يـوم مـع صــديقتي
أصوات خربشات الحمام زادت علي باب الشرفة، شعر أن هناك شيئا غريبا يحدث بالخارج، وخاصة عندما علت أصوات الحمام وزاد تغريد العصافير، ومرجت الحياة بالخارج مابين صوت عصفور يمر بحاله من الفرح وينادي علي وليفه بصوت عذب، وبين هذا البلبل الذي لم يمل من صداحه بصوت عال كمن ينادي علي ابن له مفقود، وهذا الحمام لا تدري من ينادي علي من!، بصوت تملؤه الفرحة، وصوت رفرفته ذهابا وإيابا منتهيا بخربشات علي باب الشرفة يجعل النائم في لحظة يفعل الكثير .
لم ينتظر ليهدأ الكون بالخارج، حتى قام من سريره ليفتح باب شرفته فإذا بالجميع هابطين أسفل الأشجار وفوق الخضرة حيث تجلس هند، لم يصدق أنها هند وظل يردد: يا الهي ...ماذا سأفعل؟
سريعا أخذته قدمه لينزل لكنه تراجع، أمسكرأسه بيده وتركها لتسقط بهدوء عبر وجهه وهو يفكر ... يا الهي؟ إنهاشجرة الفل، أتمني أن أجدها مزهرة
أسرع وجلب منها الكثير وقدمهم إليها وهي تبتسم وتغمرها السعادة.
- لم نرد أن نقلقك، فتركناك حتى تستيقظ وحدك
- كيف تقلقيني يا هند! أنت بذلك تحرميني من أجمل لحظات عمري
وأين ابنتك زهره وأبوها؟
- هاني يتصفح الجرائد باستراحة حديقة المدخل، وها هي زهره سمعت صوتك فأتتتجري إليك
- مجنونه ورقيقة مثلك يا هند، تذكرني بك وأنت طفله، وكنا نلعب سويافي هذا المكان الذي لم يتغير، إلا أن زهره هادئة وليست شقيه مثلك .
نظرت هند بابتسامة تعجب ... هادئة !، هذه أخبار سارة يا جهاد! .
ابتسم جهاد وهو يحمل زهره إليه ويجلسها علي قدمه لا تظني هذا بأميرتي الصغيرة يا هند!
وأخذيتحدث معها وهند ترقبهما من خطوات كطفلة فقيرة تنظر إلي طفل غني وهو يلعب بعروس ويشبعها بأحاسيس المحبين.
تعالي يا زهره أضحكك وأنا أحكي لكي عن أمك وهي طفلة شقية تهوي تملك ألعابي، لكن علي من! فكنت أنا من أأخذ ألعابها وتظل تبكي لأمي، وكل ألعابي عندي لم تنجح أمك أن تأخذ منها شئ، مهما كان لها من محاولات،ولم ينقص منها شئ حتى الآن، وأحتفظ بها في حجرة الأطفال، وبعدما نتناول طعام الإفطار سنلعب سويا هناك كثيرا لكن علي شرط؛ لا تضربيني وتأخذي اللعبة مني.
ابتسمت ببساطة ونظرت إليه كمن يتحدث بجدية... وهل أنا أقدر أن أضربك! انت بتضحك علي!
-وانتي مجنونه وتموتيني فيكي.
تعالي أحكي لكي عن ألعابي الجميلة التي أحتفظ بها، فعندي حصان خشبي يتأرجح للأمام والخلف، وعندما تضغطين علي أذنه اليسري يضئ أنوار من الجانبين، وعندي حمامه مصنوعة من الورق المقوي يتغير لونها بتغير الوقت وتتكلم وتنادي علي بابا وماما أيضا . وعندي ... وعندي
تضع إصبعها علي فمها وتنظر إلي لا شئ وكأنها تري كل مايحكي عنه وحدها وتلعب بهم أيضا.
فيحمر وجه هند وهي تبتسم وتوجه كلمات اللوم: "كفي يا جهاد"، فزهرة ستأخذك منا كالعادة، وسيمر اليوم دون أن تجلس مع هاني أوحتى نتناول طعام الإفطار.
ابتسم وهو ينظر إلي زهرة كمن ينظر إلي وليد له كان مفقودا وعاد وقال: حقا إنني أحبها بجنون، لكن ما ذنبكم، اصطحبيها معك واقطفي لنابعض ثمار البرتقال واليوسفي وبعض ورود الصباح الجميلة، وسأذهب إلي صديقي لنبدأ معاركنا الثقافية
لم يمض وقت طويل حتى عادت هند بصينية مستديرة، فضية الشكل يتوسطها رسومات رقيقة من الأشجار والطيور، وقد أعدت عليها بعض القهوة والبسكويت وأطباق الفاكهة الهرمية الشكل، والورود الرقيقة التي تملأ المكان عطرا وجمالا،حتى أصبحت الصينية كلوحة فنية في منتهي الجمال.
جلس يرتشف هاني القهوة وهويتحدث عن تصوير أحدث أغنية لمطربة مشهورة والتي قام بتصوير نصفها في القطب الشمالي والنصف الآخر في القطب الجنوبي بتكلفة وصلت إلي مليوني دولار
فعبس جهاد بوجهه وكأن الأمر لا يعجبه ساءلا: وهل التصوير يحقق كل تلك المكاسب؟
اعتدل هاني فيجلسته، وأشعل سيجارته وقال وهو يفرك عود الكبريت بيده ويضعه في المطفأة: لقد كانت رغبة المنتج، ووافقت المطربة، فاضطررنا إلي تعرية المطربة، ومع أن الجو كان لاتتناسب معه تلك الملابس فقد واجه التصوير انتقادات كثيرة والمطربة قد أصيبت بنوبة برد شديدة. علي العموم التصوير الغنائي يتحرك بسرعة للأمام وهناك صراع ما بين الجودة والمكسب، ويقف المجتمع هو المركز الرئيسي لكل ما ينتج من هذا الصراع. عقب جهاد علي كلامه قائلا: إن جل ما يقلقني هو أن يتمادي الصراع حتى يصل إلي انقطاع شبه كامل ما بين النتاج الأخير للأغنية المصورة وبين الفكرة الأساسية التي تبرزها الكلمات، فقد سمعت عن تصوير الأغنية الوطنية لمجموعة من الفنانين في الأماكن الأثرية باليونان، وقد أصاب هذا الموضوع دهشتي جدا .
ابتسمت هند وهي تقول: ارحموني من الإخراج ومن الفن في هذا اليوم، أنا بهذا الوضع سأذهب إلي الحديقة الخلفية للمنزل وأقضي بعض الوقت مع الحمام هناك ثم أذهب لأعد طعام الغداء،فماذا تحبون أن أصنع من طعام؟
نظر هاني إليها وهو مبتسم ... أنت تعرفين ماأحب أن أجده اليوم علي المائدة
وأنت يا جهاد؟ والله يا هند سيحرمني تجهيزالغداء أن أجلس معك كل هذا الوقت إلا أن أأكل من يدك فهذه هي قمة السعادة لدي،ولأجل أنني طمااااااع وأنت تعرفين هذا، فهذه فرصتي لأطلب بسبوسة بدقيق الذرة من صنع يدك.
استأذنت هند لتعد طعام الغداء، ووجدها جهاد فرصه ليطلع هاني علي بعض الكتابات الجديدة للكتاب الصاعدين في مجال القصة بمكتبته في الدور الأعلى.
وما أن أحضرت هند الطعام وأخذت تنادي عليهم، فأتي الجميع إلا زهرة، أخذت تنادي عليها بشده، وتبحث عنها داخل غرف المنزل والحديقة ما وجدتها. فأسرعت إليهم وصرخت والدموع تنساب علي وجنتيها " زهرة غير موجودة " بحثت عنها في كل مكان هناوما وجدتها .
انطلق الجميع، أخذ هاني يبحث في حديقة المنزل وأسرع جهاد نحو الشارع الهادئ تماما من العربات ليري بنفسه بالوعات الصرف الصحي التي وجد إحداها مكشوفةوغطاءها متكسر بجوارها ، فنظر بداخلها فلم يجد إلا ظلمة كاحله كظلمة الليل الذي اقبل بسواده وأحزانه ، فكلما نظر إلي عينا هند التي زادت في الاحمرار، ودموعهاالتي لا تكف عن الانحدار علي وجنتيها يتقطع قلبه ألف مره.
كل أهل القريةجلسوا أمام بيته ليقفوا بجواره في محنته ويتشاورون فيما يمكن أن يقدموه كعادتهم من الشهامة والرجولة والخير.
فنادي صوت منهم بأن الترعة الكبيرة بطرفالقريةاحتمال وارد، فنأخذ المشاعل والمصابيح ونبحث هناك، ونادي صوت آخر احتمال الخطفوارد وخاصة إن كانت ترتدي بعض الحلي، فاستقر الجميع علي فكرة التقسيم إلي مجموعات باتجاهات مختلفة.
لم يلبث الجميع في الاتفاق علي الشكل النهائي للتحرك حتى وجدوا زهرة تخرج بهدوء من باب المنزل وهي تجر الحصان الخشبي من أذنه، وتحمل كل اللعب و الهدايا بيديها وحول رقبتها، حتى الهدايا الخاصة التي أهدتهم أمها إلى جهاد وتنادي في هدوء: " عمو جهاد، انت بتضحك علي ! ... الحصان مش بيضئ ،ضغطت علي أذنه كتير ومش بيضئ ، عرفت انك بتضحك علي؟ "
وضع يديه علي رأسه ونظر إليها فرحا " آه"،أنا آسف يا زهرة، نسيت أن أشحن بطاريته من عشرين سنةأين كنت؟كنت هتموتيني يا مجنونة.
وجرت إليها هند تحملهاوتقطعها من القبلات وهي تبكي فرحا وتنظر إلي جهاد مشيره إلي زهرة وهي تحمل كل هداياه وألعابه وتقول له: هل عندك مانع ؟ نظر إليهما وهو فرحا قائلا: كنت أقدر أن ارفض طلب هند، أما اليوم فلا أقدر أن أرفض طلب لزهرةفكما يقولون: " أعز الولد ولد الصديقة "
تعليق