الحب الحافي
.......................
لاحظ الأصدقاء والجيران اختفاء هديل , كانت قد بلغت الثالثة عشرة
حين شاهدته للمرة الأولى بعد الحجاب لم يرها , شعرت بالعمى .
لم يعد مباحاً لهما التحدث معا على انفراد أو بين ومع الآخرين .
شعر بحزن لم يعهده في كل حياته : لن أراها مرة أخرى , لن أتحدث إليها , هكذا حتى نموت , ستتحدث فقط إلى أبيها وأمها وإخوانها ومحارمها الآخرين , لكني أحبها أكثر من كل هؤلاء , أقسم أني أحبها أكثر من أبيها وأمها .
الله الله " هكذا يردد حسام ويكررها ثانية وبضوت مسموع حين يفتحون له الباب في بيت هديل كما هي العادة في بيوت اليمنيين كإعلان تفهم منه النساء بأن شخصا من غير المحارم سيدخل الآن ليختفين خلف الابواب حتى لاتقع عيناه عليهن أثناء دخوله أو خروجه .
كانت هديل توارب الباب أخيرا بعد أن تتيح لحسام أن يختلس نظرة منها , وحين سيخرج مرددا وبصوت عال " الله الله " مرة أخرى تتأخر في البهو قريبا من باب غرفتها كي تتيح له أن يلتقط أكثر
من نظره , وحين يغادرهم سيقف ليصافح أباها خلف عتبة الباب إلى الشارع أو يتحدث إلى أمها لتقف هي في مواجهته في الداخل قريبا من باب غرفتها إلى البهو وتبتسم إليه في الخلف منهما وتضم عينيه في عينيها , وحين سيلتفت أحد أبويها ستكون قد سحبت طرف ثويها إلى الداخل من الباب وتوارت . .
على الباب الخارجي لبيت هديل يفتح ابن خالتها السائق سليم الباب الخلفي لسيارة صالون لاند كروزر , تطلق الخادمة زغرودة وهي تتناول من جوف السيارة ماخف من الهدايا التي حملها الشيخ عبد الملك إلى أسرة هديل والتي أطلقت قبل أسبوع إسم عبد الملك على مولودها الجديد , .. بعض الهدايا ملابس للرضيع عبد الملك , وأخرى لأمّه , بين الهدايا خاتم مرصع بالماس نحت فيه قلب يخترقه سهم ينتهي في طرفه بريشات غاية في الرقة والجمال , هذا لهديل ذات الأربعة عشر عاما , هذا ما خمنته أمها ونفذته دون حاجة إلى تفسير من سليم .
.....................
كان سليم وعلى الدوام يتحدث إلى الشيخ عبد الملك عن ابن خالته الصغيرة وكيف بجمالها يزدهر يوماً عن يوم, وكان الشيخ عبد الملك قد شاهد هديل في مناسبات مختلفة تلعب وتأكل مع بناته الصغيرات وتذهب معهن إلى المدرسة
في هذه المرة رآها محجبة .....
-هل كبرت هديل ؟ أحس بجاذبية , لم يكن قد شاهد هديل منذ انقطعت عن الدراسة ولم تعد لتعرّج على بناته في طريقها لترافقهم إلى المدرسة . تذكّر الحكاية الشعبية بأن نفاخا بعينين اثنتين ينفخ وبروية وفق قياس منتظم في الطفل حتى سنّ البلوغ في حين أن نفاخا أعور لايضبط القياس بعين واحدة فحسب هو من ينفخ في الطفلة فتنضج سابقة على الرجل .
سيطر عليه شعور برغبة لاتقاوم نحوها
والآن ومن هذه الانفراجة التي أحدثها قبل قليل في سترة باب غرفته يشاهد هديل تجلس فوق سرير صغير مع إحدى بناته وتنقشها بالحنّا ..
منذ الآن سيستخدم سليم كمراسل . فهومن يستطيع أن يدخل في كل الأوقات , بحزمة القات (1) لأبيها وأمها , وبالعطر لهديل .
يعلم سليم منذ اليوم الأول من مهمته بأن هديل لا تنجذب للشيخ عبد الملك وبأنها تهيم في جارها حسام , ولكن سليم لايعيد العطر بل يضعه بين يدي خالته .
في هذه الأثناء وضعت فاطمة مولودا ذكرا أسمياه عبد الملك .
· إذهب إلى خالتك , الأم هي فاتحة ابنتها , قل لها بأن سميّكم الشيخ عبد الملك سيأتي ليخطب ابنتكم هديل .
كان قد بلغ الستين , وقرّر أن يطلق واحدة من زوجاته الأربع ليتزوج هديل , وحين يأتي سليم بنعم سيطلِّق , نعم سيطلِّقها هي زوجته الرابعة الأخيرة , وأصغرهن " مهديّة " هذه التي تطلّقت بسببها زوجته الأولى العجوز " محصنة " , لاتستوي صغيرتان لشيخ في الستين , واحدة ستكون هي الحضن الدافئ .الأخرى ستكون القاتلة , إهدها هذين الخاتمين , خالتك هي من ستتصرف بهما , سَتُبْقِىْ واحداً من الخاتمين لها لتعقده على أصبعها عند خروجها بعد انتهاء طقوس الولادة , هذا لها وهذا لهديل , لاتقل لها فهي من ستتصرف , الأم سر ابنتها وفاتحتها , خاتمين وخطبة ياسليم , هذه أولا , فلتأتني بالثانية , سأهديك شيئا ما على مجيئك بنعم , ليس غير نعم , لكنني سأكون كريما إليك , هل شاهدت ابنة خالتك تنقش الحنّا وكأن بستانا من ورد صاخب يدها , يد المرأة رسالة الرجل إلى جسدها ياسليم .
كان سيسأله : هل رأيت ابنة خالتك كما يراها الرجال لكنه حبس سؤاله , ثم أنه يعلم بإن سليم إنسان بين الذكر والأنثى
- من الطارق . ترفع صوتها فاطمة حين سمعت طرقات على الباب
· إبن أختك ياأجمل خالة .
تفتح الباب فاطمة , يدخل سليم , تلمح في يده علبة صغيرة مغلفة , كان مفتاح السيارة في يده الأخرى , هو قادم من لدنّ الشيخ عبد الملك إذن .
- مرحبا يابِزي (2) تفضّل أنت لاتحتاج إلى استئذان .
· لقد أرسلني الشيخ , ستسمعين على لساني مايسرك ياخالة , خذي هذه أولا . يقول لها وهو يضع الغلاف في يدها ويضيف : ليست واحدة بداخله , إنهما اثنتان , ستسمعين من الشيخ الآن على لساني مايسرك , أين خالي صالح ؟
تتناول فاطمة الغلاف وعلى شفتيها ابتسامة عريضة :
- -إبدأ معي لافرق بيننا , صالح يمضغ القات في الداخل . تقول فاطمة والبسمة ترقص على شفتيها وتنادي على صالح في الداخل .
· الشيخ يطلب يد هديل ياخالة , ألف مبروك .
أوّل الليل , حين سيذهبون لصلاة العشاء , لازال بعض من أصيل . الناس يقرون في بيتوتهم بين مغرب وغشاء , الشياطين تبدأ في الانفكاك عند الغسق .. الاطفال في أحضان أمهاتهم وفي الهناديل , الجميع يقرؤون سورة الغسق , وهديل تهدل الخطي إلى السقيفة بين بيتها وبيت حسام , هذه المرة ستقول له بأن الأرض ستنسحب من تحته وتحتها وسيهويان على الدوام .
تأخر سمير بعض الوقت , هكذا شعرت هديل , سيأني قبل العشاء ولاشك , وهي تقدمت عن الموعد الذي اعتادا عليه في كل مرة ولاشك , لماذا لايأتي؟ ستهوي فوق الأرض واحدة من السموات , يجب أن يوقفها حسام وأنا , أن أتخلى عن كل شيئ , عنهم جميعا لأجلك ياحسام , أين أنت ياحسام , تلمح حسام يتلفت هنا وهناك ويأتي , ترفع كفها للأعلى وتلوح بذراعها من داخل السقيف , بالكاد يشاهدها حسام حين يقترب .
· لماذا تلوِّحين ؟ , لم أتأخر , وأظن أنني تقدّمت في اليوم على مجيئي في أي يوم .
كانت تبحلق في عينيه , وكطفل ضمته كما لم تضمه في حياتها , كما لم تضمها أمها أو تضمه أمه , وغاصت بوجهها في صدره وبكت
· ما بك هديل ؟ ماذا جرى ؟ كان يضمها إليه , أرجو أن يكونوا جميعهم بخير , ماالذي يمكنني عمله ؟ يزيحها قليلا إلى الخلف , يقبلها , تذهب فيه وتذهب وتذهب , يرفع وجهها وينظر إليها .
- قد أرسل ليخطبني
· ماذا ؟.. وكأن أحدا اقتلعه وهوى به إلى السماء : متى ؟
- لقد قالوا نعم أمي وأبي – وهي تنشج بالبكاء – وحددوا للشيخ موعدا هو اليوم التالي لخروج أمي من ولادتها على عبد الملك .
· متى ستخرج أمك ؟
- خمسة أيام ياحسام من الآن وتخرج أمي , ستة أيام من الآن ياحسام ويعلنون الخطبة , وشهرواحد بعد الخطبة ياحسام ويعقدون القران , لقد اتفقوا على كل شيئ .
أحس بغثيان وبكل شيئ يدور من حوله ويدور , وبهديل تذهب عنه وتذهب , كاد أن يسقط , أمسك بهديل وضمها إليه .
· لابد أن أتصرف ياهديل , قبلهم جميعا , أو أنني سأموت .
يضمُّها إليه , يرفع كم قميصه ويمسح آثار الدموع فوق وجنتيها .
يتناول كفها في كفه , يشد عليها , يشعر بسيل من الحنان يتدفق من كفها في أوردته .
· سنهرب ياهديل . يقول لها حسام والإصرار يقدح في عينيه
· في الجنة معاك وإلا النار نار ياسليم (3). تردّ عليه وكأنها ستقفز إليه الآن ويهربان .
كانا يعلمان بأنهما لن يتمكنا من فعل شيئ بعد إعلان الخطبة , سيحرق الشيخ القرية إن هرب بها بعد خطبتها عليه , لن يمحو عار الشيخ غير الحريق .
الساعة العاشرة ليلا وشجرةٌ تتعرَّى للندي والقمر , بعض قمر يتسرب من بين الأغصان , حبات عقد القمر المتساقطة خلال حفيف الأوراق تنتثر فوقهما كرسّام يتفنّن , يستوحي فكرة لوحة .
خرجت هديل من البيت لتتسامر مع صديقاتها كما العادة .
الرسام يمطُّ ظَلَّةَ السحابة على مساحة منهما تحت الشجرة حتى هنا , وهنا قمر , وهنا نثار من السحاب والقمر .
العاشرة ولم تعد هديل , تذهب فاطمة إلى بيت جيرانها , وعن عمد تبدأ ببيت حسام , لاحظت بأن حسام لازال خارج البيت , تذهب إلى بتوت الجيران الأخرى وتمدّ قدمها إلى أخرى وأخرى .
أوراق الشجرة تحفّ على الأغضان في الأعلى , تتموَّجُ في ضوء القمر على دندنة المعزوفة في الأسفل .
· لن نعود ياهديل , علينا أن نمضي إلى الأمام , ألا نتيح لهم أي فرصة , أن نقطع وإلى الأبد أي صلة له بك ياهديل , أن نزرع ابننا الآن هذا الذي سيسبق أي عقد بك وسيسبقهم جميعا ولن يستطيعوا اللحاق به .
يضمها إليه ويزرعه , كانا يبحلقان , في الشجر , في القمر , في الظلال , في البعيد , في الآفاق , في الجنين .
تطرق على الباب , ينفتح الباب على فتاة تنظر نحو ضيفتها , تقرأ الرسالة في عيني هديل وتسمح لها بالدخول , يعود حسام أدراجه بعد أن تأكد له دخول هديل إلى بيت الشيخ عايض .
· -إحبسني , لقد هَرَبْتُ بها وأودعتها بيت الشيخ . يقول حسام للسجان المتَّكئ يسارا على أكثر من وسادة على أرضية غرفة الحراسة ويمصغ القات .
تعود زوجة الشيخ عايض إلى غرفتها وتترك فاطمة لتنفرد بابنتها هديل في الفناء.
- لو مزقتموني مزقة مزقة لن أعود إلا على ذمة حسام .
· لن يعقد بك أبوك على حسام لو تنطبق السماء على الأرض , إتقي الله فينا ياهديل , لم يخرج أيوك من البيت بوجهه أمام الناس منذ هروبك مع حسام , أين يضع وجهه منهم ؟ هل هذه هي خاتمة تربيتنا لك , هل هذا هو الجزاء الذي كنا ننتظره منك ؟
- وهل ترضون لي رجلا في الستين وأنا لازلت بنتا ألعب مع بناته ؟
· وهل كبرتِ لهذا الحسام فقط ؟
- لأهرب معه من الشيخ عبد الملك , وقبل ذلك فأنا أحبه .
· خلاص ياهديل الشيخ عبد الملك لن يتزوجك بعد الآن , لكنه لن ينسى أنك مسحت بوجهه في التراب
- ولماذا لا أتزوج حسام ؟
· لن تتزوجي حسام مادام الشيخ عبدالملك على قيد الحياة بعد الذي صنعتِه به .
- ولن أتزوج غير حسام .
كانت زوجة الشيخ عايض تخرج إلى الفناء في هذه الأثناء , تجري نحوها هديل وتركع على قدميها :
- إنقذيني , الموت أرحم بي من تركي لحسام , لن أترك حسام .
تمد زوجة الشيخ يدها إلى يد فاطمة , تأخذ كفها إلى كفها إلى الداخل , ويتركان هديل في الفناء :
· الآن خرج الشيخ عبد ا لملك من عند الشيخ عايض .
- هاه ! , لكنها قالت بأنها ستقتل نفسها .
في هذه الأثناء تسمع فاطمة من زوجة الشيخ عايض ماكانت تخشاه , لقد فقدت هديل بكارتها في الطريق إلى بيت الشيخ عايض .
يصعد الشيخ عبد الملك إلى مقدمة السيارة , بتبعه العكفة * ويصعدون , يحرك سليم المفتاح إلى اليمين ويضغط على البنزين ,كان الشيخ عايض يلوح بيده عند الباب من العمارة .
· خمس دقائق فقط . تقول الخادمة لهديل وهي تفتح الباب وتسمح لها بالخروج إلى الفناء لتقابل حسام .
- لن أخرج من هذا المكان إلا إلى بيتك أو إلى القبر ياحسام .
· خمس دقائق فقط . يقول الحارس لحسام وهو يفتح الباب الخارجي ليدخل إلى الفناء ليقابل هديل
- لن يأخذونك مني إلا مقتولا أو فاقد العقل ياهديل .
عشر دقائق ويغادرحسام بيت الشيخ عايض
قبل أن يغادر حسام كانت هديل قد أمسكت بكفه وفتحته على جلدة بطنها : إنه هنا ياحسام . .
يعلم الشيخ عبد الملك وأمها وأبوها وحسام والشيخ عايض وزوجته وبناته بأن هديل حامل في شهرها الأول , ليس مؤكدا فيما إذا كان سليم والمرافقون للشيخ عبد الملك وسكان القرية على علمٍ بحمل هديل . .
الخادمة وزوجة الشيخ عايض وبناته وفاطمة وهديل وحسام هؤلاء وحدهم من سيؤكدون الخبر , الآخرون سمعوا به فحسب , لكن الخادمة في المقدمة هي من علمت بفض البكارة , هي من اكتشفت ذلك وبعد شهرين هي أيضا من تدري بأن هديل حامل في الشهر الثاني
كان لابد من أن يحسم الأمر وأن تتزوج هديل قبل الشهر الثالث من الحمل , لن يتمكنوا من حجب الانتفاضة في بطن هديل , سيقولون لا مقابل كل الإشاعات لكنهم لن يستطيعوا ذلك مقابل النفخة في بطن هديل .
بعد شهرين من هروبها أصيبت هديل بمرض تعثرعلاجه في الوحدة الصحية بالقرية فتفضل الشيخ عايض بإسعاف هديل إلى مدينة الحديدة وتناقل الناس بأن نفقة السفر والعلاج كانت على حساب سميّها الشيخ عبد الملك و قد تم نقلها إلى المدينة على سيارته رفقة أمها والخادمة وابن خالتها السائق سليم .
بعد عودتها من المدينة تم عزلها عن الآخرين لمدة ثلاثين يوما .
.في هذه الأثناء تناقلت النسوة في القرية خبرا مفاده بأن ماأثير حول حمل هديل من حسام أثناء هروبهما واختلائه بها في الطريق إلى بيت الشيخ عايض لم يكن في الواقع غير إشاعة وأن البعض من النسوة قد شاهدن هديل في روبها الداخلي دون أي علامة على حمل رغم مرور أربعة أشهر إلى الآن منذ هروبها مع حسام .
.إنقضى عام ولازال حسام قابعا داخل السجن , كان ينتظر قدومهم ليخرجوه ويعقدوا له على هديل إن لم ترفع القضية إلى القاضي أويقيموا عليهما الحد جلدا ثم يعقدوا بها عليه بموجب حكم من القاضي حسب العرف السائد , كان يعلم بأن الشيخ عبد الملك لن يوافق على زواجه من هديل وبأن الشيخ عايض لن يخالف رغبة الشيخ عبدا الملك وبأن مأمور المديرية لن يدخل في خلاف معهما وبأن القاضي لن يفصل في القضية إلا إذا رفعها إليه الشيخ عايض أو مأمور المديرية .
لم يتمكن حسام من زيارة هديل منذ عودتها من المشفى وظلت عينا الشيخ عبد الملك تراقبانه داخل السجن .
عادت ومرضت هديل بحمي الضنك , وكادت أن تقضي ,لم تكن تستطيع الوقوف على قدميها أو الذهاب إلى المرحاض إلا محمولة , وتآكلت ساقاها فنقلوها إلى بيت أبيها تحت عناية أمها .
في هذه الاثناء تسلم حارس السجن أمرا خطيا يقضي بإطلاق سراح حسام وإخلاء سبيله .
ركب حسام إلى الحدود ليشتغل في التهريب في المنطفة الحدودية المشتركة مع المملكة العربية السعودية , كان مع آخرين من اليمنيين هناك على الحدود يحمل فوق ظهره كيسا يحتوي على أقراف القات ينقله إلى الطرف الآخر على الحدود مقابل مائة ريال بالعملة السعودية عن النقلة الواحدة .
تماثلت هديل للشفاء بعد شهر من المرض وكان الشيخ عبد الملك على رأس المرافقين للسائق سليم إلى بيت خالته لطلب يد ابنتهم هديل
بعد شهر من الخطبة زفت هديل إلى ابن خالتها سليم .
وبعد عام ونصف العام وضعت هديل إبنا أسماه أبوه بعبد الملك .
كان سليم يأخذ ابنه ويضعه في حضن الشيخ عبد الملك قائلا في حبور : سبحان الخالق الناطق , إسم على مسمى ياشيخ , إنه نسختك .
غادرت هديل بيت زوجها سليم , كانت تشتكي من مضايقات الشيخ عبد الملك , عضلت في بيت أبيها ولم تعد إلى سليم .
في يوم ما سمعت هديل كغيرها من الناس بأن حسام قد قتله حرس الحدود السعودي في الخط المشترك بين البلدين حين كان يحمل فوق ظهره كيساٌ محشوا بأقراف القات (4) وأن الشيخ عبد الملك قد تحرك إلى المملكة ليقبض دية حسام من حكومة المملكة وليستلم جثته من ثلاجة الموتي ويعود به ليواري ثراه في بلاده اليمن
.................................................. ............
. 1- شجرة القات تزرع في اليمن وتدر كثيرا على مزارعيها في المناطق الجبلية الصالحة لزراعته , ويتناول اليمنيون أغصان القات ويمضعونها بعد وجبة الغداء عادة ويسهرون على مضغها ليلا وبعضهم حتى الصباح ويتم تهريب أغصان القات من اليمن إلى المملكة العربية السعودية والتي تحرم تناوله هناك وتعتبره صنفا من المخدرات .
2- البزي هو إبن أو إبنة الأخ والأخت .
3- في الجنة معاك وإلا النا نار : المقطع الأخير من الأغنية اليمنية المشهورة : " باهي الأوجان " وهي من التراث اللحجي كلمات الشاعر والملحن الشهير عبد الله هادي سبيت وغناء محمد صالح حمدون , وقد غناها ويتغنى به العديد من الفنانين في اليمن وفي دول الخليج .
4- أقراف القات وهي أكياس من ورق الموز يتم لفها وحشوها بربط صغيرة من أغصان القات ويتم تهريبها من اليمن إلى السعودية , ويحظر تداولها في السعودية ويعاقب متناولها أو المتاجر بها .
.......................
لاحظ الأصدقاء والجيران اختفاء هديل , كانت قد بلغت الثالثة عشرة
حين شاهدته للمرة الأولى بعد الحجاب لم يرها , شعرت بالعمى .
لم يعد مباحاً لهما التحدث معا على انفراد أو بين ومع الآخرين .
شعر بحزن لم يعهده في كل حياته : لن أراها مرة أخرى , لن أتحدث إليها , هكذا حتى نموت , ستتحدث فقط إلى أبيها وأمها وإخوانها ومحارمها الآخرين , لكني أحبها أكثر من كل هؤلاء , أقسم أني أحبها أكثر من أبيها وأمها .
الله الله " هكذا يردد حسام ويكررها ثانية وبضوت مسموع حين يفتحون له الباب في بيت هديل كما هي العادة في بيوت اليمنيين كإعلان تفهم منه النساء بأن شخصا من غير المحارم سيدخل الآن ليختفين خلف الابواب حتى لاتقع عيناه عليهن أثناء دخوله أو خروجه .
كانت هديل توارب الباب أخيرا بعد أن تتيح لحسام أن يختلس نظرة منها , وحين سيخرج مرددا وبصوت عال " الله الله " مرة أخرى تتأخر في البهو قريبا من باب غرفتها كي تتيح له أن يلتقط أكثر
من نظره , وحين يغادرهم سيقف ليصافح أباها خلف عتبة الباب إلى الشارع أو يتحدث إلى أمها لتقف هي في مواجهته في الداخل قريبا من باب غرفتها إلى البهو وتبتسم إليه في الخلف منهما وتضم عينيه في عينيها , وحين سيلتفت أحد أبويها ستكون قد سحبت طرف ثويها إلى الداخل من الباب وتوارت . .
على الباب الخارجي لبيت هديل يفتح ابن خالتها السائق سليم الباب الخلفي لسيارة صالون لاند كروزر , تطلق الخادمة زغرودة وهي تتناول من جوف السيارة ماخف من الهدايا التي حملها الشيخ عبد الملك إلى أسرة هديل والتي أطلقت قبل أسبوع إسم عبد الملك على مولودها الجديد , .. بعض الهدايا ملابس للرضيع عبد الملك , وأخرى لأمّه , بين الهدايا خاتم مرصع بالماس نحت فيه قلب يخترقه سهم ينتهي في طرفه بريشات غاية في الرقة والجمال , هذا لهديل ذات الأربعة عشر عاما , هذا ما خمنته أمها ونفذته دون حاجة إلى تفسير من سليم .
.....................
كان سليم وعلى الدوام يتحدث إلى الشيخ عبد الملك عن ابن خالته الصغيرة وكيف بجمالها يزدهر يوماً عن يوم, وكان الشيخ عبد الملك قد شاهد هديل في مناسبات مختلفة تلعب وتأكل مع بناته الصغيرات وتذهب معهن إلى المدرسة
في هذه المرة رآها محجبة .....
-هل كبرت هديل ؟ أحس بجاذبية , لم يكن قد شاهد هديل منذ انقطعت عن الدراسة ولم تعد لتعرّج على بناته في طريقها لترافقهم إلى المدرسة . تذكّر الحكاية الشعبية بأن نفاخا بعينين اثنتين ينفخ وبروية وفق قياس منتظم في الطفل حتى سنّ البلوغ في حين أن نفاخا أعور لايضبط القياس بعين واحدة فحسب هو من ينفخ في الطفلة فتنضج سابقة على الرجل .
سيطر عليه شعور برغبة لاتقاوم نحوها
والآن ومن هذه الانفراجة التي أحدثها قبل قليل في سترة باب غرفته يشاهد هديل تجلس فوق سرير صغير مع إحدى بناته وتنقشها بالحنّا ..
منذ الآن سيستخدم سليم كمراسل . فهومن يستطيع أن يدخل في كل الأوقات , بحزمة القات (1) لأبيها وأمها , وبالعطر لهديل .
يعلم سليم منذ اليوم الأول من مهمته بأن هديل لا تنجذب للشيخ عبد الملك وبأنها تهيم في جارها حسام , ولكن سليم لايعيد العطر بل يضعه بين يدي خالته .
في هذه الأثناء وضعت فاطمة مولودا ذكرا أسمياه عبد الملك .
· إذهب إلى خالتك , الأم هي فاتحة ابنتها , قل لها بأن سميّكم الشيخ عبد الملك سيأتي ليخطب ابنتكم هديل .
كان قد بلغ الستين , وقرّر أن يطلق واحدة من زوجاته الأربع ليتزوج هديل , وحين يأتي سليم بنعم سيطلِّق , نعم سيطلِّقها هي زوجته الرابعة الأخيرة , وأصغرهن " مهديّة " هذه التي تطلّقت بسببها زوجته الأولى العجوز " محصنة " , لاتستوي صغيرتان لشيخ في الستين , واحدة ستكون هي الحضن الدافئ .الأخرى ستكون القاتلة , إهدها هذين الخاتمين , خالتك هي من ستتصرف بهما , سَتُبْقِىْ واحداً من الخاتمين لها لتعقده على أصبعها عند خروجها بعد انتهاء طقوس الولادة , هذا لها وهذا لهديل , لاتقل لها فهي من ستتصرف , الأم سر ابنتها وفاتحتها , خاتمين وخطبة ياسليم , هذه أولا , فلتأتني بالثانية , سأهديك شيئا ما على مجيئك بنعم , ليس غير نعم , لكنني سأكون كريما إليك , هل شاهدت ابنة خالتك تنقش الحنّا وكأن بستانا من ورد صاخب يدها , يد المرأة رسالة الرجل إلى جسدها ياسليم .
كان سيسأله : هل رأيت ابنة خالتك كما يراها الرجال لكنه حبس سؤاله , ثم أنه يعلم بإن سليم إنسان بين الذكر والأنثى
- من الطارق . ترفع صوتها فاطمة حين سمعت طرقات على الباب
· إبن أختك ياأجمل خالة .
تفتح الباب فاطمة , يدخل سليم , تلمح في يده علبة صغيرة مغلفة , كان مفتاح السيارة في يده الأخرى , هو قادم من لدنّ الشيخ عبد الملك إذن .
- مرحبا يابِزي (2) تفضّل أنت لاتحتاج إلى استئذان .
· لقد أرسلني الشيخ , ستسمعين على لساني مايسرك ياخالة , خذي هذه أولا . يقول لها وهو يضع الغلاف في يدها ويضيف : ليست واحدة بداخله , إنهما اثنتان , ستسمعين من الشيخ الآن على لساني مايسرك , أين خالي صالح ؟
تتناول فاطمة الغلاف وعلى شفتيها ابتسامة عريضة :
- -إبدأ معي لافرق بيننا , صالح يمضغ القات في الداخل . تقول فاطمة والبسمة ترقص على شفتيها وتنادي على صالح في الداخل .
· الشيخ يطلب يد هديل ياخالة , ألف مبروك .
أوّل الليل , حين سيذهبون لصلاة العشاء , لازال بعض من أصيل . الناس يقرون في بيتوتهم بين مغرب وغشاء , الشياطين تبدأ في الانفكاك عند الغسق .. الاطفال في أحضان أمهاتهم وفي الهناديل , الجميع يقرؤون سورة الغسق , وهديل تهدل الخطي إلى السقيفة بين بيتها وبيت حسام , هذه المرة ستقول له بأن الأرض ستنسحب من تحته وتحتها وسيهويان على الدوام .
تأخر سمير بعض الوقت , هكذا شعرت هديل , سيأني قبل العشاء ولاشك , وهي تقدمت عن الموعد الذي اعتادا عليه في كل مرة ولاشك , لماذا لايأتي؟ ستهوي فوق الأرض واحدة من السموات , يجب أن يوقفها حسام وأنا , أن أتخلى عن كل شيئ , عنهم جميعا لأجلك ياحسام , أين أنت ياحسام , تلمح حسام يتلفت هنا وهناك ويأتي , ترفع كفها للأعلى وتلوح بذراعها من داخل السقيف , بالكاد يشاهدها حسام حين يقترب .
· لماذا تلوِّحين ؟ , لم أتأخر , وأظن أنني تقدّمت في اليوم على مجيئي في أي يوم .
كانت تبحلق في عينيه , وكطفل ضمته كما لم تضمه في حياتها , كما لم تضمها أمها أو تضمه أمه , وغاصت بوجهها في صدره وبكت
· ما بك هديل ؟ ماذا جرى ؟ كان يضمها إليه , أرجو أن يكونوا جميعهم بخير , ماالذي يمكنني عمله ؟ يزيحها قليلا إلى الخلف , يقبلها , تذهب فيه وتذهب وتذهب , يرفع وجهها وينظر إليها .
- قد أرسل ليخطبني
· ماذا ؟.. وكأن أحدا اقتلعه وهوى به إلى السماء : متى ؟
- لقد قالوا نعم أمي وأبي – وهي تنشج بالبكاء – وحددوا للشيخ موعدا هو اليوم التالي لخروج أمي من ولادتها على عبد الملك .
· متى ستخرج أمك ؟
- خمسة أيام ياحسام من الآن وتخرج أمي , ستة أيام من الآن ياحسام ويعلنون الخطبة , وشهرواحد بعد الخطبة ياحسام ويعقدون القران , لقد اتفقوا على كل شيئ .
أحس بغثيان وبكل شيئ يدور من حوله ويدور , وبهديل تذهب عنه وتذهب , كاد أن يسقط , أمسك بهديل وضمها إليه .
· لابد أن أتصرف ياهديل , قبلهم جميعا , أو أنني سأموت .
يضمُّها إليه , يرفع كم قميصه ويمسح آثار الدموع فوق وجنتيها .
يتناول كفها في كفه , يشد عليها , يشعر بسيل من الحنان يتدفق من كفها في أوردته .
· سنهرب ياهديل . يقول لها حسام والإصرار يقدح في عينيه
· في الجنة معاك وإلا النار نار ياسليم (3). تردّ عليه وكأنها ستقفز إليه الآن ويهربان .
كانا يعلمان بأنهما لن يتمكنا من فعل شيئ بعد إعلان الخطبة , سيحرق الشيخ القرية إن هرب بها بعد خطبتها عليه , لن يمحو عار الشيخ غير الحريق .
الساعة العاشرة ليلا وشجرةٌ تتعرَّى للندي والقمر , بعض قمر يتسرب من بين الأغصان , حبات عقد القمر المتساقطة خلال حفيف الأوراق تنتثر فوقهما كرسّام يتفنّن , يستوحي فكرة لوحة .
خرجت هديل من البيت لتتسامر مع صديقاتها كما العادة .
الرسام يمطُّ ظَلَّةَ السحابة على مساحة منهما تحت الشجرة حتى هنا , وهنا قمر , وهنا نثار من السحاب والقمر .
العاشرة ولم تعد هديل , تذهب فاطمة إلى بيت جيرانها , وعن عمد تبدأ ببيت حسام , لاحظت بأن حسام لازال خارج البيت , تذهب إلى بتوت الجيران الأخرى وتمدّ قدمها إلى أخرى وأخرى .
أوراق الشجرة تحفّ على الأغضان في الأعلى , تتموَّجُ في ضوء القمر على دندنة المعزوفة في الأسفل .
· لن نعود ياهديل , علينا أن نمضي إلى الأمام , ألا نتيح لهم أي فرصة , أن نقطع وإلى الأبد أي صلة له بك ياهديل , أن نزرع ابننا الآن هذا الذي سيسبق أي عقد بك وسيسبقهم جميعا ولن يستطيعوا اللحاق به .
يضمها إليه ويزرعه , كانا يبحلقان , في الشجر , في القمر , في الظلال , في البعيد , في الآفاق , في الجنين .
تطرق على الباب , ينفتح الباب على فتاة تنظر نحو ضيفتها , تقرأ الرسالة في عيني هديل وتسمح لها بالدخول , يعود حسام أدراجه بعد أن تأكد له دخول هديل إلى بيت الشيخ عايض .
· -إحبسني , لقد هَرَبْتُ بها وأودعتها بيت الشيخ . يقول حسام للسجان المتَّكئ يسارا على أكثر من وسادة على أرضية غرفة الحراسة ويمصغ القات .
تعود زوجة الشيخ عايض إلى غرفتها وتترك فاطمة لتنفرد بابنتها هديل في الفناء.
- لو مزقتموني مزقة مزقة لن أعود إلا على ذمة حسام .
· لن يعقد بك أبوك على حسام لو تنطبق السماء على الأرض , إتقي الله فينا ياهديل , لم يخرج أيوك من البيت بوجهه أمام الناس منذ هروبك مع حسام , أين يضع وجهه منهم ؟ هل هذه هي خاتمة تربيتنا لك , هل هذا هو الجزاء الذي كنا ننتظره منك ؟
- وهل ترضون لي رجلا في الستين وأنا لازلت بنتا ألعب مع بناته ؟
· وهل كبرتِ لهذا الحسام فقط ؟
- لأهرب معه من الشيخ عبد الملك , وقبل ذلك فأنا أحبه .
· خلاص ياهديل الشيخ عبد الملك لن يتزوجك بعد الآن , لكنه لن ينسى أنك مسحت بوجهه في التراب
- ولماذا لا أتزوج حسام ؟
· لن تتزوجي حسام مادام الشيخ عبدالملك على قيد الحياة بعد الذي صنعتِه به .
- ولن أتزوج غير حسام .
كانت زوجة الشيخ عايض تخرج إلى الفناء في هذه الأثناء , تجري نحوها هديل وتركع على قدميها :
- إنقذيني , الموت أرحم بي من تركي لحسام , لن أترك حسام .
تمد زوجة الشيخ يدها إلى يد فاطمة , تأخذ كفها إلى كفها إلى الداخل , ويتركان هديل في الفناء :
· الآن خرج الشيخ عبد ا لملك من عند الشيخ عايض .
- هاه ! , لكنها قالت بأنها ستقتل نفسها .
في هذه الأثناء تسمع فاطمة من زوجة الشيخ عايض ماكانت تخشاه , لقد فقدت هديل بكارتها في الطريق إلى بيت الشيخ عايض .
يصعد الشيخ عبد الملك إلى مقدمة السيارة , بتبعه العكفة * ويصعدون , يحرك سليم المفتاح إلى اليمين ويضغط على البنزين ,كان الشيخ عايض يلوح بيده عند الباب من العمارة .
· خمس دقائق فقط . تقول الخادمة لهديل وهي تفتح الباب وتسمح لها بالخروج إلى الفناء لتقابل حسام .
- لن أخرج من هذا المكان إلا إلى بيتك أو إلى القبر ياحسام .
· خمس دقائق فقط . يقول الحارس لحسام وهو يفتح الباب الخارجي ليدخل إلى الفناء ليقابل هديل
- لن يأخذونك مني إلا مقتولا أو فاقد العقل ياهديل .
عشر دقائق ويغادرحسام بيت الشيخ عايض
قبل أن يغادر حسام كانت هديل قد أمسكت بكفه وفتحته على جلدة بطنها : إنه هنا ياحسام . .
يعلم الشيخ عبد الملك وأمها وأبوها وحسام والشيخ عايض وزوجته وبناته بأن هديل حامل في شهرها الأول , ليس مؤكدا فيما إذا كان سليم والمرافقون للشيخ عبد الملك وسكان القرية على علمٍ بحمل هديل . .
الخادمة وزوجة الشيخ عايض وبناته وفاطمة وهديل وحسام هؤلاء وحدهم من سيؤكدون الخبر , الآخرون سمعوا به فحسب , لكن الخادمة في المقدمة هي من علمت بفض البكارة , هي من اكتشفت ذلك وبعد شهرين هي أيضا من تدري بأن هديل حامل في الشهر الثاني
كان لابد من أن يحسم الأمر وأن تتزوج هديل قبل الشهر الثالث من الحمل , لن يتمكنوا من حجب الانتفاضة في بطن هديل , سيقولون لا مقابل كل الإشاعات لكنهم لن يستطيعوا ذلك مقابل النفخة في بطن هديل .
بعد شهرين من هروبها أصيبت هديل بمرض تعثرعلاجه في الوحدة الصحية بالقرية فتفضل الشيخ عايض بإسعاف هديل إلى مدينة الحديدة وتناقل الناس بأن نفقة السفر والعلاج كانت على حساب سميّها الشيخ عبد الملك و قد تم نقلها إلى المدينة على سيارته رفقة أمها والخادمة وابن خالتها السائق سليم .
بعد عودتها من المدينة تم عزلها عن الآخرين لمدة ثلاثين يوما .
.في هذه الأثناء تناقلت النسوة في القرية خبرا مفاده بأن ماأثير حول حمل هديل من حسام أثناء هروبهما واختلائه بها في الطريق إلى بيت الشيخ عايض لم يكن في الواقع غير إشاعة وأن البعض من النسوة قد شاهدن هديل في روبها الداخلي دون أي علامة على حمل رغم مرور أربعة أشهر إلى الآن منذ هروبها مع حسام .
.إنقضى عام ولازال حسام قابعا داخل السجن , كان ينتظر قدومهم ليخرجوه ويعقدوا له على هديل إن لم ترفع القضية إلى القاضي أويقيموا عليهما الحد جلدا ثم يعقدوا بها عليه بموجب حكم من القاضي حسب العرف السائد , كان يعلم بأن الشيخ عبد الملك لن يوافق على زواجه من هديل وبأن الشيخ عايض لن يخالف رغبة الشيخ عبدا الملك وبأن مأمور المديرية لن يدخل في خلاف معهما وبأن القاضي لن يفصل في القضية إلا إذا رفعها إليه الشيخ عايض أو مأمور المديرية .
لم يتمكن حسام من زيارة هديل منذ عودتها من المشفى وظلت عينا الشيخ عبد الملك تراقبانه داخل السجن .
عادت ومرضت هديل بحمي الضنك , وكادت أن تقضي ,لم تكن تستطيع الوقوف على قدميها أو الذهاب إلى المرحاض إلا محمولة , وتآكلت ساقاها فنقلوها إلى بيت أبيها تحت عناية أمها .
في هذه الاثناء تسلم حارس السجن أمرا خطيا يقضي بإطلاق سراح حسام وإخلاء سبيله .
ركب حسام إلى الحدود ليشتغل في التهريب في المنطفة الحدودية المشتركة مع المملكة العربية السعودية , كان مع آخرين من اليمنيين هناك على الحدود يحمل فوق ظهره كيسا يحتوي على أقراف القات ينقله إلى الطرف الآخر على الحدود مقابل مائة ريال بالعملة السعودية عن النقلة الواحدة .
تماثلت هديل للشفاء بعد شهر من المرض وكان الشيخ عبد الملك على رأس المرافقين للسائق سليم إلى بيت خالته لطلب يد ابنتهم هديل
بعد شهر من الخطبة زفت هديل إلى ابن خالتها سليم .
وبعد عام ونصف العام وضعت هديل إبنا أسماه أبوه بعبد الملك .
كان سليم يأخذ ابنه ويضعه في حضن الشيخ عبد الملك قائلا في حبور : سبحان الخالق الناطق , إسم على مسمى ياشيخ , إنه نسختك .
غادرت هديل بيت زوجها سليم , كانت تشتكي من مضايقات الشيخ عبد الملك , عضلت في بيت أبيها ولم تعد إلى سليم .
في يوم ما سمعت هديل كغيرها من الناس بأن حسام قد قتله حرس الحدود السعودي في الخط المشترك بين البلدين حين كان يحمل فوق ظهره كيساٌ محشوا بأقراف القات (4) وأن الشيخ عبد الملك قد تحرك إلى المملكة ليقبض دية حسام من حكومة المملكة وليستلم جثته من ثلاجة الموتي ويعود به ليواري ثراه في بلاده اليمن
.................................................. ............
. 1- شجرة القات تزرع في اليمن وتدر كثيرا على مزارعيها في المناطق الجبلية الصالحة لزراعته , ويتناول اليمنيون أغصان القات ويمضعونها بعد وجبة الغداء عادة ويسهرون على مضغها ليلا وبعضهم حتى الصباح ويتم تهريب أغصان القات من اليمن إلى المملكة العربية السعودية والتي تحرم تناوله هناك وتعتبره صنفا من المخدرات .
2- البزي هو إبن أو إبنة الأخ والأخت .
3- في الجنة معاك وإلا النا نار : المقطع الأخير من الأغنية اليمنية المشهورة : " باهي الأوجان " وهي من التراث اللحجي كلمات الشاعر والملحن الشهير عبد الله هادي سبيت وغناء محمد صالح حمدون , وقد غناها ويتغنى به العديد من الفنانين في اليمن وفي دول الخليج .
4- أقراف القات وهي أكياس من ورق الموز يتم لفها وحشوها بربط صغيرة من أغصان القات ويتم تهريبها من اليمن إلى السعودية , ويحظر تداولها في السعودية ويعاقب متناولها أو المتاجر بها .
تعليق