ثـــقــــــــــــــب
على حافة السرير المعدني تجلس.
الحجرة خاوية تماماً أو هكذا قيل لي منذ أن أُوكلت إليّ مهمة مراقبتها عبر ثقب في الحائط.
أعلم أنكم لن تصدقوني، ولكن في الحقيقة تلك الحجرة بلا أبواب أو نوافذ، فقط هذا الحائط الجيري المقشور .. وثقب صغير يسمح لكلتا عيني أن تطل منهما.
لم يخبرني أحد باسم تلك المرأة ولا عن سبب حبسها في الغرفة المجاورة لي. ولكن ما قيل لي هو أن أراقبها جيداً خشية أن تؤذي نفسها، وإن حاولت فيجب أن أخبر أحد أقاربها ليتدخلوا.. لا أدري أين أقاربها فعلياً!.. لكن كيف سيتدخلون والحجرة بلا منافذ؟
لا يسمح لي الثقب إلا برؤية ركن واحد فقط من الغرفة .. أما بقية الأركان..
فهي خارج إطا..
ره..
ولا أدري..
عنها شيئاً..
...
..
اليوم أراها ترتدي معطفاً أبيض.. وجهها ناصع. لابد أنّ لديها حوضاً لغسيل الوجه أو مكاناً لقضاء الحاجة في ركن لا أراه. ربما لديها خزانة للكتب.. فما من يوم يمر إلا وأرى في يدها كتاباً جديداً.
لكن أكثر ما استغربه هو رائحة الغرفة.. إنها رائحة نظيفة بيضاء.. نعم للروائح أحياناً ألوان.
فمنذ أن أخبروني أنّ الغرفة بلا منافذ تخيلت رائحة صفراء عطنة، من الممكن أن تتحول..
إلى خض..
راء..
إذا تراكمت..
بقايا الأكل..
...
..
رائحة زرقاء نفّاذة أيقظتني اليوم.. منبعثة من ذلك الثقب. توجّهت نحوه مسرعة. وجدت المرأة هادئة بابتسامة مواربة تدوّن أشياء في أوراق .. أو ترسم.. كجزء من علاجها. لا أدري!
إلى جانبها كوب من القهوة. لا أدري من يعدّ لها كل تلك الأكواب البيضاء المتراصة دائماً .. نعم.. قهوة برائحة بنية لا يمكن أن أخطئها رغم أنني منعت منها منذ وقت طويل. ولكن هل تعيش على القهوة فقط؟ .. لا أعلم ..
فأنا لا أرى سوى الركن الذي تجلس فيه عندما تشرب كوبها.. فلنسميه ركن القهوة إذن!
لا أعتقد أن تلك المرأة مجرمة ليتم حبسها.. أو مجنونة لأنها تبدو دوماً هادئة بلا هياج. هل يرتابها الهياج؟ .. لا أعرف. فأنا لا أراها إلا في المساء فقط لأن النوم يغلبني في الصباح.
لا .. لست كسولة. لكن من طلبوا مني مراقبتها يعلمون حالتي.. وهذا عملي.
حقيقة حاولت أن أتعاطف معها بسبب حبسها.. ولكن لم أستطع..
فهي تبدو..
مر..
تاحة!..
...
..
أين هي؟!!
نظرت كعادتي عبر ثقبي المعهود، فلم أجدها.. أطلت النظر.. بحلقت حتى كادت مقلتيّ تتدحرجان على بلاط غرفتها.. بلا جدوى. انتظرتها الليل بأكمله.. فلم تأتِ!. لا يمكن أن تكون قد هربت، أي ورطة سأقع فيها!
انطلقت نحو باب غرفتي مسرعة إلى الردهة أنادي المسؤول لأخبره بالأمر..
"لا عليك .. ستحضر غيرها."
غيرها! .. هل هناك نزلاء غيرها لأراقبهم؟ .. ماذا لو كانت النزيلة الجديدة مجنونة غير تلك.. ماذا لو كانت تخبئ في ملابسها أداة حادة تنتهز فرصة نومي لتحفر الثقب وتدخل متسحّبة لتقتلني!
لابد أن أخبره بمخاوفي كلها..
لابد أن لي الآن رائحة حمراء.. رائحة شواء لحمي وغليّ دمي الذي ارتفع إلى عينيّ بلا شك، ودفعني للصراخ بوجهه ولطمه على خدّيه والتعلق بثيابه..
لكن سريعاً جاء رجلان ضخمان يقيدان ذراعيّ وراء ظهري .. يجرجراني ليدخلاني غرفتي ويربطاني في سريري..
أقاومهما؟.. لا أعرف كيف أقاومهما وهما يفوقانني حجماً وعدداً!، تكالبا عليّ ليعيدا تركيب الخرطوم الثعباني الرفيع ذي شوكة السمك الطويلة في ذراعي.. وصوت المسؤول بهدوئه الفاتر يقول واثقاً.. "حقنة نيوريل"..
ليرجع الخدر إلى أطرافي مجدداً.. وتغيم
صورة الرجلين..
صانعة رأس..
رجلٍ بدينٍ جداً ..
تتلاشى حدوده..
ويختفي!..
....
دينــــــــا نبيـــــــــل
تعليق