مستشفى ( الأهراس ) استدراك

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مصباح فوزي رشيد
    يكتب
    • 08-06-2015
    • 1272

    مستشفى ( الأهراس ) استدراك

    مستشفى ( الأهراس )
    استدراك

    و على عجلة من أمره عاد .. لايدري كم صلّى من الركعات .. كأنّه مسافر أو به مرض .. لتنفرد به وساوسه القديمة .. وتناول لوح ( الكيبورد ) ليراجع السطور التي تجافى عنها وغادر المكان فتوقّف عند نهايتها حيث قال (عن الأنثى) إنها ضحية ممارسات شنيعة جعلت منها بضاعة سائغة تباع وتشترى في أسواق النخاسة .. ويرمى بها في الملاهي لتستهلك ثم تطرح من الذاكرة بعد ان تكون قد استنفذت صلاحياتها ... تحضره صورة الأم البائسة ترقد بمستشفى قديم تعاني من ويلات المرض .. ومن الجفاء القاتل .. والذي يقع في حيِّ قديم بمدينة الأُسود ( الأهراس ) وهكذا كانت تسمى .. والتي تشكّل همزة وصل بين جهات ومناطق عديدة .. وتذكِّرُهُ بأشياء جميلة ؛ كالتهور و الاندفاع وحب المغامرة ... السلوك الذي تبنّاه و تماهى فيه فصار نمطًا يميّز حياته سيّما عندما تكون وجهته الى بلدة حمام الـمـسـ " المِسْكِ والطِّين "خوطين ذات التضاريس البركانية والتي ضربت أطنابها بعمق في عهد الأساطيرالقديمة ونسجت قصصًا رائعة على منوالها تَجمَعُ بين جمال الأسطورة ومناظرِ الخُضرةِ الخَلاَّبَةِ والتُّرَاث الكبير الذي تتبجّح به مدينة " مالاكا " الأثرية المتاخمة .. هي الأخرى جميلة ترقد بين الجبال .. وتُنسب الى ملكة كانت تحكمها آنذاك .. إبّان العهد الروماني القديم ... أقام بها سنة كاملة فكانت سببًا في بلوغه النشوة وإقامته لعلاقات حميمية ( لكنها مشبوهة ) ولحسن حظّه فقد كانت عابرة و لم تدم كثيرًا ولم يَكتُب لها الاستِمرَارُ .. بسبب النّزق وغرور الشباب .. عندما كان مراهقًا يستخف بالأحاسيس ويتلاعب بمشاعر الآخرين .. لايعرف استقرارًا ولايهدأ له بال .. كذاك القِطار ذو العربات المتوتِّرة الذي ينتظر قدومه كل مساء خميس ليتجنّب الإحراج فهو " مفلس " وجيوبه مثقوبة ( وليس كما يدّعي وأن لديه أزمة فكّة ) فليس باستطاعته اقتناء تذكرته الزهيدة التي لاتساوي ثمن وجبة " سندويتش " .. ومعروف عن هذا القطار أن الشباب يستغلّونه في المعاكسات ولأنّه بطيءٌ يتوقّف باستمرار بين العديد من المحطّات .. وبالمحطَّةِ الرَّئيسيَّةِ ياخذ وقتًا طويلاً .. ويكثر الكلام حول الرومانسية .. ويخضعُ الرُكَّاب للتَّفتيشِ .. ونقطة وصلٍ تربط الاتِّجاهاتِ الأربعة ببعضها .. وفرصة استرفاق تثير الفضول والشغف أو لحظة وداع تستجدي الألم والتحسّر.. وبجانب المحطّة ترقُدُ الأُمُّ التعيسة مُتعَبَة بسبب المرضِ ومن تداعياتِهِ .. تنتظِرُ قرارا صائبًا لمُغَادَرةِ المستشفى بأيّ طريقة ؛ على الأكتاف أم راكبة و راجلة .. وقد ضاق الصبرواستنفد معه كل الجهد فصارت عاجزة لاتقوى على الحركة ولاعلى الكلام .. ولم تبلغ عِقدها السَّادِس بعد .. ولم يَنفَع الدَّوَاءُ ..ولا الرَّجَاءُ .. ولاكثرة الدُّعَاءِ معها .. فأعياها المرض وأقعدها لتلزم الفراش ,, ثم السرير بعدما يئست من التعافي ودخلت في غيبوبة بمستشفى الهواء الطلق المسمّى بالـ ( ساناتوريوم ) ..لا يبعُدُ كثيرًا عن مدينةِ (الأهراسِ ) التي تروّج عنها الأساطير ؛ كالأسودِ التي كانت تَحرِسُها .. والشَّجرَةِ المُبَارَكةِ التي تنسب للقديس(أُوغَسْطِينُوس) … وتَوَلَّدَت من رَحِمِ هذه الأساطيرِ نَرْجَسَه زائِدَةٌ عُرِفَ بها أهلُ هذه البَلدَةِ التي شاءت الأقدار أن تكون آخر محطّة للعديد من أقربائه الذين ودّعوا الحياة في صالة المستشفى ثم انتقلوا الى جوار ربّهم مثواهم الأخير .. دخل يَتَفَقَّدُ المكانَ تِلوَ المكانِ .. يُصعِّدُ تارة ثُمَّ يَعودُ إلى جادّةِ الصَّوابِ .. يَسْأَلُ جميع من يَعْتَرِضُهُ :
    - " من فضلك ؛ هل تعرف أين ترقد ( فلانة ) ؟ "
    ( فيسمّيها باسمها لكن لايجد من يرشده عبر ثنايا المكان وفي غضون وقت الزيارة القصير)
    فتأخذ بيده أحدى الممرضات :
    - " تفضّل من هُنَا سَيِّدِي "
    يردُّ عليها باشراقة من وجد ضالّته :
    - " جزآكِ اللهُ عَنِّي سيّدتي "
    دَخَلَ صَالَةَ النِّساءِ رُفقَةَ ابنَتِهِ التي لم تَبلغُ عِندَها سَنَّ المُراهَقَةِ .. وبعد أن صال وجال وتَاهَ بين الأجنِحَةِ والأروِقَةِ والجدران .. يَجُوبُها طُولاً وعَرْضًا ولم يعد يُفَرِّقُ بين الأمكِنَةِ من كثرة التجوال... فيَتَجمَّدُ بَصَرُهُ تفاجئه صُورَةِ الأم تنام في سبات عميق نوم الطفل في مهده تعانقه الطيوف وتُراوِدُهُ الأحلامُ .. فانْهَالَ علي جبينِها يقبِّلُ ويَبْكِي ويردد على مسمعها كلمات المطرب المغربي المعروف بعد أن تَأَكَّدَ له من خلال ابتِسَامَةِ الشَّوْقِ التي تعوَّدَ عَلَيها وتُبَادِره بها بعد كلِّ غَيَّابٍ أنها لاتزال على قيد الحياة :
    - " حجبوك لعدا ياولفي "
    التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 22-03-2016, 16:35.
    لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
يعمل...
X