول تأويلا مخالفا ,كما أحيل السيد عبد الرحمن محمد الخضر
    على محفظة زميلي حسن خليفة كي يجتنب بعض الأخطاء في المستقبل
    و شكرا للجميع



    على العشب الأخضر يكسو الأرض فوق متسّع السهل حتى الأفق ويتفلَّق مزدهرا بلطخات من الطيف هنا وهناك تتقاطر أسراب البنات من القرى حول البئر على جانبي الطريق جيئةً وذهاباً كزكرشة خيطٍ متقطع الالوان , ناصباتٍ جرارهن على لفة من قماش فوق رؤوسهن , مائجاتٍ على المنعطفات في الطريق , يتراقصن على إيقاعاتها لإحداث التوازن عند رجرجة الماء في الجرار .

    يَمْسكْنَ بالحبل متضامنات , ويجرِيْنَ كدرّات في عقد إنفطرن حافياتٍ لتصعيد الدلو من قعر البئر بعد أن امتلأ بالماء , ينتثرن حول إحداهنّ تملأ جرتها ويتبادلن الأحاديث والحكايات , تقترب إحداهن من أخرى لتهمس في أذنها بنبأٍ لا يليق بها إباحته على الأخريات .

    خلال رحلته المكوكية بين منزله والمرعي يرد بغنمه الماء في الحوض الطيني عند البئر التي تتحلق حولها الفتيات , يقف تحت ظل شجرة على الطريق حتى ترتوي فيهش عليها بعصاه ويذهب .

    في هذه المرة رآها , نشبت عيناه فيها ولم تغادرها .

    جفّت الماء في الجبل , وانْغَزَلَ المطر خيوطا من ضباب في السماء , فهطلت مَيْسُوْنُ على السهل بجانب البئر لتجلب الماء .

    الطريق من قمة الجبل إلى البئر كسحبة ثعبان ولا مساحة لحركة على الطريق غير نقل القدم إلى أمام .

    منذ اليوم يرد غنمه الماء في الحوض لا يهشُّ عليها , يتريّثُ حتى تملأ جرَّتها , تحملها فوق رأسها وتذهب , تصعد المنحدر وكأن طبولا ترافقها تقرع حولها لتشكيل خطاها فوق حدبات الصخور وعلى الفراغات بينها , عندها يسوق غنمه ويواصل سيره نحو المرعي .

    .كُنَّ يُقدّمنها , ويملأن جرتها قبل جرارهن , يتحالفن على سحب الحبل ورفع الدلو من قاع البئر ويتركنها تستريح , يمْلَأْنَ جرّتها , ويرفعنها فوق رأسها لتذهب وتصعد الجبل , ثم يقمن بملء جرارهن الواحدة تلو الأخرى على قاعدة الواردة أولاً تملأ أولا , سوى ميسون بنت حبيب شيخ الجبل فسيملأن جرّتها أولا في كل الأحوال .

    تمنّى أن يُعَطِّلَ هذا النظام وأن تتأخرهن جميعا ليتقدم ويسحب الحبل , حبل جرّتها فحسب , يملؤها , ثم يرفعها ويستطيل ويستطيل , وحين عيناه في عينيها يضع جرتها فوق رأسها وعلى مهل .

    فيما جرَّتها ممتلئة ستقتنص زمنا لايلحظْنَهُ للبقاء هنا , تلاعبهنّ , تمازحهنّ , وتراجمهنّ بحبات الطين بجانب الحوض والحصوات , حين الغنم ترد الحوض ,وترتوي , بينما ساري تحت الشجرة القريبة ينتظر غنمه حتى تقفل نحوه مرتوية .

    في الأيام التاليات بدأ الغنم يتأخر عند الحوض ويرتوي على مهل , يتلمّس في ميسون التي تمسح على ضهورها برفق , فيما عيناها تذهبان إلى تحت الشجرة , وفيما هو يدع غنمه حيث عيناه تستريح تحت لمسات أناملها .

    كانت تسمتع إلى حكايات صديقاتها عن الرعوي والذي تمكن من دون غيره من الناس من فتح الطريق ليلاً أمام أهالي القرى عند المثلث الذي يربط بين السهل والجبل والذي يكمن فيه حيوان القشوي (1) ليباغت فريسته من المارة ليلا ويمارس عليها طقوسه كما يفعل القط مع الجرادة بين يديه , وأن الرعوي وحده من قرر أن يجتاز المثلث أثناء الليل ليلتقي القشوي وجها لوجه ويتغلب عليه ويصرعه في المنازلة الشهيرة بينهما والتي يتحدث عنها الجميع , وليفتح الطريق أمام الناس إلى كل القرى والمحلاّت .

    سُمِّيَ ساري لأنه يسري الليل في الخلوات غير آبهٍ بالوحوش والهوام , وقيل أنه ركب على النسر وذهب إلى بلاد بعيدة لايعلم بها أحدٌ سواه . .

    وأن النبَّاش (2) قد نادى عليه في إحدى الليالي , وتذكرت حكايات جدتها في ليالي طفولتها بان النباش ينادي في وقت متأخر من الليل على هذا الذي اختاره من بين الساكنين أجمعين بقولته الشهيرة : يافلان حلّيتني بك (3) وأن أحدا غيرمن تحلّى به النباش لايسمع النداء, وحين يموت ويتم دفنه يأتي النباش في الليل ويحفر القبر ويحمل جثة الميّت ويذهب به إلى بيته الذي لم يستطع أحد الوصول إليه على مرّ العصور فيضعه بين مخالب وأنياب صغاره فيأكلوه , وأن النادر من الناس هم من شاهدوا النباش وهو يحمل جثّةً على كتفيه متحلِّقاً على كفنها وأن رائحة الحنوط تظل تعبق في الطريق من القبر إلى بيت النباش طوال الليل , ويصفونه بكائن ضخم من القرد والانسان , يمشي على قدمين ويكسوه شعر غزير , وله كفّان كصحني المحراث , وأظافر طويلة حادة كالمزاميل .

    .

    .........................

    في ليلة من ليالي القمر , وعند الساعات الأولى من الفجر كان قانص إبن عمة ميسون متقرفصا في الطرف من حافة الجبل المطلة على السهل فرأى وكأن شجرة خضراء تمشي وتصعد بجانب الطريق الطالعة من السهل نحو قمة الجبل فصعق , بسط كفّيه على صدره , وأحسّ بدوار , وكاد أن يغمى عليه , فاستعاذ من الشيطان وقرأ المعوذتين وعاد ودخل البيت مسرعا كي لايشاهده الشيطان فيخترقه ويسكن فيه .

    لم يخبر أحداً , سيتبيّن لهم بأنه قد فقد عقله فلم يكن قد تأكّد له بأن شجرة خضراء تدبّ على الأرض كما يدبّ الانسان .

    مرةً أخرى شاهد شجرة خضراء تتحرك على المنحدر هابطة , تمشي ثم تقف , ثم تمشي ثم تقف ثم تغيب , حمد الله أنها تذهب بعيدا عنه نحو السهل , لكنها تغيب قبل أن تصل إلى السهل وهكذا تفعل الشياطين .

    كاد أن يصاب بالجنون حقاً في هذه المرة حين شاهد شجرة ذات جذعين لا تتحرك على المنحدر فحسب , بل وتصعد نحو نافذة حجرة ميسون على الطرف من المنحدر .

    لم يتحقّق له ولوج الشيطان إلى حجرتها , كانت حجرة ميسون تنحدر نحو الجهة المقابلة , لكن الشيطان اختفى هناك , عند انحدار النافذة .

    عينا ساري تذهب في السماء , تسبح في غابة الأنجم التي اختطها حبريل طريقا في السماء حين كان يسحب الذبح العظيم من الله إلى إبراهيم ليفتدي به إبن هاجر إسماعيل (4) .

    سَحْبةُ الأضحية تخلف رغوة عظيمة من أنجم تغطي برذاذها السماء .

    وكل شيئ في بيته ينام الآن , الأنفاس تغوص , و الديكة تصيح , تناول خنجره , شده إلى جنبه , رفع عصاه على كتفه , دفع الباب وخرج .

    الشفق يتوهج فوق الجبال , يشفُّ في الأسفل على السطح , ويتألق على أكتاف الأودية , يسافر في أجوافها منحدرا إلى الغرب في قماشة من الضباب شفافة , تبيح فتنة الماء الفاتحة على أحضان الفجر. ..

    الْعُشْبُ يرفل في الندى مغتبطا على السطح , ويعود رُوَيْداً رُوَيْداً , صاعداً على الجانبين من ضفاف الوديان نحو الجبال , تتخلله بعض شجيرات ككائنات بشرية نصف قائمة .

    وخرير الماء الهائم أبدا كفلقات صدرها يمر به دون توقف , وعلى كف الجبل العالي يتألق منزلها بين المنازل المعلّقة فوق أكف الجبال المجاورة ككائنات مستطرقة يتم عرضها في الشرق .

    وعيناها نحو القعر من المنحدر تتصيد ساري .

    انفلق جسدها في الأسفل حين أسندت مرفقها على فخذها المقوس فوق النافذة مستندة على قدمها في القاع من الحجرة .

    القمر يعبر السماء بين أرتال من السحب البهيجة , وهسيس الليل يزفر ويشهق في الفضاءات , وشعلة المصباح التي تنبلج الآن تتوهج من نافذة حجرتها حينا وتختفي حينا خلف ستارة شفيفة من الضباب تذهب وتعود .

    يعتمر فوق رأسه عشبة خضراء , خطوتان ثم يقف , هكذا لن يلحظه أحد ضمن خرير العشب المنسكب بالخضرة على كرمشة الجبل الصاعدة حتى حجرتها .

    لا يمكنه الصعود إلى مستوى النافذة , كان منحدرا حادا .

    تشير إليه ميسون بالدوران حول جدران حجرتها حتى يناظر بابها ويتقرفص تحت عشبته الخضراء .

    تقف ميسون على أطراف أصابعها وتذهب نحو باب حجرتها لتفتحه رويدا رويدا تلافيا لأي صرير , ترسل عينيها في الأجواء حولها تترصّد أي قادم أو ذاهب في الزقاق , ثم تشير إليه قابعا كعشبة بالدخول , وتسحب الباب إليهما وتغلقه .

    الحبّ هنا ليس إلا .

    الحب ليس للفضاءات .

    الحب محاصر في الحجرات المغلقة .

    وفوق قمة الجبل المعتمرة بعمامة من الضباب يتحلّق بشر ..

    تصل جلجلة حديثهم من بين الظلام من بعيد كريح في صحراء .

    ولن تستطيع تمييز المتكلم منهم على الدوام

    جلبة الحديث المختلط لا تدلُّ على أمر بعينه , ولا تعلن عن أصحابها .

    للتو ينبلج الضوء فجأة من مصباح الغاز خلال رقرقة الضباب فيمن حوله ليفتح على الأوجه المتحلقة حول وجهه الوقور بلحيته الكثة الحمراء معتمرا فوق راسه شاله المنقوش .

    كان أحدهم في طريقه إلى هنا , لم يَلْوِ على أحد غير الشيخ حبيب ليقترب منه , يدنو ويسر في أذنه بقولٍ ما .

    · إنه أبي . تضع كفها الحنين بكلّ الذعر على صدرها وتبحلق في عينيّ ساري .

    تطوف عيناه في المكان , ليس غير الباب والنافذة , غير أبيها بعد الباب , غير السحيق بعد النافذة , ينظر في عينيها , في وجدها المعتقل في الاعماق , يضع يده على المصباح ماذا يريد بالمصباح ؟ يتركه ويذهب نحو النافذة , ستسمك به , تقبّله تضمّه ,تذوب فيه , تصير فيه , تَهْوِيْ فيه , في وجه آخر ستطويه في قلبها , ستحفظه حيث لاأحد يراه , في جوفها , لها من دون كل الناس , تحجبه هناك , بعيدا عن أبيها عن كل البشر , عن القدر , لن تدعه يهوي إلى القعر , لكن ساري يحلق حول النافذة ويرمي بالعشبة إلى السحيق , سيقتلهما معاً إن دخل عليهما , طرقات على الباب ساخطة , تفتح ميسون الباب , يقفز ساري من النافذة , كأنها ابتلعت الجبل والشجر وأباها ,

    كان يمسك به في يده وهو ينظر إليها :

    · ستتزوجين إبن عمتك قانص ياميسون , غدا سنعقد القران .

    .يتداول الناس بأن ساري وحين كان يركب فوق ظهر نسر عظيم صاعدا في طريقه من السهل إلى الجبل فقد نادى عليه النباش نداءه الشهير قائلا : " ياساري حلِّيْتَنِيْ بك " , وأن ساري قد سمع النداء وهو في السماء .

    في ليلة من الليالي مقمرة كان ساري يركب فوق ظهر النسر العظيم هابطا من نجد في الجبل إلى السهل في تهامة , وفي حين أرخى النسر مخلبيه استعدادا للهبوط فقد حان في تلك اللحظة أجل سامي في السماء , فلم يتأخر لحظة مثلما لم يتقدم لحظة فهوى من فوق ظهر النسر وتحطم فوق الصخور فجاء النباش وحمل جثته متحلِّقا عليها فوق ظهره دون كفن ودون حنوط إلى مكان غير معلوم .

    .

    ............

    1- القشوي :حيوان من فصيلة النمور

    2- النباش : في الحكاية الشعبية حيوان من قرد وإنسان صخم يكسوه شعر غزير وله كفان كصحني محراث وأظافر كالأزاميل ويمشي على قدمين ويتحدث كالانسان ويتغذى على الموتي الذين كان قد اختارهم ونادى عليهم بأسمائهم أحياء بنبش قبورهم وحمل جثثهم إلى بيته ليأكلهم مع أبنائه .

    3- حلّيتني بك : جعلتك لي خاصتي لايشاركني فيك أحد .

    4- هي " مجرّة أندروميدا وهي أقرب المجرات إلى درب التبانة , والتي ضمنها مجموعتنا الشمسية "[/quote]

    تعليق

    • عبد الرحمن محمد الخضر
      أديب وكاتب
      • 25-10-2011
      • 260

      #3
      أخي أسعد جماجم
      لماذا سأقرأ مداخلتك قراءة خاطئة ولماذا سأؤلها تأويلا مختلفا
      لكي يتعرض النص للنقد والتصحيح فهذا هو ماجعلني اعرضه هنا كي يكون تاما للطبع
      تحياتي لك

      تعليق

      • عبد الرحمن محمد الخضر
        أديب وكاتب
        • 25-10-2011
        • 260

        #4
        الأخ أسعد جماجم
        أظنها كل الكلمات صحصحة عدا الغنم فهي أنثى وتم سهوا كتابتها بدون التاء في موضع واحد
        أرجو وضع البدائل من قبلك ليتم مقابلتها والمناقشة حولها , الكلمات ذات دلالة وترد في النص متوافقة مع طبيعة الموضوع ولغة المتحدثين
        مرة أخرى أرجو كتابة الكلمات البديلة ..
        كما أرجو التكرم بمراجعة نصوص المجموعة كاملة والتي نشرتها هنا في ملف واحد
        تحياتي لك
        التعديل الأخير تم بواسطة عبد الرحمن محمد الخضر; الساعة 06-03-2016, 03:37. سبب آخر: تبديل كلمة

        تعليق

        • أسعد جماجم
          أعمال حرة
          • 24-04-2011
          • 387

          #5
          السيد عبد الرحمن محمد الخضر
          سأضطر إلى تصحيحها واحدة بواحدة مرتبة حسب موقعها في النص
          يتفلق --- صوابها-- ينفلق
          كزكرشة -- \\ --- كزركشة
          ناصبات --\\ --ناصبة
          مائجات -- \\-- تتماوج
          يتراقصن --\\ --تتراقص
          كالدرات -- \\ -- كالذرى
          إنفطرن -- \\ --انفطرت
          لتصعيد --\\ -- لرفع
          ينتثرن -- \\ -- ينثرن
          إباحته -- \\ -- بوحه
          يرد بغنمه -- \\ -- يورد غنمه
          نشبت عيناه ---\\ -- تسمرت عيناه
          جفت الماء -- \\ -- جف الماء أو جفت المياه
          تصعد المنحدر-- \\ --تصعد المرتفع
          تتأخرهن جمعيا -- \\-- تتأخر جميعهن
          أجمعين بقولته الشهيرة -- \\ -- جميعا بقوله الشهير
          في الأيام التاليات -- \\ -- في الأيام التالية
          بدأ الغنم يتأخر-- \\ -- بدأت الغنم تتأخر
          على ضهورها برفق -- \\ -- على ظهرها برفق
          كل شيئ -- \\ -- كل شيء
          أبدا كفلقات صدرها -- \\ -- بدى كفلقتي صدرها
          رقرقة الضباب ---- \\ --- الضباب لا يرقرق يا خضر
          هذا قليل من كثير يا عبد الرحمن و ثمة أخطاء تحاشيت الإشارة إليها

          تعليق

          • عبد الرحمن محمد الخضر
            أديب وكاتب
            • 25-10-2011
            • 260

            #6
            شكرا أخي اسعد جماجم
            يبدو أنني انتهكت حرمة لغتنا العربية
            هل عليّ أن أقول لرفع وليس لتصعيد , والذرى وليست الدرّات , وينفلق وليس يتفلّق , ويوردوليس يرد بغنمه , وناصبة وليست ناصبات , وتسمرت وليست نشبت , وينثرن وليس ينتثرن , والبوح وليس الإباحة , وتتماوج وليست مائجات ....
            المفردات جاءت متناغمة مع السياق وقمت بصياغتها لتحمل المعنى الذي يرمي إليه النص ولإخراجها في شكل يفي كما يجب بهذا المعنى .
            في كل الاحوال أشكر لك جهدك لأجلي
            ولاشك بأن كل النصوص الواردة بالمجموعة سيتم عرضها على مرجعية في اللغة , وقد تقدمت بها هنا للمراجعة والتقييم من كل الزملاء
            جزيل شكري أخي الكريم
            شكرا لك على كل حال

            تعليق

            • عبد الرحمن محمد الخضر
              أديب وكاتب
              • 25-10-2011
              • 260

              #7
              صباح الخير أخي جماجم
              للأسف فعندما تداخلت على النص " رب النصوص " قررت بأنني قد تطاولت على الذات الإلهية وطالبت بحذف النص كاملا
              وهاأنت هنا تشتغل على ذات الصيغة بما قررته هنا من تطاولي على اللغة وإيراد هذه الدزينات من الاخطاء وكأن كل النص خطأ في خطأ
              تمنيت عليك أن تتروى ولا تفعل مثلما فعلت مع النص رب النصوص
              لست هنا بصدد اللهجة ذتها في منشورك ولا أن أذهب فيما ذهبت إليه وتخطيئك بل سأكتفي بأمثلة على المفردات الأول والتي وردت في مداخلتك
              1- يتفلق :
              1. [*=right]فَلَّقَ: ( فعل )
                تفلَّقَ يتفلَّق ، تفلُّقًا ، فهو مُتفلِّق
                تَفَلَّقَ رَأْسُهُ : تَشَقَّقَ
                تَفَلَّقَ الصُّبْحُ : اِنْقَلَقَ ، اِنْبَلَجَ
                تَفَلَّقَ فِي العَدْوِ : بَالَغَ فِيهِ وَجَاوَزَ الْمُعْتَادَ
                تَفَلَّقَ الجسْمُ : ضَخُمَ وسَمِنَ
                تَفَلَّقَ اللَّبَنُ : تقطَّع من شدَّة الحُمُوضَةِ

                [*=right]تَفَلُّق: ( اسم )
                مصدر تَفَلَّقَ
                تَفَلُّقُ الرَّأْسِ : تَشَقُّقُهُ
                تَفَلُّقُ الصُّبْحِ : اِنْبِلاَجُهُ
                التَّفَلُّقُ فِي العَدْوِ : الجِدُّ فِيهِ وَتَجَاوُزُ الْمُعْتَادِ
                ( البيئة والجيولوجيا ) عمليّة التشقُّق الطبيعيّ في الصخور
                ( الأحياء ) انشقاق بيضة ملقَّحة إلى أقسام عديدة
                2- نقول ناصبات وناصبة
                فلما جاءتهم آياتنا مبصرة
                وإذ تتلى عليهم آياتنا بينات
                ومثلها مائجات
                4- يتراقصن
                إن الحسنات يذهبن السيئات
                5- كالدرات في العقد وليست الذرى وهل الذرى تعنى الدرات
                يقول حافظ إبراهيم : أنا تاج العلاء في مفرق الشق ودراته فرائد عقدي
                6- إنفطرن وانت تقول إنفطرت :
                تكاد السموات يتفطرن منه
                ويتفطرن أي يتشققن فرقاً
                سأكتفي بهذه
                لك تحياتي أخي أسعد جماجم

              تعليق

              • عبد الرحمن محمد الخضر
                أديب وكاتب
                • 25-10-2011
                • 260

                #8
                أخي أسعد جماجم
                ويقال الأيام التالية إذا كانت كثيرة وتقال التاليات إذا كانت للتحديد فيما يقل عن ذلك
                ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
                وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
                والقاعدة المعهودة في الإخبار أو وصف جمع غير العقلاء إنما تكون بجمع المؤنث السالم أو بالمفرد أو بجمع التكسير ؛فيقال:
                مرّت بنا أيام خوالٍ ؛بجمع التكسير .
                ومرّت بنا أيام خاليات ؛بجمع المؤنث السالم .
                ومرّت بنا أيام خالية ؛بالمفرد
                التعديل الأخير تم بواسطة عبد الرحمن محمد الخضر; الساعة 08-03-2016, 07:24. سبب آخر: إضافة مقطع

                تعليق

                • أسعد جماجم
                  أعمال حرة
                  • 24-04-2011
                  • 387

                  #9
                  السيد عبد الرحمن خضر
                  نصك أخذ من القراءة و النقاش ما لا يستحق , اشرت إلى تلك الأخطاء في مداخلتي السابقة , وأشير الآن إلى أخطاء بنفسجية أخرى تجاهلتها بقصد حتى لا أكون قاسيا أو محبطا , لم أشر إلى الجانب التحليلي في الأفكار و كنت أعرف جيدا أن النص تميز بهشاشة التراكيب و ضحالة المعاني و رهافة البناء و سطحية التعبير و عشوائية المقصد , لأنك لم تحدد موقفا و لم تنسج فكرة تستحق التنويه أو الإشارة وكانت مجرد سرد لأحداث البئر و ما يحيط بها من مشاعر , و خلط للموروث الشعبي لتلك الحكاية الخيالية التي انهت القصة , لم تكن متواصلة أو مترابطة الأحداث و الأزمنة أو متقاطعة في المعاني ولم تكن ذات علاقة جديرة بالتمعن أو التصور و التحليل والتفكيك و اعادت التركيب و الهيكلة , كانت مجردة من قيمتها الفنية لأنها وظفت توظيفا مغايرا و معاكسا تماما بل كان سلبيا أيضا هدم ما سبقه من بناء للقصة , كان تراوحا في مكان واحد أفضى إلى نهاية باهتة , تشعبت من خلالها الحبكة القصصية و غاب التسلسل في الزمان و المكان فاضمحل الخيال إلى الفراغ , كي تنتهي القصة منتها مبهما غير واضح المعالم و غير محدد التوجه , بدأت القصة كما انتهت أو انتهت كما بدأت , ولم تترك معلما يشق أثرا عميقا في نفس القارئ , و لم تكن ثمة حبكة كفيلة بالسيطرة على مجرى الأحداث فيها


                  على العشب الأخضر يكسو الأرض فوق متسّع السهل حتى الأفق ويتفلَّق مزدهرا بلطخات من الطيف هنا وهناك تتقاطر أسراب البنات من القرى حول البئر على جانبي الطريق جيئةً وذهاباً كزكرشة خيطٍ متقطع الالوان , ناصباتٍ جرارهن على لفة من قماش فوق رؤوسهن , مائجاتٍ على المنعطفات في الطريق , يتراقصن على إيقاعاتها لإحداث التوازن عند رجرجة الماء في الجرار .

                  يَمْسكْنَ بالحبل متضامنات , ويجرِيْنَ كدرّات في عقد إنفطرن حافياتٍ لتصعيد الدلو من قعر البئر بعد أن امتلأ بالماء , ينتثرن حول إحداهنّ تملأ جرتها ويتبادلن الأحاديث والحكايات , تقترب إحداهن من أخرى لتهمس في أذنها بنبأٍ لا يليق بها إباحته على الأخريات .

                  خلال رحلته المكوكية بين منزله والمرعي يرد بغنمه الماء في الحوض الطيني عند البئر التي تتحلق حولها الفتيات , يقف تحت ظل شجرة على الطريق حتى ترتوي فيهش عليها بعصاه ويذهب .

                  في هذه المرة رآها , نشبت عيناه فيها ولم تغادرها .

                  جفّت الماء في الجبل , وانْغَزَلَ المطر خيوطا من ضباب في السماء , فهطلت مَيْسُوْنُ على السهل بجانب البئر لتجلب الماء .

                  الطريق من قمة الجبل إلى البئر كسحبة ثعبان ولا مساحة لحركة على الطريق غير نقل القدم إلى أمام .

                  منذ اليوم يرد غنمه الماء في الحوض لا يهشُّ عليها , يتريّثُ حتى تملأ جرَّتها , تحملها فوق رأسها وتذهب , تصعد المنحدر وكأن طبولا ترافقها تقرع حولها لتشكيل خطاها فوق حدبات الصخور وعلى الفراغات بينها , عندها يسوق غنمه ويواصل سيره نحو المرعي .

                  .كُنَّ يُقدّمنها , ويملأن جرتها قبل جرارهن , يتحالفن على سحب الحبل ورفع الدلو من قاع البئر ويتركنها تستريح , يمْلَأْنَ جرّتها , ويرفعنها فوق رأسها لتذهب وتصعد الجبل , ثم يقمن بملء جرارهن الواحدة تلو الأخرى على قاعدة الواردة أولاً تملأ أولا , سوى ميسون بنت حبيب شيخ الجبل فسيملأن جرّتها أولا في كل الأحوال .

                  تمنّى أن يُعَطِّلَ هذا النظام وأن تتأخرهن جميعا ليتقدم ويسحب الحبل , حبل جرّتها فحسب , يملؤها , ثم يرفعها ويستطيل ويستطيل , وحين عيناه في عينيها يضع جرتها فوق رأسها وعلى مهل .

                  فيما جرَّتها ممتلئة ستقتنص زمنا لايلحظْنَهُ للبقاء هنا , تلاعبهنّ , تمازحهنّ , وتراجمهنّ بحبات الطين بجانب الحوض والحصوات , حين الغنم ترد الحوض ,وترتوي , بينما ساري تحت الشجرة القريبة ينتظر غنمه حتى تقفل نحوه مرتوية .

                  في الأيام التاليات بدأ الغنم يتأخر عند الحوض ويرتوي على مهل , يتلمّس في ميسون التي تمسح على ضهورها برفق , فيما عيناها تذهبان إلى تحت الشجرة , وفيما هو يدع غنمه حيث عيناه تستريح تحت لمسات أناملها .

                  كانت تسمتع إلى حكايات صديقاتها عن الرعوي والذي تمكن من دون غيره من الناس من فتح الطريق ليلاً أمام أهالي القرى عند المثلث الذي يربط بين السهل والجبل والذي يكمن فيه حيوان القشوي (1) ليباغت فريسته من المارة ليلا ويمارس عليها طقوسه كما يفعل القط مع الجرادة بين يديه , وأن الرعوي وحده من قرر أن يجتاز المثلث أثناء الليل ليلتقي القشوي وجها لوجه ويتغلب عليه ويصرعه في المنازلة الشهيرة بينهما والتي يتحدث عنها الجميع , وليفتح الطريق أمام الناس إلى كل القرى والمحلاّت .

                  سُمِّيَ ساري لأنه يسري الليل في الخلوات غير آبهٍ بالوحوش والهوام , وقيل أنه ركب على النسر وذهب إلى بلاد بعيدة لايعلم بها أحدٌ سواه . .

                  وأن النبَّاش (2) قد نادى عليه في إحدى الليالي , وتذكرت حكايات جدتها في ليالي طفولتها بان النباش ينادي في وقت متأخر من الليل على هذا الذي اختاره من بين الساكنين أجمعين بقولته الشهيرة : يافلان حلّيتني بك (3) وأن أحدا غيرمن تحلّى به النباش لايسمع النداء, وحين يموت ويتم دفنه يأتي النباش في الليل ويحفر القبر ويحمل جثة الميّت ويذهب به إلى بيته الذي لم يستطع أحد الوصول إليه على مرّ العصور فيضعه بين مخالب وأنياب صغاره فيأكلوه , وأن النادر من الناس هم من شاهدوا النباش وهو يحمل جثّةً على كتفيه متحلِّقاً على كفنها وأن رائحة الحنوط تظل تعبق في الطريق من القبر إلى بيت النباش طوال الليل , ويصفونه بكائن ضخم من القرد والانسان , يمشي على قدمين ويكسوه شعر غزير , وله كفّان كصحني المحراث , وأظافر طويلة حادة كالمزاميل .

                  .

                  .........................

                  في ليلة من ليالي القمر , وعند الساعات الأولى من الفجر كان قانص إبن عمة ميسون متقرفصا في الطرف من حافة الجبل المطلة على السهل فرأى وكأن شجرة خضراء تمشي وتصعد بجانب الطريق الطالعة من السهل نحو قمة الجبل فصعق , بسط كفّيه على صدره , وأحسّ بدوار , وكاد أن يغمى عليه , فاستعاذ من الشيطان وقرأ المعوذتين وعاد ودخل البيت مسرعا كي لايشاهده الشيطان فيخترقه ويسكن فيه .

                  لم يخبر أحداً , سيتبيّن لهم بأنه قد فقد عقله فلم يكن قد تأكّد له بأن شجرة خضراء تدبّ على الأرض كما يدبّ الانسان .

                  مرةً أخرى شاهد شجرة خضراء تتحرك على المنحدر هابطة , تمشي ثم تقف , ثم تمشي ثم تقف ثم تغيب , حمد الله أنها تذهب بعيدا عنه نحو السهل , لكنها تغيب قبل أن تصل إلى السهل وهكذا تفعل الشياطين .

                  كاد أن يصاب بالجنون حقاً في هذه المرة حين شاهد شجرة ذات جذعين لا تتحرك على المنحدر فحسب , بل وتصعد نحو نافذة حجرة ميسون على الطرف من المنحدر .

                  لم يتحقّق له ولوج الشيطان إلى حجرتها , كانت حجرة ميسون تنحدر نحو الجهة المقابلة , لكن الشيطان اختفى هناك , عند انحدار النافذة .

                  عينا ساري تذهب في السماء , تسبح في غابة الأنجم التي اختطها حبريل طريقا في السماء حين كان يسحب الذبح العظيم من الله إلى إبراهيم ليفتدي به إبن هاجر إسماعيل (4) .

                  سَحْبةُ الأضحية تخلف رغوة عظيمة من أنجم تغطي برذاذها السماء .

                  وكل شيئ في بيته ينام الآن , الأنفاس تغوص , و الديكة تصيح , تناول خنجره , شده إلى جنبه , رفع عصاه على كتفه , دفع الباب وخرج .

                  الشفق يتوهج فوق الجبال , يشفُّ في الأسفل على السطح , ويتألق على أكتاف الأودية , يسافر في أجوافها منحدرا إلى الغرب في قماشة من الضباب شفافة , تبيح فتنة الماء الفاتحة على أحضان الفجر. ..

                  الْعُشْبُ يرفل في الندى مغتبطا على السطح , ويعود رُوَيْداً رُوَيْداً , صاعداً على الجانبين من ضفاف الوديان نحو الجبال , تتخلله بعض شجيرات ككائنات بشرية نصف قائمة .

                  وخرير الماء الهائم أبدا كفلقات صدرها يمر به دون توقف , وعلى كف الجبل العالي يتألق منزلها بين المنازل المعلّقة فوق أكف الجبال المجاورة ككائنات مستطرقة يتم عرضها في الشرق .

                  وعيناها نحو القعر من المنحدر تتصيد ساري .

                  انفلق جسدها في الأسفل حين أسندت مرفقها على فخذها المقوس فوق النافذة مستندة على قدمها في القاع من الحجرة .

                  القمر يعبر السماء بين أرتال من السحب البهيجة , وهسيس الليل يزفر ويشهق في الفضاءات , وشعلة المصباح التي تنبلج الآن تتوهج من نافذة حجرتها حينا وتختفي حينا خلف ستارة شفيفة من الضباب تذهب وتعود .

                  يعتمر فوق رأسه عشبة خضراء , خطوتان ثم يقف , هكذا لن يلحظه أحد ضمن خرير العشب المنسكب بالخضرة على كرمشة الجبل الصاعدة حتى حجرتها .

                  لا يمكنه الصعود إلى مستوى النافذة , كان منحدرا حادا .

                  تشير إليه ميسون بالدوران حول جدران حجرتها حتى يناظر بابها ويتقرفص تحت عشبته الخضراء .

                  تقف ميسون على أطراف أصابعها وتذهب نحو باب حجرتها لتفتحه رويدا رويدا تلافيا لأي صرير , ترسل عينيها في الأجواء حولها تترصّد أي قادم أو ذاهب في الزقاق , ثم تشير إليه قابعا كعشبة بالدخول , وتسحب الباب إليهما وتغلقه .

                  الحبّ هنا ليس إلا .

                  الحب ليس للفضاءات .

                  الحب محاصر في الحجرات المغلقة .

                  وفوق قمة الجبل المعتمرة بعمامة من الضباب يتحلّق بشر ..

                  تصل جلجلة حديثهم من بين الظلام من بعيد كريح في صحراء .

                  ولن تستطيع تمييز المتكلم منهم على الدوام

                  جلبة الحديث المختلط لا تدلُّ على أمر بعينه , ولا تعلن عن أصحابها .

                  للتو ينبلج الضوء فجأة من مصباح الغاز خلال رقرقة الضباب فيمن حوله ليفتح على الأوجه المتحلقة حول وجهه الوقور بلحيته الكثة الحمراء معتمرا فوق راسه شاله المنقوش .

                  كان أحدهم في طريقه إلى هنا , لم يَلْوِ على أحد غير الشيخ حبيب ليقترب منه , يدنو ويسر في أذنه بقولٍ ما .

                  · إنه أبي . تضع كفها الحنين بكلّ الذعر على صدرها وتبحلق في عينيّ ساري .

                  تطوف عيناه في المكان , ليس غير الباب والنافذة , غير أبيها بعد الباب , غير السحيق بعد النافذة , ينظر في عينيها , في وجدها المعتقل في الاعماق , يضع يده على المصباح ماذا يريد بالمصباح ؟ يتركه ويذهب نحو النافذة , ستسمك به , تقبّله تضمّه ,تذوب فيه , تصير فيه , تَهْوِيْ فيه , في وجه آخر ستطويه في قلبها , ستحفظه حيث لاأحد يراه , في جوفها , لها من دون كل الناس , تحجبه هناك , بعيدا عن أبيها عن كل البشر , عن القدر , لن تدعه يهوي إلى القعر , لكن ساري يحلق حول النافذة ويرمي بالعشبة إلى السحيق , سيقتلهما معاً إن دخل عليهما , طرقات على الباب ساخطة , تفتح ميسون الباب , يقفز ساري من النافذة , كأنها ابتلعت الجبل والشجر وأباها ,

                  كان يمسك به في يده وهو ينظر إليها :

                  · ستتزوجين إبن عمتك قانص ياميسون , غدا سنعقد القران .

                  .يتداول الناس بأن ساري وحين كان يركب فوق ظهر نسر عظيم صاعدا في طريقه من السهل إلى الجبل فقد نادى عليه النباش نداءه الشهير قائلا : " ياساري حلِّيْتَنِيْ بك " , وأن ساري قد سمع النداء وهو في السماء .

                  في ليلة من الليالي مقمرة كان ساري يركب فوق ظهر النسر العظيم هابطا من نجد في الجبل إلى السهل في تهامة , وفي حين أرخى النسر مخلبيه استعدادا للهبوط فقد حان في تلك اللحظة أجل سامي في السماء , فلم يتأخر لحظة مثلما لم يتقدم لحظة فهوى من فوق ظهر النسر وتحطم فوق الصخور فجاء النباش وحمل جثته متحلِّقا عليها فوق ظهره دون كفن ودون حنوط إلى مكان غير معلوم .

                  .

                  ............

                  1- القشوي :حيوان من فصيلة النمور

                  2- النباش : في الحكاية الشعبية حيوان من قرد وإنسان صخم يكسوه شعر غزير وله كفان كصحني محراث وأظافر كالأزاميل ويمشي على قدمين ويتحدث كالانسان ويتغذى على الموتي الذين كان قد اختارهم ونادى عليهم بأسمائهم أحياء بنبش قبورهم وحمل جثثهم إلى بيته ليأكلهم مع أبنائه .

                  3- حلّيتني بك : جعلتك لي خاصتي لايشاركني فيك أحد .

                  4- هي " مجرّة أندروميدا وهي أقرب المجرات إلى درب التبانة , والتي ضمنها مجموعتنا الشمسية "

                  [/quote][/quote]

                  تعليق

                  • عبد الرحمن محمد الخضر
                    أديب وكاتب
                    • 25-10-2011
                    • 260

                    #10
                    أخي أسعد جماجم
                    لاتعليق

                    تعليق

                    • بسباس عبدالرزاق
                      أديب وكاتب
                      • 01-09-2012
                      • 2008

                      #11
                      سلام الله عليك استاذي عبدالرحمن محمد الخضر

                      أظنك بكرم حتى تمنحني مساحة صغيرة لأتنفس معك وأشاغبك قليلا
                      سأتحدث معك هنا عن البناء:
                      بالنسبة لي رأيت ترتيب القصة يحتاج منك بعض العمل هنا
                      فالبداية بالنسبة لي كانت من هنا:

                      في ليلة من ليالي القمر , وعند الساعات الأولى من الفجر كان قانص إبن عمة ميسون متقرفصا في الطرف من حافة الجبل المطلة على السهل فرأى وكأن شجرة خضراء تمشي وتصعد بجانب الطريق الطالعة من السهل نحو قمة الجبل فصعق , بسط كفّيه على صدره , وأحسّ بدوار , وكاد أن يغمى عليه , فاستعاذ من الشيطان وقرأ المعوذتين وعاد ودخل البيت مسرعا كي لايشاهده الشيطان فيخترقه ويسكن فيه .

                      لأن هذا المدخل هو استهلال مشوق وأيضا هو ذو مغزى فسيح ومثير للأسئلة وهو أيضا مصيدة لقلب وعينا القاريء
                      ثم بعد ذلك يمكنك أن تدس ملاحقاته ولقاءاته (ساري) بميسون عند البئر بطريقة تجعل القاريء يواصل معك رحلة السرد مستمتعا أكثر منتظرا حلا للتأزم

                      هذا المقطع المقتبس من قصتك رأيته شخصيا رائعا وهو أيضا حجر الأساس في قصتك
                      ليس ما تقدم نقدا لأنني لست أهلا له هو فقط اقتراب وربما دعوة لتقرأ نصك بطريقة مغايرة
                      كثيرا ما أرمي نصوصا فقط لأنها لم تخدم الفكرة وغير مشوقة
                      أيضا أستاذي ألمس فيك روح الروائي، فأقول في نفسي لو وظف طاقاته في الرواية لصنع روايات خارقة (لا أعلم إن كنت كتبت الرواية أم لا؟)

                      وسأقرأ قصتك مرات أخرى لأكون معك أكثر

                      أتمنى أن تسمح لي تطفلي هذا أستاذي
                      فأنا بهذا أطلب الاقتراب منك
                      وأيضا أنشد التعلم من خلال مناقشتك ومحاورتك

                      محبتي وتقديري
                      السؤال مصباح عنيد
                      لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

                      تعليق

                      • عبد الرحمن محمد الخضر
                        أديب وكاتب
                        • 25-10-2011
                        • 260

                        #12
                        مساك بالخير أستاذ بسباس
                        سأذكرك مرة أخرى بطلبي منك سابقا بالتداخل على مجموعة نصوصي التي سأضمنها في مجموعتي الثانية
                        لديّ قاعدة وهي أن النص يظل مفتوحا على الدوام وهذا ما سأراجعه على ضوء مداخلتك هذه
                        جزيل احترامي
                        التعديل الأخير تم بواسطة عبد الرحمن محمد الخضر; الساعة 10-03-2016, 21:29. سبب آخر: إضافة كلمة

                        تعليق

                        • عبد الرحمن محمد الخضر
                          أديب وكاتب
                          • 25-10-2011
                          • 260

                          #13

                          الاستاذ بسباس عبد الرزاق

                          http://www.nizwa.com/%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%8A%D9%84-%D8%B1%D9%8A%D8%A8%D8%A7%D8%B3-%D9%84%D8%B3%D9%80%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%B4%D9%80%D9%80%D 8%A7%D8%AA/

                          رابط أفضل قصة قصيرة في القرن العشرين " لسان الفراشات " لمانويل ريباس


                          رابط القصة القصيرة الساحر سيمون نص: دانيلوكيش
                          القصتان من أفضل القصص العالمية التي فازت بأكثر من جائزة ستلاحظ أنها مكتوبة في جملة من الصفحات وتتضمن تفاصيل لازمة لإثراء المضمون
                          هذا فيما يتعلق بطول القصة القصة القصيرة وانتقاد البعض لأسلوبي في التفصيل وحول أن هذا أسلوب رواية وليس اسلوب القصة القصيرة
                          إخترت لك هاتين القصتين كونها من أجمل القصص التي قرأتها على الاطلاق ولكونها مثال على نموذج القصة القصيرة المتعارف عليه
                          نجياتي صديقي العزيز
                          التعديل الأخير تم بواسطة عبد الرحمن محمد الخضر; الساعة 11-03-2016, 00:06. سبب آخر: إسم المرسل إليه

                          تعليق

                          • بسباس عبدالرزاق
                            أديب وكاتب
                            • 01-09-2012
                            • 2008

                            #14
                            الأستاذ الحبيب عبدالرحمن

                            بالنسبة للقصة الطويلة فانا من محبيها واعشقها كثيرا
                            ولكن بشرط أن تكون الفكرة والرؤية والموضوع والمعالجة تتطلب ذلك
                            مع توفر دراما قوية بإمكانها شد القارئ للنهاية مع حبكة مترابطة

                            أما القصة ذات الكلمات القليلة فكثيرا ما نجدها مغلقة على ذاتها وهي توتر القارئ وتصيبه بإحباط وذلك كون الكتاب لا يعطون أهمية للمستوى التعلمي للقارئ..

                            و بمعنى ادق هي نصوص نخبوية يتحدى فيها القارئ الكاتب وليست نصوصا موجهة لإمتاع وتوعية وتثقيف القارئ

                            لست ضد هاته الطريقة أو أخرى ولكن القاص الجيد هو الذي يعرف الطريقة المناسبة لنصه وما الكلمات التي بإمكانها خدمة رؤيته وتراه يتوقف عندما يعلن النص من ذاته عن نهايته

                            وربما ذهبت معك هنا للحرية وكيف يمارس الكاتب حريته ويمنحها أيضا لأبطاله في النص
                            دون أن يستعبد القلم فنرى نصوصا متكلفة وغير جيدة

                            وصدقني كثيرا ما أتوقف عند القراءة مع الفقرة الأولى لكثير من النصوص
                            بل بعض الكتاب الكبار لم أستطع قراءة رواية أو قصة واحدة لهم
                            وبعضهم ألتهم رواياتهم في يوم واحد كمثل رواية الخيميائي ((فرغم بساطة الأسلوب إلا أنك تراها ممتعة فكريا وأدبيا))
                            السبب الأول هو الاعتناء باللغة لأنها كائن عضوي في النصوص وثانيا الدراما وأهم شرط يميز أي كاتب عن آخر هو الرؤية والزاوية التي ينظر من خلالها الكاتب للموضوع وطريقة المعالجة والبناء والطرح وكل ذلك (اللغة المعالجة البناء الطرح) يخضع بطرق شتى لزاوية الرؤية لأنها هي من تميز الكتاب الكبير عن الصغير.


                            وبذلك نعود إلى ما تقدمت به من طول القصة
                            فكل ما تقدم هو من يساهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة احيانا في تشكيل الشكل النهائي للنص
                            فقد نكتب رواية من خمسين صفحة قد يسميها البعض رواية قصيرة ولكنها تظل رواية
                            وقد نكتب قصة من ستين صفحة فسميها قصة بنفس روائي ولكنها تظل قصة قصيرة

                            فمعنى المعايير الفنية هي من تحدد جنس العمل لا الطول والعرض
                            فللرواية خصائصها ومميزاتها وأيضا القصة
                            قد نشذ عن قاعدة أحيانا ولكن ذلك الشاذ يكون لغاية وهدف وربما تكون تجربة وورشة في طريق تحقيق نوع جديد من الكتابة

                            أما عن قصتك هذه تحتاج منك بناء آخر

                            بمعنى ان انطلاقتك هي التي كانت هاجسي وليس طول النص
                            وأيضا ترتيب الفقرات فقد رأيته بطريقة مغايرة
                            فالوسط هو الذي كان يجب أن يكون استهلالا ثم المقدمة تصبح روح النص من الداخل


                            هو حديث من القلب للقلب وليس كلام عارف وهو ما أحسه صوب نصك وليس نقدا أيضا
                            فأنا لم أنشر اي مجموعة ولست بالأكاديمي فكل ما أعرفه تعلمته هنا بينكم ومعكم
                            وعمر تجربتي الأدبية لا تتعدى ثلاث سنوات
                            أكتب حسب ذائقتي وأساهم في الردود حسب احاسيسي وذائقتي ايضا

                            أتمنى أن تغفر لي ثرثرتي
                            وحتما سأقرأ مجموعتك وربما أبديت رأيي حسب نظرتي الشخصية واقول نظرتي الشخصية


                            محبتي وتقديري أستاذي عبدالرحمن
                            السؤال مصباح عنيد
                            لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

                            تعليق

                            • عبد الرحمن محمد الخضر
                              أديب وكاتب
                              • 25-10-2011
                              • 260

                              #15
                              حياك أستاذ بسباس
                              النصان اللذان رفعت بهما إليك هما من القصص القصيرة وليسا قصصا طويلة وقد تم تصنيفهما وحصولهما على الجائزة تحت مسمى القصة القصيرة ,, وما يتم نشره هنا في منتدى القصة القصيرة أظنه ومضة ويقع بين القصة القصيرة والقصيرة جدا
                              لاشك أننا نكتب للجهور ولكن نخبة الجمهور وتلك ضرورة الفن والأدب
                              فيما يتعلق بالنص العذراء والرعوي : تقصيت كثيرا خلال قراءاتي كيف أن خصوصية النص والتصاقه بالمحلية فيما يتعلق بالموضوع هو مقياس أول في معيرة النصوص في التقييم الاحترافي وكان النص هنا محليا جدا : الطبيعة , القشوي , النباش , الحب المعتقل .
                              هذه الظاهرة خلقت ضرورة أن أفصل في النص بعض تفصيل لازم
                              ستراني بدأت بلطخات البنات على الطريق كزركشة من الالوان على البساط النباتي نحو البئر وعلى جانبيها وتلك لوحة يمانية ستجدها في كل طريق تسلكه في الفترة الماضية .. الاستهلال اردته كلوحة استهلالية للنص لعين القارئ المبحلقة
                              كان يمكن أن أبدأ من القمة لكن الدراما كان لابد أن تاخذ مراحلها
                              محاولة نبش كل حدث وتفصيله على الجانب الذي ترمي إليه القصة دائما هو غرض للكاتب .. لاحظ تفصيل حركة الغنم بين ساري وميسون الغنم مثلا هذه التي ترد الماء وتتمسح على أنامل ميسون حيث عيني ساري هناك , وكيف بدأت الغنم تتأخر وتستريح عند ميسون , لاحظ كيف ببميسون راحت تتبادل الحكايات وتلعب رغم أنهن يقدمنها عليهن في كل مرة لتتأخر لأنها الفرصة التي كانت سانحة لها قبل أن يغامر ساري بالصعود إليها .
                              سرد حكاية القشوي كانت لحبك البطولة في ساري وهي خاصية تثير المرأة في الرجل فيما حكاية النباش لإضفاء لمحة أسطورية على الحكاية وإليها النسر .
                              فيما اقترحت أنت أن ابدأ منذ قانص على حافة الجبل لأنثر بعد ذلك الجزئيات التي أشرت إليها سابقا وأظن على طريقة الفلاش باك لكني حبذت الطريقة المتسلسلة تلك كونها تطابق الشكل مع المضمون وكتأليفة موسيقية باتّة وليست على طريقة السيمفوني الذي يعود دائما إلى الثيمة ذاتها في كل مرة , لأن السرد هنا كان كإلقاء حبة إثر حبة .
                              أؤمن بأن مايميز القصة القصيرة تلك القدرة على جعل الحبة قبة أو تحويل القبة إلى حبة .. بمعنى أن تكون هناك تفاصيل غزيرة حول حكاية لاتستغرق جملة أو أن يكون هناك تكثيف مضغوط لحالة تستدعي تركيبة روائية .
                              إستفدت كثيرا من مداخلاتك صديقي الرائع ب
                              سباس ... طرحك شهي على الدوام ولابد أن أتناوله دائما على ذائقة أدبية وفنية راقية كما هو رقيّ لغتك وأسلوبك ..
                              أشكرك كثيرا .. كثيرا
                              أرجو قراءة مجموعتي نصا نصا وسأكون سعيد بموافاتي برأيك الناقد على الخاص أو هنا
                              مرة أخرى كل الشكر والتقدير
                              التعديل الأخير تم بواسطة عبد الرحمن محمد الخضر; الساعة 12-03-2016, 07:45. سبب آخر: إضافة مقطع

                              تعليق

                              يعمل...
                              X