شاعر وفنّان السكراب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سالم الجابري
    أديب وكاتب
    • 01-04-2011
    • 473

    شاعر وفنّان السكراب

    هل تشعرون بالتقيؤ كلّما سمعتم إحدى الأغاني "الشبابية"؟!. أنا كنت كذلك حتى فقدت حاسّة الذوق للشعر والموسيقى فلم أعد أشعر بشيء ولله الحمد. الجديد في الموضوع أني قبل عدّة أسابيع كنت مع أحد الفنّانين المخضرمين، وقد توقّف صاحبنا عن الغناء لمدّة تزيد عن خمسة عشر عاماً. تجرأت وسألته عن سبب توقّفه فأجابني

    -سالم....لقد نكأت جرحاً عميقاً في وجداني.
    -لماذا يا بو مبارك؟
    -لماذا......تخيّل أنّي أنا الفنّان الذي كنت أسهر طول الليل أقرأ كتب الموسيقى باللاتينية، وأدرس المقامات الهنديّة، وقرارات وجوابات الإيقاعات الإفريقية.....أنا....أتنافس مع هؤلاء الغجر المتطفلين الذين لا يعرفون كيف يضعون حفاظاتهم وأقصى ما يطمعون به دريهمات.....آهـ.....آهـ

    وظلّ يلقي بزفراته حتّى ظننت أنه سينفث ناراً ودخاناً. صدّقوني...لم أكن أعلم أن كل ذلك الألم في صدره. تركته وأنا حزين لحاله وأفكّر كيف أعيد له حيويته ليتجاوز كل هذا الإحباط.

    في صباح ذلك اليوم واتتني فكرة، قلت في نفسي لو أتيته بشعر وطلبت منه أن يلحّنه ويغنّيه لربّما يعيد ذلك دماء الفنّ لعروقه. لكنّي لست بشاعر، ولا أستطيع أن أهجم على شعر أحدهم وأدعيه وتلك فضيحة، وفي نهاية المطاف هداني تفكيري للبحث عن شعر من مكان بعيد.....كشعر أحد شعراء امريكا الجنوبية، ثم أترجمه عبر ترجمة جوجل، وأعدل فيه قليلاً.

    لم يكن الأمر سهلاً كما ظننت، فشاعر أمريكا الجنوبية كان يصف محبوبته ويشبهها بحيوان اللاما غير المعروف عندنا.....لكنّي أبقيت هذا الوصف على اعتبار اني كثيراً ما أشاهد الجزيرة الوثائقية. وفي بيت آخر يتكلم الشاعر عن شعر معشوقته الجميل ويشبّه لونه بلون الذرة الصفراء، وهذه قبلتها على مضض أيضاً، وعلّلتها بأن حبيبتي كانت تصبغ شعرها بالأصفر.

    لن أطيل عليكم......استطعت في النهاية أن أخرج بخمسة أبيات، الأول فيه حيوان اللاما، والثاني فيه ذرة، والثالث فيه اسم سمكة لم يستطع حتى جوجل ترجمته....ولا تسألوا عن الرابع والخامس.
    حملت القصيدة لصاحبنا وتحيّنت أن ألتقيه لوحدنا. قلت له
    -بو مبارك....جئتك بطلب.
    -أبشر وفألك الخير.
    -عندي محاولة شعرية بسيطة وأريد أن أعرضها عليك لتغنّيها.
    -أنت عزيز وغالي....هات القصيدة.

    أعطيته القصيدة ليقرأها، لكنّه واجه صعوبة كبيرة، وكنت أشرح له معنى كل كلمة......المهمّ، في النهاية قال لي

    -سالم......منذ ما يقرب من ثلاثين سنة لم أقرأ قصيدة بهذه الرصانة والمعاني الرفيعة. أنت شاعر فحل، لماذا لم أعرف عنك من قبل؟!.

    تريدون الصدق....داخلني شيء من الغرور، وشيء ما صدّقت أنّي المتنبّي المختفي في السرداب، وأنّي عمّا قريب سأسحق كل هؤلاء الأوغاد الذين يسمّون أنفسهم شعراء.
    في الليل اتصل بي بو مبارك وقال أنّه قد أمسك أول خيط اللحن، ولكي يستطيع المواصلة هو بحاجة آلة الطبل المصاحبة للعود، وأجر الطبّال ألف درهم. أنا كان يهمّني أن يكون اللحن جيداً بمستوى القصيدة، ذهبت له بالألف وفوق ذلك طلبت له عشاء من المطعم.

    في اليوم الثاني اتصل بي أيضاً ليخبرني أنّهم وصلوا لمرحلة تسجيل بعض المقاطع التجريبيّة، وهذا يكلّف ألفي درهم. دفعتها وتوكّلت على الله، فرفع الذائقة الفنّية يستحقّ.
    المهمّ......تواصل الأمر، من طبّال إلى مقاطع تجريبية، ثمّ أجرة استوديو، ثمّ فنّي صوت.....وأشياء أخرى لا أذكرها الآن، دفعت ما يقارب العشرين ألف درهم.

    يوم نظر لي الرحمن بعين الرحمة وأراد أن يكشف لي أمر الفنان بو مبارك تعطّلت النافذة الخلفية للسيارة، ولأن الفنّان لم يترك في جيبي شيئاً فلم أستطع شراء قطعة غيار جديدة، بل ذهبت للسكراب أبحث عنها.
    توافق أن صاحب محل السكراب صديق قديم، دخلنا أنا وهو للبحث عن قطعة الغيار في السيارات المتهالكة، ثمّ وصلنا لمخزن مليء بقطع الخردة المرميّة وزيوت المحركات منتهية الصلاحية وما قد تتخيلونه من قاذورات. وفي وسط ذلك المشهد كان هناك حصير صغير وعليه آلة عود وآلة تسجيل قديمة. بقايا الأكل والتدخين تنتشر حول الحصير من كل الجهات. كان منظراً غريباً، وقفت أنظر وسألت صاحبي
    -ماذا تفعل آلة العود هنا؟!
    -هههههه.....هذا عود بو مبارك، يقول إن عنده مشروع فنّي جديد. لقد طلب منّي الجلوس هنا ليتمكّن من التلحين....أيّ ذائقة فنّية هذه التي تستطيب الزيوت وقطع الخردة!!!!.
    هو قال ذلك وسقطت عيني على الورقة التي كتبت فيها تلك القصيدة بين البقايا على الحصير. وعرفت حينها إيّ ذائقة فنّية تنتظرني.
    التعديل الأخير تم بواسطة سالم الجابري; الساعة 31-05-2016, 05:51.
  • أميمة محمد
    مشرف
    • 27-05-2015
    • 4960

    #2
    للرفع ولنا عودة بإذن الله
    مع التقدير

    تعليق

    • أميمة محمد
      مشرف
      • 27-05-2015
      • 4960

      #3
      ليتنا قرأنا بعض أبياتك سالم الجابري..! فهي أهم من لحنه عندي والذي أشك منذ البداية في مصداقيته
      الله يعوض عليك في العشرين ألف... أما الذائقة عليها العوض..
      جميل بناؤها وتركيبها وسلامتها اللغوية
      قصة معبرة وشكرا لك والتحية

      تعليق

      • منيره الفهري
        مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
        • 21-12-2010
        • 9870

        #4
        نص رائع أعجبني و قد توقعت هذا و أكثر من الملحّن المزعوم
        شكرا لك أستاذنا القدير
        سالم الجابري
        تحياتي و كل الاحترام

        تعليق

        • سالم الجابري
          أديب وكاتب
          • 01-04-2011
          • 473

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة أميمة محمد مشاهدة المشاركة
          ليتنا قرأنا بعض أبياتك سالم الجابري..! فهي أهم من لحنه عندي والذي أشك منذ البداية في مصداقيته
          الله يعوض عليك في العشرين ألف... أما الذائقة عليها العوض..
          جميل بناؤها وتركيبها وسلامتها اللغوية
          قصة معبرة وشكرا لك والتحية
          جزيتِ الجنّة أستاذتي أميمة وبارك الله فيك
          لو كانت على العشرين لهانت، لكن الخسارة في القيم لا تعوّض.

          تعليق

          • سالم الجابري
            أديب وكاتب
            • 01-04-2011
            • 473

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة منيره الفهري مشاهدة المشاركة
            نص رائع أعجبني و قد توقعت هذا و أكثر من الملحّن المزعوم
            شكرا لك أستاذنا القدير
            سالم الجابري
            تحياتي و كل الاحترام
            بارك الله فيك أستاذتنا الرائعة منيرة، ولا حرمنا الله منك.

            تعليق

            • منار يوسف
              مستشار الساخر
              همس الأمواج
              • 03-12-2010
              • 4240

              #7
              لا يمكن أن اقرأ أسم سالم الجابري على نص إلا و أسرع لقراءته و أنا أعلم أني سأحظى بوجبة أدبية ساخرة لذيذة
              حقا حزنت لعدم وجود النص بملتقى الساخر لكن لا يهم .. المهم أني قرأت و استمتعت
              نص رائع أستاذ سالم و كنت ابتسم و أنا اقرأ كما في نصوصك الساخرة

              تحياتي و تقديري لك

              تعليق

              • سالم الجابري
                أديب وكاتب
                • 01-04-2011
                • 473

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة منار يوسف مشاهدة المشاركة
                لا يمكن أن اقرأ أسم سالم الجابري على نص إلا و أسرع لقراءته و أنا أعلم أني سأحظى بوجبة أدبية ساخرة لذيذة
                حقا حزنت لعدم وجود النص بملتقى الساخر لكن لا يهم .. المهم أني قرأت و استمتعت
                نص رائع أستاذ سالم و كنت ابتسم و أنا اقرأ كما في نصوصك الساخرة

                تحياتي و تقديري لك
                جزيتِ جنان الخلد انت ووالديكِ وأرحامكِ، وجودكِ شرف لي.

                تعليق

                • جلال داود
                  نائب ملتقى فنون النثر
                  • 06-02-2011
                  • 3893

                  #9
                  فلْيمْدُد بو مبارك أيام إعتكافه وتوقفه الإختياري.
                  قراءة ممتعة للغاية أخي سالم

                  تعليق

                  • سعد الأوراسي
                    عضو الملتقى
                    • 17-08-2014
                    • 1753

                    #10
                    النص جميل ، ناقد لتفاصيل المشهد الفني ..
                    لم يقدم بديلا ، ولم يستدرك في الذوق
                    اسئلة يطرحها الحراك في التاريخ بالحاح ..
                    وهو ما يلزم الرسالة الناقدة ..
                    احترامي وتقديري
                    تقبل الله منا ومنكم

                    تعليق

                    • فاطمة الضويحي
                      أديب وكاتب
                      • 15-12-2011
                      • 456

                      #11
                      طبت وطاب بوحك
                      وياليت قومي يعلمون !!
                      ذكريات عبرت مثل الرؤى : ربما أفلح من قد ذكرى
                      ياسماء الوحي قد طال المدى: بلغ السيل الزبى وانحدرى

                      تعليق

                      • الشيخ احمد محمد
                        أديب وكاتب
                        • 16-10-2011
                        • 228

                        #12
                        قصة جميلة جدا وهادفة وممتعة ، كل التقدير.

                        تعليق

                        • الشيخ احمد محمد
                          أديب وكاتب
                          • 16-10-2011
                          • 228

                          #13
                          قصة جميلة جدا وهادفة وممتعة ، كل التقدير.

                          تعليق

                          يعمل...
                          X