" بـراءة "
ـــ إنك تستحلب الثور أنى لك بالحيية الغضوضة الملتزمة المثقفة فى هذا الزمان ؟*أظننى لا أطلب المستحيل !! ـــ إنه المستحيل بعينه . لقد أعيانى البحث عنها جالسا و قاعدا و مستلقيا، ذلك لأننى أفتقد فنيات البحث ، إذ ليس لى حظ فى عبقرية التنقيب ، بل أجزم أن قرون استشعارى أصابها الضمور ،لكننى من جانب آخرأجيد وبتفرد فنية وضع المواصفات الدقيقة ، ومهارة تنميق الخيال ، ونحت الصور الذهنية الرائقة .ولما يئست وأيأست مستشارىّ ، وجربت صعوبة البحث عن قطرة بعينها فى محيط كبير ، سلمت نفسى ــ عن طيب خاطر ــ دمية للأقدار ، فلربما قذفتنى إليها إن تعذر إلقاؤها إلى !تفرغت لمكتبتى ، ورحت أبادلها إفراغ الهموم تؤانسنى كتبى ، و تسد فراغ حياتى ، حتى كان ذلك اليوم حين لمحتها تتجه نحوى ، تختال فى استقامة وقورة ، فى خمارها الناصع الفضفاض ، كحمامة أنيقة ، تخمش وجه الأرض بحذائها الرقيق ، كأنما تدغدغها دغدغات حانية .ورغم رهافة هيكلها إلا إنها سيطرت على المكان ، تملكته بطلعتها ، وعبقته بأريج سحنتها التى لم أدقق فى تفاصيلها المتناغمة ؛ إكبارا لها وربما لخجلى الفطرى ، وأشبعت ــ حتى تضلعت ـــ رئتى من شذا براءتها الذى تضوع فى المكان ، و اغتسلت عيناى بضوء حضورها الطاغى ، و رحت أتابعها متابعات متقطعة ــ بطرف خفى ــ لئلا أخدش عفويتها لا سيما وقد تصدرت زاوية أمهات الكتب تتناول منها بيد خبيرة الكتاب تلو الكتاب ، بأنامل أجزم بهلاميتها وبلوريتها ، رغم استتارها خلف قفازيها ، ثم اقتحمت قسم الموسوعات المصورة ، بورقها ذلك الفخم الصقيل ، والحق أننى أشفقت عليها واستثقلت هذه الكتل العلمية الجافة على هذا الرأس اليمامى الرقيق ، وجعلت أصرخ من أعماق أعماقى ــ فى أعماق أعماقى بالطبع ــ : "وجدتها ..إى وربى وجدتها ".ها هى الأقدار هيأت لى فرصة العمر فلأغتنمها !بدأت أنسج الكلمات والجمل ، واضعا خطة دقيقة لمحادثة محكمة ، متأهبا لكل الاحتمالات والردود ، فى محاولة مستميتة للظفر بأى معلومة ؛ أو إيحاءة صريحة أو خفية ، تضمن لى أن لا يمر هذا الموقف الفريد مرور الكرام ، وفى غمرة هذا الانشغال المصيرى ، حانت منها التفاتة مفاجئة وباغتتنى بسؤالها : " عندك مجلة ميكى يا (عمو ) ؟تسمرت مشدوها لبرهة .ثم ناولتها مطلوبها ، فالتقمته وودت لو تطير فرحا !! بينما وقفت أتابع قفزاتها الطفولية الظافرة برأس لا يزال يغص بالدهشة !!!
تعليق